بين إيكواس والغرب ـ وهم التدخل العسكري لحل معضلة النيجر
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
رغم عدم استبعاد إيكواس التدخل العسكري في النيجر إلا أنها لا تزال تأمل في التوصل إلى حل سياسي للأزمة في النيجر
عكس التوقعات، قررت إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) نشر "القوة الاحتياطية" التابعة لها لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، ضمن جملة من القرارات قرأها في نهاية قمة عقدت حول هذه الأزمة في عاصمة نيجيريا أبوجا رئيس مفوضية المنظمة الإقليمية عمر توراي.
وأضاف أن المجتمع الدولي يبقي على "جميع الخيارات" مطروحة، لكن الأولوية لاستعادة النظام الدستوري هي للطرق السلمية. ودعا تينوبو في وقت سابق في خطاب ختام القمة مجددا من أجل حل سلمي للصراع الذي يخوضه المجلس العسكري. وفي ذات الوقت أشار إلى أنه لم يتم استثناء أي خيار، بما في ذلك استخدام القوة. لكن هذا سيكون "ملاذا أخيرا". ومنذ 26 تموز/ يوليو، يحتجز الحرس الرئاسي رئيس النيجر محمد بازوم، الذي انتخب في 2021، في قصره.
ووفق مراقبين، فإن هذه القوة العسكرية ستوضع على الأرجح في حالة تأهب حتى تتمكن من التدخل بسرعة في حال طُلب منها ذلك. صحيفة "دير ستاندرد" النمساوية كتبت (الثامن من أغسطس / آب 2023) "إن رؤساء إيكواس الباقين المنتخبين ديمقراطياً يرسمون الآن خطاً في رمال الساحل. لأنه إذا استمر الوضع على هذا النحو، فسيأتي دورهم قريبًا أيضًا. وبما أن دعوات الحل السلمي لم تكن ذات فائدة لحد الآن، فقد قاموا بإخراج المدفعية الثقيلة وهددوا بالتدخل العسكري".
منظمة إيكواس ومستنقع الساحل
تزامنا مع انقلاب النيجر، سُلطت الأضواء بشكل غير مسبوق على مجموعة إيكواس التي تعتبر النيجر عضوا فيها، خصوصا منذ أن لوحت نيجيريا بالحل العسكري في حال لم يتراجع الانقلابيون. ورغم رفض المجلس العسكري كل المبادرات الدبلوماسية والمهلة التي حددتها إيواكس، غير أن التدخل العسكري في أحد أكثر البلدان فقرا في العالم، يبدو أكثر تعقيدا خصوصا أمام الرفض الشعبي في المنطقة وتحفظ إن لم نقل رفض عدد من دول الجوار خصوص الدول الانقلابية الأخرى (مالي، بوركينا فاسو وغينيا)، بل وحذرت هذه الدول من أن تدخلا عسكريا في البلد الجار سيعتبر بمثابة إعلان حرب عليها.
موقع "بريسه بورتال" الألماني (الثامن من أغسطس) استبعد أن يكون التدخل العسكري لإيكواس الحل الأمثل للأزمة في النيجر وكتب بهذا الصدد "من غير المرجح أن يساهم التدخل العسكري في المزيد من الاستقرار. إن رئيسا يُعاد تنصيبه من قبل إيكواس، رئيس لا يحظى على ما يبدو بدعم كبير من الجيش ولا شعب النيجر، هذه القوى تتكاتف الآن ضد أي تدخل خارجي محتمل، وبالتالي فإن الخيار العسكري لن يكون سيناريو ذو جدوى".
الغرب أخطأ في عدم تقدير أهمية إفريقيا
تتوالى الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، غير أن انقلاب النيجريعتبر أوج تحول أعمق بدأ منذ سنوات، وجاء لينخرط في عملية أشمل تتعلق بإعادة توزيع الأوراق الجيوسياسية في منطقة غير مستقرة. ويبدو أننا نشهد اليوم أفول المرحلة التاريخية التي أسست لها نهاية الحرب العالمية الثانية وقادت دول المنطقة لتحرر غير مكتمل من الاستعمار الفرنسي، فيما ظهرت مؤشرات مخاض مرحلة جديدة، لم تتضح بعد كل معالمها. وتملك القارة الإفريقية اليوم قاعدة ديموغرافية يمثل فيها الشباب دون 25 عاما 60 بالمائة من مجموع السكان، ما يدعو للاعتقاد بأن ما يحدث اليوم هو أيضا تعبير عما يشبه القطيعة بين الأجيال في وقت تتفاقم فيه عوامل التفاوت الطبقي في المجتمعات الإفريقية وإحساس الشباب باليأس وغياب أي أفق للارتقاء، في وقت تحولت فيه أوروبا إلى قلعة حصينة ضد الهجرة القادمة من دول الجنوب. هذا التحول الديموغرافي يشكل مصدر خوف وقلق لأوروبا والغرب عموما، حيث اختزلت منطقة الساحل في التصور الغربي، في بؤرة لتصدير الإرهاب والهجرة غير النظامية، وبالتالي كخطر يجب درؤه وليس في الدرجة الأولى كشريك يمكن التعاون معه بندية. سياسة الهجرة المتشددة حولت هذه المنطقة أيضا إلى سجن مزدوج يغيب فيه أي أمل بالنسبة لملايين الشباب.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "فاينانشيال تايمز" اللندنية (الثاني من أغسطس) "إذا ما نجح الانقلاب في النيجر، فقد يتعين على فرنسا الاستعداد للتخلي عن قاعدتها العسكرية هناك، كما فعلت في مالي وبوركينا فاسو. سيتعين على الولايات المتحدة أيضًا أن تقرر ما إذا كانت ستتعاون مع حكومة عسكرية أو تترك البلاد لمصيرها. بالنسبة للغرب، المصالح الرئيسية هنا على المحك. إن انهيار منطقة الساحل بالقرب من أوروبا هو سيناريو مخيف، سواء من حيث الأمن أو التدفقات المحتملة للمهاجرين الفارين من منطقة ينعدم فيها القانون. النيجر هي أيضا مورد لليورانيوم للصناعة النووية الفرنسية. (...) لقد تجاهلت كل من أوروبا والولايات المتحدة لفترة طويلة أهمية إفريقيا الاستراتيجية بسبب نظرة عفا عليها الزمن للقارة باعتبارها مشكلة إنسانية بحتة. في الآونة الأخيرة، أدرك الغرب أنه يتراجع بشكل متزايد أمام الصين وروسيا نتيجة لسوء فهم أهمية إفريقيا. فقط من خلال التعامل مع القارة السمراء بجدية أكبر ومساعدتها على الازدهار، يمكنهم استعادة المساحات المفقودة".
ظلال الاستعمار ومعضلة النفوذ الفرنسي
سيكون من السذاجة تحميل المستعمر الفرنسي السابق كل مسؤولية ما يقع اليوم في منطقة الساحل، غير أن سياسة باريس الأمنية والعسكرية المحضة، تتحمل جزء من هذه المسؤولية، حيث تعتبر إفريقيا منطقة مخاطر وفي أحسن الأحوال مصدرا للمواد الأولية لا أقل ولا أكثر. هذا الاختيار أدى إلى تعزيز أنظمة ديكتاتورية وظهور نخب مستحوذة مرتبطة بالخارج أكثر مما هي مهتمة بمصالح مواطنيها. إن التلويح اليوم بالخطر الروسي أو الصيني لا يمكن أن يغني الملاحظ عن هذه الحقائق المريرة التي يكمن فيها سبب الداء الحقيقي. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لاراثون" الإسبانية (الثامن من أغسطس / آب 2023) "يُزعم أن روسيا ومرتزقة فاغنر هم المسؤولون عن التمرد في منطقة الساحل التي تعاني من الإهمال والبؤس (..) في الواقع، ليست روسيا، بل الصين، هي التي تسيطر على النيجر اقتصاديًا وتقوم ببناء خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر بين النيجر وبنين لتأمين السيطرة على النفط. بمساعدة الصين، تحرر النيجر نفسها من اعتمادها على فرنسا. لكن اللوم الحقيقي لتوغل الصينيين والروس في النيجر وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يقع على عاتق العالم الغربي الثري، الذي لم يكن قادرًا أو غير راغب في الاستثمار في التنمية الضرورية للجنوب الفقير".
وفي السياق نفسه، كتبت صحيفة "غينيرال آنتسايغر" الألمانية (العاشر من أغسطس) "وضع انقلاب النيجر مجددا الماضي الاستعماري تحت المجهر، فبعكس الكثير من البلدان لم تعتذر فرنسا لحد الآن عن جرائمها الاستعمارية" واستشهدت الصحيفة بالمؤرخة الفرنسية كامي لوفيفر التي تعمل في موقع "ميديا بارت" حيث أوضحت أنه يبدو أن "الكثيرين في فرنسا لا يدركون تماما ماذا يعني الاستعمار والبطش الذي رافقه (..) إن سكان النيجر ومنطقة الساحل عاونوا بشكل شديد من الاستعمار". واستطردت الصحيفة الألمانية موضحة أن آثار الاستعمار الفرنسي لا تزال ملموسة إلى يومنا هذا، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك "فرنك السي.إف.أ" وهي عملة يتم صكها في باريس ويضمنها البنك المركزي الفرنسي وهي متداولة في أكثر من 12 بلدا إفريقيا. كما أن الحكومة الفرنسية هي التي تتحكم في قيمتها. واستطردت الصحيفة قائلة إن فرنسا تواصل "نهب" ثروات إفريقيا كما هو حال مناجم اليورانيوم في النيجر.
برلين تدعو لـ"حل غير عنيف" في النيجر
أبدت الحكومة الألمانية دعمها للجهود الرامية للتوصل إلى حل غير عنيف للصراع في النيجر. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية (العاشر من أغسطس) "بالطبع نحن نرحب بأن تواصل إيكواس جهودها لاستنفاد كل الخيارات الدبلوماسية وبأن تحاول بهذه الطريقة التوصل إلى حل. ونعلم أيضا أن التهديد بتدخل عسكري لا يزال مطروحا بالطبع". وتعتزم وزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه التوجه إلى المنطقة الأسبوع المقبل لإجراء محادثات مع مجموعة "إيكواس". ويتضمن برنامج الوزيرة المنتمية إلى حزب المستشار أولاف شولتس زيارة موريتانياونيجيريا. وتعتزم شولتسه الاطلاع على سير مشاريع تنموية هناك.
وفي السياق نفسه قالت الوزيرة في تصريحات لإذاعة "دويتشلاند فونك" الألمانية (11 أغسطس) "حتى الآن لم يُقتَل أحد في هذا الانقلاب... نحن نعرف من الانقلاباتالأخرى أن الأمر يكون مختلفا عن ذلك. ولهذا السبب ما زلت أرى إمكانية لوجود حلول سلمية إذا تم ممارسة ضغط كبير حقا"، مشيرة إلى أن اتحاد دول غرب أفريقيا (إيكواس) يدفع في هذا الاتجاه بالفعل على الصعيد الإقليمي ويمارس "ضغطا هائلا"، مؤكدة ضرورة دعم هذا دوليا. وذهبت واشنطن في نفس الاتجاه، حيث دعا وزير الخارجية أنتوني بلينكن (العاشر من أغسطس) إلى حل سلمى للأزمة في النيجر، وقال بلينكن إن "الولايات المتحدة تقدّر تصميم إيكواس على استكشاف كافة الخيارات من أجل حل سلمي للأزمة".
وألمانيا معنية مباشرة بمجريات الأحداث في النيجر كما أوضحت ذلك صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (الثامن من أغسطس) "بعد الخروج من مالي، تجد ألمانيا نفسها مرة أخرى تحت رحمة حكومة عسكرية في منطقة كان من المفترض أن تقدم فيها المساعدة. قد يكون من الضروري الآن استخدام طرق أخرى إلى حد كبير لإعادة أكثر من 800 جندي ألماني كانوا جزءًا من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مينوسما".
عبثية العقوبات على أحد أفقر بلدان العالم
إن مجرد التفكير في الحل لعسكري أو العقوبات الاقتصادية ضد أحد أفقر بلدان العالم مؤشر على مشكل بالغ في القدرة على فهم المشاكل العميقة في المنطقة. وبهذا الصدد حذرت هيلينه موتشلر، المديرة التنفيذية لمنظمة "أكتسيون غيغن هونغر" (العمل ضد الجوع) من أن "سوء التغذية لدى الأطفال في النيجر يتزايد بشكل مأساوي". وأضافت أن أكثر من أربعة ملايين شخص في هذا البلد يعتمدون على المساعدات الإنسانية، أغلبهم من النساء والأطفال، وقالت "تزداد أيضا أهمية أن يتسنى لفرقنا في النيجر استئناف إجراءات المساعدة بالكامل". ومن جانبه، حذر جيمسون غادزيراي، رئيس فرع جمعية "فيلت هونغر هيلفه" الألمانية المعنية أيضا بمكافحة الجوع، من مواجهة أزمة في الأغذية بالنيجر، وقال لشبكة التحرير الإعلامية في ألمانيا في تصريحات نشرت في العاشر من الشهر الجاري، إن سعر الأرز زاد بنسبة 50 بالمائة تقريبا نتيجة الصراع الدائر في البلاد.
وبهذا الصدد، كتب موقع الإذاعة الألمانية "دويتشلاند فونك محذرا (الأول من أغسطس) "ظهرت عواقب إغلاق الحدود مع النيجر بشكل فوري، فأسعار الغذاء والنفط ترتفع بشكل كبير. حتى الأوراق النقدية باتت نادرة حيث أصبحت المعاملات المالية مقيدة". هذه العقوبات قد تزيد من توتير الأوضاع في المنطقة، حيث تشهد بوركينا فاسو ومالي والنيجر أعمال عنف جهادية في عدّة أجزاء من أراضيها، منذ حوالى عقد من الزمن. بالإضافة إلى ذلك فإن معظم منطقة وسط الساحل "معرّضة بشدّة لتغيّر المناخ، إذ ترتفع درجات الحرارة بمعدّل 1,5 مرّة أسرع من بقيّة مناطق العالم، ومن المتوقّع زيادة تتراوح بين درجتين و4,3 درجات مئوية بحلول العام 2080"، وفقا لتقرير نشرته في يونيو/ حزيران الماضي لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) وهي منظمة غير حكومية أمريكية.
حسن زنيند
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: النيجر ايكواس فرنسا الانقلابات العسكرية منطقة الساحل ألمانيا نيجيريا الانقلاب العسكري في النيجر أخبار النيجر النيجر ايكواس فرنسا الانقلابات العسكرية منطقة الساحل ألمانيا نيجيريا الانقلاب العسكري في النيجر أخبار النيجر التدخل العسکری منطقة الساحل العسکری فی العاشر من فی النیجر فی منطقة حل سلمی غیر أن
إقرأ أيضاً:
"الجارديان": انتصار روسيا في حرب أوكرانيا يفتح الباب لسباق تسلح نووي بين موسكو والغرب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن انتصار روسيا في حرب أوكرانيا يفتح الباب على مصراعيه لسباق تسلح نووي بين روسيا والدول الغربية.
وأشارت الصحيفة- في مقال للكاتب المقال تيموثي جارتون- إلى أن حرب أوكرانيا لا تحتمل سوى احتمالين لا ثالث لهما إما أن تنتصر أوكرانيا أو روسيا، لافتة إلى تصريحات وزير خارجية أوكرانيا السابق ديمترو كوليبا التي أعرب فيها عن مخاوفه من هزيمة بلاده في الحرب إذا استمر الموقف في ساحة القتال على ما هو عليه في الوقت الحالي.
ونوه كاتب المقال إلى أن أوكرانيا تخلت طواعية عن ترسانتها النووية عام 1994، مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا.
وأوضح أنه يمكن تجنب هزيمة أوكرانيا، التي مازالت تسيطر على ما يقرب من 80 بالمائة من مساحة البلاد، في حال حصولها من الدول الغربية على المساعدات العسكرية الكافية واللازمة لتغيير موازين القوى على أرض المعركة، بما يضمن وقف التقدم العسكري الذي تحرزه القوات الروسية، إلى جانب توفير الاستثمارات الاقتصادية على نطاق واسع لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، فضلا عن تشجيع الأوكرانيين الذين فروا خارج البلاد للعودة إلى ديارهم؛ للمساهمة في إعادة بناء بلادهم.
وقال كاتب المقال، إن تلك الجهود يجب أن تواكبها خطوات أخرى تتمثل في انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي خلال خمس سنوات من الآن، فضلا عن الانضمام لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) في ظل إدارة أمريكية جديدة، وبذلك تصبح أوكرانيا دولة ذات سيادة ومستقلة تحظي بالدعم اللازم من الدول الغربية.
ولفت الكاتب إلى أن أوكرانيا تحتاج في الوقت الحالي إلى ضمانات أمنية غير مسبوقة من جانب الدول الغربية سواء من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي يتفهمه جيدا قادة الدول الأوروبية إلا أن الحياة السياسية في دول أوروبا القائمة على أسس ديمقراطية تقيد حرية القادة الأوروبيين في اتخاذ القرار بشأن تقديم تلك الضمانات الأمنية لأوكرانيا والالتزام بتنفيذها.
ولفت الكاتب- في الختام- إلى أن الحقيقة المؤلمة الماثلة أمام العالم في الوقت الحالي هي أنه إذا حالت الحياة الديمقراطية في الدول الأوروبية دون مساعدة أوكرانيا لتنتصر في حربها ضد روسيا، سوف يدفع العالم أجمع ثمنا باهظا في المستقبل.