السودان في ظل حرب أهلية جديدة: التدخلات الخارجية ومحاولات حل النزاع
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
التدخلات الخارجية
رفض الجيش السوداني توسط كينيا في مفاوضات إنهاء الحرب في يوليو 2023 بعد أن اتهم البرهان الرئيس الكيني ويليام روتو بأن له مصالح تجارية مع حميدتي، وبتوفير الدعم لقوات الدعم السريع، وقد رفض الجيش السوداني مقترحا بتدخل قوات أفريقية لحفظ السلام يتم إرسالها عبر الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، وهي منظمة شرق أفريقية إقليمية تضم عددا من دول المنطقة، لأن روتو يرأس المنظمة حاليا، كما اتهم نائب برهان، الجنرال ياسر العطا الرئيس الكيني بأنه مرتزق يخدم مصالح دولة أخرى، وهددت الحكومة السودانية بالانسحاب من منظمة “إيغاد” إلا إذا تنحى روتو من رئاسة المفاوضات التي تقيمها المنظمة.
كما اتهم الجيش السوداني دولة الإمارات العربية المتحدة بإرسال مساعدات إلى قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم أزمة دبلوماسية بين البلدين بعد تصريحات دبلوماسيين سودانيين في الأمم المتحدة، وقد نفت الخارجية الإماراتية في عدة بيانات رسمية تسليح أي من أطراف النزاع، مؤكدة أيضا عدم تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان، خصوصا وأن ذلك يخالف الحظر المفروض على تسليح الجماعات في السودان منذ حرب دارفور في بدايات الألفية، ففي عام 2005، فرض مجلس الأمن الدولي حظراً على توريد السلاح إلى الحكومة السودانية والفصائل المسلحة في دارفور، بسبب النزاع الدائر بين القبائل غير العربية والحكومة السودانية المدعومة بقوات الجنجاويد، ويتهم بريان كاستنر، خبير الأسلحة في منظمة العفو الدولية، الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بمسيرات سبق وأن أرسلتها الإمارات إلى حلفاءها في مناطق صراع أخرى كاليمن وأثيوبيا، كما تم الاستحواذ على صناديق قذائف صربية في مناطق متفرقة بالسودان، تفيد بأنها مستوردة بواسطة الإمارات.
صورة لشحنة أسلحة صربية قال الجيش السوداني أنه استحوذ عليها، وتفيد أنه تم استيرادها عبر الإماراتووفقاً لتقرير صدر عن خبراء في الأمم المتحدة، تلقت قوات الدعم السريع دعمًا من خطوط إمداد تمر عبر تشاد، وليبيا، وجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وخلال عام 2024، رصد صحفيون استقصائيون 7 رحلات جوية على الأقل للطائرة Ilyushin 76 EX-76003 من أبوظبي إلى تشاد، مما يدل على استمرارية الجسر الجوي حتى نهاية 2023 وفقًا للتقرير، ويظهر تتبع مسار بعض الطائرات انطلاقها من مطار أبوظبي، مرورا بمطاري نيروبي وكامبالا، قبل أن ينتهي في مطار أم جرس في تشاد، بالقرب من الحدود الغربية للسودان، حيث مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، تنفي الإمارات أن تكون هذه الرحلات تنقل الأسلحة، وتقول إنها مخصصة لتوصيل مساعدات إنسانية، في الوقت نفسه، يتم الحديث عن إمداد الدعم السريع عبر جسر جوي لنقل السلاح بمسيرات تجارية تم تعديلها لتلقي القذائف، حيث ظهرت أدلة على استخدام مسيرات انتحارية من طراز كواد كابتر، مصنوعة من مكونات تجارية، وليست عسكرية.
قال بيان لمسؤول إماراتي إن بلاده بدأت بناء مستشفيين قرب الحدود التشادية مع السودان، وهما مستشفى أم جرس الميداني ومستشفى أبشي الميداني، حيث هرب آلاف المدنيين السودانيين إلى المنطقة نتيجة للمعارك الدائرة، وأن بناء المستشفيين قد تم بعد رفض السلطات السودانية في مايو/أيار 2023 إقامة مستشفى داخل الأراضي السودانية كما قال، وفي بداية 2024، توسعت المعارك إلى مناطق جديدة خارج العاصمة، وتم توثيق مقتل مدنيين في هجمات بالمسيرات لأول مرة في مناطق شمالية وشرقية ووسطى من السودان، وفي يوليو 2024، جرى اتصال هاتفي بين الشيخ محمد بن زايد حاكم الإمارات والفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، بعد أكثر من عام على آخر حديث بينهما، وبعد الأزمة الدبلوماسية وتبادل الاتهامات في جلسات مجلس الأمن وتبادل طرد دبلوماسيين بين البلدين.
ويشكل الكيان الصهيوني هو الآخر جزءًا من المشهد السوداني، حيث اكتسبت المحادثات بين الحكومة والكيان الصهيوني طابعًا أكثر جدية بعد إطاحة عمر البشير، مع سعي القادة العسكريون للتوجه نحو الطرف المعاكس للقاعدة الإسلامية التي اعتمد عليها البشير في ترسيخ حكمه، وذلك من خلال التقارب مع خصومهم، ففي البداية كان هناك خلاف بين العسكريين المؤيدين للتطبيع وبعض الشركاء المدنيين في الحكومة، بما في ذلك عبدالله حمدوك، فعندما تسربت أخبار زيارة عبدالفتاح البرهان إلى العاصمة الأوغندية عنتيبي في 3 فبراير 2020 للقاء نتنياهو سراً، اعتبرت “قوى إعلان الحرية والتغيير”، التي تمثلت في الأحزاب والنقابات التي دفعت لإسقاط عمر البشير، تلك الزيارة مخالفة للإعلان الدستوري الصادر في 2019.
لقاء وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان فبراير 2023أما بعد انتشار خبر اللقاء وحدوث لقاء علني بين البرهان ووزير الخارجية الإسرائيلي، زعم رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أن حزب الأمة السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي كانا على استعداد لقبول قرار التطبيع إذا حصل على غالبية الأصوات في هيئة تشريعية انتقالية غير منتخبة، أي المنصب الذي يمثله البرهان، وبالمقابل أعلن “تحالف الإجماع الوطني”، الذي يضم “الحزب الشيوعي”، و”البعث العربي الاشتراكي”، و”الناصري”، رفضه القاطع للتطبيع عبر بيان أصدره الجمعة 23 تشرين الأول/أكتوبر السنة، كما رفض حزب الأمة القومي السوداني قرار التطبيع، كانت الحجة الرئيسية في التوجه نحو التطبيع هي اعتماد سياسة واقعية تتفق مع مطالب الولايات المتحدة وسياسات الرعاة الإقليميين مثل الإمارات، وحتى المملكة العربية السعودية التي تفضل أن يكون السودان بعيدًا عن حليفه السابق إيران، وفي يناير 2021، انضم حكام السودان الجدد إلى محادثات “الاتفاقيات الإبراهيمية” بوساطة الولايات المتحدة والإمارات.
في 24 أبريل 2023، بعد بدء الحرب بأيام، عرضت حكومة العدو الصهيوني وساطتها بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، مقترحة استضافة لقاء بينهما في تل أبيب، مما يؤكد عمق التوغل الإسرائيلي في الشأن السياسي والعسكري السوداني، وقد كشف مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية أن وزير الخارجية إيلي كوهين ومدير وزارته رونين ليفي تحدثا مباشرة مع البرهان وحميدتي وطالبوهم بوقف القتال، في حين نقل مسؤولون من الموساد أيضا رسائل إلى طرفي النزاع. وقد قام الجنرال دقلو بالتواصل مرارا مع مسؤولين صهاينة وقوّى علاقاته مع كبار القادة في الموساد والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعلى صعيد منفصل فيما يخص التطبيع، ظهرت الصحفية السودانية نبأ محي الدين في نشرة الأخبار على قناة i24 الإسرائيلية من مدينة بورتسودان في مارس 2024، مما أثار استنكارًا من أحزاب سياسية سودانية.
لقد لعب السودان دورًا بارزًا في الصراع مع الكيان الصهيوني عبر التاريخ العربي الحديث، فقد احتل السودان مكانة مهمة في “عقيدة المحيط” الإسرائيلية، التي تستند إلى فكرة أن الدول العربية تحاصر إسرائيل، لذا فتنبغي محاصرتهم عبر عقد علاقات مع الدول المحيطة بهم، بناءً على هذا، قام الكيان الصهيوني بمحاولات للتقرب من تركيا وإيران في عهد الشاه، وأثيوبيا، وجنوب السودان، وتشير الوثائق إلى اتصالات إسرائيلية مع أحزاب سودانية مثل حزب الأمة منذ الخمسينيات لمناقشة تقديم الدعم الاقتصادي، كما حاول رئيس الوزراء السوداني حينها عبدالله خليل، ذو الخلفية العسكرية، العمل مع الولايات المتحدة على برنامج مساعدات اقتصادية في مقابل الانحياز السياسي ضد الشيوعية في أفريقيا والعمل على محاربة انتشارها، بما يشمل التقارب مع الكيان الصهيوني، ولا يختلف ذلك كثيرا عن القبول السوداني الحالي بالتطبيع مقابل المساعدات والمعونات، وقد استضاف السودان القمة العربية الطارئة بعد هزيمة عام 1967، حيث تم التوافق فيها على “اللاءات الثلاث”: لا سلام، ولا اعتراف، ولا تفاوض مع إسرائيل، وساهم الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري في تهجير يهود أثيوبيا إلى إسرائيل في الثمانينيات.
أما في عهد عمر البشير، فقد اتسم السودان بالقرب من بعض الإسلاميين محليًا، كما توجه السودان نحو التقارب مع إيران حتى انقطعت العلاقات بين البلدين في عام 2016 تضامنا مع المملكة العربية السعودية التي أغلقت سفارتها في طهران بعد اقتحامها، ودعم السودان حماس من خلال رجال أعمال وقادة إسلاميين، مثل عبدالباسط حمزة الحسن، الذي اعتقلته مصر في يناير 2024. استخدمت حماس السودان كمقر للتدريب والعمليات، وهو ما يتسق مع رغبة إيران في الحصول على موقع في منطقة بورتسودان، التي من الممكن أن تستخدم لنقل الأسلحة والأموال عبر البحر الأحمر إلى حماس في غزة، وقد استمر حضور حماس في السودان حتى بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019
وبالإضافة إلى هذا الإرث التاريخي من الأحداث بين الكيان الصهيوني والسودان، فهنالك مصالح استراتيجية لتواجد الكيان الصهيوني على خارطة النزاع اليوم، حيث يسعى إلى خلق ظروف مناسبة لاستكمال التطبيع بعد وقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية من جديد، ويرتكز عمل الكيان الصهيوني في السودان اليوم على الواقع الميداني، ويتم التواصل مع مختلف الأطراف السودانية عبر مؤسسات إسرائيلية مختلفة كوزارة الخارجية والموساد فضلا عن أشخاص نافذين وجمعيات إغاثة، ومن المهم المحافظة على العلاقة مع القوات المسلحة السودانية ورموزها المختلفة، والتواصل مع عدة قادة عسكريين لضمان استمرارية الاتصالات دون الاعتماد الكامل على سياسيين وعسكريين سودانيين محدودين.
فما يشغل الكيان الصهيوني ليس الحالة السودانية فقط، بل تأثير السودان والقدرة على الانطلاق منه إلى ميادين أخرى مثل تشاد والقرن الأفريقي، وللكيان الصهيوني حضور في دول أفريقية أخرى عبر مؤسسات اقتصادية واستثمارية مثل رواندا وبروندي، كما أن لها وجودا استخباراتيا وأمنيا في دول لم توقع اتفاقيات سلام أو سبق أن أقامت علاقات ثم قطعتها، دول مثل النيجر ومالي والسنغال، ويتم توظيف هذا الحضور في الدول الأفريقية للاطلاع على نشاطات مقاومة ومعادية للكيان الصهيوني ومن المهم ضم السودان إلى هذه الدول بشكل يمكن الكيان الصهيوني من الاستطلاع، والأهم من ذلك إبعاد السودان تماما عن الحلف الإيراني وقطع هذه العلاقات.
ومما يعقد الحرب السودانية أن كل الدول التي تدعم الحرب تسعى لمصالحها وليس لمصلحة الطرف السوداني الذي تزوده بالسلاح، وهذا الدعم الخارجي يحاول أن يحقق المكتسبات دون دفع ثمن مباشر في الميدان ودون اكتراث للأضرار التي تحصل للسودان كبلد وشعب، وهو ما يجعل إيقاف الحرب صعبا، كما يجعلها أكثر تدميرا مع استمرار الدعم الخارجي.
تدخل المجتمع الدولي ومحاولات حل النزاعجرت أكثر من محاولة لعقد هدنة في أول أسابيع من المعارك وكذلك خلال رمضان الماضي (2024)، ووضعت الحكومة السودانية 4 شروط لتنفيذ الهدنة، شملت خروج قوات الدعم السريع من جميع المناطق التي تسيطر عليها في الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، إضافة إلى ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.
ومنذ بدء الحرب قبل نحو عام، انهارت كل الهدن السابقة بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الحرب، ولم يصمد أي منها سوى لفترات قصيرة، أما مساعي وقف الحرب وإطلاق النار فقد بلغت حتى يوليو 2024 مجموع 9 مبادرات قامت بها الدول العربية والأفريقية والقوى الأوروبية والأمريكية.
لم تنجح حتى الآن أي من الجهود الدولية المبذولة لوقف الحرب، وفشلت وساطات كل من الأمم المتحدة ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تمثلت هذه الجهود الدولية في ثلاث جولات من التفاوض في جدة، إضافة إلى قمتين للهيئة الدولية المعنية بالتنمية في إفريقيا “إيغاد”، بالإضافة إلى جولات مفاوضات في المنامة على هامش القمة العربية خلال يناير الماضي السنة، وقد أعربت حكومات كينيا، جنوب السودان، وجيبوتي في 17 أبريل السنة عن استعدادها لإرسال رؤسائها كوسطاء إلى السودان، ولكن بسبب إغلاق مطار الخرطوم الدولي على خلفية المعارك الدائرة حوله، أصبح وصولهم صعباً وخطرا.
ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2715، أُغلقت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) في 29 فبراير 2024 بسبب الظروف الصعبة والخطر المتزايد على العاملين في البعثة، وتسعى الدول الوسيطة لتحقيق تحييد المدنيين والمصالح الوطنية السودانية. أما في اتفاق جدة السنة فكانت أبرز البنود المطروحة للاتفاق (والتي لم تلتزم بها أطراف الصراع لاحقا):
التأكيد على ضرورة سماح الجيش وقوات الدعم السريع بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني.الالتزام بسيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان.جعل مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية.حماية كافة المرافق العامة والخاصة في السودان وعدم استخدامها لأغراض عسكرية.تبني إجراءات بسيطة لتنظيم عمليات الإغاثة الإنسانية في السودان.الالتزام بالإعلان الناتج عن هذا الاتفاق دون تأثير على الوضع القانوني أو الأمني أو السياسي للأطراف الموقعة عليه.ومن جانب الجيش السوداني، تشهد المؤسسة العسكرية انقسامًا في مراكز صنع القرار، حيث أصبح هناك أكثر من مركز قرار كما يتضح من تصريحات قادة الجيش، خاصة أعضاء مجلس القيادة، هذه التصريحات تكشف عن تنازع التيارات السياسية التي تقتسم السيطرة على الجيش، بما في ذلك الإسلاميون الذين يتسمون بالتطرف في التعامل مع قضية إنهاء الحرب، يشير المحلل العسكري حسام الدين بدوي إلى أن عودة الجيش إلى طاولة المفاوضات يتطلب فصل قرارات قادته عن السياسيين المؤثرين عليهم، بينما يروى كمال بولاد من “قوى الإجماع الوطني” أن السياسيين الباقين من عهد البشير ينظرون إلى الوضع الحالي على أنه فرصتهم الأخيرة لاستعادة السلطة من خلال الجيش.
أما القوى المدنية المتمثلة بحركة “تقدم” (تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية السودانية)، فقد اختارت رئيس الوزراء قبل الانقلاب عبدالله حمدوك رئيسا لها، وعلى الرغم من تقديمها لحلول سلمية وتأكيدها على ضرورة تغليب المصالح المشتركة، إلا أنها لا تسيطر على الأحداث الميدانية ولا تمتلك تأثيرًا على المجريات الميدانية للصراع.
يشير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إلى أن هناك أسباباً للاعتقاد بأن كلا الجانبين ربما يرتكبان جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية خلال هذه الحرب.
السودان إلى أينيعاني السودان من دمار كبير وتراجع جراء الحرب الحالية، فبحسب مبعوث الأمم المتحدة ورئيس الإتحاد الأفريقي السابق محمد بن شامباس أرجعت الحرب البلاد عقود إلى الوراء، وسيتطلب الأمر أكثر من جيل لإعادة بناء السودان إلى ما كان عليه قبل الحرب، أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، منتصر مأمون، فيرى أن “الحرب ستشهد في عامها الثاني تحولات كبيرة، لأن الطرفين أدخلا عناصر جديدة على خط الصراع، ما ينذر بمعارك ضارية”، مشيرا إلى “صعوبة التكهن بمآلات القتال والغلبة الميدانية”.
الوسومأفريقيا إسرائيل الإمارات الجيش السوداني الحرب الأهلية السودان الكيان الصهيوني تشاد عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريعالمصدر: كويت نيوز
كلمات دلالية: أفريقيا إسرائيل الإمارات الجيش السوداني الحرب الأهلية السودان الكيان الصهيوني تشاد عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع عبدالفتاح البرهان الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع الکیان الصهیونی الجیش السودانی الأمم المتحدة فی السودان أکثر من
إقرأ أيضاً:
هكذا يتم تهريب الصمغ العربي السوداني الشهير.. ما علاقة الدعم السريع؟
قال تجار ومصادر بقطاع الصمغ العربي المستخدم ضمن مدخلات إنتاج شركات عديدة منها "كوكاكولا" و"مارس" إن عمليات تهريبه تتزايد من مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في السودان مما يعرقل جهود شركات غربية تسعى لإبقاء سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدة عن الصراع.
وينتج السودان نحو 80 بالمئة من إمدادات الصمغ العربي عالميا، وهي مادة طبيعية تُستخرج من أشجار السنط (الأكاسيا) وتُستخدم في خلط وتثبيت وتكثيف مكونات تدخل في صناعة منتجات استهلاكية منها مستحضرات تجميل من إنتاج لوريال وأغذية الحيوانات الأليفة من نستله وحلوى مارس الشهيرة المعروفة باسم (إم اند إمز).
وبحلول أواخر العام الماضي سيطرت قوات الدعم السريع خلال حربها المستمرة مع الجيش السوداني منذ نيسان/ أبريل 2023 على مناطق زراعة الصمغ الرئيسية في كردفان ودارفور في غرب السودان.
ووفقا لثمانية منتجين ومشترين يعملون مباشرة في تجارة الصمغ العربي منهم المقيم في السودان، بات المنتج يجد طريقه إلى دول مجاورة عبر تجار من السودان ومقابل رسوم لقوات الدعم السريع دون الحصول على شهادة اعتماد تتعلق بالاستدامة والممارسات الأخلاقية.
وقال اثنان من التجار لوكالة "رويترز" إن الصمغ يجري تصديره أيضا عبر أسواق حدودية غير رسمية.
وردا على طلب للتعليق قال ممثل لقوات الدعم السريع إن الجماعة المسلحة قامت بحماية تجارة الصمغ العربي وجمعت رسوما ضئيلة، مضيفا أن الحديث عن أي انتهاك للقانون هو دعاية مضللة تستهدفها.
وقال اثنان من المشترين إن تجارا في دول تنتج الصمغ العربي بمعدلات أقل من السودان، مثل تشاد والسنغال، أو كانت تصدره بكميات ضئيلة قبل اندلاع الحرب، مثل مصر وجنوب السودان، بدأوا خلال الأشهر القليلة الماضية في عرضه للبيع بإلحاح وبأسعار زهيدة ودون دليل على عدم ارتباطه بمناطق الصراع أو مجرياته.
وأصبح السودان أكبر مُصدّر للصمغ العربي في العالم بفضل زراعة مساحات واسعة بأشجار السنط رغم أنها تنمو أيضا في منطقة الساحل الأفريقي القاحلة المعروفة باسم "حزام الصمغ".
وقال هيرفي كانيفيه، خبير التسويق العالمي لدى شركة "إيكو أغري" العاملة في تجارة المكونات المستخلصة من الأغذية ومقرها سنغافورة، إن إمدادات الصمغ يصعب عادة تحديد مصدرها نظرا لأن العديد من التجار لا يفصحون عما إذا كان المنتج جرى تهريبه.
وأضاف: "يمكنني القول إن جميع إمدادات الصمغ السوداني حاليا مهربة نظرا لعدم وجود سلطة حقيقية هناك".
وذكرت الجمعية الدولية للترويج للصمغ في بيان صدر في 27 كانون الثاني/ يناير أنها "لا ترى أي دليل على وجود علاقة بين سلسلة توريد الصمغ (العربي) والقوى (السودانية) المتنازعة".
ومع ذلك قال 5 مصادر في القطاع إن الأساليب الجديدة الغامضة لتجارة الصمغ قد تجد طريقها لمشتريات شركات صناعة مدخلات الإنتاج المستخلصة من مواد طبيعية. وتشتري شركات مثل "نيكسيرا" و"ألاند اند روبرت" و"إنغريديون" الصمغ المكرر بلونه الأصفر الداكن وتحوله إلى خليط سائل ثم تبيعه لكبرى الشركات المتخصصة في إنتاج السلع الاستهلاكية.
وردا على طلب للتعليق قالت "إنغريديون" إنها تعمل على التأكد من المشروعية التامة لجميع العمليات ضمن سلسلة التوريد ونوعت مشترياتها منذ اندلاع الحرب لتشمل دولا أخرى مثل الكاميرون.
وقالت "نيكسيرا" إن الحرب الأهلية دفعتها إلى تقليص وارداتها من السودان واتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من تداعيات الصراع على سلسلة التوريد الخاصة بها، بما يتضمن توسيع مصادر المشتريات إلى عشر دول أخرى.
ولم ترد "ألاند اند روبرت" و"نستله" و"كوكاكولا" و"لوريال" و"مارس" على طلبات للتعليق بعد.
صمغ للبيع بأسعار زهيدة
قال محمد حسين سورج، مؤسس شركة "يونيتي" للصمغ العربي التي تتخذ من الخرطوم مقرا وكانت تورد المنتج لشركات عالمية في صناعة مدخلات الإنتاج الطبيعية قبل اندلاع الحرب، إن تجارا في السنغال وتشاد عرضوا عليه شراء الصمغ العربي في كانون الأول/ ديسمبر.
وأضاف أن تجارا في تشاد طلبوا 3500 دولار لطن الصمغ الهشاب، وهو نوع من الصمغ العربي أكثر تكلفة يُنتج في السودان بصورة رئيسية ويصل سعره عادة إلى أكثر من خمسة آلاف دولار للطن.
وأوضح أن البائعين لم يقدموا شهادة "سيديكس" التي تضمن للمشترين أن جهات التوريد تلتزم بمعايير الاستدامة والممارسات الأخلاقية.
وقرر سورج عدم شراء الصمغ خشية أن يكون مسروقا من السودان، أو جرى تصديره عبر شبكات غير رسمية مرتبطة بقوات الدعم السريع نظرا لسعره المنخفض وغياب الوثائق.
وقال سورج الذي فرّ إلى مصر بعد أن سرقت قوات الدعم السريع إمداداته من الصمغ بالكامل في 2023: "يتسنى للمهربين نقل الصمغ العربي عبر قوات الدعم السريع التي تسيطر على جميع مناطق الإنتاج".
وأطلع سورج "رويترز" على رسائل عبر تطبيق "واتساب" تُظهر أن نفس التجار تواصلوا معه خمس مرات أحدثها في التاسع من كانون الثاني/ يناير.
وحظرت قوات الدعم السريع منذ تشرين الأول/ أكتوبر تصدير 12 سلعة إلى مصر منها الصمغ العربي ردا على ما قالت إنها غارات جوية مصرية استهدفت مجموعات تابعة لها.
وردا على طلب للتعليق قالت قوات الدعم السريع إنها حظرت ما وصفته بالتهريب إلى مصر لأنه لا يفيد السودان.
وقال مشتر رفض نشر اسمه حرصا على سلامته إن تجار صمغ يثيرون الريبة تواصلوا معه أيضا.
ووصلته رسالة من تاجر عبر "واتساب" جاء فيها: "لدى كميات لا حصر لها من صمغ (أكاسيا) السيال نظيفة وجاهزة للشحن"، في إشارة إلى نوع من الصمغ العربي أقل تكلفة.
وفي رسائل لاحقة عرض التاجر شحن كميات من الصمغ كل شهرين بسعر قابل للتفاوض يبلغ 1950 دولارا للطن، فيما قال المشتري إن سعر الطن من صمغ السيال يبلغ عادة ثلاثة آلاف دولار.
وفي محادثة منفصلة عبر "واتساب" مع المشتري نفسه، قال تاجر آخر إن شاحنات تحمل الصمغ العربي عبرت الحدود السودانية إلى جنوب السودان ومصر.
وقال المشتري إن تجار الصمغ لم يقدموا شهادة "سيديكس" في جميع الحالات، مضيفا أنه رفض العروض خوفا من توريد الصمغ عبر شبكات تابعة لقوات الدعم السريع.
تغيير طرق التجارة
قبل اندلاع الحرب الأهلية السودانية كان الصمغ الخام يجري فرزه في العاصمة الخرطوم ثم نقله بالشاحنات إلى بورتسودان المطلة على البحر الأحمر لشحنه عبر قناة السويس إلى دول العالم.
وقال مشتر مقيم في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ورفض نشر اسمه حرصا على سلامته، إن الصمغ العربي المرتبط بالجماعة المسلحة بدأ منذ أواخر العام الماضي يظهر في سوقين غير رسميتين على الحدود بين ولاية غرب كردفان السودانية ودولة جنوب السودان.
وأضاف أن تجارا يجمعون الصمغ من أصحاب الأراضي السودانيين ويبيعونه في السوقين لتجار من جنوب السودان مقابل مدفوعات بالدولار.
وأوضح أن الأمر برمته يجري تحت حماية قوات الدعم السريع التي تتلقى مدفوعات من التجار.
وقال عبد الله محمد، وهو منتج يمتلك مزارع لأشجار السنط في غرب كردفان، إن قوات الدعم السريع تتلقى رسوما من التجار مقابل الحماية. ولدى الجماعة شبه العسكرية أيضا أنشطة في الذهب والثروة الحيوانية والزراعة والخدمات المصرفية.
وقال مايكل ماكوي، وزير الإعلام في جنوب السودان والمتحدث باسم الحكومة، إن نقل الصمغ عبر جنوب السودان ليس مسؤولية الحكومة. ولم يرد جوزيف موم ماجاك، وزير التجارة والصناعة في جنوب السودان، على طلبات للتعليق عبر الهاتف والرسائل النصية.
وقال المشتري إن قوات الدعم السريع تنقل الصمغ العربي أيضا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر مدينة أم دافوق السودانية الواقعة على الحدود معها، مضيفا أن بعضه يذهب إلى تشاد.
وقال مشتر بالجملة مقيم خارج السودان إن الصمغ العربي يجري تصديره حاليا عبر مومباسا في كينيا وجوبا عاصمة جنوب السودان.
كما ظهر الصمغ العربي المتداول عبر مصادر غير مشروعة للبيع على الإنترنت.
وقال عصام صديق، الذي يعمل في تصنيع الصمغ السوداني ولاجئ في بريطانيا حاليا، إن قوات الدعم السريع داهمت مخازنه في الخرطوم بعد فراره في نيسان/ أبريل 2023 ومعه ثلاث حقائب من الصمغ.
ووفقا لصورة أرسلها صديق لـ"رويترز"، ظهرت بعد عام من تلك الواقعة منتجات الصمغ الخاصة به للبيع في عبوات كانت لا تزال تحمل العلامة التجارية لشركته في مجموعة على موقع "فيسبوك".