المركزية الديمقراطية … أُس العِلَّة (6)
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
المركزية الديمقراطية التي أُعيدت للائحة في مؤتمر الحزب السادس هي أُس العِلَّة والداء العضال الذي فتك بكل التجارب السابقة في المعسكر الشرقي. وسأتوقف عندها هنا نظريا وعملياً، وأبين كيف أنها وباء فتاك لا عِلاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، بل هي خصم لدود للديمقراطية ولكل ما ديمقراطي.
فالديمقراطية كمفهوم فلسفي مرادف للحرية، تعد، حتى الآن، أفضل ما توصل إليه الإنسان في إدارة شئونه المجتمعية.
المركزية الديمقراطية هي مفهوم أو مبدأ لينيني فرضته ظروف الثورة البلشفية في روسيا بامتداداتها الشاسعة، حيث كان لابد من وجود مركز واحد للقيادة. الهدف منها هو الربط بين الوحدة الفكرية داخل الحزب (الأيديولوجية)، ووحدته التنظيمية (الهيكل التنظيمي الهرمي). أهم مبادئها إلزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا، وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، هذا حتى تتم السيطرة بواسطة الوحدة التنظيمية والوحدة الفكرية، بالنسبة للحزب الشيوعي بين في لائحته أهم تلك المبادئ في المركزية الديمقراطية مع التأكيد على حق الأقلية في الاحتفاظ برأيها، وعلى الأغلبية احترام ذلك الرأي، وانتخاب جميع الهيئات القيادية في الحزب من القاعدة إلى القمة بصورة ديمقراطية هذا هو المفهوم الحزبي على المستوى النظري لكن التطبيق العملي شيء آخر! حيث لا توجد أي آليه أو منابر يمكن من خلالها للأقلية بلورة رأيها والدعاية له ونشره أو الدفاع عنه، كما ليس هناك أي توضيح للكيفية التي يمكن للأقلية الاحتفاظ برأيها، دون خرق للائحة، حتى انتخاب المكاتب والقيادات تتم بترشيح وتذكية من الهيئات والمكاتب الأعلى، وفي المؤتمرات تقدم القيادة قائمة لمرشحيها وأي محاولة لمنافستها مجرد إجراءات شكلية لا طائل منها، والأمَرَّ من ذلك ما يحدث في التنظيمات الديمقراطية من اتحاد شباب وجباه ديمقراطية يتم اختيار المرشحين باستعمال (الفراكشن) الحزبي وتكون الانتخابات مجرد إجراء صوري لا يسمن ولا يغني عن جوع، والديمقراطيون الحلفاء الذين يتقاسمون نفس خندق النضال مع الشيوعيين يعيشون مرارة هذه الهيمنة الحزبية على كافة أنشطتهم وبرامجهم واختيار قياداتهم. لذا فأي حديث عن الديمقراطية لا يخرج عن كونه شكل من الاستهبال السياسي كما وصفه الراحل الخاتم عدلان. هذا الوضع ليس فقط في الحزب الشيوعي السوداني الذي على الدوام في كفة المعارضة، ولكنه الحال في كل الأحزاب الشيوعية التي كانت على سدة السلطة، تحولت هذه السلطة بفضل المركزية والقرارات الفوقية وانعدام الشفافية إلى دكتاتورية بغيضة إلى أن جرفها طوفان الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية الحقيقية.
إن المركزية الديمقراطية تفرز قيادة تحتكر لنفسها الديمقراطية، وتفرخ قاعدة تسبح بحمدها وتنسج حولها الأساطير، ويكون الولاء والطاعة هو المعيار للترقي والتصعيد من القاعدة للقيادة. لذا فلا غرو أن نجد كثير من الكوادر الضعيفة فكرياً في مراكز القيادة، بعد أن حلت الطاعة والعلاقات الشخصية والاستلطاف مكان الالتزام والقدرة على العطاء العملي والفكري في العمل الحزبي، مما أدى للأزمة الراهنة في قيادة الحزب.
عموماً من أكبر المخاطر في تطبيق المركزية الديمقراطية إنها تقود إلى الديكتاتورية وسيطرة الفرد، حيث تؤدى إلى أن تحل مكاتب الحزب التنظيمية محل الحزب كله، وأن تحل اللجنة المركزية محل مكاتب الحزب، وفى النهاية تتلخص اللجنة المركزية في مكتب أو هيئة، وينتهي ذلك المكتب أو الهيئة ومن ثم الحزب كله في يد فرد.
في المؤتمر الخامس تم إلغاء المركزية الديمقراطية، لكن لم يتم أي نقد جاد لها أو للممارسات التي نتجت عنها. على الرغم من الاحتفاظ ببعض ملامحها فإنه كان من الواضح أن الحزب قد تجاوزها في صمت، لذا لم يكن مفاجئاً أن تطل بوجهها القبيح، وبطريقة أكثر سفوراً من سابقتها، في مؤتمر الحزب السادس، الذي جعل منها أساس الوحدة الفكرية. وهي حالة خاصة ربما لم تشهدها أكثر الأحزاب الشيوعية تشدداً في التاريخ، كما ورد في مقدمة الدستور (أن وحدة الحزب تكون على أساس مبدأ المركزية الديمقراطية) على الرغم من التأكيد في نفس المقدمة بأن (الحزب يستند في بنيانه وممارسته كتنظيم ماركسي، إلى المبادئ الواردة في نظرية البناء الحزبي الماركسي). فأين المركزية الديمقراطية في الماركسية؟! فالماركسية بريئة من مفهوم أو مبدأ "المركزية الديمقراطية" براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وهي إضافة لينينية فرضها ظرف محدد، وكان لينين قد تنبه في أواخر أيامه لخطرها، لكنه لم يتمكن من كبح جماحها. فالقيادات الحزبية ما كان لها أن تتنازل عن امتيازاتها المكتسبة نتيجة تطبيق ذلك المبدأ الذي أفرز الستالينية بكل جبروتها وسطوتها.
كان الأجدى والأسلم، على الأقل نظرياً، بعد التأكيد في دستور الحزب على أنه حزب ماركسي، أن يذكر بأن الوحدة الفكرية تقوم على مبادئ النظرية الماركسية، أو على أسس الاشتراكية العلمية بأبعادها الثلاث ... الفلسفية، والتاريخية، والاقتصادية، بدلاً عن قيام وحدته الفكرية على أساس ما يطرحه المركز، كأننا في مؤسسة عسكرية وليس حزب سياسي يقاتل من أجل إرساء أسس الديمقراطية والحكم الرشيد.
والادعاء بأن المركزية الديمقراطية تحمي حق الأقلية، هو ادعاء كاذب ومضلل تدحضه اللائحة التي تحظر أي شكّل للتكتلات والاتصالات الجانبية. فكيف تتشكل الأقلية وتبلور رأيها؟ لا يمكن لأي شخص الإجابة على هذا السؤال، ربما الأقلية يعنى بها الفرد، أما لو كانا اثنان أو أكثر فهو تكتل وتواطؤ واتصال جانبي وتآمر بالتالي فهو فعل محظور يعرض فاعليه للإيقاف والتحقيق وربما الفصل، كما جرى مع الدكتور الشفيع خضر، حاتم قطان، هاشم تلب، على الرغم من عدم إثبات تلك الفرية عليهم، فإنه تم فصلهم ولم يشفع لهم تاريخهم النضالي في الحزب.
وللحديث بقية ...
في الخميس القادم (7) الأسباب الموضوعية للتشكيك في القيادة الحالية
عاطف عبدالله
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المرکزیة الدیمقراطیة الوحدة الفکریة
إقرأ أيضاً:
يوم القدس العالمي… يا قدس على العهد
تأتي هذه الذكرى العظيمة ونحن نعيش أحداثاً فاصلة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب المحتل وفي زمان معركة طوفان الأقصى المجيدة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد إن كادت على وشك التصفية والغروب تحت سقف العمالة والانبطاح والرضوخ والانصياع للقوانين الصهيونية: أتت هذه الذكرى في هذه المدة الزمنية التي حملت بين ثناياها بشارات كبرى أزاحت الستار عن واقع الأعداء المهزوم وأظهرت ضعف وهشاشة الكيان المؤقت وهدمت كل مشاريع اللوبي الصهيوني ووكلائه وعملائه في أصقاع الدنيا.
في يوم القدس العالمي اليوم الجامع لكل أبناء الأمة وأحرارها من حيث الانتماء الإيماني والأخلاقي وكذلك الانتماء الديني، تبرز لنا أهمية إحياء هذا اليوم في النفوس جهاداً وإستنفاراً وفي واقع الميدان إعداداً ومواجهةً للعدوّ المتغطرس الأرعن .
فيوم القدس العالمي لا يخص الفلسطينيين أنفسهم فحسب بل يعنينا جميعاً كأمة عربية إسلامية تواجه عالماً كافراً معادياً يستهدفها في دينها وقيمها ومبادئها ومقدساتها، وتواجه أيضاً هجمةً شرسة كبرى في كل المجالات وبمختلف الوسائل والأساليب .
وفي هذا اليوم العظيم الذي يعتبر جهاداً في سبيل الله ونصرةً لدينه ومقدساته يجب أن تتحرك فيه كل الشعوب والبلدان العربية والإسلامية لتخلق ثورةً عارمة تجرف كيان الاحتلال وتبعثر كل رهاناته الفاشية وتسقط كل أوراقه وتطمس كل أحلامه الوهمية .
إن إحياء يوم القدس هو إحياءً للقضية الفلسطينية في جوهرها ومضمونها الأقدس ولتبقى فلسطين حاضرةً في أوساط الشعوب والقدس قبلة الأحرار ورمز الثورة الكبرى ومنبر الثائرين، فلنحيي هذا اليوم وعياً وإيماناً، ولنحييه حباً وانتماءً ولنجعل من هذا اليوم التاريخي العظيم منطلقاً ننطلق من خلاله لاجتثاث الغدة السرطانية وانتزاع الحق الفلسطيني من أيادي الغزاة والمحتلين وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والاستقلال .
شعبنا اليمني العظيم سيخرج في هذا اليوم بحشوده الهادرة والمليونية وسيعلنها صرخة صاخبة مدوية تهتف بشعار الحق والحرية وشعار “الموت لإسرائيل” وسترافق صرخاتهم صواريخ “فرط صوتية” و”مسيرات” تجتاح المسافات وترسل رسالتها لكل العالم بإن فلسطين وجهتنا والقدس بإذن الله موعدنا.