موسكو- لأول مرة منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا تصبح موسكو أمام احتمال أكبر تهديد عملياتي على ضوء الحديث عن إمكانية سماح الغرب لكييف باستهداف عمق الأراضي الروسية بأسلحة بعيدة المدى.

وتشير تصريحات المسؤولين الروس إلى أن الكرملين يأخذ هذه التهديدات على محمل الجد، لكن ثمة صمتًا رسميًا يلف آليات وأشكال الرد المحتمل على ذلك.

فقد صرح المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن موسكو سترد وسيكون الرد "متناسبا" إذا سمح حلفاء أوكرانيا الغربيون بشن ضربات في عمق الأراضي الروسية.

وأوضح بيسكوف أن الرئيس فلاديمير بوتين "حذر للغاية" في مناقشة موضوع الرد على الهجمات المحتملة على أراضي روسيا، مؤكدا أن بلاده لديها -في كافة الأحوال- القدرة على القيام بذلك.

مستعدة للانتقام

برأي الخبير العسكري أناتولي ماتفيتشوك، فإن القوات الروسية مستعدة لمواجهة أي تطور إذا رفعت البلدان الغربية القيود السابقة المفروضة على أوكرانيا وسمحت بضربات صاروخية بعيدة المدى.

ويوضح -للجزيرة نت- أن التصريحات المختلفة من الجانب الروسي بهذا الخصوص تدل على استعداده لـ"الانتقام" وأن القيادة العسكرية الروسية تدرك جيدا قدرات الصواريخ الأميركية والأوروبية. ويلفت إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية أخذت في الاعتبار أنها قد تضطر يوما ما إلى مواجهة هذه الصواريخ.

وأضاف ماتفيتشوك أنه إلى جانب صواريخ "ستورم شادو" تريد القوات الأوكرانية استخدام نظامي "سكالب" الفرنسي المتطابق تقريبا، و"أتاكمس" الأميركي، مرجحا أن تشمل قائمة أهداف كييف المحتملة مراكز القيادة ومستودعات الوقود والأسلحة ومناطق تمركز القوات الروسية.

وحسب قوله، فإنه إذا حاولت أوكرانيا مهاجمة الأراضي الروسية بصواريخ "ستورم شادو"، فمن غير المستبعد أن ترد موسكو على ذلك باستخدام السلاح النووي التكتيكي، "لكن لحد الآن لا توجد تغييرات في العقيدة النووية تسمح بذلك".

بموازاة ذلك، تشير تصريحات مسؤولين غربيين حاليين وسابقين إلى وجود توجه يدعم إعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا لشن هجمات في عمق الأراضي الروسية.

وقال رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، روب باور، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري خلال كلمة ألقاها في براغ، إن "السماح لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى غربية الصنع لضرب عمق روسيا أمر مبرر من وجهة النظر العسكرية".

انتظار الإذن

أما رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون و5 وزراء دفاع سابقين، فقد دعوا رئيس وزرائهم الحالي، كير ستارمر، إلى عدم انتظار موافقة الولايات المتحدة والسماح للقوات المسلحة الأوكرانية باستخدام صواريخ "ستورم شادو" لشن ضربات ضد روسيا.

يأتي ذلك على خلفية تصريح الحكومة البريطانية بوجوب الحصول على موافقة واشنطن وباريس قبل السماح للقوات الأوكرانية باستخدام هذا النوع من الصواريخ.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده ليس لديها حتى الآن إذن باستخدام الأسلحة الغربية لشن ضربات في عمق الأراضي الروسية، في إشارة -على ما يبدو- إلى كلام نظيره الأميركي جو بايدن بأنه لن يسمح بذلك حتى يرى من كييف ما وصفها بـ"خطة النصر".

وهذا بالتحديد ما دفع الخارجية الروسية للقول إنه "لم يعد هناك أي معنى للتعليق على تصريحات زيلينكسي، إذ سبق أن أكد أن تنفيذ كافة نقاط خطته لإنهاء الصراع يعتمد بشكل مباشر على قرار بايدن".

وقبل ذلك، كانت السلطات الأوكرانية طالبت الولايات المتحدة بالسماح بضرب أهداف عسكرية على الأراضي الروسية بأسلحة غربية بعيدة المدى، لكن واشنطن -حينها- لم تعط موافقتها على ذلك.

وأوضح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن الجانب الأميركي يشارك كييف "شعورها بالإلحاح"، لكنه لا يعتقد أن السماح بتنفيذ هذه الضربات باستخدام الأسلحة الغربية سيشكل نقطة تحول في الصراع.

تردد غربي

لكن محلل الشؤون الدولية ديمتري كيم، يلفت إلى وجود مشكلة بخصوص منح كييف الإذن باستخدام أسلحة بعيدة المدى بسبب وجود انقسام في واشنطن وعواصم أوروبية بهذا الخصوص.

وفي حديث للجزيرة نت، يشير إلى أن وزارة الخارجية الأميركية، "الأكثر انفتاحا على طلبات زيلينسكي"، تعارض موقف وزارة الدفاع (البنتاغون) والاستخبارات اللتين تتخذان موقفا أكثر حذرا من المخاطر التي ينطوي عليها هذا الإذن.

وبرأيه، فإن محاولة "إضفاء الطابع الرسمي" على فرضية ضرب العمق الروسي من خلال وسائل الإعلام تهدف إلى إبعاد الأنظار عن حقيقة تورط الدول الغربية في أحداث كورسك.

ويتابع كيم أن أوكرانيا ضربت بالفعل عمق روسيا بأسلحة غربية، كما اعترف بذلك رئيس استخباراتها العسكرية، كيريل بودانوف، في بداية الصيف.

ووفقا له، فإنه إذا تعرضت روسيا لهجوم فإن ردها سيتوقف على طبيعة الأهداف سواء كانت عسكرية أو مدنية.

وأضاف كيم أن الدول الغربية تدرك أيضا عواقب مثل هذا القرار، لأنه قد يسبب استياء لدى الرأي العام الأوروبي لا سيما إذا طال أهدافا مدنية وتسبب في خسائر بشرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات عمق الأراضی الروسیة بعیدة المدى

إقرأ أيضاً:

تبني أم خطف.. كيف يعيش أطفال أوكرانيا داخل الأراضي الروسية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قام باحثون من جامعة ييل بتتبع مئات الأطفال الذين تم نقلهم إلى روسيا أثناء الحرب، ووجدوا ما وصفوه بأنه "مستوى أعلى من الجريمة مما كان مفهومًا في البداية".

وأفاد تقرير صادر عن جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية اليوم الثلاثاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وكبار المسؤولين في الكرملين وافقوا "عمدا وبشكل مباشر" على برنامج رعاية وتبني ما وصفه التقرير بالـ " القسري " للأطفال الأوكرانيين أثناء الحرب في أوكرانيا. وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
 

وقال الباحثون إن التقرير يقدم أدلة جديدة قوية في قضية جرائم الحرب ضد بوتن ومسؤولين آخرين.
وبحسب التقرير، حدد تحقيق أجراه مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة ييل 314 طفلاً من أوكرانيا وُضِعوا في "برنامج منهجي للتبني القسري والرعاية" منذ الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022. ويوضح التقرير بالتفصيل أدلة على أوامر مباشرة من كبار المسؤولين الروس، بما في ذلك بوتن، لتنفيذ برنامج التبني.

طفل اوكراني


وقال مختبر الأبحاث، الذي يعد جزءا من مرصد الصراعات، وهو برنامج تدعمه وزارة الخارجية الأميركية، في بيان: "إنها تكشف عن مستوى أعلى من الجريمة مما كان مفهوما في البداية".

وقد يعزز التحقيق الذي أجرته جامعة ييل القضية ضد بوتن ومفوضته لشؤون الأطفال، ماريا لفوفا بيلوفا ، اللذين ورد اسمهما في مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في مارس من العام الماضي لدورهما في ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا.
واستشهد الباحثون بما قالوا إنها وثائق روسية مسربة تم التحقق منها، وقالوا إنها تكشف كيف عمل كبار المسؤولين الروس مع مسؤولين في المناطق الواقعه تحت السيطرة الروسية داخل الاراضي الاوكرانية لتنفيذ البرنامج. ويقول التقرير إن مكتب الرئيس الروسي قدم دعمًا ماليًا مباشرًا وأصولًا أخرى للبرنامج.
وفق نيويورك تايمز قال مختبر الأبحاث إن معاملة الأطفال الأوكرانيين قد تشكل جريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وربما تدعم حتى قضية إبادة جماعية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن المقرر أن يمثل مسؤولون أوكرانيون وأعضاء فريق البحث التابع لجامعة ييل أمام اجتماع خاص لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء لشرح النتائج التي توصلوا إليها، حسبما جاء في البيان.
وقد نفى الكرملين ارتكاب جرائم حرب، وأكد أن عمليات التبني هي جهد وطني وإنساني لمساعدة الأطفال المهجورين . كما أشار إلى أنه ليس طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي ليس عليه أي التزامات بموجبها.

طفل أوكراني


وأدانت وزارة الخارجية الأمريكية معاملة روسيا للأطفال الأوكرانيين في الحرب، وأعلنت في أغسطس الماضي عن عقوبات جديدة على العديد من الكيانات والأفراد بسبب "الترحيل القسري ونقل واحتجاز أطفال أوكرانيا".
وبالإضافة إلى بوتن ولفوفا بيلوفا، يذكر تقرير جامعة ييل أربعة مسؤولين روس آخرين بشأن أدوارهم في ترحيل ورعاية وتبني الأطفال الأوكرانيين: آنا كوزنتسوفا، وهي مسؤولة كبيرة في حزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه بوتن؛ وسيرجي كرافتسوف، وزير التعليم الروسي؛ ورؤساء الإدارات الإقليمية الموالية لروسيا في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا.

وتتعلق الأدلة التي جمعها باحثو جامعة ييل بـ 314 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً، من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، وقد تم نقل العديد منهم من مدرستين داخليتين معروفتين. كما تضم ​​المجموعة طفلاً واحداً من مدينة ماريوبول المحتلة.
وقال التقرير إنه أثبت بثقة عالية أن الأطفال من أصول أوكرانية، بغض النظر عن التحقيقات والتقارير الإخبارية الأخرى . وقال الباحثون إنهم استخدموا مصادر متعددة للمعلومات لتأكيد المعلومات، بما في ذلك الوثائق والاتصالات الروسية المسربة، وصور الأقمار الصناعية، وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، وتحليل البيانات الوصفية.

طفل من اوكرانيا


وذكر تقرير جامعة ييل أن بعض الأطفال البالغ عددهم 314 طفلاً تم وضعهم في أسر روسية، وتم إدراج آخرين في قاعدة بيانات روسية للرعاية والتبني. ولم تكشف الجامعة عن هويات الأطفال، لكنها قالت إنها سلمت أسماءهم وظروفهم إلى المحكمة الدولية والسلطات الأوكرانية.
وقال التقرير إن بعض الأطفال أيتام أو تم إبعادهم من رعاية والديهم في السابق، لكن بعضهم وفقًا لملفات قاعدة البيانات لديهم آباء في أوكرانيا حرموا من حقوقهم الأبوية بسبب تصرفات روسيا. وأضاف أن ثلاثة أطفال على الأقل تم وضعهم لدى أسر مسؤولين روس أو أسر عسكرية روسية.
وقال الباحثون إنهم تتبعوا حركة كل من الأطفال البالغ عددهم 314 طفلاً إلى مرافق مؤقتة في روسيا في منتصف الطريق بين ترحيلهم وتشتيتهم بعد ذلك عبر 21 منطقة في روسيا. وذكر التقرير أن طائرات عسكرية روسية استخدمت في نقل الأطفال، وهو ما تم الإبلاغ عنه على نطاق واسع في لقطات إخبارية وصور روسية.
وقال الباحثون إن لديهم وثائق تثبت أن ما لا يقل عن 67 من الأطفال حصلوا على الجنسية الروسية، وأن العدد الحقيقي لمثل هذه التجنيسات ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.

مقالات مشابهة

  • تبني أم خطف.. كيف يعيش أطفال أوكرانيا داخل الأراضي الروسية؟
  • روسيا: لن نخضع للمفاوضات في ظل الوضع الأمريكي المتقلب
  • هل شكلت طوفان الأقصى بالفعل تحديا وجوديا لإسرائيل؟.. خبراء يجيبون
  • هل القرفة مفيدة لمرضى السكري؟.. خبراء يجيبون
  • زيلينسكي يطالب بأسلحة وضمانات قبل التفاوض مع روسيا
  • ‏الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي ليلي أوكراني وتؤكد اعتراض 29 طائرة مسيرة كان تستهدف مواقع روسية
  • ماذا وراء عودة الصراع في سوريا؟.. خبراء يجيبون
  • ماذا وراء زيارة الرئيس الجابوني إلى القاهرة؟.. خبراء يجيبون
  • هل سوريا والعراق الهدف القادم لإسرائيل؟.. خبراء يجيبون
  • بوشيلين: صاروخ “أوريشنيك” الروسي أعطى الغرب الإشارة الصحيحة