مصر تفتح صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال.. ما دور صندوق النقد؟
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
القاهرة – تُولي الحكومة المصرية الضرائب أهمية كبرى باعتبارها أحد أكبر مصادر إيرادات خزينة الدولة والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل الإنفاق الحكومي على مختلف القطاعات، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والدفاع.
تبلغ الإيرادات العامة المتوقعة بموازنة السنة المالية الحالية 2.6 تريليون جنيه (حوالي 53.6 مليار دولار) من بينها حوالي تريليوني جنيه (حوالي 42.
نمت الحصيلة الضريبية بشكل مطرد منذ 2015-2016 من حوالي 352 مليار جنيه إلى أكثر من تريليوني جنيه في أقل من 10 سنوات، وهي أكبر بند يشهد مثل هذه الزيادات في بنود الموازنة العامة للدولة إلى جانب الديون وفوائدها من خلال توسيع القاعدة الضريبية ودمج جزء من الاقتصاد الموازي واستحداث ضرائب جديدة.
في هذا الإطار كشفت الحكومة المصرية، الأسبوع الماضي، عن خططها الجديدة في المنظومة الضريبية تحت عنوان "صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب ومجتمع الأعمال ترتكز على الشراكة والمساندة واليقين".
وتضمنت حزمة التسهيلات الضريبية، في مسار ضبط وتحسين العلاقة بين المستثمرين ومصلحة الضرائب:
توسيع القاعدة الضريبية. تبسيط الإقرارات الضريبية. دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي (الموازي). وضع حد أقصى لغرامة التأخير لا يتجاوز أصل الضريبة. سرعة الانتهاء من المنازعات والملفات الضريبية المتراكمة. نظاما ضريبيا مبسطا لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوي 15 مليون جنيه. رفع حد الإعفاء من تقديم دراسة تسعير المعاملات للشركات الدولية إلى 30 مليون جنيه. نظام مقاصة مركزيا جديدا للمستثمرين وتبسيط نظام رد ضريبة القيمة المضافة.ومن أجل تجاوز الحلقة المفقودة بين قرارات الحكومة وتعقيدات الموظفين، تعهد وزير المالية أحمد كجوك برفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب المصرية وتحسين أوضاعهم بشكل يتناسب مع الأعباء والمسؤوليات المطلوبة منهم.
لا تبدو تلك السياسات الضريبية الجديدة بمنأى عن مطالب صندوق النقد الدولي، الذي كشف في وقت سابق أن الحكومة المصرية تعمل على إعداد وثيقة إستراتيجية للسياسة الضريبية بهدف استمرار جهود تعبئة الإيرادات على المدى المتوسط.
وتوصل خبراء صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق حول مجموعة من السياسات والإصلاحات الشاملة اللازمة لاستكمال المراجعات الأولى والثانية والثالثة بموجب الاتفاق في ظل "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF).
وأبدت مصر التزامها القوي لمسؤولي الصندوق خلال تلك المراجعات بالضبط المالي لضمان استدامة القدرة على تحمل الدين (96.4% عام 2023 /2024) وتكثيف الجهود لتعبئة المزيد من الإيرادات المحلية.
وما لم تعلنه الحكومة بعد في خطتها الجديدة هو ترشيد الإعفاءات الضريبية، وإصلاح ضريبة القيمة المضافة، وإصدار قانون ضريبة الدخل الجديد، وهو ما جاء في وثيقة المراجعات الثلاث السابقة.
أنواع الضرائب ومصادرها الضرائب العامة:تُشكل نحو 53.5% من حصيلة الضرائب البالغة نحو 1.5 تريليون جنيه في موازنة 2023-2024 وتتضمن:
الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين مثل ضريبة المرتبات وضريبة النشاط التجاري والصناعي وضريبة النشاط المهني غير التجاري وضريبة الثروة العقارية. الضريبة على أرباح الأشخاص الاعتبارية، وتتضمن ضرائب البترول وضرائب قناة السويس، وضرائب باقي الشركات. الضريبة على رؤوس الأموال المنقولة وضريبة الدمغة وضريبة التضامن الاجتماعي والضرائب على الأذون. الضريبة على القيمة المضافة:تُشكل نحو 38% من حصيلة الضرائب.
الضرائب الجمركية:تبلغ نحو 3.9% من حصيلة الضرائب.
الضرائب الأخرى:تصل لنحو 4.6% من حصيلة الضرائب.
فلسفة الحكومة من الضرائب وأثرها على الشركاتاعتبر أمين عام اتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي، أن "فلسفة الحكومة من تطوير المنظومة الضريبية هو زيادة حصيلة الضرائب بشكل عام خاصة عندما يكون هناك عجز في موازنة الدولة، وحاجة إلى تقليل الإنفاق".
وأضاف، للجزيرة نت، نحن أمام نظريتين، الأولى تتبنى تخفيف الأعباء الضريبية على الشركات لأن من شأن ذلك أن يزيد من أرباح الشركات ويوفر فرص عمل أكثر، والثانية تركز على زيادة الضرائب بغض النظر عن تبعات القرار من أجل سد عجز الموازنة وتلبية احتياجات الدولة.
ورأى بيومي أن التوجه الحالي للحكومة يدعم النظرية الأولى. والأمر في مجمله يتعلق بتبسيط الإجراءات الضريبية، ومحاولة دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي والعمل على سرعة الانتهاء من المنازعات والملفات الضريبية المتراكمة.
وأكد أن الأهم من فرض ضرائب أعلى أو جديدة هو تحسين نظام الضرائب من جهة، وزيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة، وهذا يساعد على تحصيل ضرائب أكثر، وعدم الإفراط في زيادة الضرائب والإضرار بمناخ الاستثمار؛ لأن أي زيادة سوف تنعكس على أرباح الشركات وعلى التوظيف وعلى أسعار المنتج في نهاية المطاف.
حوالي أكثر من 50% من المنشآت والشركات إما غير مسجلة بضريبة القيمة المضافة أو غير مسجلة بالضريبة على الدخل، بحسب بيان لمصلحة الضرائب قبل نحو عامين، ما يكلف خزينة الدولة مليارات الجنيهات السنوية.
كذلك يحرم الاقتصاد الموازي الذي يشكل نحو 50% من اقتصاد البلاد، خزينة الدولة من عشرات مليارات الجنيهات بسبب عدم انضمامه بالكامل إلى النظام الضريبي الذي من شأنه أن يرفع إيرادات الدولة بشكل كبير.
ويقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس إن "ما كشفت عنه الحكومة المصرية بخصوص التسهيلات الضريبية هو رسالة إلى الرأي العام تتعلق بحسن النوايا خاصة بعد زيارة صندوق النقد الدولي وإتمام المراجعة الثالثة والتي ركزت مثل المراجعتين السابقتين على عدة محاور من بينها النظام الضريبي وضرورة زيادة الإيرادات المحلية".
كما أنها بحسب، حديث النحاس للجزيرة نت، رسالة إلى الصندوق أن الحكومة تسير في اتجاه الإصلاحات الضريبية، وأن المرحلة المقبلة هي سياسات مالية أكثر منها سياسات نقدية، ولكن حتى الآن لا تزال الحكومة غير قادرة على حسم بعض القضايا المهمة مثل ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة.
ووصف الخبير الاقتصادي العلاقة بين الممولين والمستثمرين والحكومة بأنها ليست متكاملة وتقوم على البحث عن الثغرات واستغلالها لذلك نطالب بمنظومة ضريبية إلكترونية بعيدة عن تدخلات الموظف والممول وبرقم ضريبي موحد للدولة المصرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة المصریة القیمة المضافة صندوق النقد الضریبة على
إقرأ أيضاً:
ما تداعيات رفع الدعم كليا عن المحروقات في مصر بنهاية 2025؟
القاهرة– في خطوة رآها مراقبون متوقعة بالنظر إلى ملف الاستدانة المصري، أعلنت الحكومة المصرية خطتها لرفع الدعم كاملا عن المحروقات بحلول نهاية عام 2025.
وأكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقد الأربعاء الماضي، أن الخطة الحكومية تراعي الإبقاء على دعم السولار وأسطوانات الغاز بجزء كبير.
ووفق مدبولي، فإن الحكومة تدير ملف الوقود بحرص شديد بما يضمن استقرار السوق المحلية ويحقق التوازن بين توفير الموارد المالية للدولة وحماية المواطنين من أي تأثيرات سلبية.
ويتعارض هذا التوجه الحكومي مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين استبعد زيادة أسعار الوقود إذا استقرت أسعار النفط العالمية عند 70 دولارا.
ويتراوح متوسط أسعار النفط حاليا بين 67 و69 دولارا، في حين حددت الموازنة العامة، للعام المالي الحالي، السعر بنحو 82 دولارا.
يأتي الإعلان الحكومي بعد يوم واحد فقط من موافقة صندوق النقد الدولي، على صرف 1.2 مليار دولار، قيمة الشريحة الرابعة من قرض طلبته مصر تبلغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار.
ومنذ عام 2014، رفعت السلطات أسعار الوقود 12 مرة آخرها، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد شهد العام الفائت وحده ارتفاع أسعار المنتجات البترولية 3 مرات.
إعلانوتقدر حصة الدعم المقدمة للمواد البترولية وفق الموازنة العامة للدولة، للسنة المالية الحالية، بنحو 155 مليار جنيه (3 مليارات دولار).
يقول المدير التنفيذي لمركز الدراسات التنموية، مصطفى يوسف، إن الخطوة الحكومية لرفع الدعم عن المحروقات، كانت متوقعة بالنظر إلى كون رفع الدعم كاملا، هو أحد اشتراطات صندوق النقد الدولي للموافقة على صرف شرائح القرض الأخير.
ويضيف، أن الخطوة تأخرت نحو عامين "بموجب الاتفاق مع صندوق النقد، حين رفع الدعم كليا، وكان مقررا له عام 2023، ولكن الحرب على قطاع غزة وتداعياتها الاقتصادية أحدثت مرونة لدى المؤسسة الدولية مع مصر وسمحت بالتأجيل".
خلال مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، قالت رئيسة بعثة صندوق النقد لمصر إيفانا فلادكوفا، إن السلطات المصرية التزمت بخفض أسعار منتجات الوقود إلى مستويات استرداد التكلفة بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2025.
وتتضمن اشتراطات المؤسسة المالية الدولية لصرف قروض لمصر إعادة هيكلة الدعم لضمان كفاءة توزيع الموارد المالية.
ويضيف يوسف لـ (الجزيرة نت)، أن الحكومة المصرية عموما تستجيب لاشتراطات صندوق النقد في مسألة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد على فترات وليس فورا، تجنبا للغضب الشعبي، وهو ما يتفهمه المسؤولون بالصندوق.
ويتوقع أن يؤدي رفع الدعم عن المحروقات إلى زيادة بالتبعية في أسعار السلع والخدمات بنسب تتراوح بين 30 إلى 35%، مرجحا مزيدا من انخفاض القوى الشرائية للمواطنين جراء القرار.
وعن العوامل التي ستحدد الأسعار الجديدة للمحروقات بعد رفع الدعم عنها، يعلق المدير التنفيذي لمركز الدراسات التنموية، بأن السعر العالمي من المفترض أن يكون هو المعيار الذي يحدد عليه السعر المحلي.
آلية تحديد الأسعارويتفق الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، مع يوسف بشأن اعتبار رفع الدعم عن المحروقات خطوة متوقعة، مشيرا إلى أن التخلص من دعم الوقود هو أحد أهم التوصيات التي يقدمها صندوق النقد الدولي لكل الاقتصادات التي تلجأ إليه لطلب المشورة والدعم.
إعلانوأكّد أن التوجه الحكومي الأخير يرتبط بتعهدات مصر أمام صندوق النقد للحصول على القرض الأخير بـ 8 مليارات دولار.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري تبلغ قيمة الدين الخارجي المصري نحو 155 مليار دولار.
وعن تداعيات القرار، يتوقع الخبير الاقتصادي، أن ترتفع أسعار المحروقات بنسب تتراوح بين 10 إلى 15% وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف إنتاج السلع والخدمات بنسب تتراوح بين 20 إلى 25%.
يستطرد "بالطبع سيتحمل المستهلك تلك الزيادات، ما سيشكل عبئا على الطبقات الفقيرة وذات الدخل المنخفض".
وفق المؤشرات الرسمية، تراجع معدل التضخم السنوي إلى 12.8% في فبراير/شباط الماضي، مقارنة بـ23.2% في يناير/كانون الثاني من نفس العام.
وعلى خلاف يوسف، استبعد عبد المطلب أن يكون السعر العالمي هو المحدد لأسعار المحروقات بعد رفع الدعم الكلي عنها، يضيف "لن تتمكن الدولة من التعامل مع أسعار المحروقات، طبقا للأسعار العالمية خاصة لو انخفضت تلك الأسعار".
ويتوقع الخبير الاقتصادي، أن تستحدث الحكومة آلية معينة لإدارة التسعير، لكنه في الوقت نفسه رجح أن تلجأ الحكومة للاستعانة بالسعر العالمي مع إضافة هامش ربح لها.
زاوية أخرى يشير إليها أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، مصطفى شاهين، وهي تحرير سعر صرف العملة المحلية وتأثيره على أسعار المنتجات البترولية.
في مارس/آذار من العام الماضي، أعلن البنك المركزي تحرير سعر الصرف، وهو ما أدى إلى انخفاض الجنيه مقابل الدولار من 30 جنيها إلى نحو 50 جنيها.
ويبيّن شاهين لـ (الجزيرة نت)، أن أسعار المحروقات انخفضت عالميا، لكن السوق المحلية لم تتأثر بهذا الانخفاض وظل السعر في طريقه إلى الارتفاع بفعل تعويم الجنيه، معتبرا غلاء الأسعار بمثابة ضريبة غير مباشرة على المواطنين.
إعلانويدلل على ذلك بحجم الدعم المقرر للمنتجات البترولية بالموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي، ويضيف: "رغم أن حجم الدعم المقرر كبير ورغم انخفاض الأسعار عالميا إلا أن الغلاء يزداد على المستوى المحلي".
ويتوقع أستاذ الاقتصاد، أن يتأثر المستهلكون تأثرا كبيرا بسبب رفع الدعم عن الوقود، خاصة مع انخفاض الدخول، وهو ما سيؤدي إلى كساد اقتصادي، حسب قوله.
حيرة الشارعوكان للقرار الحكومي بخصوص أسعار المحروقات في الشارع المصري صداه لدى الطرفين، البائع والمشتري.
يقول مسعد، بائع فواكه إن أسعار المحروقات تؤثر تأثيرا مباشرا على سعر المنتج الذي يبيعه، ويوضح لـ (الجزيرة نت): "بعض الآلات المستخدمة في الزراعة تستخدم الوقود، فضلا عن استخدام السيارات لنقل المحصول من المزرعة إلى محل البيع".
ولا يتصور البائع، كيف ستكون الأمور مع الوضع الجديد بعد تطبيق القرار الحكومي، ويضيف: "الأسعار مرتفعة فعلا ونعاني كتجار من قلة إقبال الزبائن".
وتراود الحيرة نفسها المستهلك، فتقول سامية أمين، موظفة، إنها تعاني كل شهر من عبء التوفيق بين نفقات الأسرة ودخل زوجها إضافة إلى راتبها.
وتضيف لـ (الجزيرة نت): "صحيح الرواتب زادت أكثر من مرة بقرارات حكومية خلال السنوات الأخيرة، لكنها زيادات لا تواكب القفزات المتتالية في الأسعار".
ومع الزيادة المرتقبة في الأسعار ستواجه الموظفة المصرية عبئا أكبر لتدبير النفقات الشهرية لأسرتها، تقول "لا أرغب في التفكير في كيفية مواجهة مستقبل الأسعار.. إنني أواجه أزمة حاليا ولا قدرة عندي على مزيد من التفكير".