سودانايل:
2025-01-18@01:55:43 GMT

المركزية الديمقراطية … أُس العِلَّة (6)

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

المركزية الديمقراطية التي أُعيدت للائحة في مؤتمر الحزب السادس هي أُس العِلَّة والداء العضال الذي فتك بكل التجارب السابقة في المعسكر الشرقي. وسأتوقف عندها هنا نظريا وعملياً، وأبين كيف أنها وباء فتاك لا عِلاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، بل هي خصم لدود للديمقراطية ولكل ما ديمقراطي.
فالديمقراطية كمفهوم فلسفي مرادف للحرية، تعد، حتى الآن، أفضل ما توصل إليه الإنسان في إدارة شئونه المجتمعية.

وهي عبارة عن عقد اجتماعي يتيح للأفراد في أي كيان مشترك المشاركة في اتخاذ القرارات. في ظلها يتمتع العضو بالسلطة العليا، ويمارس هذه السلطة إما مباشرة (بممارسة الاستفتاءات والتصويت على القرارات) أو غير مباشرة (بالرجوع إلى انتخاب ممثلين عنه). والديمقراطية تضمن حماية الحقوق والحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع وحقوق الأقليات. الهدف الرئيسي للديمقراطية هو تحقيق نظام عادل يعبّر عن إرادة الجماعة ويحترم حقوق الأفراد، أما المركزية فهي ترسخ لحكم الفرد والدكتاتورية، وهي في جوهرها مفهوم مضاد للحرية وجمعها مع الديمقراطية في مصلح سياسي واحد (المركزية الديمقراطية) كالجمع بين النقيضين ليس أكثر من تضليل سياسي وضحك على الذقون.
المركزية الديمقراطية هي مفهوم أو مبدأ لينيني فرضته ظروف الثورة البلشفية في روسيا بامتداداتها الشاسعة، حيث كان لابد من وجود مركز واحد للقيادة. الهدف منها هو الربط بين الوحدة الفكرية داخل الحزب (الأيديولوجية)، ووحدته التنظيمية (الهيكل التنظيمي الهرمي). أهم مبادئها إلزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا، وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، هذا حتى تتم السيطرة بواسطة الوحدة التنظيمية والوحدة الفكرية، بالنسبة للحزب الشيوعي بين في لائحته أهم تلك المبادئ في المركزية الديمقراطية مع التأكيد على حق الأقلية في الاحتفاظ برأيها، وعلى الأغلبية احترام ذلك الرأي، وانتخاب جميع الهيئات القيادية في الحزب من القاعدة إلى القمة بصورة ديمقراطية هذا هو المفهوم الحزبي على المستوى النظري لكن التطبيق العملي شيء آخر! حيث لا توجد أي آليه أو منابر يمكن من خلالها للأقلية بلورة رأيها والدعاية له ونشره أو الدفاع عنه، كما ليس هناك أي توضيح للكيفية التي يمكن للأقلية الاحتفاظ برأيها، دون خرق للائحة، حتى انتخاب المكاتب والقيادات تتم بترشيح وتذكية من الهيئات والمكاتب الأعلى، وفي المؤتمرات تقدم القيادة قائمة لمرشحيها وأي محاولة لمنافستها مجرد إجراءات شكلية لا طائل منها، والأمَرَّ من ذلك ما يحدث في التنظيمات الديمقراطية من اتحاد شباب وجباه ديمقراطية يتم اختيار المرشحين باستعمال (الفراكشن) الحزبي وتكون الانتخابات مجرد إجراء صوري لا يسمن ولا يغني عن جوع، والديمقراطيون الحلفاء الذين يتقاسمون نفس خندق النضال مع الشيوعيين يعيشون مرارة هذه الهيمنة الحزبية على كافة أنشطتهم وبرامجهم واختيار قياداتهم. لذا فأي حديث عن الديمقراطية لا يخرج عن كونه شكل من الاستهبال السياسي كما وصفه الراحل الخاتم عدلان. هذا الوضع ليس فقط في الحزب الشيوعي السوداني الذي على الدوام في كفة المعارضة، ولكنه الحال في كل الأحزاب الشيوعية التي كانت على سدة السلطة، تحولت هذه السلطة بفضل المركزية والقرارات الفوقية وانعدام الشفافية إلى دكتاتورية بغيضة إلى أن جرفها طوفان الشعوب المطالبة بالحرية والديمقراطية الحقيقية.
إن المركزية الديمقراطية تفرز قيادة تحتكر لنفسها الديمقراطية، وتفرخ قاعدة تسبح بحمدها وتنسج حولها الأساطير، ويكون الولاء والطاعة هو المعيار للترقي والتصعيد من القاعدة للقيادة. لذا فلا غرو أن نجد كثير من الكوادر الضعيفة فكرياً في مراكز القيادة، بعد أن حلت الطاعة والعلاقات الشخصية والاستلطاف مكان الالتزام والقدرة على العطاء العملي والفكري في العمل الحزبي، مما أدى للأزمة الراهنة في قيادة الحزب.
عموماً من أكبر المخاطر في تطبيق المركزية الديمقراطية إنها تقود إلى الديكتاتورية وسيطرة الفرد، حيث تؤدى إلى أن تحل مكاتب الحزب التنظيمية محل الحزب كله، وأن تحل اللجنة المركزية محل مكاتب الحزب، وفى النهاية تتلخص اللجنة المركزية في مكتب أو هيئة، وينتهي ذلك المكتب أو الهيئة ومن ثم الحزب كله في يد فرد.
في المؤتمر الخامس تم إلغاء المركزية الديمقراطية، لكن لم يتم أي نقد جاد لها أو للممارسات التي نتجت عنها. على الرغم من الاحتفاظ ببعض ملامحها فإنه كان من الواضح أن الحزب قد تجاوزها في صمت، لذا لم يكن مفاجئاً أن تطل بوجهها القبيح، وبطريقة أكثر سفوراً من سابقتها، في مؤتمر الحزب السادس، الذي جعل منها أساس الوحدة الفكرية. وهي حالة خاصة ربما لم تشهدها أكثر الأحزاب الشيوعية تشدداً في التاريخ، كما ورد في مقدمة الدستور (أن وحدة الحزب تكون على أساس مبدأ المركزية الديمقراطية) على الرغم من التأكيد في نفس المقدمة بأن (الحزب يستند في بنيانه وممارسته كتنظيم ماركسي، إلى المبادئ الواردة في نظرية البناء الحزبي الماركسي). فأين المركزية الديمقراطية في الماركسية؟! فالماركسية بريئة من مفهوم أو مبدأ "المركزية الديمقراطية" براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وهي إضافة لينينية فرضها ظرف محدد، وكان لينين قد تنبه في أواخر أيامه لخطرها، لكنه لم يتمكن من كبح جماحها. فالقيادات الحزبية ما كان لها أن تتنازل عن امتيازاتها المكتسبة نتيجة تطبيق ذلك المبدأ الذي أفرز الستالينية بكل جبروتها وسطوتها.
كان الأجدى والأسلم، على الأقل نظرياً، بعد التأكيد في دستور الحزب على أنه حزب ماركسي، أن يذكر بأن الوحدة الفكرية تقوم على مبادئ النظرية الماركسية، أو على أسس الاشتراكية العلمية بأبعادها الثلاث ... الفلسفية، والتاريخية، والاقتصادية، بدلاً عن قيام وحدته الفكرية على أساس ما يطرحه المركز، كأننا في مؤسسة عسكرية وليس حزب سياسي يقاتل من أجل إرساء أسس الديمقراطية والحكم الرشيد.
والادعاء بأن المركزية الديمقراطية تحمي حق الأقلية، هو ادعاء كاذب ومضلل تدحضه اللائحة التي تحظر أي شكّل للتكتلات والاتصالات الجانبية. فكيف تتشكل الأقلية وتبلور رأيها؟ لا يمكن لأي شخص الإجابة على هذا السؤال، ربما الأقلية يعنى بها الفرد، أما لو كانا اثنان أو أكثر فهو تكتل وتواطؤ واتصال جانبي وتآمر بالتالي فهو فعل محظور يعرض فاعليه للإيقاف والتحقيق وربما الفصل، كما جرى مع الدكتور الشفيع خضر، حاتم قطان، هاشم تلب، على الرغم من عدم إثبات تلك الفرية عليهم، فإنه تم فصلهم ولم يشفع لهم تاريخهم النضالي في الحزب.
وللحديث بقية ...
في الخميس القادم (7) الأسباب الموضوعية للتشكيك في القيادة الحالية

عاطف عبدالله  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المرکزیة الدیمقراطیة الوحدة الفکریة

إقرأ أيضاً:

محافظ سوهاج يبحث مع وكيل الصحة تشغيل المستشفيات المركزية

ناقش اللواء الدكتور عبد الفتاح سراج محافظ سوهاج، مع الدكتور عمرو دويدار وكيل وزارة الصحة بسوهاج، خطة مديرية الصحة لتشغيل المستشفيات المركزية، بعد الانتهاء من تطويرها، والذي يعد الأكبر منذ تاريخ إنشائها، وتشمل تلك المشروعات مستشفى طما المركزي، ومستشفى ساقلتة المركزي، بالإضافة إلى المبنى البديل لمستشفى المراغة المركزي، وكذلك وحدة الحروق المتخصصة بمستشفى سوهاج العام، وهي الأولى من نوعها بصعيد مصر، وذلك ضمن جهود الدولة لرفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة بالمستشفيات والمنشآت الصحية المختلفة.

وأوضح وكيل وزارة الصحة أن نسب الانجاز في تلك المستشفيات تخطت 98%، مشيرًا إلى أن مستشفى طما المركزي مقامة على مساحة ٦ آلاف متر مربع، وتشمل 5 أدوار بطاقة استيعابية ١٤٥ سرير، وتضم ١٥ عيادة خارجية بمختلف التخصصات الطبية، و4 غرف عمليات، بجانب غرفة عمليات النساء والتوليد، و۳۹ ماكينة غسيل كلوي، و۲۹ حضانة، وقسم الاستقبال والطوارئ، والأقسام المختلفة الأخرى، ومن المقرر تشغيلها جزئيا في منتصف فبراير القادم.

وأضاف أنه فيما يخص مستشفى ساقلتة المركزي فقد تمت عملية التطوير بإنشاء مبنى جديد، ورفع كفاءة المبنى القديم القائم وذلك على مساحة 7 الاف و٤٧٣ متر مربع، وبطاقة استيعابية ۱۷۷ سرير، وتشمل دور أرضي وأربع أدوار علوية، ومن المقرر تشغيلها جزئيا في منتصف أبريل القادم. 

وأشار وكيل الوزارة إلى أنه جاري وضع اللمسات النهائية للمبنى المخصص لنقل خدمات مستشفى المراغة المركزي إليه للتيسير على المواطنين وتسهيل حصولهم على الخدمة الطبية بمركز ومدينة المراغة لحين الإنتهاء من أعمال إحلال وتجديد مستشفى المراغة المركزي، لافتا إلى أنه سيتم أيضا الانتهاء خلال أسبوعين من تجهيز أول وحدة متكاملة لعلاج الحروق بمستشفى سوهاج العام لتكون أول وحدة متخصصة في علاج الحروق بصعيد مصر، وتتكون من ثلاث أدوار وتحتوي على "عناية مركزة، وعناية متوسطة، وقسم داخلي، وغرفة عمليات حروق وتجميل ".

وأكد " دويدار " على استعداد وزارة الصحة بالتعاون مع المحافظة لتشغيل تلك المستشفيات فور استلامها والبدء في تجهيزها وتقديم الخدمات الطبية اللازمة للمواطنين، وهو ما سيسهم في تنوع الخدمات الطبية المقدمة لهم بمختلف مراكز المحافظة، وتخفيف العبء عن كاهل مستشفى سوهاج الجامعي، ومستشفى سوهاج العام.

وأضاف وكيل الوزارة أن إعداد خطة تشغيل المستشفيات جاء بالتنسيق مع الإدارة العامة للطب العلاجي، لافتا إلى أن القطاع الصحي بالمحافظة يحظى بدعم كامل من السيد الدكتور وزير الصحة والسكان، والسيد الوزير المحافظ، مؤكدا أن دخول تلك المستشفيات للخدمة سيكون إضافة قوية للمنظومة الصحية بسوهاج.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء الفرنسي يجتاز الاختبار الأول لحكومة الأقلية الجديدة
  • شرطة الشارقة و«الملكية الفكرية» تبحثان تعزيز التعاون والتطوير
  • محافظ سوهاج يبحث مع وكيل الصحة تشغيل المستشفيات المركزية
  • وزير العدل يفتتح الدورة التدريبية الثالثة لأعضاء الجهات القضائية في حقوق الملكية الفكرية
  • قصور الثقافة تحتفل بعيد الشرطة مع طلاب التربية الفكرية
  • افتتاح الدورة التدريبية لأعضاء الهيئات القضائية في مجالات التقاضي لـ «حقوق الملكية الفكرية»
  • وزير العدل يفتتح دورة تدريبية حول الملكية الفكرية لأعضاء الجهات والهيئات
  • بالفيديو.. خالد الجندي: الكهف في حياتنا اليوم هو الملاذ الآمن من السموم الفكرية
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
  • بانتظار ترامب.. ما مصير قوات سوريا الديمقراطية قسد؟