كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (2 من2)
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
الكتاب: كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ زنجبار أندلس أفريقيا المفقود، دراسة وثائقية
الكاتب: صالح محروس محمد محمد.
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي، الإمارات، 2023م
عدد الصفحات: 208 صفحة.
التوجه الإسرائيلي لإفريقيا:
توجهت إسرائيل مع بداية عام 1957م إلى القارة الإفريقية حين أصبحت الدول المانحة للمساعدات الإفريقية، وتركزت المساعدات على النواحي الفنية، وفي تنجانيقا بدأت مشروعاً زراعياً في موانزا فكانت أولى الخطوات الإسرائيلية؛ لاختراق القارة الإفريقية عبر شركة التنمية الزراعية، الشركة الإسرائيلية الحكومية المهتمة بنظم الري، وتحسين الإنتاج في المنطقة، ومن ثم أسست شركات مشتركة في تنجانيقا وإسرائيل للمساهمة في تعمير الأراضي، واستصلاحها، وبناء القرى والمشروعات الزراعية، وهكذا كان التغلغل الإسرائيلي في تنجانيقا حيث قدمت إسرائيل القروض والمساعدات لها، ما دفع إسرائيل لتقوية نفوذها في تنجانيقا مقاطعة الدول العربية لها، والكسب السياسي والاقتصادي.
لكن حكومة شامتي " حكومة الاستقلال " شديدة العداوة لإسرائيل وكانت لها علاقات روابط قوية مع مصر، فقد كان هناك أثر مصري عميق في زنجبار ليس فقط سياسياً، ولكن ثقافياً ودينياً، وأكد الزنجباريون حق الفلسطينيين في دولتهم، وكانت جريدة موانجزي باللغة العربية، مشروعاً فلسطينياً للدفاع عن القضية الفلسطينية، ولكن إسرائيل لم تهمل الأثر الكبير لزنجبار في شرق افريقيا كونها نقطة مهمة في محور الدبلوماسية الإسرائيلية في شرق إفريقيا (ص76)
قامت إسرائيل بدور بارز في أحداث يناير عام 1964م، وخططت لها بمساعدة بريطانيا، ونفذ خططها للانقلاب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر الذي قام بتنفيذ مخطط الحكومة الإسرائيلية بحماية عبيد كارومي، ونقله إلى البر حتى لا يقتل لأنه أنسب شخص للقيادة بعد الغزو، كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي ورجله عبر مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا الذي كان صديقا لعبد الله قاسم هانجا الذي سافر إلى الجزائر وأقنع أحمد بن بيلا رئيس الجزائر أنذاك لتزويده بالأسلحة، التي وصلت عبر سفينة ليلة تنفيذ الإنقلاب.ص77
تطرق الكاتب في الباب الثالث لأحداث يناير الأسود في زنجبار عام 1964م بكثير من التفاصيل عبر الوثائق، وما أسفرت عنه الوثائق من ضحايا ولاجئين عرب ضاقت بهم السبل، ظهرت في السنوات الأخيرة من الاحتلال البريطاني لسلطنة زنجبار؛ أنها أًصبحت هدفاً للنفوذ الشيوعي الصيني في شرق افريقيا، وانتقل العديد من الطلاب الصينيين لزنجبار، فتأثرت إلى حد كبير بالسياسات المعتمدة على المبادئ الاشتراكية، وأكدت بريطانيا علمها بذلك، واعتبرت أن المسألة الشيوعية هي الأخطر في زنجبار، وذلك بمثابة خطر لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي خافت أن تصبح زنجبار كوبا لإفريقيا.(ص79)
إن الغزو الأجنبي الذي تم في زنجبار بتاريخ 12/1/1964م، قام به رجل أجنبي، ونفذه أجنبي مع تأييد محلي محدود، فقد كان أوكيلو أوغندي جاء للعمل في بمبا عام 1959م، وانضم إلى الحزب الوطني الزنجباري الذي حصل منه على مبلغ ثلاثين كمساعدة من الحزب الوطني الزنجباري، الذي اعتبره لا قيمة له، في الوقت الذي كان يدعو الحزب الوطني لوحدة الزنجباريين كان هو في الخفاء يدعو إلى وحدة الأفارقة ضد الاستعمار العربي. واتفق مع قيادة الحزب أنه ينوي تكوين قوة ثورية من رجال الاتحاد الأفروشيرازي ضد العرب، وجمع رجالاً من اتحاد عمال زنجبار وبمبا، وكذلك من فدائيي حزب الأفروشيرازي، فأغلبهم من رجال البر، وليس من القوى السياسية الموجودة (ص94).
في زنجبار قوي أوكيلو علاقته بالشرطة فعرف أماكن السلاح، ومراكز الشرطة في زنجبار ومخازن السلاح، ومتن علاقته بسيف بكري رئيس اتحاد شباب الحزب الأفروشيرازي، وكانت كل الاتحادات التجارية تحت سيطرة رجال البر الذين تحالفوا مع حزب الأفروشيرازي، وعليهم اعتمد، وليس على أفارقة زنجبار قال:" إن رجال البر أثق بهم أما أفارقة زنجبار فلديهم ولاء قديم وارتباطات مع العرب لذا كان معظم قواته من البر مما جعلنا نسمي ما حدث غزواً أجنبياً"، فتكونت مجموعته الأولى من 27 كينياً، و2 روديسيين، و4 تنجانيقا، وموزمبيقي، 3 أوغندا،2 من مالاوي، 2 من زنجبار فكان نواة الجيش الخاص لأوكيلو من 42 مرتزقاً، عندما بدأ هجومه وصل عددهم نحو 1500رجل معظمهم من الشباب ما بين 20-30 لا يعملون(ص 95).
أدى الغزو الأجنبي لزنجبار عام 1964 إلى تغيير جوهري في من يحكمون جمهورية زنجبار وبمبا، حيث انتهى حكم العمانيين الذي استمر نحو ثلاثة قرون منذ مجيئ اليعاربة لمحاربة البرتغال بعد استنجاد إمارات شرق إفريقيا بهم في الستينيات من القرن السابع عشر الميلاديالحقيقة أن هناك اختلافاً في عدد الذين قتلوا، واحتجزوا، كذلك في أعداد اللاجئين نتيجة الانقلاب الموجه ضد العرب، فتم نهب محلاتهم، وأصبحت كلمة عربي مبرراً لرجال أوكيلو للقتل، والنهب واغتصاب النساء فيقول بترسون: " أثناء الأحداث إن مع نهاية الأسبوع الأول من اندلاع الحرب فر أكثر من 2000عربي من زنجبار إلى المخيمات، وكانت أوضاع المخيمات سيئة للغاية ومرعبة"، فما تعرضوا له إبادة جماعية لكونهم عرب، فقتل حوالي 5000 في أحداث زنجبار أغلبهم من العرب، وشرد من العرب مثلهم.(ص106)
بحسب الكاتب كان العرب يساقون جماعات إلى القتل والاعتقال من قبل رجال أوكيلو، ويقول: "إن عدد القتلى زاد عن عشرين ألف عربي، ويوضح كيف كان رجال أوكيلو يجمعون جثث الموتي في سيارات النقل، ويرمونها في المقابر الجماعية كالقمامة، وأوضح تجاهل وسائل الاعلام، وحقوق الإنسان والأمم المتحدة للمذبحة، يضيف الكاتب" لجأ العديد من الأفراد إلى ممبسة، ثم إلى دار السلام في البر الإفريقي، وكانت حكومة كينيا مستعدة لنقل اللاجئين، ولقد وصل السلطان وحاشيته إلى ممبسه على سفينة السيد خليفة بشكل غير معلن، وكانت الحكومة الكينية سريعة الإدراك أن حضور السيد السلطان ربما يستفز المجموعة العربية هناك"، ومن ثم وافقت الحكومة الكينية على أن تحمل السلطان سفينة إلى لندن بتاريخ 17يناير عام 1964م، وحصل السلطان وأسرته على حق اللجوء السياسي شرط عدم المقاومة وأو العودة إلى زنجبار مدى الحياة.(ص106)
ارتبط الموقف الأمريكي من انقلاب عام 1964م بما عرف الحرب الباردة، ففي عام 1960م حققت الشيوعية نجاحاً في الجزائر، وكوبا، وشمال فيتنام، وأصيبت الولايات المتحدة بالقلق من انتشار الاشتراكية في زنجبار، وسبق وأن حصلت على موافقة بريطانيا في إقامة قاعدة صواريخ أمريكية لوكالة ناسا الأمريكية في زنجبار، واعترفت الولايات المتحدة الامريكية بدولة زنجبار الجديدة بزعامة عبيد كارومي 1964م، كما سارعت إسرائيل بالاعتراف بزنجبار(ص122)
أدى الغزو الأجنبي لزنجبار عام 1964 إلى تغيير جوهري في من يحكمون جمهورية زنجبار وبمبا، حيث انتهى حكم العمانيين الذي استمر نحو ثلاثة قرون منذ مجيئ اليعاربة لمحاربة البرتغال بعد استنجاد إمارات شرق إفريقيا بهم في الستينيات من القرن السابع عشر الميلادي، ثم أسرة البوسعيد في النصف الأول من القرن الثامن عشر إلى 12/1/1964م، إذ قامت بريطانيا دور في القضاء على هذه الأسرة، ومساعدتها أوكيلو على الانقلاب ومساهمة إسرائيل في القضاء على الحكم العربي في زنجبار حيث قامت بمساعدة المتمردين بالمال والسلاح من أجل القضاء على الدولة التي كانت تسعى لإقامة علاقات مع الرئيس عبد الناصر العدو اللدود لإسرائيل ولتقويض الدولة المصرية(134ص)
أشاعت بريطانيا الدعاية المغرضة ضد العرب لزرع بذور الحقد، والكراهية ضدهم، وإظهارهم على أنهم تجار رقيق، وصنعوا تماثيل توضح أن العربي يجر الأفريقي بالسلاسل إلى سوق الرقيق بالإضافة إلى أنهم وحدهم ملاك الأراضي، ومزارعي القرنفل والصفـوة، وأن الأفارقة لا يجدون طعاماً ولا فرص عمل.
كما قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي الأجنبي ورجاله عن طريق مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر، وحزب نيريري في تنجانيقا بواسطة أوسكار كمبونا السكرتير العام لحزب تنجانيقا القومي، الذي كان صديق شخصي لعبد الله قاسم هانجا(كان على علاقة بإسرائيل عبر السفارة الإسرائيلية في دار السلام)، الذي سافر إلى الجزائر واقنع أحمد بن بلو رئيس الجزائر آنذاك لتزويده بالأسلحة لسبب ظاهري وهو استخدامها تحت قيادة لجنة الحرية التي كان رئيسها، وبالفعل أبحرت سفينة محملة بالأسلحة اسمها ابن خلدون ليلة الانقلاب بالإضافة إلى الأسلحة التي جاءت من إسرائيل إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها دراسة وثائقية تتناول أحداث 1964 م في زنجبار متعددة المصادر تعالج التشويه الذي تم لما حدث، وقلب الحقائق خاصة الدراسات الغربية عن الأحداث، كما اعتمد الباحث على ملفين من الأرشيف البريطاني، ووثائق المخابرات الأمريكية عن تلك الأحداث.
يختم الكاتب دراسته بقوله: "هذه صفحة مهمة من صفحات التاريخ العربي الحديث والمعاصر والتخطيط الغربي للقضاء على ما هو عربي وإسلامي ومحاولة القضاء على الدول العربية الواحدة تلو الأخرى. وضرب المناطق الحيوية والغنية في الدول العربية. ومن عجائب القدر أن العرب الذين قادوا الحركة الوطنية وسعوا لاستقلال زنجبار أن يكون جزاؤهم القتل والتشريد ويهجروا من بلادهم التي سعوا إلى تحريرها".
إقرأ أيضا: كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ كتاب يجيب (1من2)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الإمارات الإمارات كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضاء على فی زنجبار فی شرق
إقرأ أيضاً:
انتهى السلام الأمريكي وما يليه سيكون أسوأ
على مدى نحو ثمانية عقود، استفادت الإنسانية من النظام الدولي الذي بنته القوة الأمريكية وحافظت عليه.
تايوان معرضة لخطر أكبر من الصين
كتب نيكولاس كريل في موقع "ذا هيل، أن "السلام الأمريكي" الذي تميّز بعلاقات دولية مستقرة، وبتوسع التجارة العالمية، وبازدهار غير مسبوق، وبغياب النزاع بين القوى العظمى، انتهى فجأة، وما سيليه سيصدم كل الذين تعودوا على مكاسبه.
لم يكن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية مثالياً، لكنه حقق نتائج ملحوظة. أنتجت القيادة الأمريكية أطول فترة دون حرب كبرى بين القوى العظمى في التاريخ الحديث. وتراجع الفقر العالمي بشكل كبير، حيث انخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع من أكثر من نصف سكان العالم في الخمسينيات، إلى أقل من 10%.
"The tragedy is that many Americans, frustrated by the costs of global leadership, fail to recognize the many indirect benefits they’ve received from it."https://t.co/HhKsAm4MZ6
— Sebastian Huluban (@HulubanS) March 1, 2025وتوسع الحكم الديمقراطي إلى مستويات غير مسبوقة. وأنشأت المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية، منتديات لحل النزاعات سلمياً. وحدث كل هذا تحت مظلة التفوق العسكري الأمريكي والالتزام بالنظام الدولي القائم على القواعد. إن تلك الحقبة انتهت، ليس بحدث حاسم، لكن بالتخلي الأمريكي عنها عمداً.
ولفت الكاتب إلى أن المطالب الأخيرة للرئيس دونالد ترامب، من محاولة شراء غرينلاند من الدانمارك رغم إرادتها، والتهديد بفرض تعريفات عقابية ضد الحلفاء والجيران، إلى إجبار أوكرانيا على تسليم الثروة المعدنية مقابل استمرار الدعم الأمريكي، تشير إلى تحول جوهري. وتتخلى أمريكا عن دورها مسؤولة عن النظام لمصلحة التحول إلى مجرد قوة عظمى أخرى لا تهتم إلا بمصالحها. وستكون العواقب واسعة النطاق وشديدة.
Pax Americana: deposing leaders, seizing turf, redrawing borders—all while two powers carved up the world /2https://t.co/nXRun8i5wh
— Brandon Zicha (@ProfBZZZ) March 1, 2025يرى الكاتب أن الضمانات الأمنية التي منعت نشوب الصراعات المسلحة، ستضعف.وطيلة عقود ردع المعتدون المحتملون عند معرفة أن مهاجمة حلفاء أمريكا من شأنه أن يؤدي إلى تدخلها. ومع تآكل هذه المصادقية، فإن القوى الانتهازية ستختبر الحدود. فتايوان معرضة لخطر أكبر من الصين، ودول البلطيق والدول الأخرى المتاخمة لروسيا أكثر عرضة للخطر.
وستتحول الدول الأصغر، على نحو متزايد، بيادق في منافسات القوى العظمى. فخلال "السلام الأمريكي"، كان بوسع الدول الصغيرة أن تمضي في علاقاتها الدولية باستقلالية معقولة، محمية بالمعايير الدولية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي النظام الناشئ متعدد الأقطاب، ستواجه هذه البلدان الإكراه من القوى الإقليمية التي تسعى إلى إنشاء مناطق نفوذ.
ونحن نشهد فعلاً هذه الديناميكية مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواقف العدوانية المتزايدة من الصين في بحر الصين الجنوبي. ومثلها كمثل أسماك القرش التي تشم رائحة الدم في الماء، تستعد القوى المعادية للعودة إلى عالم حيث، كما كتب ثوسيديديس الشهير "الأقوياء يفعلون ما في وسعهم، والضعفاء يعانون ما وجب عليهم". ستصبح الحروب الكبرى بين الدول أكثر شيوعاً مما كانت عليه خلال العقود الماضية.
وغير بعيد، سيصبح اختلال توازن القوى بين الدول النووية وغير النووية أكثر وضوحاً وخطورة. خلال فترة "السلام الأمريكي"، حمت المظلة النووية الأمريكية الحلفاء، ما أدى إلى تقليل حوافز الانتشار النووي. وبما أن هذه الحماية باتت غير جديرة بالثقة، فستواجه البلدان خياراً صارخاً، إما تطوير أسلحة نووية، أو قبول الضعف. ومن المرجح أن تكون النتيجة انتشاراً للنووي، ما يزيد خطر سوء التقدير والحوادث واندلاع سباقات التسلح الإقليمية.
وسيعاني الازدهار الاقتصادي مع تفكك الاقتصاد العالمي المتكامل. لقد خلق النظام الذي تقوده الولايات المتحدة الظروف المثالية للعولمة، بممرات شحن آمنة، وقواعد يمكن التنبؤ بها، وتجارة حرة نسبياً. ودون قوة عظمى تعمل على فرض هذه المعايير، سترتفع النزعة الحمائية، وستتمركز سلاسل التوريد، وتتراجع الكفاءة الاقتصادية.
إن الدول الأكثر فقراً، التي استفادت بشكل كبير من الاندماج في الأسواق العالمية، ستعاني أكثر من غيرها مع تراجع الاستثمار إلى ملاذات أكثر أماناً. وستشهد الدول الأكثر ثراءً انخفاضاً في مستوى معيشتها بسبب منع الوصول إلى الأسواق التي توفر عمالة أرخص.
والمأساة هي أن الكثير من الأمريكيين، الذين يشعرون بالإحباط من تكاليف القيادة العالمية، يفشلون في إدراك الفوائد غير المباشرة العديدة التي حصلوا عليها منها. صحيح أن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية لم يكن حراً، ولكن بتحمل تلك التكاليف، تمكنا من الحفاظ على عالم يفضي بشكل ملحوظ إلى صون مصالح الولايات المتحدة. إن عصر الأسواق المستقرة للصادرات، والقدرة على الوصول إلى الموارد بشكل موثوق، والقليل من التهديدات الأمنية المباشرة، يقترب من نهايته، مع ابتعادنا عن دور القوة المهيمنة الخيّرة نسبياً.
ومن شأن الفوضى المقبلة أن تلحق الضرر بالأمريكيين أكثر مما يدركون، وذلك بالتهديدات العسكرية المتزايدة والاضطرابات الاقتصادية. إن الذين يحتفلون بتراجع أمريكا عن القيادة العالمية، سيدركون قريباً أن أمنيتهم قد تحققت على مخلب قرد. إن العالم الذي سيتبع "السلام الأمريكي" سيكون أكثر فقراً، وأكثر خطورة، وأقل حرية، وهو درس قاس عن مدى تحسن النظام المنقوص، الذي تقوده الولايات المتحدة مقارنة مع البدائل التي يقدمها التاريخ.