أثار قرار حكومي مغربي باستيراد النفايات المطاطية الجدل في المغرب مجددا، بعد 9 سنوات من وقف صفقات استيراد النفايات المطاطية من الدول الأوروبية، لاستعمالها في الصناعات التحويلية مثل الإسمنت. 

وحينما أعلنت الجهات المسؤولة أن هذه النفايات ليست ضارة بالبيئة لأنها تستخدم فور وصولها، وتسهم في خلق فرص عمل لليد العاملة الوطنية، أثار ذلك حفيظة حقوقيين بيئيين مغاربة يرون أن هذه العملية تشكل ضررا على البيئة والإنسان، في حين تتفق الدراسات العلمية أن ثمة ضررا ينجم عن عمليات الحرق يؤثر بالبيئة والإنسان مرورا بالغذاء.

ما النفايات المطاطية؟

المطاط الاصطناعي هو مادة مستخرجة من صمغ نباتي طبيعي معالج بالكبريت، ويوجد المطاط الطبيعي في شكل قطرات في عصارة شجرة المطاط التي تزرع بالدول الاستوائية. وقبل الحرب العالمية الثانية، كان المطاط الطبيعي يغطي كامل احتياجات السوق العالمية، إلا أنه مع زيادة الطلب عليه أصبح إنتاجه غير كاف، وظهرت حاجة ماسة لإنتاج المطاط الصناعي، وهذا ما أدى إلى ظهور نفاياته في كل دول العالم.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ في المغرب مصطفى بنرامل "يعدّ مطاط الأستيرين بوتاديين المستخدم في صناعة إطارات كل المركبات السيارة من أكثر أنواع المطاط انتشارا في العالم؛ وذلك نظرا لثمنه الرخيص وخصائصه الميكانيكية العالية المقاومة للثقل وشدة الاحتكاك".

ويضاف إليه كل من أسود الكربون وبورات الزنك أو الكالسيوم في وجود أكسيد الحديد لمقاومة الاحتراق، وهذه الإضافات تزيد من تكوين الدخان الكثيف عند الاحتراق وتؤدي إلى تصاعد الغازات السامة وانبعاثها، وفق تصريح بنرامل.

النفايات المطاطية تشكل جزءًا كبيرًا من النفايات الصلبة والتخلص منها يعد مشكلة عالمية (شترستوك)

وكشفت دراسة نشرتها مجلة "سينس أوف ذا توتال إينفيرونمنت" أن انبعاثات الإطارات وجزئياتها تنتقل عبر مسارات جوية وبرية ومائية مختلفة في البيئات الطبيعية، وينتج عن استخدامها العديد من المعادن الثقيلة والبلاستيك والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات وغيرها من المركبات التي يمكن أن تكون سامة.

وأشارت الدراسة إلى أن جزيئات الإطارات المنبعثة أثناء الاستخدام تعد مكونًا رئيسا للمواد البلاستيكية الدقيقة ومصدرًا لمواد سامة فريدة وقوية للغاية، ومن ثم تمثل الإطارات ملوثًا واسع الانتشار ومعقدًا، وخاصة أنه يتم إنتاج حوالي 3 مليارات إطار جديد كل عام، 800 مليون منها يتحول إلى نفايات سنويا.

وتكمن خطورة المطاط في أنه لا يتحلل بسهولة حتى مع دفنه لسنوات طويلة، إذ تعد العجلات المطاطية مخزونا كبيرا للكربون الملوث للطبيعة والمؤثر على الكائنات الحية وطبقة الأوزون، ويحتاج المطاط إلى ما لا يقل عن 400 سنة ليتحلل بشكل طبيعي، وهو ما يفسر بقاء ملايين العجلات في الطبيعة دون أن تتأثر بعوامل المناخ، بحسب دراسة علمية نشرتها مجلة أبحاث ودراسات التنمية في الجزائر.

وأشارت الدراسة إلى أن مخاطر حرق الإطارات المطاطية تنطوي على مجالات متنوعة في مقدمتها تلوث الهواء، إذ تتسبب في انبعاثات من الدخان الأسود وثاني أكسيد الكربون وما ينجم عنه من الاحتباس الحراري والمركبات العضوية المتناثرة وملوثات الهواء الخطرة، وثمة مخاطر أخرى متعلقة بتلوث المياه والتربة، بتحلل الملوثات في التربة.

أثر عابر على الإنسان والغذاء

ولا يقتصر الضرر الناجم عن حرق النفايات المطاطية على البيئة وإنما يمتد إلى الإنسان والغذاء، وفق بنرامل الذي يقول إن حرقها يتسبب في إطلاق كميات هائلة من الغبار والدخان والرماد، كما ينتج عنه انبعاثات غازية خطرة من مواد الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات والديوكسين، وهي مادة شديدة السمّية حتى عند انبعاثها بمستويات منخفضة للغاية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد بنرامل أنه يمكن لمادة الديوكسين (مادة كيميائية شديدة السمية) والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات المنبعثة من حرق النفايات الإطارات، وخصوصا إن كانت في الفضاءات المفتوحة في الطبيعة، أن تنتقل على امتداد مسافات طويلة لتستقر على المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية والمراعي، وبإمكانها أيضا أن تتراكم في السلسلة الغذائية وتلوّث اللحوم والألبان وغيرها من المنتجات التي يستهلكها البشر وهذا يؤدي إلى تلوث غذائي.

وعن تأثيرها في صحة الإنسان، يقول بنرامل إن هذه الانبعاثات تتسبب في إصابته بأمراض خطرة، كما يؤدي تحللها حراريا إلى إنتاج مركبات سائلة سامة من المعادن الثقيلة تتسرب إلى المياه الجوفية.

وعن الفئات الأكثر تضررا من هذه الملوثات الناتجة عن حرق الإطارات المطاطية، يقول "هؤلاء حتى لو كانوا في ظروف آمنة، كما تدّعي الوزارة، يصنفون الأكثر تأثرا من غيرهم، وهم: الأطفال، والأجنة في أرحام أمهاتهم، والرضّع في مهدهم، والمسنون وخصوصا المصابين بالأمراض المزمنة أو الاضطرابات النفسية، ومرضى الربو، ومن يعانون من ضعف في الجهاز المناعي".

وإلى جانب ذلك كله، يقول بنرامل إن الإطارات المخزنة في مكبّات النفايات تولد انتشارًا للقوارض والحشرات، كما أن الخطر البيئي يشمل أيضًا احتمال نشوب حريق كبير. وبسبب شكلها وعمرها الطويل تشغل الإطارات المهملة المخزنة مساحة كبيرة، فلذلك ينبغي استخدام معظم الإطارات المهملة في استخدامات إنتاجية جديدة عن طريق إعادة تدويرها أو استعمالها.

مخاوف منطقية

عبّر الرأي العام المغربي في مناسبة سابقة عن موقفه من استيراد النفايات المطاطية وحرقها، واشتد الخلاف حينئذ مع الحكومة التي أوقفت الاستيراد بعد ذلك. ولعل مديري القطاع البيئي سيتفهمون هواجس وتخوفات الرأي العام من هذه العملية المحفوفة بالمخاطر، إذ لا تزال مخاطر هذه العملية على الإنسان والبيئة مطروحة، وفق الناشط والإعلامي البيئي المغربي محمد التفراوتي الذي يرى أن مخاوف المغاربة مبررة.

يقول التفراوتي إن الحكومة المغربية تبرر العملية "على أن استيراد النفايات التي تصفها بأنها غير خطرة مؤطر ببنود اتفاقية بازل" التي تحدد الإطار الأساسي لاستيراد النفايات في العالم باعتبارها معاهدة دولية صُممت للحدّ من تحركات النفايات الخطرة بين الدول"، لكنه يتساءل: "هل هذا القرار يتماشى مع القوانين البيئية المغربية في هذا الشأن، خصوصا قانون تدبير النفايات والتخلص منها؟ إذ لا يمكن المجازفة وتغليب جانب التنمية على الاستدامة".

ومن جانب آخر، يقول التفراوتي إن من حق الجهات الرسمية تخفيف الفاتورة الطاقية وذلك عبر تقليص حجم العملة الصعبة الضرورية لاستيراد المحروقات بنسبة أكثر من 20 دولارا عن كل طن من الوقود الأحفوري، لكن من حق الناشطين البيئيين دقّ ناقوس الخطر والتنبيه من المخاوف المؤرقة من عملية "تثمين النفايات واستعمال العجلات المطاطية الممزقة".

وبحسب التفراوتي، لا بد للجهات المعنية المغربية من القيام بعدد أكبر من الأبحاث العلمية للتأكد من أن التعرض للكربون الأسود، المكون الأساسي للإطارات، لا يكون ضارا بالصحة العامة، وذلك لتبديد المخاوف المشروعة، كما يجب على الجهات الحكومية المعنية إجبار مصانع الإسمنت على استخدام أحدث التقنيات لتخفيف التأثير وتقليص الضرر، فهي تعدّ من بين أكبر ملوثي المناخ في العالم بسبب احتياجاتها الهائلة من الطاقة، على حد تعبيره.

ويرى التفراوتي أنه "لا يختلف اثنان على أن معامل الإسمنت أصلا هي ملوثة للغلاف الجوي باستمرار، ولا تزال تنفث سمومها رغم الجهود المبذولة من خلال الانضباط بمعايير التصنيف لأنظمة الإدارة البيئية (ISO 14000)، ثم نضيف إلى ذلك نفايات مطاطية مستوردة فنزيد الطين بلة".

النفايات المطاطية يمكن إعادة تدويرها بدلا من حرقها ويعد ذلك أقل ضررا (بيكسابي) هل من حل؟

المقرر العام الأسبق في برنامج الأمم المتحدة، الدكتور سفيان التل، يرى الحل في ألا تستورد الدول هذه النفايات، لأنها تحول بلادها إلى مركز نفايات خطرة وخاصة أن لا حلول سهلة وممكنة أمامها، وبعض الدول أجرت دراسات كثيرة لإعادة تدوير هذه النفايات وإطارات السيارات وخاصة اليابان، ولعل بعض هذه الدراسات أشارت إلى إمكانية تفتيتها وإعادة خلطها مع مواد أخرى لتزفيت الشوارع.

يقول التل، في حديثه للجزيرة نت، إن على الدول التي تسمح باستيراد هذه النوعية من العمل على تشريعات تنظم هذه المسألة وتحمي بيئتها وألا تكون عرضه للاستغلال.

وعن الحلول أمام الدول التي يوجد بها كميات كبيرة من النفايات المطاطية، يؤكد التل أن هذه السؤال أقلق معظم دول العالم التي تملك جبالا من إطارات السيارات وقد عملت دراسات كثيرة ومتعددة وما زالت تعمل على ذلك، إلا أنه لا توجد حلول سوى إعادة تدويرها والبحث عن أماكن لإعادة استعمالها دون أن تؤثر سلبا على الإنسان والحيوان والنباتات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

إزالة 122 طناً من النفايات ومخلفات البناء من محمية وادى دجلة

 

اختتم بنك المشرق حملته البيئية لتنظيف محمية وادى دجلة فى مصر. وقال عمرو البهى، الرئيس التنفيذى للمشرق مصر، أن المبادرة تأتى ضمن مبادرة المشرق العالمية Climb2Change، وتشمل الحملة 14 جبلاً، تتضمن 7 قمم جبلية و7 مناطق أساسية مخصصة للتخييم.

تهدف المبادرة إلى زيادة الوعى وتعزيز ممارسات الاستدامة مثل إعادة التدوير وتقليل النفايات وحماية البيئة. من خلال Climb2Change

ومحمية وادى دجلة هى نظام بيئى صحراوى محمى يضم تنوعاً غنياً من الحياة البرية والموارد الطبيعية. وبدأت المهمة فى نوفمبر 2024 تحت إشراف المغامرين المعروفين عمر سمرة ومنال رستم سفيرين لمبادرة Climb2Change، وانضم إليهما موظفو المشرق مصر وشبكة المشرق العالمية بمصر. وخلال هذه المهمة تمت إزالة 2.182 طناً من النفايات العامة و120 طناً من مخلفات البناء. واستفاد منها 72 كياناً محلياً. بالإضافة إلى تنظيم جلسات تعليمية تسلط الضوء على مبادئ «عدم ترك أثر» والمسئولية البيئية. وجمعت المبادرة بشكل عام بين موظفى المشرق والمتطوعين الخارجين، الذين ساهموا بإجمالى 809 ساعات لدعم هذه المبادرة.

وأوضح الرئيس التنفيذى لمشرق مصر أن إتمام عملية تنظيف محمية وادى دجلة ضمن مبادرة Climb2Change العالمية يعكس التزام المشرق بالحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة. وتعتبر هذه المهمة جزءاً أساسياً من استراتيجيتنا الشاملة فى المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، حيث نركز على تحقيق أثر فورى وندعم أيضاً التغيير طويل الأمد من خلال إشراك موظفينا والمجتمعات المحلية. 

وأضاف عمر سمرة: «عندما أستعيد ذكريات هذه الرحلة، أشعر بفخر كبير بما أنجزناه معاً. هذه المبادرة دعوة للجميع لتبنى الاستدامة وتحمل مسئولية بيئتنا. كمغامر، كنت دائماً أؤمن بتجاوز الحدود، وكانت هذه المبادرة تذكيراً قوياً بأن التأثير الأكبر يحدث عندما نتحد من أجل قضية مشتركة. إن شعار المشرق «تحد اليوم» يتوافق للغاية مع هذه المهمة، ما يحفزنا على إحداث تغييرات مهمة من أجل كوكب أفضل».

قالت منال رستم: «لقد كانت مشاركتى فى مبادرة Climb2Change فى محمية وادى دجلة تجربة فريدة، حيث منحتنى الفرصة لدمج شغفى بالمغامرة مع الحفاظ على البيئة. تمثل هذه المبادرة دليلاً على أهمية تحمل المسئولية تجاه الأماكن التى نحبها. من خلال هذه المهمة، آمل أن ألهم الآخرين لإدراك قيمة حماية تراثنا الطبيعى واتخاذ خطوات فعالة فى مجتمعاتهم. كل جهد، مهما كان صغيراً أو كبيراً، يسهم فى بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع».

وسيوسع المشرق جهوده لتشمل مناطق جديدة، مع التركيز على البعثات المستقبلية فى القمم والنظم البيئية الشهيرة فى التبت (الصين) وما بعدها. تعتبر هذه المبادرة دعوة للشركات والمنظمات حول العالم للانضمام إلى المبادرة والمساهمة فى حماية كوكبنا.

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية تؤكد التزامها بالمسار الأممي لحل الأزمة وغوتيرش يقول أن ملف اليمن أولوية
  • ماذا يقول الله قبل الفجر؟.. بفضل 11 كلمة تقضى حاجتك وتغفر ذنوبك
  • وزير الفلاحة يقول إن الحكومة نجحت في التحكم في أسعار معظم مواد الغذاء
  • هتبقى رقم 3.. كهربا يكشف سبب غضبه من كولر: مفيش حد يقول كدا
  • ترامب يقول إنه سيصدر أمرا تنفيذيا غداً يسمح لتيك توك بالعمل
  • خلال زيارته للمغرب..رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يؤكد دعم الوحدة الترابية للمملكة
  • المندوبية السامية للتخطيط تتوقع نموًا اقتصاديًا للمغرب بنسبة 3,8% في 2025
  • "الغذاء والدواء".. حظر مؤقت على استيراد الدواجن والبيض من فرنسا
  • "الغذاء والدواء".. حظر مؤقت على استيراد الدواجن والبيض من فرنسا #عاجل
  • إزالة 122 طناً من النفايات ومخلفات البناء من محمية وادى دجلة