الطرد أو القتال في غزة.. مصير طالبي اللجوء الأفارقة بإسرائيل
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
حصلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية على روايات شخصية من طالبي لجوء أفارقة عرضت عليهم مؤسسات تابعة للجيش الإسرائيلي المساهمة في المجهود الحربي في غزة، مقابل الوعد بالمساعدة في الحصول على إقامة دائمة في إسرائيل، مما يعني الطلب منهم المخاطرة بحياتهم من أجل تسوية وضع إقامتهم، وهو ما يتنافى -وفقا للتقرير- مع الاعتبارات الأخلاقية.
ومع ذلك وفقا للشهادات التي نشرتها هآرتس في 15 سبتمبر/أيلول عن الأشخاص الذين طلب منهم الانخراط في الجيش أو مسؤولين تحدثوا لها بشكل خاص، فإنه لم يتم حتى الآن منح أي طالب لجوء ساهم في المجهود الحربي وضعا رسميا، وإن من بين 30 ألف طالب لجوء أفريقي وصل معظمهم قبل قرابة عقد لم يمنح حق اللجوء سوى أعداد قليلة جدا منهم.
والخطير في الأمر، أن سلطات الاحتلال تعرّف طالبي اللجوء بأنهم أفراد فروا من أوطانهم بسبب خوف مبرر أو اضطهاد على أسس متعددة، وبدل إعطائهم حقوقهم تقوم إسرائيل باستغلالهم كأدوات في تنفيذ حرب إبادة أخرى.
من طالبو اللجوء من أفريقيا؟وبحسب جمعية مساعدة المهاجرين العبرية، يعيش الآن في دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 45 ألف طالب لجوء أفريقي، وهو ما يزيد بحوالي 15 ألف شخص على الرقم الذي أورده تقرير هآرتس، الذي قدّر وجود نحو 30 ألفا.
وتشير بعض التقارير إلى أن الرقم الذي أوردته جمعية مساعدة المهاجرين يبدو أكثر دقة، إذ يعززه تسريبات لمداولات حول خطة للحكومة الإسرائيلية بإبعاد 40 ألف متسلل أفريقي في 2018.
ويؤكد التقرير السابق أن 73% من طالبي اللجوء هم من إريتريا و19% من السودان معظمهم من دارفور، وهم أشخاص فروا من الحروب ومن الإبادة الجماعية والاضطهاد، وبالنظر إلى تزايد الصراعات في هذه المناطق فقد تزايد عدد طالبي اللجوء منذ 2018.
من زاوية أخرى تتلقى هذه الفئة أجورا منخفضة وتعمل في وظائف يرفض الإسرائيليون العمل بها مثل البناء والتنظيف والمطاعم، كما أن الدولة أقرت مؤخرا قوانين تخلق عقبات جديدة تحد بشدة من قدرة العديد من طالبي اللجوء على العمل، ولذلك تزداد الحاجة لديهم مما يجعلهم عرضة للاستغلال في مثل هذه المشاريع.
لا يدور الحديث هنا عن اجتهادات شخصية فقد أشار تقرير هآرتس إلى أن مسؤولين في وزارة الدفاع أكدوا وجود مشروع يتم إجراؤه بطريقة منظمة وبتوجيه من المستشارين القانونيين.
ووفقا للتقرير أيضا، فإن المشروع يستهدف حوالي 30 ألف طالب لجوء أفريقي يعيشون في إسرائيل معظمهم من فئة الشباب، ومن بينهم عدد كبير حصلوا على وضع مؤقت من المحكمة لأن الحكومة لم تعالج طلباتهم ولم تقم بإنهائها.
وقد تبين وفقا لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أن 0.5% من الطلبات مشروعة، والبقية تم تصنيفهم على أنهم مهاجرون دخلوا إسرائيل بشكل غير قانوني للبحث عن فرص اقتصادية، وبالتالي لا يحق لهم الحصول على حماية اللاجئين بموجب القانون الدولي.
وفي الوقت نفسه، فإن بقية الدول المتقدمة تعطي طالبي اللجوء من إريتريا والسودان بمعدلات عالية جدا تصل إلى 82% من الطلبات، ولهذا بقي العالقون بخصوص وضعهم القانوني في دولة الاحتلال.
وبالتالي قيّم مسؤولون في وزارة الدفاع أنهم يمكن أن يلعبوا على فكرة تحفيز طالبي اللجوء للمساهمة في المجهود الحربي مقابل استغلال رغبتهم في الحصول على وضع دائم.
ومما يشير إلى أن استهداف طالبي اللجوء هو أمر ممنهج يحاول الجيش خدمة أحد أهداف انتقاء وزارة الداخلية للاجئين الذين يمكنهم الاندماج مع المجتمع، فوفق إفادة أحد طالبي اللجوء فإن الجيش ينظر أيضا إليه كمؤسسة مفضلة للتشغيل من حيث اعتباره المكان الأفضل للاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
ومن أجل اختيار العناصر، يقوم ضباط شرطة باستدعاء طالبي اللجوء وتوجيههم إلى منشآت أمنية دون أي تفسيرات وعند وصولهم يتم إخبارهم من مسؤول أمني أن المؤسسة تبحث عن أشخاص مميزين للانضمام للجيش.
ووفقا للشهادات التي تضمنها التقرير تجري عمليات الإقناع مع بعض طالبي اللجوء لأكثر من أسبوعين ويتم التعامل بغضب شديد مع أولئك الذين يقررون رفض هذا العرض.
وبالرغم من الغضب، يتماسك الضباط أنفسهم في مهمتهم هذه كما حدث مع طالب اللجوء "أ" الذي غضب منه الضابط بسبب رفضه للعرض ثم قال له "دعنا نستمر في الحديث وإذا كنت تريد لاحقا فسنكون قادرين على القيام بذلك".
وفي حال القبول من طالب اللجوء يتم تدريبه لمدة أسبوعين وإرساله للمشاركة في المعارك بالرغم من عدم استخدامه للسلاح في حياته.
كان الطرد والترحيل هو الخيار الأول للتخلص من طالبي اللجوء ثم انتقل إلى توظيفهم في حرب الإبادة، ووفقا لتقرير نشره موقع "ذا كاردل"، فإن طالبي اللجوء جاء معظمهم من دول مزقتها الحرب في أفريقيا مثل إريتريا والسودان.
وبين 2005 و2012 عبروا صحراء سيناء ودخلوا على دفعات، وفي 2017 اعتمدت إسرائيل خطة لترحيل 20 ألف مهاجر أفريقي، وقالت وزارة الأمن حينها إن "المتسللين سيكون لديهم خيار السجن أو مغادرة البلاد".
ومع صعود اليمين، تعالت أصوات تطالب بعزل طالبي اللجوء وإعادتهم في نهاية المطاف إلى أوطانهم، ولم تتوقف هذه المطالبات عند الاحتجاجات القومية المناهضة للهجرة بل تحولت إلى أعمال عنف واعتداء على الأفارقة ونهب لمتاجرهم وممتلكاتهم.
وللمفارقة كان وزير الأمن حينها جلعاد أردان الذي يمثل دولة الاحتلال حاليا في الأمم المتحدة، أكد حينها أن إبعاد المتسللين الأفارقة إلى دولة ثالثة وفق صفقة هو ما كان يجري بالفعل، دون تقديم أي تفاصيل حول الصفقة أو الدولة الثالثة.
وعند النظر إلى عملية تجنيد الأفارقة الذين فروا من الحروب والإبادة الجماعية، نجد هناك تحولا من التصرف بعنصرية ضدهم ثم طردهم إلى التضحية بهم وزجهم في ساحات القتال التي ترفع فيها دولة أفريقية -هي جنوب أفريقيا– دعوى في محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
ولم يقتصر الأمر عند السعي لتجنيد البالغين من الأفارقة بل أشار تقرير هآرتس إلى أن وزارة الدفاع استكشفت إمكانية تجنيد أطفال طالبي اللجوء الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الإسرائيلية.
تنتهك إسرائيل حقوق طالبي اللجوء، إذ تضمن اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 والتي تحكم قانون اللاجئين الدولي، بعض الحماية للأشخاص الذين يفرون من الاضطهاد، وأهم بنود هذه الحماية هي عدم الإعادة القسرية والتعامل مع طلبات اللجوء الخاصة بهم بسرعة.
وقد أخرت سلطات الاحتلال عن قصد معالجة طلبات اللاجئين، ولم تنظر في معظم الطلبات، وهي تحاول وصف طالبي اللجوء بأنهم أشخاص دخلوا بشكل غير شرعي بحثا عن فرصة اقتصادية، وبالتالي لا يحق لهم الحصول على حماية اللاجئين بموجب القانون الدولي.
ومنذ السابع من أكتوبر، يعاني الجيش الإسرائيلي بشكل واضح من نقص في الموارد البشرية، وقد حذّر تقرير صدر عن هيئة الأركان العامة في مارس/آذار الماضي من نقص حاد في الموارد البشرية، بسبب مقتل مئات الجنود وإصابة آلاف غيرهم، وقال إن هناك حاجة إلى 7 آلاف جندي لنقلهم إلى جبهات القتال.
وخلال الأسبوع الماضي، وجّه عدد من الجنرالات الإسرائيليين السابقين انتقادات لقادة الجيش بسبب تصوراتهم التي عملت على تقليص حجم الجيش من حيث الموارد البشرية والعتاد التقليدي.
ومن بين هؤلاء الجنرال السابق إسحاق بريك الذي قال "لمدة 20 عاما تقريبا، عاش معظم رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي على تصور أدى إلى تفكك الجيش الإسرائيلي، حينما قرروا أن الحروب الكبرى قد انتهت، وأن لدينا سلاما مع مصر والأردن، وبالتالي يمكننا الاكتفاء بجيش صغير وتكنولوجي وذكي يتمتع بقدرات هجومية".
وأضاف بريك أنه "خلال تلك السنوات، تم تقليص آلاف الدبابات من الجيش، وحوالي نصف كتائب المدفعية، والعديد من وحدات المشاة، والكتائب الهندسية، وتقليص 6 فرق من القوات البرية، والتي نفتقر إليها اليوم". وأشار إلى أنه "ومنذ عام 2002، خفّضت القوات البرية بنسبة 66%، أي إلى ثلث حجمها".
ويشير هذا النقص في الموارد البشرية، مع صعوبة التوصل حتى الآن إلى توافق في مسألة تجنيد الحريديم في الجيش، إلى أن لجوء الاحتلال إلى سبل أخرى مثل تجنيد المرتزقة ومزدوجي الجنسية وصولا إلى اللاجئين أمر متوقع.
وفي رد على ما نشرته صحيفة هآرتس قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان لها "إن ما كشف عنه الإعلام العبري من تجنيد جيش الاحتلال الإرهابي لطالبي اللجوء الأفارقة، للقتال في قطاع غزة ضمن صفوفه، مقابل تسهيل حصولهم على حق الإقامة؛ هو تأكيد على عمق الأزمة الأخلاقية التي يعيشها هذا الكيان المارق"
وأضاف البيان أن هذا التجنيد يعد "انتهاكا لأبسط قواعد حقوق الإنسان، باستغلال حاجة المهاجرين وطالبي اللجوء، للزج بهم في المعارك، ومحاولة تعويض النزف الكبير في عديد جيشه بفعل تصدّي مقاومي شعبنا البواسل في قطاع غزة".
وطالبت الحركة المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية، بـ"إدانة هذه الجريمة التي تعبر عن سلوك عصابات عنصرية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لمحاسبة قادة الاحتلال المجرمين على انتهاكاتهم الجسيمة لقوانين الحروب وللقانون الدولي والإنساني".
مزدوجو الجنسية والمرتزقةقبل انكشاف ملف مساعي تجنيد طالبي اللجوء في الجيش الإسرائيلي، تناولت تقارير عدة ملفات تجنيد لمرتزقة وانضمام أشخاص مزدوجي الجنسية إلى الجيش الإسرائيلي.
وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية أعربت حكومة جنوب أفريقيا عن قلقها البالغ إزاء التقارير التي أفادت بأن بعض المواطنين الجنوب أفريقيين قد انضموا أو يفكرون بالانضمام إلى القوات الإسرائيلية في الحرب في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحذرت الوزارة من أن هذا الإجراء يساهم في انتهاك القانون الدولي مما يجعل المواطنين المنضمين للجيش الإسرائيلي عرضة للملاحقة القضائية في جنوب أفريقيا.
وفي هذا السياق، وافق البرلمان التركي أيضا على نقاش مشروع قانون تقدم به حزب "هدى بار" بشأن إسقاط جنسية المواطنين الأتراك مزدوجي الجنسية الذين يشاركون في حرب الإبادة على غزة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
كما يطالب القرار بعقوبات أخرى للمواطنين الذين يشاركون بجرائم عبر الانضمام لجيوش دول أجنبية مثل مصادرة ممتلكاتهم في حال عدم عودتهم إلى تركيا خلال مدة 3 أشهر من تاريخ استدعائهم للتحقيق.
وعلت أصوات في البرلمان الفرنسي تطالب بمحاكمة المواطنين الفرنسيين من ذوي الجنسية الأجنبية الذين يقاتلون إلى جانب الجيش الإسرائيلي في غزة، وتحدثت العديد من التقارير عن وجود مرتزقة من دول أجنبية يحاربون في صفوف الجيش الإسرائيلي مثل مرتزقة من أوكرانيا.
ووجّهت في الماضي انتقادات لدول عدة بسبب استغلالها لطالبي اللجوء في أعمال معينة لتغطية نقص العمالة أو توظيفهم في أعمال خطرة أو براتب منخفض دون حقوق عمالية.
لكن قيام الاحتلال الإسرائيلي باستغلال طالبي لجوء هاربين من الاضطهاد وحروب الإبادة في حرب إبادة واضطهاد للشعب الفلسطيني تشكل سابقة خطيرة وانتهاكا صارخا وتجاهلا حتى للسمعة الأخلاقية والصورة الدولية، مما يوجب على المجتمع الدولي وضع آليات فعالة لمكافحة هذه الممارسات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاحتلال الإسرائیلی فی الموارد البشریة الجیش الإسرائیلی من طالبی اللجوء دولة الاحتلال الحصول على من طالب فی غزة إلى أن فی حرب
إقرأ أيضاً:
نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي: فشل كارثي في 7 أكتوبر
نشر الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقاته في إخفاقاته التي قادت إلى فشله: في توقع الهجوم الفلسطيني يوم 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 من غزة، والاستعداد له، والأهم في طريقة مواجهة الأمر بعد حدوثه.
وتظهر التحقيقات إقرارا عسكريا بفشل ذريع على كل المستويات واعترافا بأن الفشل كان أعمق من أن يلخص بإهمال في يوم الهجوم، وأن الجيش يتحمل مسؤوليته بشكل كامل رغم أن الذنب في ما جرى أوسع من حصره في الجيش فقط. وركزت التحقيقات على الجوانب العملياتية للفشل من جهة وعلى المواضع الاستخبارية والمفهوماتية التي حكمت سلوك الجيش في تعامله مع 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ووفق معاريف الإسرائيلية فإن الجيش "أجرى 77 تحقيقاً في الحرب. وقد تم تقسيمها إلى 4 مجموعات: التحقيقات العامة والتحقيقات الاستخباراتية، اتخاذ القرارات ليلة 6-7 أكتوبر، عمليات الجيش الإسرائيلي، التحقيق في المعارك.
وكان محور التحقيقات هو السؤال المركزي: كيف وصلت دولة إسرائيل إلى حالة تتعرض فيها للهجوم بطريقة قاتلة من دون أن تنجح كافة أنظمة الاستخبارات في توفير تحذير منها "وكيف سمحت إسرائيل لوحش إرهابي أن ينمو ويتطور على الحدود على بعد أمتار قليلة من منازل سكان منطقة بأكملها".
إعلان عائلات القتلىوتضاربت تقديرات المعنيين بشأن ما إذا كان الجيش قد وضع إصبعه على كل مواضع الخلل ومواقع الفشل، أم أنه حاول تغطية بعض الأمور ولم يكشف عنها. وأثار نشر التحقيقات ردود فعل غاضبة من جانب عائلات الضحايا من جهة، ومن جانب بعض الجهات السياسية خصوصا في رئاسة الحكومة. فقد اتهم نتنياهو الجيش بعدم إطلاعه على التحقيقات قبل نشرها خصوصا في ما يتصل بالجانب المفهوماتي حيث رأى الجيش أن نتنياهو كان معنيا بعدم التصعيد مع غزة لاعتبارات سياسية. وتشكل هذه الزاوية مظهرا من مظاهر التصادم بين المستويين السياسي والعسكري بشأن الحرب وإدارتها والعبر المستخلصة منها والمسؤولية عنها.
وقد نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية نتائج التحقيقات بإسهاب كبير مظهرة اعتراف الجيش بالكثير من المثالب وإقراره أن 7 أكتوبر كان "حدثا كارثيا لا يمكن تغطيته بأية إنجازات ميدانية". وتحدثت العناوين حتى عن أن "دمار إسرائيل" -وفق التحقيقات- "لم يكن مهمة مستحيلة" في ضوء ما تبدى من إخفاقات ينبغي ألا تتكرر في المستقبل.
وبحسب التحقيقات فإن كل التدابير -التي اتخذتها إسرائيل حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول قبالة غزة لمواجهة احتمالات وقوع هجمات من هناك- فشلت على أرض الواقع، وأن الاستعدادات كانت صفرا. كما أن إسرائيل -وفق معاريف- تصرفت بشكل أعمى ضد حماس في غزة لأكثر من عقد من الزمان، وأن التحقيقات الكاملة ترسم "صورة مخيفة وغير مسبوقة" حيث إن الفشل كان في البر والبحر والجو على حد سواء. بل إن الجيش نفسه بعد نشره التحقيقات أقر بأن "الفشل تاريخي ويتطلب التعلم لأجيال" وأن "التحقيقات لا تقدم تفسيرات مرضية".
59 مساراوتظهر التحقيقات مقتل 1320 مدنياً وعسكرياً، بينهم 457 عسكرياً وعنصراً من قوات الأمن والإنقاذ، و"اختطاف 251″ وإصابة الآلاف، واقتحام نحو 5500 مقاتل فلسطيني الحدود الإسرائيلية في 3 موجات خلال 6 ساعات. وقد اقتحم المقاتلون الفلسطينيون السور الأمني الحدودي في 114 نقطة اختراق، وتحركوا على طول 59 مسار هجوم في طريقهم إلى المدن الجنوبية والوسطى.
إعلانوفي الوقت نفسه، حاولت 7 قوارب تحمل 50 مقاتلا اختراق الحدود البحرية في طريقها إلى مراكز إستراتيجية، وفي الجو تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل 63 طائرة، بما في ذلك 6 طائرات شراعية و57 طائرة بدون طيار.
وتشير التحقيقات إلى أن الموجة الأولى في الاقتحام الفلسطيني شملت 1175 مقاتلا فلسطينيا تحت تغطية صاروخية ومدفعية تمثلت في 1400 صاروخ وقذيفة، في حين كانت القوة الإسرائيلية الموكلة بحماية الحدود من فرقة غزة تتألف فقط من 767 جنديا. كما لم تكن هناك من الدبابات الجاهزة للقتال إلا 14 دبابة و3 مركبات استطلاع جوي.
وواضح أن قوات حماس والمقاومة المشاركة في الموجة الأولى أفلحت في تدمير بنية القيادة والسيطرة في فرقة غزة خلال الدقائق الأولى من الهجوم مما سهل عليها قتل معظم القادة العسكريين الإسرائيليين في المنطقة على مستوى الفصائل والسرايا والكتيبة و3 من قيادات الألوية. وحسب التحقيقات، قتل خلال الساعات الأولى من الهجوم 157 جنديا في معارك الجدار الأمني وفي المستوطنات الحدودية.
وينقل المراسل العسكري لصحيفة معاريف عن التحقيقات إشارتها إلى "عدم جاهزية كافة التشكيلات، بما في ذلك انهيار الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك)". وقد هُزمت فرقة غزة في أول ساعتين من الحرب. ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من وقف الهجوم الفلسطيني إلا الساعة 12 ظهراً ـبعد 6 ساعات ونصف الساعة من بدء الحملة. ومر يوم آخر قبل أن تعلن القيادة الجنوبية عن نجاحها في "السيطرة على كامل المنطقة التي اخترقتها القوات الإرهابية من البلاد."
فرقة غزةكما أن المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت" يوآف زيتون كتب أنه "منذ عام 2016، وبالتوازي مع بناء الجدار الأمني، طور الجناح العسكري لحماس تدريجياً خطة لكسر دفاع فرقة غزة" عبر هجوم واسع النطاق لسحق الفرقة، واحتلال الأراضي في الغلاف، وتنفيذ عمليات داخلها ومنها، بما في ذلك عمليات القتل والخطف. وقد تم تسريع الاستعداد بشكل كبير قبل عملية "حارس الأسوار". وقد أسمت إسرائيل التصدي لفكرة الهجوم لفلسطيني من غزة بخطة "أسوار أريحا". وفي نظره "كان هذا هو المفترق المركزي والمصيري، وفقًا أيضًا لتحقيقات أخرى أجراها الجيش الإسرائيلي".
إعلانوعند هذه النقطة، تباعدت الطرق التي رأى بها الجانبان الصراع: كانت إسرائيل مقتنعة بأن حماس تعرضت لضربة قاتلة، بما في ذلك أنفاقها القتالية (عملية الخداع التي نفذتها القيادة الجنوبية والتي فشلت). وكدليل على ذلك، استنتجت خطأً أن حماس ردعت عن الانضمام إلى جولتي القتال المستمرتين منذ ذلك الحين (فجر، الدرع والسهم") تاركة الجهاد الإسلامي بمفرده".
وفي كل حال أظهرت التحقيقات أن حماس كانت تخطط لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول منذ أكثر من عقد من الزمان، وبإيمان أن هذا سيقود إلى انهيار إسرائيل. وأنها ألمحت إلى ذلك عبر إشارات واضحة أهملتها العين الإسرائيلية، وهذا موضوع آخر يتعلق بالفشل الاستخباري. كما أن إخفاق إسرائيل في إلحاق ضرر قاتل بحماس في حرب 2016 شجع حماس على الاعتقاد بقدرتها على هزيمة إسرائيل. وهنا بدأت حماس ببناء القوة التنفيذية لتنفيذ الخطة الإستراتيجية للهجوم عبر عملية الخداع الإستراتيجي والتي وصفها الجيش في تحقيقاته بأنها "واحدة من أكبر الخطط في التاريخ العسكري. وتكشف تحقيقات جيش الدفاع الإسرائيلي أن حماس كانت على وشك تنفيذ الخطة مرتين قبل السابع من أكتوبر، وأرجأت تنفيذها مرتين قبل وقت قصير من تنفيذها: المرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، ثم في أبريل/نيسان 2023 خلال عطلة عيد الفصح. وفي كلتا الحالتين السابقتين -وكذلك القضية الحقيقية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول- فشلت شعبة الاستخبارات وجهاز الأمن العام (الشاباك) في التنبؤ بهذا الأمر وتقديم تحذير".
تسلسل الأحداثعموما، فاجأ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجيش الإسرائيلي بطريقة لم يكن أحد في هيئة الأركان العامة أو الجيش بأكمله مستعدًا لها على الإطلاق. وحسب "معاريف" فإن "الصور من مقر القيادة في هكريا في الدقيقة 06:29 تحكي القصة كاملة. وفي "المرصد" يجلس ضابط برتبة رائد ورقيب عمليات. وبعد 30 دقيقة، الساعة 07:05، اضطر رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان العامة إلى الإعلان -بمبادرة منه- في مجموعة واتساب لضباط اتصالات الجنرالات "نحن في حالة حرب". وفقط الساعة السابعة و3 دقائق تصدر طلبات لقائد سلاح الجو بإطلاق الطائرات للتصدي من دون أن تتوفر لها أية معلومات. وحوالي الساعة الثامنة، يطلب رئيس شعبة العمليات استدعاء 100 ألف جندي من قوات الاحتياط للخدمة تحسبا أيضا لانفجار الوضع على الحدود مع لبنان. وفي التاسعة إلا ربع، يبدأ وزير الحرب أول تقييم لموقف، ويجري أول حوار مع رئيس الحكومة الساعة العاشرة إلا ربع صباحا.
إعلانوفي هذه الأثناء، كان الفشل جليا ليس فقط في مستوطنات غلاف غزة وليس في المواقع العسكرية هناك، وإنما في كل مكان وصل إليه المقاتلون الفلسطينيون. وحدث هذا مثلا عندما عجزت البحرية الإسرائيلية عن اعتراض زوارق هجومية فلسطينية هاجمت مواقع في زيكيم. وظهر أن قوات من لواء غولاني أرسلت لمواجهة القوة البحرية عند زيكيم "تجنبت الاشتباك مع المخربين وفرت من المكان. وعلى شاطئ زيكيم قتل 17 مدنيا".
وعموما، تؤكد التحقيقات الإسرائيلية أنه كانت لقوات المقاومة اليد العليا والسيطرة شبه التامة على الميدان في الساعات الست الأولى، وأن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق سيطرة على الموقف إلا ساعات الليل، وأن عملية تطهير منطقة الغلاف من المهاجمين الفلسطينيين استمرت عدة أيام. ويعود نجاح قوات المقاومة وفشل الدفاعات الإسرائيلية بشكل أساسي إلى توفر 3 عوامل: المفاجأة التامة وغياب التحذير الاستخباري، الهجوم الواسع النطاق على طول الجبهة وعدم جاهزية القوات الإسرائيلية، تفاقم الإحساس الإسرائيلي الأولي بالفشل جراء العجز عن تكوين صورة للموقف بفعل انهيار المنظومة الدفاعية بانهيار بنية وهياكل فرقة غزة. وهذا ما قاد حتى إلى غارات إسرائيلية على سيارات من دون تمييز بين مهاجمين فلسطينيين ومدنيين إسرائيليين. كما قصف الجيش برا وجوا أماكن يوجد فيها "رهائن" ضمن مبدأ هانيبعل لمنع الوقوع في الأسر.
نظرية جديدةوقادت صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول الجيش الإسرائيلي إلى صياغة نظرية حرب جديدة تقوم على مبدأ حظر السماح بتطور أي تهديد بالقرب من الحدود، ووجوب أن يكون الجيش مستعدًا لمواجهة أي هجوم مفاجئ وواسع النطاق من منظور متعدد السيناريوهات. وطبعا هذا يتطلب توسيع القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، وإجراء تغييرات جذرية في شعبة الاستخبارات. وفضلا عن ذلك، الاهتمام بالاستعداد الدائم، وتوفير قوة كافية على أهبة الاستعداد، وخطط جاهزة على الدوام لتنفيذ هجوم حاسم في أي من الجبهات.