التدخلات الخارجية

رفض الجيش السوداني توسط كينيا في مفاوضات إنهاء الحرب في يوليو 2023 بعد أن اتهم البرهان الرئيس الكيني ويليام روتو بأن له مصالح تجارية مع حميدتي، وبتوفير الدعم لقوات الدعم السريع، وقد رفض الجيش السوداني مقترحا بتدخل قوات أفريقية لحفظ السلام يتم إرسالها عبر الهيئة الحكومية للتنمية  “إيغاد”، وهي منظمة شرق أفريقية إقليمية تضم عددا من دول المنطقة، لأن روتو يرأس المنظمة حاليا، كما اتهم نائب برهان، الجنرال ياسر العطا الرئيس الكيني بأنه مرتزق يخدم مصالح دولة أخرى، وهددت الحكومة السودانية بالانسحاب من منظمة “إيغاد” إلا إذا تنحى روتو من رئاسة المفاوضات التي تقيمها المنظمة.

كما اتهم الجيش السوداني دولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال مساعدات إلى قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم أزمة دبلوماسية بين البلدين بعد تصريحات دبلوماسيين سودانيين في الأمم المتحدة، وقد نفت الخارجية الإماراتية في عدة بيانات رسمية تسليح أي من أطراف النزاع، مؤكدة أيضا عدم تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان، خصوصا وأن ذلك يخالف الحظر المفروض على تسليح الجماعات في السودان منذ حرب دارفور في بدايات الألفية، ففي عام 2005، فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على توريد السلاح إلى الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في دارفور، بسبب النزاع الدائر بين القبائل غير العربية والحكومة السودانية المدعومة بقوات الجنجاويد، ويتهم بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية، الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بمسيرات سبق وأن أرسلتها الإمارات إلى حلفاءها في مناطق صراع أخرى كاليمن وأثيوبيا، كما تم الاستحواذ على صناديق قذائف صربية في مناطق متفرقة بالسودان، تفيد بأنها مستوردة بواسطة الإمارات.

صورة لشحنة أسلحة صربية قال الجيش السوداني أنه استحوذ عليها، وتفيد أنه تم استيرادها عبر الإمارات

ووفقاً لتقرير صدر عن خبراء في الأمم المتحدة، تلقت قوات الدعم السريع دعمًا من خطوط إمداد تمر عبر تشاد، وليبيا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وخلال عام 2024، رصد صحفيون استقصائيون 7 رحلات جوية على الأقل للطائرة Ilyushin 76 EX-76003  من أبوظبي إلى تشاد، مما يدل على استمرارية الجسر الجوي حتى نهاية 2023 وفقًا للتقرير، ويظهر تتبع مسار بعض الطائرات انطلاقها من مطار أبوظبي، مرورا بمطاري نيروبي وكامبالا، قبل أن ينتهي في مطار أم جرس في تشاد، بالقرب من الحدود الغربية للسودان، حيث مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، تنفي الإمارات أن تكون هذه الرحلات تنقل الأسلحة، وتقول إنها مخصصة لتوصيل مساعدات إنسانية، في الوقت نفسه، يتم الحديث عن إمداد الدعم السريع عبر جسر جوي لنقل السلاح بمسيرات تجارية تم تعديلها لتلقي القذائف، حيث ظهرت أدلة على استخدام مسيرات انتحارية من طراز كواد كابتر، مصنوعة من مكونات تجارية، وليست عسكرية.

قال بيان لمسؤول إماراتي إن بلاده بدأت بناء مستشفيين قرب الحدود التشادية مع السودان، وهما مستشفى أم جرس الميداني ومستشفى أبشي الميداني، حيث هرب آلاف المدنيين السودانيين إلى المنطقة نتيجة للمعارك الدائرة، وأن بناء المستشفيين قد تم بعد رفض السلطات السودانية في مايو/أيار 2023 إقامة مستشفى داخل الأراضي السودانية كما قال، وفي بداية 2024، توسعت المعارك إلى مناطق جديدة خارج العاصمة، وتم توثيق مقتل مدنيين في هجمات بالمسيرات لأول مرة في مناطق شمالية وشرقية ووسطى من السودان، وفي يوليو 2024، جرى اتصال هاتفي بين الشيخ محمد بن زايد حاكم الإمارات والفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، بعد أكثر من عام على آخر حديث بينهما، وبعد الأزمة الدبلوماسية وتبادل الاتهامات في جلسات مجلس الأمن وتبادل طرد دبلوماسيين بين البلدين.

ويشكل الكيان الصهيوني هو الآخر جزءًا من المشهد السوداني، حيث اكتسبت المحادثات بين الحكومة والكيان الصهيوني طابعًا أكثر جدية بعد إطاحة عمر البشير، مع سعي القادة العسكريون للتوجه نحو الطرف المعاكس للقاعدة الإسلامية التي اعتمد عليها البشير في ترسيخ حكمه، وذلك من خلال التقارب مع خصومهم، ففي البداية كان هناك خلاف بين العسكريين المؤيدين للتطبيع وبعض الشركاء المدنيين في الحكومة، بما في ذلك عبدالله حمدوك، فعندما تسربت أخبار زيارة عبدالفتاح البرهان إلى العاصمة الأوغندية عنتيبي في 3 فبراير 2020 للقاء نتنياهو سراً، اعتبرت “قوى إعلان الحرية والتغيير”، التي تمثلت في الأحزاب والنقابات التي دفعت لإسقاط عمر البشير، تلك الزيارة مخالفة للإعلان الدستوري الصادر في 2019.

لقاء وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان فبراير 2023

أما بعد انتشار خبر اللقاء وحدوث لقاء علني بين البرهان ووزير الخارجية الإسرائيلي، زعم رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أن حزب الأمة السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي كانا على استعداد لقبول قرار التطبيع إذا حصل على غالبية الأصوات في هيئة تشريعية انتقالية غير منتخبة، أي المنصب الذي يمثله البرهان، وبالمقابل أعلن “تحالف الإجماع الوطني”، الذي يضم “الحزب الشيوعي”، و”البعث العربي الاشتراكي”، و”الناصري”، رفضه القاطع للتطبيع عبر بيان أصدره الجمعة 23 تشرين الأول/أكتوبر السنة، كما رفض حزب الأمة القومي السوداني قرار التطبيع، كانت الحجة الرئيسية في التوجه نحو التطبيع هي اعتماد سياسة واقعية تتفق مع مطالب الولايات المتحدة وسياسات الرعاة الإقليميين مثل الإمارات، وحتى المملكة العربية السعودية التي تفضل أن يكون السودان بعيدًا عن حليفه السابق إيران، وفي يناير 2021، انضم حكام السودان الجدد إلى محادثات “الاتفاقيات الإبراهيمية” بوساطة الولايات المتحدة والإمارات.

في 24 أبريل 2023، بعد بدء الحرب بأيام، عرضت حكومة العدو الصهيوني وساطتها بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، مقترحة استضافة لقاء بينهما في تل أبيب، مما يؤكد عمق التوغل الإسرائيلي في الشأن السياسي والعسكري السوداني، وقد كشف مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية أن وزير الخارجية إيلي كوهين ومدير وزارته رونين ليفي تحدثا مباشرة مع البرهان وحميدتي وطالبوهم بوقف القتال، في حين نقل مسؤولون من الموساد أيضا رسائل إلى طرفي النزاع. وقد قام الجنرال دقلو بالتواصل مرارا مع مسؤولين صهاينة وقوّى علاقاته مع كبار القادة في الموساد والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعلى صعيد منفصل فيما يخص التطبيع، ظهرت الصحفية السودانية نبأ محي الدين في نشرة الأخبار على قناة i24 الإسرائيلية من مدينة بورتسودان في مارس 2024، مما أثار استنكارًا من أحزاب سياسية سودانية.

لقد لعب السودان دورًا بارزًا في الصراع مع الكيان الصهيوني عبر التاريخ العربي الحديث، فقد احتل السودان مكانة مهمة في “عقيدة المحيط” الإسرائيلية، التي تستند إلى فكرة أن الدول العربية تحاصر إسرائيل، لذا فتنبغي محاصرتهم عبر عقد علاقات مع الدول المحيطة بهم، بناءً على هذا، قام الكيان الصهيوني بمحاولات للتقرب من تركيا وإيران في عهد الشاه، وأثيوبيا، وجنوب السودان، وتشير الوثائق إلى اتصالات إسرائيلية مع أحزاب سودانية مثل حزب الأمة منذ الخمسينيات لمناقشة تقديم الدعم الاقتصادي، كما حاول رئيس الوزراء السوداني حينها عبدالله خليل، ذو الخلفية العسكرية، العمل مع الولايات المتحدة على برنامج مساعدات اقتصادية في مقابل الانحياز السياسي ضد الشيوعية في أفريقيا والعمل على محاربة انتشارها، بما يشمل التقارب مع الكيان الصهيوني، ولا يختلف ذلك كثيرا عن القبول السوداني الحالي بالتطبيع مقابل المساعدات والمعونات، وقد استضاف السودان القمة العربية الطارئة بعد هزيمة عام 1967، حيث تم التوافق فيها على “اللاءات الثلاث”: لا سلام، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل، وساهم الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري في تهجير يهود أثيوبيا إلى إسرائيل في الثمانينيات.

أما في عهد عمر البشير، فقد اتسم السودان بالقرب من بعض الإسلاميين محليًا، كما توجه السودان نحو التقارب مع إيران حتى انقطعت العلاقات بين البلدين في عام 2016 تضامنا مع المملكة العربية السعودية التي أغلقت سفارتها في طهران بعد اقتحامها، ودعم السودان حماس من خلال رجال أعمال وقادة إسلاميين، مثل عبدالباسط حمزة الحسن، الذي اعتقلته مصر في يناير 2024. استخدمت حماس السودان كمقر للتدريب والعمليات، وهو ما يتسق مع رغبة إيران في الحصول على موقع في منطقة بورتسودان، التي من الممكن أن تستخدم لنقل الأسلحة والأموال عبر البحر الأحمر إلى حماس في غزة، وقد استمر حضور حماس في السودان حتى بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019

وبالإضافة إلى هذا الإرث التاريخي من الأحداث بين الكيان الصهيوني والسودان، فهنالك مصالح استراتيجية لتواجد الكيان الصهيوني على خارطة النزاع اليوم، حيث يسعى إلى خلق ظروف مناسبة لاستكمال التطبيع بعد وقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية من جديد، ويرتكز عمل الكيان الصهيوني في السودان اليوم على الواقع الميداني، ويتم التواصل مع مختلف الأطراف السودانية عبر مؤسسات إسرائيلية مختلفة كوزارة الخارجية والموساد فضلا عن أشخاص نافذين وجمعيات إغاثة، ومن المهم المحافظة على العلاقة مع القوات المسلحة السودانية ورموزها المختلفة، والتواصل مع عدة قادة عسكريين لضمان استمرارية الاتصالات دون الاعتماد الكامل على سياسيين وعسكريين سودانيين محدودين.

فما يشغل الكيان الصهيوني ليس الحالة السودانية فقط، بل تأثير السودان والقدرة على الانطلاق منه إلى ميادين أخرى مثل تشاد والقرن الأفريقي، وللكيان الصهيوني حضور في دول أفريقية أخرى عبر مؤسسات اقتصادية واستثمارية مثل رواندا وبروندي، كما أن لها وجودا استخباراتيا وأمنيا في دول لم توقع اتفاقيات سلام أو سبق أن أقامت علاقات ثم قطعتها، دول مثل النيجر ومالي والسنغال، ويتم توظيف هذا الحضور في الدول الأفريقية للاطلاع على نشاطات مقاومة ومعادية للكيان الصهيوني ومن المهم ضم السودان إلى هذه الدول بشكل يمكن الكيان الصهيوني من الاستطلاع، والأهم من ذلك إبعاد السودان تماما عن الحلف الإيراني وقطع هذه العلاقات.

ومما يعقد الحرب السودانية أن كل الدول التي تدعم الحرب تسعى لمصالحها وليس لمصلحة الطرف السوداني الذي تزوده بالسلاح، وهذا الدعم الخارجي يحاول أن يحقق المكتسبات دون دفع ثمن مباشر في الميدان ودون اكتراث للأضرار التي تحصل للسودان كبلد وشعب، وهو ما يجعل إيقاف الحرب صعبا، كما يجعلها أكثر تدميرا مع استمرار الدعم الخارجي.

تدخل المجتمع الدولي ومحاولات حل النزاع

جرت أكثر من محاولة لعقد هدنة في أول أسابيع من المعارك وكذلك خلال رمضان الماضي (2024)، ووضعت الحكومة السودانية 4 شروط لتنفيذ الهدنة، شملت خروج قوات الدعم السريع من جميع المناطق التي تسيطر عليها في الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، إضافة إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.

ومنذ بدء الحرب قبل نحو عام، انهارت كل الهدن السابقة بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الحرب، ولم يصمد أي منها سوى لفترات قصيرة، أما مساعي وقف الحرب وإطلاق النار فقد بلغت حتى يوليو 2024 مجموع 9 مبادرات قامت بها الدول العربية والأفريقية والقوى الأوروبية والأمريكية.

لم تنجح حتى الآن أي من الجهود الدولية المبذولة لوقف الحرب، وفشلت وساطات كل من الأمم المتحدة ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تمثلت هذه الجهود الدولية في ثلاث جولات من التفاوض في جدة، إضافة إلى قمتين للهيئة الدولية المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد”، بالإضافة إلى جولات مفاوضات في المنامة على هامش القمة العربية خلال يناير الماضي السنة، وقد أعربت حكومات كينيا، جنوب السودان، وجيبوتي في 17 أبريل السنة عن استعدادها لإرسال رؤسائها كوسطاء إلى السودان، ولكن بسبب إغلاق مطار الخرطوم الدولي على خلفية المعارك الدائرة حوله، أصبح وصولهم صعباً وخطرا.

ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2715، أُغلقت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) في 29 فبراير 2024 بسبب الظروف الصعبة والخطر المتزايد على العاملين في البعثة، وتسعى الدول الوسيطة لتحقيق تحييد المدنيين والمصالح الوطنية السودانية. أما في اتفاق جدة السنة فكانت أبرز البنود المطروحة للاتفاق (والتي لم تلتزم بها أطراف الصراع لاحقا):

التأكيد على ضرورة سماح الجيش وقوات الدعم السريع بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني.الالتزام بسيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان.جعل مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية.حماية كافة المرافق العامة والخاصة في السودان وعدم استخدامها لأغراض عسكرية.تبني إجراءات بسيطة لتنظيم عمليات الإغاثة الإنسانية في السودان.الالتزام بالإعلان الناتج عن هذا الاتفاق دون تأثير على الوضع القانوني أو الأمني أو السياسي للأطراف الموقعة عليه.

ومن جانب الجيش السوداني، تشهد المؤسسة العسكرية انقسامًا في مراكز صنع القرار، حيث أصبح هناك أكثر من مركز قرار كما يتضح من تصريحات قادة الجيش، خاصة أعضاء مجلس القيادة، هذه التصريحات تكشف عن تنازع التيارات السياسية التي تقتسم السيطرة على الجيش، بما في ذلك الإسلاميون الذين يتسمون بالتطرف في التعامل مع قضية إنهاء الحرب، يشير المحلل العسكري حسام الدين بدوي إلى أن عودة الجيش إلى طاولة المفاوضات يتطلب فصل قرارات قادته عن السياسيين المؤثرين عليهم، بينما يروى كمال بولاد من “قوى الإجماع الوطني” أن السياسيين الباقين من عهد البشير ينظرون إلى الوضع الحالي على أنه فرصتهم الأخيرة لاستعادة السلطة من خلال الجيش.

أما القوى المدنية المتمثلة بحركة “تقدم” (تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية السودانية)، فقد اختارت رئيس الوزراء قبل الانقلاب عبدالله حمدوك رئيسا لها، وعلى الرغم من تقديمها لحلول سلمية وتأكيدها على ضرورة تغليب المصالح المشتركة، إلا أنها لا تسيطر على الأحداث الميدانية ولا تمتلك تأثيرًا على المجريات الميدانية للصراع.

يشير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى أن هناك أسباباً للاعتقاد بأن كلا الجانبين ربما يرتكبان جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية خلال هذه الحرب.

السودان إلى أين

يعاني السودان من دمار كبير وتراجع جراء الحرب الحالية، فبحسب مبعوث الأمم المتحدة ورئيس الإتحاد الأفريقي السابق محمد بن شامباس أرجعت الحرب البلاد عقود إلى الوراء، وسيتطلب الأمر أكثر من جيل لإعادة بناء السودان إلى ما كان عليه قبل الحرب، أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، منتصر مأمون، فيرى أن “الحرب ستشهد في عامها الثاني تحولات كبيرة، لأن الطرفين أدخلا عناصر جديدة على خط الصراع، ما ينذر بمعارك ضارية”، مشيرا إلى “صعوبة التكهن بمآلات القتال والغلبة الميدانية”.

الوسومأفريقيا إسرائيل الإمارات الجيش السوداني الحرب الأهلية السودان الكيان الصهيوني تشاد عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع

المصدر: كويت نيوز

كلمات دلالية: أفريقيا إسرائيل الإمارات الجيش السوداني الحرب الأهلية السودان الكيان الصهيوني تشاد عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع عبدالفتاح البرهان الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع الکیان الصهیونی الجیش السودانی الأمم المتحدة فی السودان أکثر من

إقرأ أيضاً:

من قتل جلحة الجنرال المشاغب في الدعم السريع ولماذا يصمت الجيش السوداني؟

الخرطوم- لا يزال السودانيون يتداولون الحكايات والسيناريوهات المختلفة عن مقتل القائد الميداني البارز في قوات الدعم السريع، رحمة الله المهدي، الشهير باسم "جلحة"، الذي لقى مصرعه بالخرطوم يوم الثلاثاء الماضي.

ويُعتبر "جلحة" واحدا من أشهر قادة الدعم السريع، بحيث كان يتنقل بقواته من مختلف المحاور بين الخرطوم والجزيرة وكردفان، وينشط بشكل لافت على وسائط التواصل الاجتماعي.

في هذا التحقيق، تحاول الجزيرة نت الوقوف على الروايات المختلفة عن مقتل "جلحة" المثير للجدل، حيث يقول مراقبون إن العملية تمت بأسلوب المافيا في تصفية المنافسين. وثمة من تحدث عن خفايا اتصالات بين "جلحة" والجيش ومن قام بدور الوسيط في هذه الاتصالات.

وثمة تفاصيل كثيرة عن الخلاف بين جلحة والرجل الثاني في قوات الدعم السريع وهو الجنرال عبد الرحيم دقلو شقيق قائدها محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".

#جلحة
28 يناير 2025م

أعلنت عناصر من #مليشيا_الجنجويد خبر وفاة رئيس حركة شجعان #كردفان والمنضم ل المليشيا جلحة رحمة الله في إحدى المعارك مع الجيش.

وحقيقة الأمر أن جلحة إنسحب من محاور الجزيرة مع عدد من قواته إلى مدينة #بارا وظل يتردد بين بارا و #أم_روابه إلى قبل أيام قليلة
(1\2) pic.twitter.com/z0sHLkMGkV

— أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) January 28, 2025

تساؤلات عن قتله

يوم الثلاثاء الماضي، نعى بعض قادة قوات الدعم السريع الجنرال رحمة المهدي "جلحة". لكن لم تكن الكلمات كافية لإزالة اللبس حول غياب الجنرال المثير للجدل حيث قفزت تساؤلات عن كيف وأين أدرك الموت "جلحة"؟

إعلان

وقبل أن يجد الناس إجابات عن أسئلتهم، كانت رواية أخرى تقول إن جلحة تعرض للتصفية على أيدي رفاقه في الدعم السريع إثر خلافات لم تكن مخفية بين الرجل الذي يعشق الظهور في السوشيال ميديا والحركة المسلحة التي يتحرك قادتها بحذر وفي صمت حتى تحسبهم أمواتا.

بدايات مشاغب

من فراغ البادية العريض، برز الشاب النحيل رحمة المهدي المعروف بـ"الجنرال جلحة". ويحاول الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة فك شفرة البدايات للقائد المشاغب ويقول للجزيرة نت، إن جلحة لم يتلقَّ تعليما نظاميا، لكنه ظهر مع المناخ الذي أعقب اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية وقت ذاك والحركة الشعبية بقيادة دكتور جون قرنق في عام 2005، والتي شجعت بما جلبته من منافع لجنوب السودان من تنامي تيارات مطلبية خاصة في المناطق المنتجة للبترول في جنوب وغرب كردفان.

هنا يقدم "جلحة" نفسه باعتباره قائدا لحركة أسماها "شجعان كردفان"، وفي روايات أخرى يقدم نفسه قائدا لقوات "التدخل السريع"، والتي تملك جيشا جرارا يمكن أن يخوض حروبا عابرة للدول والقارات.

وهذا الزعم يصفه مصدر أمني بـ"الوهم". ويقول المصدر للجزيرة نت إن جلحة لم يكن يملك قوات ضخمة بل قوته لم تتجاوز الـ200 فرد في أفضل الأحوال.

بندقية للإيجار

من بوادي كردفان، مضى الشاب جلحة إلى ليبيا يبتغي فرص العيش الكريم، لكن ليبيا تجتاحها ثورة شعبية تقلب الأوضاع رأسا على عقب في عام 2011. وباتت القوى العسكرية الليبية تستقوي على بعضها ببنادق رجال من دول الجوار. وظاهرة البنادق الأجيرة في ليبيا عُقدت لها المؤتمرات الدولية لتفكيكها وتسريحها وإعادتها لبلاد المنشأ.

ومن بين حمَلة هذه البنادق الأجيرة كان الشاب رحمة المهدي والذي بات في صفوف قوات الجنرال خليفة حفتر، ولم ينتبه كثير من الناس لهذا الشاب والذي كثيرا ما يعتلي المنابر الإسفيرية ليقول حديثا بعضه يغضب والآخر يضحك.

إعلان

بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني ومقتل عدد من قيادات الدعم السريع جاب قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو ميادين الدول المجاورة ليعيد استيراد البندقية المغتربة. وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام عاد جلحة للسودان منضما لقوات الدعم السريع.

وهنا، يقول الصحفي محمد حامد نوار، إن "جلحة" لم يكن على توافق كبير من شقيق حميدتي ونائبه، عبد الرحيم دقلو. كما أظهر نبرة استعلائية واستقلالية عن الدعم السريع حيث كان يقدم نفسه باعتباره قائدا لقوات "التدخل السريع" وأحيانا يبرز على الهواء عضلاته القبلية في إطار الصراع القبلي المسكوت عنه داخل "الدعم السريع"، خاصة بين قبيلتي "الرزيقات" و"حميدتي"، و"المسيرية" التي ينتمي إليها "جلحة".

شبيه القذافي

يعتقد مصدر أمني تحدث للجزيرة نت، أن "جلحة" كان يتجنب خوض المعارك الكبيرة بجانب الدعم السريع، وهو ما يتفق معه الصحفي محمد حامد جمعة، ويضيف أن "جلحة" اعتمد على "الحلقوم" وتخصص في الخطب الحماسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

يعتقد جمعة أن جلحة كان ذكيا في تعامله مع الميدان الحربي فقد كان أيضا يبرز وجها رحيما حينما يتجنب مهاجمة المدن أو ينتقد علانية الذين يقومون بذلك كما حدث مع ضابط الدعم السريع عمر شارون الذي عنف شيخا كبيرا في ولاية الجزيرة فتصدى له جلحة على الملأ موبخا.

يرى محمد حامد جمعة أن جلحة كان متأثرا في أدائه السياسي المسرحي  بشخصية العقيد القذافي المتقلبة المزاج والمشاغبة، وتمنح اللكنة الليبية التي يتحدث بها "جلحة" المقاربة وجها آخر. وكذلك يتقمص شخصية "حميدتي"؛ فتجري على لسانه اللغة البسيطة والعميقة في الوقت ذاته.

واستخدم "جلحة" كثيرا الأمثلة الشعبية وفي مرات أخرى آيات القرآن الكريم. وبين هذا وذاك قدم خطابا شعبويا غير متماسك، وجد آذانا تستمع له ربما لفرط غرابته أو لبساطته. لكن المصدر الأمني وهو لواء متقاعد من المخابرات السودانية يلخص شخصية جلحة للجزيرة نت ويصفه بالمسرحي المهرج.

إعلان خلافات معلنة وخفية

خلافات الجنرال "جلحة" كانت كثيرة حيث عبّر عن بعضها علانية؛ إذ قال في إحدى خطبه إنه قائد "قوات التدخل السريع" وفي تغريدة أخرى منح نفسه رتبة فريق، وفي ثالثة تحدى قائد قوات الدعم السريع، بشكل غير مباشر حينما قال إن كان هنالك من يرى أنه رضع لبن الإبل في إشارة للقبائل البدوية التي ينتمى لها الجنرال حميدتي، فإنه من أبناء القبائل التي ترعى الأبقار.

وهنا يشير الصحفي جمعة إلى أن الخلاف الأبرز كان بين "جلحة" والرجل الثاني في قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، وسبب هذا الصراع "المنافسة على مقعد الرجل الثاني في قوات الدعم السريع، وتغذيه أحاسيس بالتعالي القبلي بين الرجلين".

لكن الخلاف الأشهر وقع حينما وصف عمران عبد الله، مستشار حميدتي، "جلحة" بأنه "مجرد جندي"، فكاد ذاك التصريح يشق قوات الدعم السريع المكونة في غالبها من قبيلة الرزيقات، فيما يعتبر "جلحة" من أبرز وجوه قبيلة "المسيرية". وفي وجه ضغوط كثيرة اضطرّ مستشار حميدتي للاعتذار علنا عن تصريحاته التي أغضبت "جلحة".

اتصالات مع الجيش

بعد أن سيطر الجيش السوداني والقوات المساندة له على مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، لم ينسحب جلحة إلى خطوط دفاع الدعم السريع في شمال الولاية قريبا من العاصمة الخرطوم.

ويرسم محمد حامد جمعة طريق خروج "جلحة" من الجزيرة، وهو قرار يشير إلى ذكاء الرجل وربما اقترابه من الجيش السوداني، لكن بحسب جمعة فإنه كان يخطط للعودة لكردفان ليكون قريبا من أهله "المسيرية"، وفي الوقت ذاته يتفادى الميدان الساخن.

لكن فيما يعتقد جمعة، فإن الرجل المتطلع بات تحت الرقابة في الآونة الأخيرة فلم يجد مناصا أن يبقى في المنطقة الرمادية قريبا من الجيش السوداني بشرق النيل شرقي ولاية الخرطوم.

يقول مصدرنا الأمني الرفيع إن الجيش السوداني أجرى اتصالات مع الجنرال "جلحة" بعد أن رأى تباعد المسافة بينه وبين قادة الدعم السريع. وهو أمر يفصّل فيه محمد حامد جمعة ويقول إن الاتصالات بدأت عبر بعض القيادات في تنسيقية أبناء قبيلة المسيرية.

إعلان

وحسب جمعة، فإن أعيان القبيلة وجدوا ضوءا أخضر في مساعيهم من قبل الجيش السوداني، وأن قيادات في الجيش كانت ترغب بالاستثمار في شخصية جلحة المستقلة وكذلك انتسابه لقبيلة كبيرة ومؤثرة.

ما رواية الدعم السريع؟

جاءت رواية الدعم السريع حول مقتل الجنرال "جلحة" على لسان عمر جبريل، الذي نعاه في تغريدة على منصة "إكس"، مشيرا إلى مقتله دون تقديم إيضاحات سوى إبراز بطولته.

وتواصلت الجزيرة نت مع القيادي بقوات الدعم السريع حسبو أبو الفقراء، والذي أكد مقتل جلحة في كردفان مع عدد من القادة الميدانيين بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة تتبع للجيش السوداني.

لكن آخرين في قوات الدعم السريع أكدوا أن مقتله كان منطقة شرق النيل ومن بين هؤلاء من قدم نفسه بأنه سائقه الشخصي وآخر من كان معه حيث يفيد، في رسالة مصورة، أن قائده قتل في منطقة "الكدرو" شمالي الخرطوم بحري يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث تم استهدافه بمسيّرة للجيش السوداني، ويقسم السائق على تبرئة الدعم السريع من دم "جلحة".

أما أسرته، فحسب بيان نشره الباشا طبيق مستشار قائد الدعم السريع، فإن ابنها مات إثر غارة بمسيرات الجيش السوداني استهدفته وشقيقه موسى.

رئيس مجلس السيادة القائد العام البرهان يتفقد الخطوط الأمامية بمنطقة الجَيلي (وكالة الأنباء السودانية) هل ثمة رواية للجيش؟

لم يتحدث الجيش رسميا عن واقعة مقتل "جلحة"، لكن هنالك قطاعات ترى أنه تمت تصفيته على يد رفاقه في قوات الدعم السريع، ومن بين هؤلاء الناشط أحمد سليمان قور، والذي يرى في تصريحات لصحيفة الكرامة، أن "جلحة" تمت تصفيته بشكل دموي من قبل قوات الدعم السريع. ويقر قور بأنه كان أحد الذين ناشدوا "جلحة" بالانسحاب من قوات الدعم السريع والانضمام لصفوف الجيش السوداني.

ويضيف الصحفي حامد جمعة، المزيد من الغموض لحكاية مقتل "جلحة"، حيث يتساءل لماذا جاء مقتله في الوقت نفسه مع مقتل عدد من القادة الآخرين في الدعم السريع؟، والذين يجمع بينهم أنهم من إثنيات أخرى غير قبيلة الرزيقات، وأن الشكوك تدور حول ولائهم للدعم السريع مثل القائد الطاهر جاه الله، القادم من بادية الشكرية في وسط السودان، واثنين من أبناء قبيلة الرشايدة في شرق السودان.

إعلان

ويرى جمعة أن الدعم السريع بات مؤخرا "قوة عمياء" تعمل بأسلوب المافيا في تصفية الشهود والقادة المنافسين.

وعن صمت الجيش، يقول جمعة إنه ليس من مصلحة الأخير منح خصمه صك براءة من دماء قائد بارز ومعروف في صفوف الدعم السريع خاصة أن غياب "جلحة" أو تغييبه تزامن مع زخم انتصارات الجيش وانكسارات الدعم السريع.

وهنا يقدم اللواء المتقاعد في المخابرات السودانية معتصم الحسن رواية أكثر تفصيلا؛ حيث يقول إن جزءا من خلافات "جلحة" مع قيادات الدعم السريع كانت حول الحقوق المادية لجنوده، وكذلك اعتذاره عن المشاركة في العمليات العسكرية التي تلت تحرير ولاية الجزيرة على يد الجيش السوداني في 11 يناير/كانون الثاني.

ويضيف اللواء الحسن أنه تم استدراج "جلحة" من قبل الدعم السريع لمنطقة شرق النيل بالخرطوم حيث تمت تصفيته هناك. وهو اتجاه يمضي فيه القيادي بالقوة المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش السوداني عثمان ذو النون، والذي طلب في تسجيل على منصة "إكس" من عشيرة "جلحة" عدم أخذ ثأرهم من قتلة ابنهم بمفهوم قبلي بل عبر الانخراط في صفوف الجيش السوداني، وذلك درءا للفتنة القبلية.

لكن حسبو الفقراء؛ القيادي البارز في قوات الدعم السريع، يرى في رواية تصفية جلحة "دعاية سمجة تستهدف الفتنة بين منسوبي الدعم السريع". بيد أن غياب الجنرال "جلحة" في هذا التوقيت يمكن أن يحسب كخسارة فادحة لقوات الدعم السريع التي تتعرض لضغوط في ميادين القتال.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في ولاية الجزيرة والدعم السريع يرد بالمسيرات
  • الاتحاد الأفريقي يعقد قمة استثنائية بشأن السودان
  • أسباب فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني
  • الجيش السوداني يسيطر على مناطق جديدة بالجزيرة
  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في الخرطوم.. والدعم السريع تقرّ بالخسائر
  • الجيش السوداني يتقدم لاستعادة مناطق حيوية من الدعم السريع
  • مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع في دارفور
  • من قتل جلحة الجنرال المشاغب في الدعم السريع ولماذا يصمت الجيش السوداني؟
  • تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة
  • الجيش السوداني يستعيد مدينة أم روابة