عربي21:
2024-09-19@05:05:55 GMT

الإعلام والدور المفقود

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

يخرج إلينا مذيع من المفترض أنه أخذ قسطا وافرا من التعليم والتأهيل لممارسة مهنة الإعلام، وكان والده أحد أساطين إدارة الإعلام في مرحلة مبارك، وأحد رجال صفوت الشريف الأقوياء، وزير إعلام مصر في عصر مبارك.

ومع كل ملاحظاتنا النقدية على مراحل إعلامنا المصري من مرحلة ناصر ثم السادات ونهاية بمبارك، لم تتخل المنظومة الإعلامية عن ميثاقها المهني الذي كان نبراسا لأهل الإعلام في المراحل المختلفة، لكننا لم نر تفسخا واختلاط مفاهيم، تصل لحد اللامبالاة وعدم المحاسبة، كما نرى الآن.



فالمسألة ليست أن مذيعا خرج بكل ثقة ولوذعية ليدعو المواطنين إلى نبذ التعليم، ويتساءل بكل ثقة وجديّة شديدة؛ عن الجدوى من دراسة الجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية، فهذا "لا يؤكل عيش" على حد كلامه، بل وتجاوز هذا إلى دعوة الناس إلى البحث عن لقمة العيش بمعزل عن التعليم وتحصيله.

المذيع يدلي بتصريحات معلوم سلفا أنها مجافية لكل أصول العلم والمنطق، كما هو معلوم ما ستحدثه من حالة غضب واستهجان لدى الجماهير الغفيرة من المشاهدين، وما سيصب من لعنات على رأس ذاك المذيع، فيأتي قرار فوقي بوقف برنامج المذيع ومنعه من الظهور استجابة لغضب الجماهير، فتهدأ الأمور نسبيا حتى تتم صناعة زوبعة جديدة وضحية جديدة يتم ذبحها ولو صوريا إرضاء لغضب الجمهور
هكذا قال، واستُقبل كلامه بموجة غضب شديدة من قبل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المقروء، بل تجاوز هذا إلى السخرية من وصية هذا المذيع. وبعد أيام من موجة غضب مشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي صدر قرار بوقف هذا المذيع عن الظهور ووقف برنامجه. وهذه ليست المرة الأولى بحقه، بل المرة الثانية، ثم بعد مدة ليست بالقليلة ولا الطويلة، يعود ليطل علينا من جديد لإجبار جموع المشاهدين على تلقي وصاياه العشر.

وإزاء ذلك نجد أنفسنا أمام أحد تفسيرين لا ثالث لهما:

الأول: إما أن هذا المذيع لا يصلح لمهنته، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي سمح له بالظهور..؟! بل وكيف تم السماح له بالاستمرار..؟!

أما التفسير الثاني: وهو أن يكون كل هذا متفقا عليه لإلهاء الرأي العام عن قضاياه المصيرية، استخداما لمبدأ نفي النفي إثبات.

فالمذيع يدلي بتصريحات معلوم سلفا أنها مجافية لكل أصول العلم والمنطق، كما هو معلوم ما ستحدثه من حالة غضب واستهجان لدى الجماهير الغفيرة من المشاهدين، وما سيصب من لعنات على رأس ذاك المذيع، فيأتي قرار فوقي بوقف برنامج المذيع ومنعه من الظهور استجابة لغضب الجماهير، فتهدأ الأمور نسبيا حتى تتم صناعة زوبعة جديدة وضحية جديدة يتم ذبحها ولو صوريا إرضاء لغضب الجمهور، وهكذا يصبح الإعلام في دائرة مفرغة لا نهاية لها.

الإعلام المصري هو أحد أهم أسلحة الدولة في القوى الناعمة، وأرجو ألا ينجر لأساليب الإثارة من أجل الإثارة أو الإلهاء
وهذا بدوره يذكرنا بالأيام الخوالي لإعلامنا الجميل، أيام أن كانت الجودة والمهنية هي شغله الشاغل، هذا الزمن الذي تذكره أجيالنا بمزيد من الفخر والاعتزاز لمصرنا الحبيبة، أيام سلوى حجازي، وليلى رستم، وأحمد سمير وبرنامجه الشهير السينما والحرب، وبابا ماجد وبرنامجه الموجه للأطفال.

ثم يأتي الجيل الذي يليهم، سمير صبري وبرنامجه النادي الدولي، وطارق حبيب وبرنامجه أوتوجراف، وتأتي نجوى إبراهيم وفريال صالح وبرنامج اخترنا لك، وأماني ناشد وبرنامجها كاميرا ٩، ودرية شرف الدين وبرنامجها نادي السينما، وعبد المنعم كامل ومنى جبر وبرنامجهما فن الباليه، ومع كل هذا البرنامج الديني الرصين نور على نور لأحمد فراج.

نعم الإعلام المصري هو أحد أهم أسلحة الدولة في القوى الناعمة، وأرجو ألا ينجر لأساليب الإثارة من أجل الإثارة أو الإلهاء، فإعلامنا المصري ولد كبيرا، وكان له دور تثقيفي وتوعوي وترفيهي كبير، فلا بد أن يظل كذلك، وأن يعود له هذا الدور المفقود، لأنه ببساطة هو الأصل في شرقنا الأوسطي، وسيظل كذلك مهما حدث.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإعلام مصر مصر الإعلام مهنية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات من هنا وهناك صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

القصص الصامتة لمن لا صوت لهم

 

محمد بن أنور البلوشي

في كل زاوية من زوايا العالم، تتكشف القصص، مكونة شبكة مُعقدة من التجارب الإنسانية. بعض القصص تجلب الفرح، فتملأ القلوب بالسعادة، بينما تثير قصصٌ أخرى الحزن، تاركة في نفوسنا شعورًا بالأسى. ومع ذلك، ورغم تنوع القصص التي تحيط بنا، لا تُسمع كل الأصوات التي تقف وراءها. وتصل بعض الأصوات إلى آذاننا بوضوح وقوة، بينما تظل أخرى صامتة بشكل مأساوي، مطموسة بفعل اللامبالاة أو الغموض.

خذ لحظة للتفكير؛ ألا تشعر بالغضب عندما تسمع عن زوجة تُساء مُعاملتها من قبل زوجها؟ ألا تشعر بالحزن عندما تعلم أنَّ موظفًا تمَّ فصله بشكل غير عادل؟ ألا تشعر بالإحباط عندما ترى شخصًا يُكافح للحصول على الدعم، ولكنه لا يجد أحدًا يساعده؟ هذه قصص تصرخ طلبًا للانتباه، ولكنها غالبًا ما تبقى غير مسموعة. الواقع المحزن هو أنه في حين أن بعض الأفراد يمكنهم مشاركة قصصهم مع العالم، يظل الكثير من الناس بلا صوت، يذوبون في غياهب النسيان حيث لا تجد صرخاتهم من يجيبها.

في عالم اليوم السريع الخطى، أصبحت الأخبار جزءًا أساسيًا من حياتنا. كأفراد، لدينا الحق في معرفة ما يحدث حولنا، وأن نكون على دراية بالأحداث التي تشكل عالمنا. لكن كيف نتلقى هذه الأخبار، والأهم من ذلك، كيف نعرف أنها موثوقة؟ هنا يظهر الدور الحقيقي للإعلام والصحافة. في بعض أجزاء العالم، يعمل الإعلام كقوة قوية، مضاعفًا أصوات من لا صوت لهم، ويقف كحارس للحقيقة والعدالة. في أماكن أخرى، مع ذلك، يكون الإعلام صامتًا، غير قادر—أو غير راغب—في أن يكون الصوت الذي يجب أن يكونه.

الصحافة في جوهرها مهنة محفوفة بالمخاطر. فقد العديد من الصحفيين حياتهم في سبيل كشف الحقيقة، مُضحين بسلامتهم لإبلاغ الجمهور. وقد قال الأمريكي الشهير هنري وارد بيتشر ذات مرة: "الصحف هي المُعلِّم للناس العاديين". ولكن اليوم، يجب أن نسأل: هل الصحافة تؤدي حقًا دورها كصوت لمن لا صوت لهم؟

لفهم هذا الموضوع بعمق، يجب أولاً أن نحدد من هم الأشخاص الذين لا صوت لهم. الحقيقة هي أن الأشخاص الذين لا صوت لهم موجودون في كل مكان، يعيشون بيننا. وربما تكون أنت واحدًا منهم. النساء في جميع أنحاء العالم يكافحن من أجل حقوقهن الأساسية، لكن مناشداتهن غالبًا ما تقع على آذان صماء. الأطفال في العديد من المناطق يحلمون بالذهاب إلى المدرسة، لكنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لجعل أصواتهم تُسمع. كبار السن، اللاجئون، الفتيات الصغيرات، والعديد من الآخرين من جميع الأجناس واللغات يعيشون على الهامش، حيث تظل قصصهم غير ملاحظة وغير مروية.

إنها مسؤولية الإعلام تسليط الضوء على هؤلاء الأفراد وتجاربهم، لكن في كثير من الأحيان، يتم تجاهل أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى الانتباه. في كثير من الحالات، تُعطي وسائل الإعلام الأولوية للإثارة أو الأجندات السياسية، متجاهلة القصص الملحة لمعاناة الإنسان التي تمر دون أن تُلاحظ.

تجربة شخصية مررتُ بها قبل عام تبرز كمثال على هذه القضية. بعد أن أوصلت عائلتي إلى مطار مسقط، لاحظت رجلاً وصل لتوه إلى عُمان، وكان ينتظر رحلة إلى صلالة. وكان قد فاتته رحلته وكان عالقًا في المطار لمدة يوم، غير متأكد مما يجب عليه فعله بعد ذلك. لم يكن يتحدث الإنجليزية أو العربية، ولم يكن هناك أحد ليُساعده. أثناء مراقبتي له، أصبح من الواضح أنه كان يشعر بالضياع تمامًا، وكانت عيناه محمرتين من قلة النوم والإحباط.

في تلك اللحظة، لم أستطع إلّا أن أتساءل: ماذا لو كنت أنا ذلك الرجل؟ ماذا لو كنت أنت الشخص الذي تُرك عالقًا في بلد أجنبي، دون القدرة على التواصل أو العثور على المساعدة؟ ماذا لو كنت المرأة التي تُساء مُعاملتها باستمرار من قبل زوجها، ولا يوجد أحد ليسمع صرخاتك من أجل العدالة؟ ماذا لو كنت لاجئًا، محرومًا من الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء والمأوى؟ وماذا لو، في اللحظة التي كنت في أمس الحاجة فيها إلى أن تُخبر قصتك، رفض الإعلام أن يكون صوتك؟

هذه ليست أسئلة افتراضية، إنها الحقائق القاسية التي يواجهها عدد لا يحصى من الأفراد كل يوم. إن الشعور بفقدان الصوت هو تجربة عميقة للعزلة، واحدة تآكل شعور الشخص بالكرامة والإنسانية. ومع ذلك، كل شخص، بغض النظر عن ظروفه، لديه قصة تستحق أن تُروى. والسؤال هو: من سيرويها؟

تخيَّل للحظة ما يشعر به الشخص الذي لا صوت له. تخيل أن لديك قصة، رواية شخصية عميقة تريد للعالم أن يسمعها. تبدأ في كتابتها، لكن قبل أن تتمكن من إكمالها، تُقطع حياتك. ماذا سيحدث لقصتك؟ هل ستختفي معك؟ هل سيتولى شخص آخر الأمر ويشاركها مع العالم، أم ستظل إلى الأبد غير مروية؟ وإذا اختار الإعلام- المؤسسة التي من المفترض أن تضخم مثل هذه القصص- ألا يستمع، كيف سيتم سماع قصتك؟

هذا هو التحدي الذي يواجهنا. كل شخص، من المرأة التي تُساء معاملتها إلى المسافر العالق، يحمل قصة بداخله. إنها مسؤولية المجتمع، وخصوصًا الإعلام، أن يضمن أن تلك القصص تُروى.

فقدان الصوت ليس مجرد مأساة شخصية، إنه فشل اجتماعي. يجب علينا أن نطالب بأن يرتقي إعلامنا إلى مستوى مسؤوليته، وأن لا يغض الطرف عن معاناة المنسيين. فقط عندها يمكننا أن نضمن أن كل قصة، مهما كانت صغيرة أو صامتة، لن تظل غير مروية.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد يستعد لمواجهة الهلال بحضور الجماهير .. صور
  • حارس أهلي جدة يشيد بدعم الجماهير
  • بيان النصر.. النادي يؤكد التزامه بالحفاظ على هيبته ويرحب بدعم الجماهير
  • اليوم.. نظر دعوى المذيع خالد عليش ضد طليقته بسبب ابنته
  • الحوثيون يكشفون مواصفات صاروخ "فلسطين 2" الذي استهدفت به إسرائيل
  • القصص الصامتة لمن لا صوت لهم
  • بداية توافد الجماهير المغربية على قاعة أرينا قبل صافرة مباراة طاجكستان (صور)
  • النجار: الجماهير الاتحادية هي الأولى .. فيديو
  • بنزيما: الجماهير كانوا رائعين ونحن قاتلنا من أجلهم .. فيديو