منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، لم يهدأ الشارع الأردني. لعله كان مع شقيقه اليمني الأكثر مثابرة على تأكيد الدعم الشعبي للمقاومة وخياراتها، ولم تستطع كل المحاولات الرسمية امتصاص هذا الموقف الثابت، سواء بالتظاهر أنها تتبناه أو حين انتقلت لاستخدام أدوات القمع ضده لثني الأردنيين عن التعبير عن دعمهم للمقاومة.
لعل المتابع للنشاط الانتخابي في الأردن يلحظ أن شعار دعم المقاومة ووقف التطبيع كان الأكثر جاذبية للجمهور، يليه شعار إزالة القواعد الأجنبية. حاولت السلطة استغلال الطبيعة العشائرية للانتخابات وحرف النظر عن دعم المقاومة، إلا أن فتى بدوياً قال كلمته ومضى… الأردن كل الأردن مع المقاومة.
اشتهرت قبيلة الحويطات بالبطولة، وأدى العديد من أفرادها أدواراً مهمة في تاريخ الأردن. عودة أبو تايه قاد جيوش الثورة العربية الكبرى في الأردن، ووصل بجيشه إلى محافظة حمص السورية.
وعندما أدرك بفطرته البدوية أن الإنكليز بقيادة لورنس العرب يبيتون الشر للأمة، اشتكى للأمير فيصل الذي عزله، وعاد الأمير عبد الله (الملك عبد الله الأول لاحقاً) ليسجنه لرفضه نتائج الثورة العربية الكبرى التي أدت إلى تقسيم بلاد العرب.
مشهور الجازي صانع نصر معركة الكرامة، الضابط الذي استجاب لأمر قلبه، وعصى أوامر قيادته ليصبح رمزاً للوطنية الأردنية المتلاحمة مع الوطنية الفلسطينية. جاء ماهر ذياب الجازي ليكمل مسيرة الحويطات البطولية، كأن هذه القبيلة على موعد مع صناعة التاريخ. لذلك، عبّر أبناء بلدته (الحسينية) وقبيلته عن سعادتهم بالعملية التي نفذها ابنهم بالخروج إلى الشوارع وإطلاق العيارات النارية.
عندما يستشهد البطل، يصبح ملكاً لوطنه، وليس لقبيلته فقط. لذلك، خرج الأردنيون في جميع المدن إلى الشوارع محتفلين، وبعضهم وزع الحلوى على المارة. البعض قال إن الفرحة مبالغ بها، وهي في الحقيقة رسالة من كل بيت أردني إلى السلطة التي تقيم علاقات وتطبع مع الكيان الصهيوني بأن الخيار الشعبي الأردني محسوم لمصلحة العداء للكيان الصهيوني والانتصار للمقاومة.
ما فعله ماهر الجازي، وإن كان يعبر عن حالة وجدانية من الشراكة والغضب تجاه ما يرتكبه العدو تجاه الشعب الفلسطيني، إلا أن مفاعيله السياسية أكبر بكثير من الفعل نفسه.
على جبهة التطبيع الأردني – “الإسرائيلي”، أثبت الجازي أن التطبيع لم يغادر المربع الأول، حتى بوابة التطبيع يمكن أن ينفذ منها المقاومون للنيل من العدو، ولسان حالهم يردد المقولة التاريخية: “وراء العدو في كل مكان”. لن يجرؤ صهيوني على دخول الأردن كسائح أو كمستثمر بشكل علني، فخلف كل حائط وفي كل شارع يمكن أن يخرج له “ماهر” جديد.
على جبهة الاقتصاد، شكل الموقف الرسمي الحقيقي للسلطة في الأردن شريان الحياة الاقتصادي للكيان خلال طوفان الأقصى. ورغم تعبير الأردنيين عن رفضهم لهذا الدور المتواطئ للسلطة الحاكمة في بلادهم، بل إن الصحافية هبة أبو طه حُكمت بالسجن لمدة عام، لكتابتها تحقيقاً صحافياً عن الجسر البري الذي ينقل البضائع إلى الكيان عبر الأراضي الأردنية، لكن السلطة الحاكمة صممت على موقفها حتى جاء ماهر الجازي ليغلق المعبر بثلاث طلقات وخلال بضع دقائق، ويحقق بشهادته مطالب الأردنيين بإيقاف الجسر البري الذي استمر أكثر من 300 يوم.
المعبر المغلق اليوم سيعود إلى العمل قريباً، لكن تشديد الإجراءات الأمنية على الجانبين سيجعل وتيرة العمل أبطأ، ويرفع التكلفة الناتجة من ساعات الانتظار الطويلة. هذه الآثار سوف تنعكس على المطبعين في الجانب العربي، وعلى التجار في الجانب الصهيوني الذين قد يجدون أن الاستيراد من وراء البحر أقل كلفة، فيصاب المطبعون في مقتل من حيث لم يتوقعوا.
على الجبهة السياسية، يخسر الأردن تدريجياً موقعه كجار معتدل يحافظ على أمن أطول خط حدودي بين الكيان المصطنع والأمة العربية. هذه الخسارة تساهم فيها “إسرائيل” نفسها بالتصريحات المتوالية لمسؤولين صهاينة حول ضم الضفة، والتهديد الذي تمثله الحدود الأردنية، والذي بلغ مداه بتصريح مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب حول ضرورة زيادة مساحة “إسرائيل”.
احتفظ الأردن الرسمي برباطة الجأش، وقدم ردوداً دبلوماسية على هذه التصريحات ضمن سياسته التاريخية بإحناء الرأس للعاصفة واستثمار موقعه الجغرافي المهم.
يعدّ ما قام به ماهر الجازي أول خرق مهم لأمن الحدود منذ عقود، وهذا يعني أن التهديد الصهيوني يضع الأردن أمام خيارات صعبة، فإما التصعيد الداخلي بالمزيد من القمع تجاه المعارضة، وهذه خطوة خطيرة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الاحتقان الشعبي، وقد تؤدي إلى حالات من الفوضى والشغب تعمق بدورها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتدخل البلاد في حلقة مفرغة، وإما التصعيد الخارجي تجاه الكيان الصهيوني بشكل خاص، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من جهة، والتلويح للمركز الرأسمالي باحتمال خسارة واحدة من أهم قواعده في المنطقة من جهة ثانية. هذا التصعيد قد يأخذ شكل الانفتاح السياسي على دول مثل سوريا وإيران وروسيا، أو الانفتاح الاقتصادي على الصين ودول أخرى من الاقتصاديات الصاعدة.
لقد سارع العدو إلى الربط بين عملية معبر الكرامة ومحور المقاومة، في محاولة لوضع المزيد من الضغط على السلطة السياسية في الأردن التي لم تصدر بياناً رسمياً عن وزارة الخارجية بشأن الحادث، واكتفت بإعلان قيادة الأمن العام إغلاق معبر الكرامة.
الربط مع أي قوة سياسة كلام غير حقيقي، لكن الحقيقة أن كل من يقوم بفعل مقاوم هو جزء من محور المقاومة، لأن المقاومة فكرة، وليست تنظيماً سياسياً.
لم أُضخم من نتائج عملية الشهيد البطل ماهر الجازي لأنه ابن بلدي، لكن الجبهة التي اختارها، والظروف التي نفذ بها عمليته البطلة، وتوقيت العملية بالعلاقة مع ما يحدث في فلسطين، كلها تعني أن الجبهة الأردنية أصبحت ساخنة، وأنها انضمت إلى جبهات إسناد المقاومة.
كاتب سياسي أردني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تفاهم بين «كالدس» و«سافران للإلكترونيات والدفاع» لتعزيز خدمات الإسناد الجوي في المنطقة
أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت شركة كالدس، الشركة الرائدة في مجال التصنيع الدفاعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، اليوم، توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة سافران للإلكترونيات والدفاع، الشركة العالمية الرائدة في أنظمة الطيران والدفاع والأمن.
تهدف هذه الشراكة إلى تلبية الطلب المتزايد على خدمات الإسناد الجوي المتقدمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على تعزيز القدرات العسكرية والإنسانية. تمثل مذكرة التفاهم هذه خطوة مهمة نحو تعزيز البنية التحتية الدفاعية لدولة الإمارات، من خلال الجمع بين الخبرة العميقة لشركة كالدس في التصنيع الإقليمي والمعرفة بالسوق، والتقنيات المتطورة التي تقدمها سافران في مجالات إلكترونيات الطيران والملاحة وأنظمة الطيران. وستوفر الشركتان معاً حلولاً متطورة للإسناد الجوي، مصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الفريدة للمنطقة.
وقال الدكتور خليفة البلوشي، الرئيس التنفيذي لشركة كاليدس: «نحن فخورون بالشراكة مع شركة سافران لتعزيز قدرات صناعة الدعم الجوي وتلبية الاحتياجات اللوجستية الحيوية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتوافق هذه الشراكة مع مهمتنا لتقديم حلول دفاعية متقدمة محلياً، مع دعم العمليات العسكرية والجهود الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة».
يركز التعاون بين «كالدس» و«سافران» الفرنسية على البحث والتطوير ونشر أنظمة الإسناد الجوي المتقدمة؛ بهدف تحسين الخدمات اللوجستية لمجموعة واسعة من العمليات، بدءاً من المهام العسكرية وحتى جهود الإغاثة في حالات الكوارث. وبفضل خبرة «سافران» الطويلة والمؤكدة في تكامل الأنظمة والمعدات الحيوية للمهام، إلى جانب معرفة «كالدس» باحتياجات المنطقة، ستتميز هذه الحلول بالكفاءة والموثوقية العالية.
وقال فرانك سودو، الرئيس التنفيذي لشركة سافران للإلكترونيات والدفاع: «يتيح لنا التعاون مع (كالدس) تعزيز التزامنا تجاه دولة الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونسعى، من خلال هذه الشراكة، إلى تقديم أحدث التقنيات التي تعزز الكفاءة التشغيلية، وتدعم الاحتياجات الدفاعية والإنسانية المتزايدة في المنطقة».
يشهد سوق خدمات الإسناد الجوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً سريعاً، مدفوعاً بتزايد المتطلبات اللوجستية العسكرية والتوسع في المهام الإنسانية في المنطقة. وتأتي هذه الشراكة الاستراتيجية في توقيت مثالي لتلبية هذه الاحتياجات، من خلال تقديم أنظمة متطورة ومرنة وعالية التقنية، تسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة.
وستعرض كل من «كالدس» و«سافران» نتائج وثمرة هذا التعاون خلال الدورة السابعة عشرة من معرض الدفاع الدولي «آيدكس 2025» الذي يقام من 17 إلى 21 فبراير الجاري في مركز «أدنيك» في أبوظبي، حيث ستقدمان حلول الإسناد الجوي المشتركة أمام قادة الدفاع العالميين وأصحاب المصلحة في الصناعة.