سودانايل:
2024-11-18@10:21:24 GMT

المركزية الديمقراطية … أُس العِلَّة (6)

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

المركزية الديمقراطية التي أُعيدت للائحة في مؤتمر الحزب السادس هي أُس العِلَّة والداء العضال الذي فتك بكل التجارب السابقة في المعسكر الشرقي. وسأتوقف عندها هنا نظريا وعملياً، وأبين كيف أنها وباء فتاك لا عِلاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، بل هي خصم لدود للديمقراطية ولكل ما ديمقراطي.
فالديمقراطية كمفهوم فلسفي مرادف للحرية، تعد، حتى الآن، أفضل ما توصل إليه الإنسان في إدارة شئونه المجتمعية.

وهي عبارة عن عقد اجتماعي يتيح للأفراد في أي كيان مشترك المشاركة في اتخاذ القرارات. في ظلها يتمتع العضو بالسلطة العليا، ويمارس هذه السلطة إما مباشرة (بممارسة الاستفتاءات والتصويت على القرارات) أو غير مباشرة (بالرجوع إلى انتخاب ممثلين عنه). والديمقراطية تضمن حماية الحقوق والحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع وحقوق الأقليات. الهدف الرئيسي للديمقراطية هو تحقيق نظام عادل يعبّر عن إرادة الجماعة ويحترم حقوق الأفراد، أما المركزية فهي ترسخ لحكم الفرد والدكتاتورية، وهي في جوهرها مفهوم مضاد للحرية وجمعها مع الديمقراطية في مصلح سياسي واحد (المركزية الديمقراطية) كالجمع بين النقيضين ليس أكثر من تضليل سياسي وضحك على الذقون.
المركزية الديمقراطية هي مفهوم أو مبدأ لينيني فرضته ظروف الثورة البلشفية في روسيا بامتداداتها الشاسعة، حيث كان لابد من وجود مركز واحد للقيادة. الهدف منها هو الربط بين الوحدة الفكرية داخل الحزب (الأيديولوجية)، ووحدته التنظيمية (الهيكل التنظيمي الهرمي). أهم مبادئها إلزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا، وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، هذا حتى تتم السيطرة بواسطة الوحدة التنظيمية والوحدة الفكرية، بالنسبة للحزب الشيوعي بين في لائحته أهم تلك المبادئ في المركزية الديمقراطية مع التأكيد على حق الأقلية في الاحتفاظ برأيها، وعلى الأغلبية احترام ذلك الرأي، وانتخاب جميع الهيئات القيادية في الحزب من القاعدة إلى القمة بصورة ديمقراطية هذا هو المفهوم الحزبي على المستوى النظري لكن التطبيق العملي شيء آخر! حيث لا توجد أي آليه أو منابر يمكن من خلالها للأقلية بلورة رأيها والدعاية له ونشره أو الدفاع عنه، كما ليس هناك أي توضيح للكيفية التي يمكن للأقلية الاحتفاظ برأيها، دون خرق للائحة، حتى انتخاب المكاتب والقيادات تتم بترشيح وتذكية من الهيئات والمكاتب الأعلى، وفي المؤتمرات تقدم القيادة قائمة لمرشحيها وأي محاولة لمنافستها مجرد إجراءات شكلية لا طائل منها، والأمَرَّ من ذلك ما يحدث في التنظيمات الديمقراطية من اتحاد شباب وجباه ديمقراطية يتم اختيار المرشحين باستعمال (الفراكشن) الحزبي وتكون الانتخابات مجرد إجراء صوري لا يسمن ولا يغني عن جوع، والديمقراطيون الحلفاء الذين يتقاسمون نفس خندق النضال مع الشيوعيين يعيشون مرارة هذه الهيمنة الحزبية على كافة أنشطتهم وبرامجهم واختيار قياداتهم. لذا فأي حديث عن الديمقراطية لا يخرج عن كونه شكل من الاستهبال السياسي كما وصفه الراحل الخاتم عدلان. هذا الوضع ليس فقط في الحزب الشيوعي السوداني الذي على الدوام في كفة المعارضة، ولكنه الحال في كل الأحزاب الشيوعية التي كانت على سدة السلطة، تحولت هذه السلطة بفضل المركزية والقرارات الفوقية وانعدام الشفافية إلى دكتاتورية بغيضة إلى أن جرفها طوفان الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية الحقيقية.
إن المركزية الديمقراطية تفرز قيادة تحتكر لنفسها الديمقراطية، وتفرخ قاعدة تسبح بحمدها وتنسج حولها الأساطير، ويكون الولاء والطاعة هو المعيار للترقي والتصعيد من القاعدة للقيادة. لذا فلا غرو أن نجد كثير من الكوادر الضعيفة فكرياً في مراكز القيادة، بعد أن حلت الطاعة والعلاقات الشخصية والاستلطاف مكان الالتزام والقدرة على العطاء العملي والفكري في العمل الحزبي، مما أدى للأزمة الراهنة في قيادة الحزب.
عموماً من أكبر المخاطر في تطبيق المركزية الديمقراطية إنها تقود إلى الديكتاتورية وسيطرة الفرد، حيث تؤدى إلى أن تحل مكاتب الحزب التنظيمية محل الحزب كله، وأن تحل اللجنة المركزية محل مكاتب الحزب، وفى النهاية تتلخص اللجنة المركزية في مكتب أو هيئة، وينتهي ذلك المكتب أو الهيئة ومن ثم الحزب كله في يد فرد.
في المؤتمر الخامس تم إلغاء المركزية الديمقراطية، لكن لم يتم أي نقد جاد لها أو للممارسات التي نتجت عنها. على الرغم من الاحتفاظ ببعض ملامحها فإنه كان من الواضح أن الحزب قد تجاوزها في صمت، لذا لم يكن مفاجئاً أن تطل بوجهها القبيح، وبطريقة أكثر سفوراً من سابقتها، في مؤتمر الحزب السادس، الذي جعل منها أساس الوحدة الفكرية. وهي حالة خاصة ربما لم تشهدها أكثر الأحزاب الشيوعية تشدداً في التاريخ، كما ورد في مقدمة الدستور (أن وحدة الحزب تكون على أساس مبدأ المركزية الديمقراطية) على الرغم من التأكيد في نفس المقدمة بأن (الحزب يستند في بنيانه وممارسته كتنظيم ماركسي، إلى المبادئ الواردة في نظرية البناء الحزبي الماركسي). فأين المركزية الديمقراطية في الماركسية؟! فالماركسية بريئة من مفهوم أو مبدأ "المركزية الديمقراطية" براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وهي إضافة لينينية فرضها ظرف محدد، وكان لينين قد تنبه في أواخر أيامه لخطرها، لكنه لم يتمكن من كبح جماحها. فالقيادات الحزبية ما كان لها أن تتنازل عن امتيازاتها المكتسبة نتيجة تطبيق ذلك المبدأ الذي أفرز الستالينية بكل جبروتها وسطوتها.
كان الأجدى والأسلم، على الأقل نظرياً، بعد التأكيد في دستور الحزب على أنه حزب ماركسي، أن يذكر بأن الوحدة الفكرية تقوم على مبادئ النظرية الماركسية، أو على أسس الاشتراكية العلمية بأبعادها الثلاث ... الفلسفية، والتاريخية، والاقتصادية، بدلاً عن قيام وحدته الفكرية على أساس ما يطرحه المركز، كأننا في مؤسسة عسكرية وليس حزب سياسي يقاتل من أجل إرساء أسس الديمقراطية والحكم الرشيد.
والادعاء بأن المركزية الديمقراطية تحمي حق الأقلية، هو ادعاء كاذب ومضلل تدحضه اللائحة التي تحظر أي شكّل للتكتلات والاتصالات الجانبية. فكيف تتشكل الأقلية وتبلور رأيها؟ لا يمكن لأي شخص الإجابة على هذا السؤال، ربما الأقلية يعنى بها الفرد، أما لو كانا اثنان أو أكثر فهو تكتل وتواطؤ واتصال جانبي وتآمر بالتالي فهو فعل محظور يعرض فاعليه للإيقاف والتحقيق وربما الفصل، كما جرى مع الدكتور الشفيع خضر، حاتم قطان، هاشم تلب، على الرغم من عدم إثبات تلك الفرية عليهم، فإنه تم فصلهم ولم يشفع لهم تاريخهم النضالي في الحزب.
وللحديث بقية ...
في الخميس القادم (7) الأسباب الموضوعية للتشكيك في القيادة الحالية

عاطف عبدالله  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المرکزیة الدیمقراطیة الوحدة الفکریة

إقرأ أيضاً:

تحرير 64 محضر ضبط جمركي بواسطة رجال الإدارة المركزية لجمارك مطار القاهرة

نجحت سلطات جمارك مطار القاهرة الدولي برئاسة الدكتور ماجد موسي رئيس الإدارة المركزية، في تحرير 64 محضر ضبط جمركي خلال شهر أكتوبر المنقضي ضد ركاب أجانب ومصريين لتتزايد الإنجازات المحققة بواسطة رجال الإدارة المركزية، وكانت المضبوطات عبارة عن مخدرات بأنواعها «حشيش، وعبوات متنوعة تحتوي علي مخدر وزيت الماريجوانا، شرائط وادوية بها اقراص وكبسولات لعقاقير مدرجة في جداول المخدرات، وعقار سولبادين المدرج بجداول المخدرات أيضا»، أسلحة بيضاء متنوعة «خناجر وبندقية ضغط هواء ومنظار يركب على سلاح ناري» كما جاءت المضبوطات عبارة عن بضائع بمختلف أنواعها ( تليفونات، نظارات، مستلزمات وقساطر وأجهزة طبية ومستلزمات طب الاسنان، مستحضرات تجميل، قطع غيار متنوعة، مستلزمات التليفون المحمول، ادوية تخسيس واخري باهظة الثمن، ادوية بيطرية، مستلزمات شيش الكترونية، عدسات لماكينات تصوير مشغولات ذهبية والماس وعملة اجنبية ومصرية.

جمارك مطار القاهرة

يذكر انه تم تحرير 190 محضر ضبط جمركي في شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر الماضية، ليصل اجمالي المحاضر التي تم تحريرها بواسطة رجال الإدارة المركزية لجمارك مطار القاهرة الدولي بقيادة الدكتور ماجد موسى الي ٢٥٤ محضر ضبط خلال اشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر واكتوبر الماضية.

يأتي ذلك في ظل تنفيذ القوانين بأسلوب وأداء وتعامل راقي مع الركاب مواطنين وأجانب رغم تنوع وتطور طرق الاخفاء والتحايل بواسطة الركاب محاولي التهريب ومخالفي القوانين.

أيضا تم ذلك بمجهود كبير ومتميز لكافة الإدارات بالإدارة المركزية سواء القائمين على التفتيش بالتعاون والتناغم مع إدارات الفحص بالأشعة برئاسة الدكتور سعد سالم رئيس الإدارة المركزية لتكنولوجيا الالتزام وإدارة الامن الجمركي والإدارات الصباحية وابرزهم الشئون القانونية والفنية والمالية وإدارات الوديعة والمحجوزات، وبمتابعة مستمرة من رئيس مصلحة الجمارك الشحات غتوري.

اقرأ أيضاًرئيس الوزراء يستقبل نظيره الماليزي بمطار القاهرة الدولي

ضبط 3 ركاب بمطار القاهرة بحوزتهم عملات أثرية وأجنبية وأقراص مخدرة

وزارة الطيران: المجال الجوي المصري آمن.. ورفع حالة الاستعداد القصوى بمطار القاهرة الدولي

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة يكرّم مصطفى الفقي ويحتفي بإسهاماته الفكرية: نموذج في الإخلاص للوطن
  • قراءة في الجذور الفكرية للحركة الإسلامية السودانية والحصاد المر
  • كامالا هاريس تجمع مليار دولار لحملتها الديمقراطية رغم الخسارة أمام ترامب
  • المناطق الآمنة … لماذا و لمن ؟!
  • طلاب التربية الفكرية بقنا يحصدون مراكز متقدمة في البطولة الإقليمية للكاراتيه والرسم
  • تحرير 64 محضر ضبط جمركي بواسطة رجال الإدارة المركزية لجمارك مطار القاهرة
  • العلامة محمد مفتاح واللواء عبدالخالق الحوثي يفتتحان معرض صور شهداء المنطقة العسكرية المركزية
  • هذه هي أهم العوامل التي تُسقط الأنظمة الديمقراطية
  • تقارير التخدير … والتخدير بالتقارير
  • جامعة الأقصر تنظم ندوة تثقيفية بعنوان "بناء الهوية الوطنية والولاء في عصر الحروب الفكرية"