الصاروخ اليمني.. كيف تهاوى الردع الإسرائيلي المطلق؟
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
11 دقيقة ونصف دقيقة هي المدة التي استغرقها وصول صاروخ بالستي فرط صوتي من طراز جديد أطلقته القوات المسلحة اليمنية تجاه “تل أبيب”، أخفقت الدفاعات الجوية في اعتراضه، وأصاب هدفه، وأدخل أكثر من مليوني مستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ، جاء كرسالة ثقيلة على “إسرائيل”، وشكل عملية نوعية مفاجئة لليمن انتصاراً لغزة.
سجلت القوات المسلحة اليمنية نجاحاً كبيراً بعدما كانت قد استهدفت سابقاً مدينتي إيلات و”تل أبيب” بطائرات مسيَّرة، وهي تسجل اليوم نجاحاً جديداً بعدما ضربت “تل أبيب” بصاروخ بالستي قطع أكثر من ألفي كيلومتر، وضرب هدفاً قرب من مطار اللد أو ما يعرف بمطار بن غوريون.
ما يميز هذا النوع من الصواريخ هو القدرة على تغيير مساره فجأة، ما جعل الدفاعات الجوية عاجزة عن اعتراضه، الأمر الذي أثار تساؤلات في “إسرائيل” أكبر من الانفجار الذي أحدثه، إذ أشار معهد الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن القوات المسلحة اليمنية باتت تشكل تهديداً حقيقياً لـ”إسرائيل”، إلى جانب تهديد حزب الله على الجبهة الشمالية.
ويذهب المعهد في تقديره إلى أن الصاروخ اليمني الباليستي يعكس قدرة اليمن على الوصول إلى المراكز الحيوية والاستراتيجية في “إسرائيل”، وهذا انعكاس ومؤشر على النجاح في تطوير القدرات العسكرية، وأن مثل هذا التهديد ينضم إلى تهديدات سابقة انطلقت من اليمن. ويشير المعهد إلى سلاح الطائرات المسيرة الذي تمتلكه اليمن، والذي ضرب تل أبيب في وقت سابق، والحرب البحرية المستمرة على السفن في البحر الأحمر.
لماذا يعتبر صاروخ اليمن فشلاً كبيراً لـ”إسرائيل”؟ سؤال مهم يطرح نفسه أمام هذا الصاروخ الذي أحدث صدمة وإرباكاً كبيرين، وأيقظ “إسرائيل” كلها، كما علقت الصحافة الإسرائيلية.
من الضروري التوقف عند هذه الاعتبارات، فالصاروخ قطع مسافة تتجاوز ألفي كيلومتر من مكان انطلاقه، وهذا المسار الطويل فيه كثير من العقبات الإسرائيلية والدولية. تتمثل تلك العقبات في:
الأولى: الفشل في التعقب والرصد والاعتراض من قوة دولية موجودة على مقربة من اليمن، تتمثّل بالقيادة المركزية الأميركية الوسطى والقطع البحرية المنتشرة في البحر الأحمر وسلسلة من الأساطيل تتبع لمجموعة من الدول تعد شريكة أساسية في التحالف والتصدي لهجمات اليمن التي تستهدف السفن الإسرائيلية أو التي تتوجه إلى إسرائيل من دول أخرى.
الثانية: وجود المنظومة الدفاعية الإسرائيلية لأكثر من جيل لطالما تفاخرت به “إسرائيل”، كمنظومة حيتس، ومنظومة السهم، ومنظومة مقلاع داوود، ومنظومة القبة الحديدية، وجميعها منظومات تعمل لغرض الرصد والتصدي لأي تهديد صاروخي خارجي، وتعد من المنظومات الأكثر تطوراً لدى إسرائيل، وهي قادرة على رصد الأهداف بدقة بالغة قبل وصولها.
الثالثة: فشل المنظومات الدفاعية المنتشرة في وسط “إسرائيل” في التصدي للصاروخ وتمكنه من الوصول إلى منطقة حيوية كمطار حيوي ومهم يعكس حال تهاوي الردع في الكيان.
ثمة دلالات يحملها الصاروخ اليمني الذي ضرب “تل أبيب”، تتمثل بفشل ما تدّعيه “إسرائيل” من امتلاكها قوة الردع المطلقة، بل باتت بلا رادع استراتيجي، وأن معركة طوفان الأقصى أكدت أن “إسرائيل” كيان أوهن من بيت العنكبوت وقابل للانكسار والهزيمة. ومن دون حلفائها الغربيين هي كيان هش لا يستطيع حماية نفسه بنفسه.
تؤكد القوات المسلحة اليمنية، إلى جانب حزب الله في لبنان، أن موقف النصرة والإسناد لغزة ما زال قائماً رغم فاتورة المواجهة التي يمكن أن يدفعها اليمن، كما تؤكد أن امتلاك هذا النوع من الصواريخ تجاوز عقدة البعد الجغرافي عن فلسطين. أما عن الاستخدام، فإنه يعكس الإرادة السياسية لدى اليمن بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من المواجهة واستخدام ما يملك من ترسانة عسكرية لمصلحة قضية فلسطين ونصرة قطاع غزة. أما على الصعيد العملياتي والقدرة على تجاوز منظومة الدفع الجوي، فهو نجاح لليمن وفشل كبير لإسرائيل، ويرشح احتمال تصاعد شكل وطبيعة المواجهة بين إسرائيل وأطراف محور المقاومة من جهة أخرى.
قرع الصاروخ البالستي اليمني الجرس في وجه نتنياهو الذي يريد إشعال حرب واسعة في لبنان بات يلمح لها كثيراً، في وقت بات جيشه منهكاً عالقاً في غزة، ليبعث رسالة ثقيلة مفادها أنَّ مثل هذا الصاروخ البالستي يمكن أن ينطلق من لبنان ويضرب مراكز حيوية استراتيجية بدقة أكبر مما انطلق عليه من اليمن. وقتها، ستكون المعادلة قد اختلفت كلياً، وستقضي على أطماع نتنياهو وطموحاته باللهث وراء نصر مطلق بحث عنه طيلة 11 شهراً.
خيارات “إسرائيل” تضيق بعد وصول صاروخ فرط صوتي يمني إلى “تل أبيب”، ونتنياهو وشركاؤه يأخذونها نحو الهاوية، فكل الحسابات يجب أن تختلف، وما قبل وصول الصاروخ إلى تل أبيت ليس كما بعده، والرهان على تفجير حرب مع لبنان سيجعل أطرافاً عديدة تعيد حساباتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأكبر لإسرائيل، والتي يريد نتنياهو توريطها في حرب كبيرة في المنطقة، في وقت تتجهّز لانتخابات رئاسية مقبلة، والمنطقة برمتها باتت أمام أسابيع حاسمة ومهمة تجعلها على مفترق طرق؛ إما وقف الحرب والتسوية نتيجة لمراجعة الحسابات بعد الصاروخ اليمني وإما الذهاب إلى مواجهة واسعة مع لبنان، وهذا ما لا ترغب فيه كثير من الدول في المنطقة، ولا يخدم أجندة إدارة بايدن الحالية.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها
قالت حركة حماس، الجمعة، إن إسرائيل طلبت إخلاء مناطق في قطاع غزة يوجد بها رهائن مشيرة إلى أنها لن تقوم بنقلهم منها.
وأوضح الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس: "نصف أسرى العدو الأحياء يتواجدون في مناطق طلب جيش الاحتلال إخلاءها في الأيام الأخيرة".
وأضاف: "قررنا عدم نقل هؤلاء الأسرى من هذه المناطق، وإبقاءَهم ضمن إجراءات تأمين مشددة لكنها خطيرة للغاية على حياتهم".
وتابع: "إذا كان العدو معنيا بحياة هؤلاء الأسرى فعليه التفاوض فورا من أجل إجلائهم أو الإفراج عنهم، وقد أعذر من أنذر".
كما أكد أن "حكومة نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) تتحمل كامل المسئولية عن حياة الأسرى، ولو كانت معنية بهم لالتزمت بالاتفاق الذي وقعته في يناير، ولربما كان معظمهم اليوم في بيوتهم".