بعد سحب قواتها.. أي مستقبل لعلاقات الولايات المتحدة والنيجر؟
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
أكملت الولايات المتحدة سحب قواتها التي كانت تتمركز في النيجر بموجب الاتفاق العسكري الموقع في 6 يوليو/تموز 2012 من طرف سفارة واشنطن في العاصمة نيامي.
وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، أنها أنجزت سحب قواتها بالكامل تنفيذا لمطالب النظام الحالي.
ويأتي الانسحاب الأميركي بعد فتور في العلاقات بين الجانبين بسبب انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 الذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب محمد بازوم.
وتعود العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة والنيجر إلى عام 1960، إذ تم تطبيع العلاقات الدبلوماسية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1960، وفي مارس /آذار 1961 عززت واشنطن تلك العلاقة حيث افتتحت سفارة بهذه الدولة الوليدة حينها.
بداية الاهتمامكانت السياسة الأميركية تجاه النيجر تنحصر في المساعدات الإنسانية عبر دعم برامج الأمن الغذائي ومحاربة الأمراض والأوبئة التي تنتشر بشكل كبير في منطقة الصحراء والساحل، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول توجه القادة الأميركيون للنيجر ودول المنطقة بشكل عام.
وكانت الذريعة إعلان الحرب على "الإرهاب" بحجة عودة كثير من الجماعات المسلحة التي كانت في أفغانستان إلى منطقة الصحراء والساحل، حيث وجدت فضاء ملائما للتحرك وإعادة التموضع بحكم المساحة الشاسعة والحدود المفتوحة بين الدول.
وفي ظل تلك الأجواء توجهت أنظار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) صوب تلك المنطقة وكانت النيجر النقطة الأهم بالمنطقة لكونها تقع في قلب دول الساحل إذ تحدها من الجنوب نيجيريا، ثم تشاد شرقا، وفي الشمال الغربي تحدها الجزائر ومالي، وفي الجنوب الغربي بوركينا فاسو وبنين، وفي الشمال الشرقي ليبيا.
وعام 2002 أطلق مكتب "مكافحة الإرهاب" في واشنطن مبادرة عموم الساحل "بي إس آي" (PSI) لمكافحة "الإرهاب" وتعزيز أمن الحدود من أجل الاستقرار، وقام مسؤولون أميركيون برئاسة روبرت بيري نائب دائرة الاستخبارات والأمن بزيارة تشاد والنيجر وموريتانيا ومالي للتنسيق معها حول "مكافحة الإرهاب" وأمن الحدود.
التعاون العسكريولأكثر من عقد من الزمن عملت الولايات المتحدة على أن يكون شمال النيجر نقطة لمحاربة "الإرهاب" والجماعات المسلحة في منطقة الصحراء، ففي منتصف عام 2012 تم التوقيع في نيامي على اتفاقية عسكرية مع واشنطن ودخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2013.
وتسمح الاتفاقية المذكورة للموظفين العسكريين الأميركيين دخول النيجر وممارسة المهام التي توكل إليهم من قبل رؤسائهم دون أن تكون للسلطات المضيفة أي رقابة عليهم، حتى الأفعال الجنائية التي يرتكبونها ليس من حق السلطات في نيامي مساءلتهم عنها، وإنما يخضعون في ذلك للإدارة الأميركية.
وجاء في مذكرة التعاون أن البنتاغون والموظفين التابعين من حقهم الإعفاء الكامل من الضرائب والرسوم، ولهم الحق في استيراد كل الأشياء التي يحتاجونها من تكنولوجيا أو معدات أخرى.
وبعد سريان المذكرة، وافق الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2013 على إرسال 100 جندي إلى النيجر لجمع المعلومات والاستخبارات الضرورية.
وعندما تزايدت الجماعات المسلّحة بمنطقة الساحل وكثر نشاطها في صحراء ليبيا والنيجر، بدأت القوات الأميركية عام 2016 بناء القاعدة الجوية 201 في منطقة أغاديز شمال العاصمة نيامي حيث حدود الجزائر وليبيا.
وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليون دولار في بناء قاعدة أغاديز، وظلت تنفق عليها حوالي 30 مليون دولار كل سنة.
ونفذت القاعدة الكثير من المهام المتعلقة بمحاربة الجماعات المسلحة وجمع المعلومات الاستخباراتية، كما قدمت الكثير من التدريبات للقوات المسلّحة في النيجر، وكانت القاعدة تستضيف أسطولا كاملا من طائرات النقل وطائرات بدون طيار.
وبالإضافة للقاعدة المذكورة، كانت القوات الأميركية تشترك مع نظيرتها الفرنسية في القاعدة العسكرية 101 في نيامي قرب مطار ديوري حماني الدولي.
وبلغ عدد الجنود الأميركيين الذين كانوا يتمركزون في النيجر 1100 جندي، وكلفوا الخزينة الأميركية قرابة مليار دولار في السنوات الأخيرة التي تلت العمل بقاعدة أغاديز.
المطالبة بالخروجومع الانقلاب العسكري في 26 يوليو/تموز 2023، جاء العسكر بسياسة مغايرة لما كانت تسير عليه البلاد في العهود السابقة خصوصا ما يتعلق بالعلاقات مع باريس والتنسيق مع واشنطن في شأن "مكافحة الإرهاب" والجماعات المسلّحة.
وقد تبلورت العقيدة العسكرية للمجلس العسكري الحاكم في النيجر في أن الاستقلال والسيادة يقتضيان تحرير الاقتصاد من التبعية الكاملة للشركات، وكذلك رحيل القوات العسكرية الأجنبية من جميع الأراضي التابعة للدولة.
وفي خطوة كانت مرتقبة، أعلن المجلس العسكري الحاكم في 16 مارس/آذار الماضي إلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة بمفعول فوري.
وفي بيان بثه التلفزيون النيجري، قال المتحدث باسم الجيش العقيد أمادو عبد الرحمن إن اتفاق 2012 فُرض على البلاد وكان ينتهك القواعد الدستورية والديمقراطية.
وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، قال رئيس الوزراء في نيامي علي محمد الأمين الزين إن سبب قطع التعاون العسكري يعود إلى تهديدات "مولي في" نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، حيث قالت إن بلادها ستفرض عقوبات على النيجر إذا وقعت الأخيرة اتفاقا لبيع اليورانيوم إلى طهران.
ومنتصف أبريل/نيسان الماضي، وافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها وحددت لذلك جدولا زمنيا ينتهي في 15 سبتمبر/أيلول الجاري.
وفي 19 مايو/أيار 2024 الماضي، بدأ انسحاب القوة المتمركزة في القاعدة 101 في نيامي، وتواصل العمل حتى تم الخروج النهائي من القاعدة الجوية 201 في أغاديز يوم 5 أغسطس/آب الماضي، وبقي حوالي 20 ضابطا للإشراف على نقل المعدات الذي انتهى في الأجل المتفق عليه.
وبمناسبة فك الارتباط العسكري بين البلدين، أقيمت مراسم للخروج حضرها عدد من الضباط من الجانبين.
وجاء في بيان صادر عن قيادة الجيش الأميركي في أفريقيا "أفريكوم" أن الانسحاب كان آمنا ومنظما ومسؤولا بفعل التعاون والتواصل الفعال بين جيشي البلدين.
ووفقا للبيان المشترك الذي صدر بعد إخلاء قاعدة أغاديز فإن هذا الانسحاب لا يضع حدا للتعاون العسكري، وإنما يلتزم الطرفان بالحفاظ على الاتصالات والعمل معا لتحديد أسس تعاون عسكري جديد يحترم مصالح كل طرف ويهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتعليقا على الانسحاب، قال منسق وزارة الدفاع الأميركية لغرب أفريقيا اللواء كينيث بي إيكمان إن انسحاب القوات من النيجر "ليس في صالح المنطقة من الناحية الأمنية".
ويرى المحلل السياسي المختص بالشأن الأفريقي سلطان البان أن انعكاس الانسحاب الأميركي على النيجر مرتبط بمدى قدرة المجلس العسكري الحاكم على الصمود ومسايرة التحديات الأمنية التي ستزداد بعد رحيل الأميركيين.
وفي أغسطس/آب 2023، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن بلاده علقت المساعدات التي كانت تذهب للنيجر بسبب الانقلاب العسكري.
لكن الحكومة في نيامي أقرت عام 2024 موازنة عامة تعتمد على الموارد المحلية فقط بعد أن كانت 40% من ميزانيتها تأتي من المانحين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
ومن شأن انسحاب القوات الأميركية والفرنسية قبلها، أن يفتح الباب إلى تمدد النفوذ الروسي بالمنطقة وخاصة مع "تحالف كونفدرالية دول الساحل".
مستقبل العلاقاتوفي حديث للجزيرة نت، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الأفريقي إن العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين البلدين تشهد فتورا بسبب إنهاء الاتفاق العسكري الذي كان يعطي للبنتاغون الأميركي مساحة كبيرة للتحرك بالمنطقة، لكن الولايات المتحدة ستبقى متشبثة بالنيجر وستعزز من الروابط الاقتصادية والتجارية لأنها لا تهتم بشرعية الحاكم بقدر ما تهتم بملاحقة روسيا والصين.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قام رئيس الوزراء بزيارة إلى واشنطن بشأن تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، لكنه أكد للمسؤولين الأميركيين أن قرار بلاده بشأن رحيل القوات الأجنبية سيادي.
وفي الوقت الحالي، لم ترسل النيجر إشارات سلبية تجاه علاقتها مع واشنطن، لكن إذا اتجهت القوات الأميركية المنسحبة نحو بنين فإن ذلك قد يكون سببا لتطور جديد بالعلاقات، إذ سبق للنيجر أن اتهمت فرنسا بمحاولة زعزعة أمنها عن طريق نيجيريا وبنين، وهو الأمر الذي جعل نيامي تبقي على حدودها مغلقة مع بورتو نوفو، مما تسبب في وقف تصدير النفط النيجري عن طريق ميناء سيمي في بنين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة سحب قواتها فی النیجر فی نیامی
إقرأ أيضاً:
نيوزويك: هكذا تستعد أوروبا لعصر ما بعد الولايات المتحدة
أكد تقرير نشرته مجلة نيوزويك الأميركية أن الدول الأوروبية تعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية ووضعت خططا لتقليل اعتمادها العسكري على واشنطن خلال العقد المقبل، وسط مخاوف متزايدة بشأن التزامات الولايات المتحدة اتجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي هذا السياق شهدت أوروبا زيادة غير مسبوقة في الإنفاق العسكري، إذ ارتفع بنسبة 12% في 2024 وفقا لما نقله التقرير عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، غير أن الإنفاق الأوروبي لا يزال يمثل "أقل من ثلث إجمالي ميزانية الدفاع لحلف الناتو" توضح المجلة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: هل ينجو هيغسيث ووالتز من فضيحة سيغنال؟list 2 of 2هآرتس: الحرب المتجددة على غزة هدفها ترحيل سكان القطاعend of listولفتت كاتبة التقرير ومراسلة الأمن والدفاع بالمجلة إيلي كوك إلى تفاوت الإنفاق في القارة، حيث خصصت بولندا ودول البلطيق أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، بينما لم تصل دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا إلى الحد الأدنى المطلوب داخل الحلف، وهو 2%.
جهودوأكدت رئيسة الوزراء الدانماركية مته فريدريكسن على الحاجة الملحة لرفع القدرات الدفاعية قائلة إن "هناك رسالة واحدة لقائد الجيش: اشتروا اشتروا اشتروا لا يهم إن لم تكن المعدات هي الأفضل، بل الأهم هو السرعة"، حسب التقرير.
وإلى جانب زيادة الإنفاق، تعمل بعض الدول على رفع عدد جنودها، وفق التقرير، وقد كشفت مصار إعلامية هولندية أن "الجيش الهولندي يخطط لزيادة عدد أفراده من 74 ألفا إلى 200 ألف بما يشمل الجنود وقوات الاحتياط".
إعلانوأشار التقرير كذلك إلى إعلان رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، عن خطة لتدريب "100 ألف متطوع سنويا بحلول 2027″، للوصول إلى جيش قوامه 500 ألف جندي، أي أكثر من ضعف حجمه الحالي.
تحصينات حدوديةبالتوازي مع زيادة أعداد الجيوش، تقوم الدول الأوروبية المحاذية لروسيا بتحصين حدودها بشكل غير مسبوق، إذ وقّعت لاتفيا وليتوانيا وإستونيا في 2024 اتفاقية لتعزيز الدفاعات الحدودية مع روسيا وبيلاروسيا، وذلك عبر "شبكة من المخابئ ونقاط الدعم وخطوط التوزيع"، بحسب وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور.
وأضاف التقرير أن بولندا أطلقت مشروع الدرع الشرقي بتكلفة تفوق 2.5 مليار دولار، لوضع دفاعات على حدودها مع بيلاروسيا ومنطقة كالينينغراد الروسية، في أكبر عملية تحصين حدودية منذ الحرب العالمية الثانية.
تأهيل المواطنينوذكر التقرير أن جهود أوروبا تضمنت تأهيل مواطنيها لمواجهة الأزمات، ولفت إلى أن السويد نشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 كتيبا تفصيليا حول كيف يمكن للسكان الاستعداد لحالات الحرب والطوارئ، وبالتحديد "ما تعنيه حالة التأهب العالية، وكيف يمكن لكل فرد المساهمة في المجهود الحربي".
وفي خطوة مماثلة أشار إليها التقرير، أصدرت النرويج دليلا لمواطنيها حول كيفية التعامل مع "الظروف الجوية القاسية والأوبئة والحوادث وأعمال التخريب، وفي أسوأ الحالات الحروب".
أما فنلندا، فلديها بالفعل دليل عام حول كيفية التعامل مع "أسوأ السيناريوهات، بما في ذلك الحرب"، مما يعكس إدراك الدول الأوروبية لضرورة التأهب لأي طارئ.
وحذر التقرير من أن الاستقلال الدفاعي الكامل عن الولايات المتحدة لا يزال تحديا معقدا يتطلب من "5 إلى 10 من الإنفاق الدفاعي المتزايد"، إلى جانب تعاون غير مسبوق بين الدول الأوروبية لضمان أمن القارة في غياب دور أميركي قوي داخل الناتو.