لماذا تصيبنا بعض العطور بالصداع؟
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
يمكن للبشر التعرف على أكثر من تريليون رائحة، لكن ردود الفعل تجاهها تتفاوت من شخص لآخر تفاوتا كبيرا.
تشرح البروفيسورة أماندا إليسون من قسم علم النفس في جامعة دورهام، أسباب هذا التفاوت، موضحة أن التفاعل مع الروائح ليس فقط مسألة كيميائية، بل يتأثر أيضا بالعواطف والذكريات الشخصية.
العاطفةمن بين جميع الحواس، للرائحة فقط خط مباشر إلى نظامنا العاطفي.
لنفترض أنك تشم رائحة شيء تربطه بذكرى سلبية مثل رائحة مواد التنظيف الكيميائية المستخدمة في المستشفى، أو العطر نفسه الذي استخدمه شخص لا تحبه، أو رائحة كنت تستخدمها قديما لكنها ترتبط بذكريات سيئة، قد تتسبب نفحة واحدة في استرجاع كل تلك المشاعر السلبية وتذكرها، مما يدفع جسدك إلى توليد استجابة للضغط النفسي أثناء "القتال أو الهروب".
عندما يواجه الجسم ضغوطًا نفسية، مثل التوتر أو القلق أو الخطر، يتفاعل عبر استجابة "القتال أو الهروب"، مما يتسبب في تغييرات جسدية عديدة نتيجة دخول الدماغ في حالة تأهب قصوى.
توضح البروفيسورة إليسون أن أحد أول التغيرات التي قد تلاحظها في هذه الحالة هو التوتر في منطقة الرأس والرقبة. يحدث هذا بسبب توسع الأوعية الدموية، الذي يتيح تدفق المزيد من الدم إلى الدماغ والأجزاء الأخرى من الجسم التي تحتاجه.
كما يؤدي توسع الأوعية إلى تنشيط المستقبلات الحسية في الأوعية الدموية، مما يمكن أن يتسبب في شعور بالألم أو الصداع، خاصة إذا كانت الأوعية الدموية في الرأس والرقبة هي التي تتسع.
استجابتنا العاطفية تجاه الروائح هي مسألة فردية للغاية وتعتمد على تجاربنا الشخصية. قد تثير الروائح ردود فعل لا ندركها، إذا كنت تعاني من الصداع عند استنشاق روائح معينة، فقد يكون ذلك نتيجة لارتباطك السلبي بتلك الروائح.
تستطيع المواد الكيميائية التي تنشط إشارات الشم في الدماغ، مثل الدخان والعطور والكلور، أن تسبب تهيجًا للجيوب الأنفية.
تتكون الجيوب الأنفية من أربعة تجاويف مملوءة بالهواء في عظام الوجه، وكل منها مبطن بغشاء يفرز المخاط. يعمل المخاط على حبس الجزيئات والحشرات التي تدخل عبر الأنف والفم. وللتخلص من هذه الجزيئات، ينتج الجسم المزيد من المخاط، مما يؤدي إلى أعراض تشبه الحساسية مثل التهيج والالتهاب. هذه الاستجابة يمكن أن تحفز جهاز المناعة، مما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية في الجيوب الأنفية، وفي بعض الحالات قد يتسبب ذلك في الصداع.
بجانب ذلك، يمكن لبعض الروائح أن تؤثر مباشرة على المسار العصبي الثلاثي التوائم، الذي ينقل الإشارات الحسية من الرأس إلى الدماغ. تحفيز هذا المسار قد يتسبب في حدوث التهاب، حيث يكتشف التهديد ويطلب من جهاز المناعة التدخل. تشمل الروائح التي تؤثر بشكل مباشر على هذا المسار المواد الكيميائية مثل الفورمالديهايد وبعض منتجات التنظيف ودخان السجائر، مما قد يؤدي إلى الصداع.
المركبات الكيميائيةتحتوي العطور على مزيج من المركبات الكيميائية التي قد تكون مزعجة لبعض الأشخاص. هذه المركبات قد تشمل مواد عطرية اصطناعية أو طبيعية يمكن أن تؤدي إلى تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والجيوب الأنفية، مما يسبب الصداع.
عدم تحمل الرائحةيتم تعريف "الأسموفوبيا" بأنها عدم تحمل الروائح. على الرغم من ندرة حدوث ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من الصداع المزمن يميلون أيضًا إلى تجربة رهاب الأسموفوبيا.
المصابون بالصداع النصفي معرضون بشكل خاص لرهاب الأسموفوبيا. وقد أظهرت بعض الأبحاث أن التعرض للروائح القوية لمدة ساعتين أو أكثر يمكن أن يؤدي في الواقع إلى الإصابة بالصداع النصفي لدى حوالي 20% من المصابين بالصداع النصفي. يعد دخان السجائر والعطور وعوادم السيارات ومنتجات التنظيف من أكثر الروائح المثيرة شيوعا.
يمكن أن يكون الجهاز العصبي للشخص الذي يعاني من الصداع النصفي حساسًا بشكل خاص لبعض المحفزات الحسية في حياته اليومية. ولكن خلال المرحلة البادرية (أولى مراحل الصداع النصفي الأربع المميزة، والتي قد تحدث قبل يومين إلى ساعات من نوبة الصداع) قد يصبحون أكثر حساسية لبعض المحفزات بما في ذلك الروائح.
يعاني العديد من المصابين بالصداع النصفي من علامات معينة تشير إلى حدوث الصداع النصفي خلال مرحلة بودروم (أولى مراحل الصداع النصفي، والتي قد تحدث قبل يومين إلى ساعات من نوبة الصداع) مثل التثاؤب المتكرر والرغبة في تناول بعض الأطعمة.
احذر هذه المركبات بالعطوريمكن أن تسبب بعض المركبات الكيميائية في العطور الصداع، وخاصةً إذا كانت بتركيزات عالية أو إذا كان الشخص حساسًا تجاهها. تشمل هذه المركبات:
الفورمالديهايد: يستخدم مادة حافظة في بعض العطور، وهو معروف بقدرته على التسبب في تهيج الجهاز التنفسي والصداع.
الأستيل ساليسليك أسيد: وهو مركب يستخدم في بعض العطور لتعزيز الثبات والرائحة، ويمكن أن يكون مزعجًا لبعض الأشخاص.
الزيوت العطرية القوية: مثل زيت النعناع أو زيت الأوكالبتوس، يمكن أن تكون قوية جدًا وتسبب الصداع عند استخدامها بكميات كبيرة.
البارابين: وهي مواد حافظة قد تسبب تهيجًا لبعض الأشخاص، مما قد يؤدي إلى الصداع.
المشتقات الاصطناعية: بعض المكونات العطرية الاصطناعية، مثل الألدهيدات والكيتيونات، قد تكون مهيجة للأشخاص ذوي الحساسية العالية أو الذين يعانون من الصداع النصفي.
الكحول: يُستخدم كحامل في العديد من العطور، وقد يتسبب في تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، مما قد يؤدي إلى الصداع.
ولم يجد العلم بعد طريقة فعالة للتغلب على هذه المشكلة. لذا، إذا كنت شخصًا يميل إلى الإصابة بالصداع بسبب روائح معينة (بغض النظر عن السبب)، فربما يكون من الأفضل تجنبها قدر الإمكان. ولأننا لا نستطيع دائمًا تجنب المحفزات، فقد يكون الهواء النقي ومسكنات الألم أفضل طريقة للحد من أي صداع يحدث.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المواد الکیمیائیة الکیمیائیة التی الأوعیة الدمویة بالصداع النصفی الصداع النصفی من الصداع یتسبب فی یؤدی إلى یمکن أن التی قد تهیج ا
إقرأ أيضاً:
عنف الاستعمار بالجزائر.. فرنسا استخدمت التعذيب والحرق والأسلحة الكيميائية
أثارت مجلة لوبس مسألة الجرائم المرتكبة أثناء احتلال الجزائر والحروب الاستعمارية الأخرى مثل حرب الهند الصينية، وذلك بالتزامن مع سحب القناة الفرنسية الخامسة فيلما وثائقيا يكشف عن استخدام فرنسا الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى توقيف صحفي بسبب مقارنته تلك الجرائم بما ارتكبته القوات النازية في فرنسا.
ونقلت الصحيفة -في مقال بقلم دوان بوي- شهادة ضابط إسباني في يونيو/حزيران 1845، قال فيها "لا شيء يمكن أن يعطي فكرة عن المشهد الرهيب الذي أنتجه الكهف. كانت جميع الجثث عارية، في أوضاع تشير إلى التشنجات التي تعرضوا لها قبل وفاتهم، وكان الدم يخرج من أفواههم. ولكن ما أثار الرعب أكثر هو رؤية الأطفال الرضع يرقدون بين بقايا الأغنام وأكياس الفاصوليا".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خبيران دوليان: أوقفوا الحرب المقبلة بين إثيوبيا وإريتريا قبل اشتعالهاlist 2 of 2صحف عالمية: على ترامب إجبار نتنياهو لإنهاء الحصار على غزةend of listوذكرت المجلة بأن هذا ليس وصفا لكنيسة أورادور سور غلان، حيث تم حبس 450 امرأة وطفلا وإحراقهم في التاسع من يونيو/حزيران 1944 على يد الألمان، بل هو شهادة ضابط إسباني، في يونيو/حزيران 1845، قبل قرن تقريبا من حادثة الكنيسة، أمام غار الفرشيح، حيث أشعل العقيد بيليسييه النار، وسجلت هيئة الأركان العامة 760 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال.
سياسة المحرقة
وقد وردت هذه الممارسات ضمن سياسة "المحرقة" التي أمر بها مارشال بوجو، وهي إستراتيجية تهدف إلى خنق المقاومين الجزائريين أثناء الغزو الاستعماري، وتم تنظيمها من قبل أحد "أبطالها" المارشال بيجو الذي يقول "إذا تراجع هؤلاء الأشرار إلى كهوفهم، فاطردوهم كما تطرد الثعالب".
إعلانوكانت هناك مجازر وعمليات تهجير كثيرة أثناء غزو الجزائر، وتظهر هذه الشهادة، التي أدلى بها العقيد دي سانت أرنو في أغسطس/آب 1845، أن تعليمات بيجو تم اتباعها بحماس "فقد أغلقتُ المخارج بشكل محكم وأنا أقوم بإنشاء مقبرة واسعة. ستظل الأرض مغطاة بجثث هؤلاء المتعصبين إلى الأبد. هناك 500 من قطاع الطرق لن يذبحوا الفرنسيين بعد الآن.. ضميري لا يوبخني على أي شيء".
وفي منتصف الحرب الجزائرية، جاء هذا الوصف لممارسة التعذيب في مجلة لوبس، وكانت وقتها تسمى "فرانس أوبسرفاتور" بقلم كلود بوديه، "إن التعذيب بحوض الاستحمام، أو نفخ الماء عبر فتحة الشرج، أو التيار الكهربائي على الأغشية المخاطية والإبطين أو العمود الفقري، هي الأساليب المفضلة، لأنها "إذا طبقت بشكل جيد" لا تترك أي أثر مرئي. إن عذاب الجوع مستمر أيضا، كما أن الخازوق واللكمات والركلات والضربات بأعصاب الثور ليست بمنأى عن ذلك أيضا".
وفي هذا السياق، أثار الكاتب الصحفي جان ميشيل أباتي جدلا واسعا بمقارنته بين هذه الفظائع التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر بمذبحة أورادور سور غلان، وخاصة بقوله "لقد ارتكبت فرنسا مئات المجازر مثل أورادور سور غلان"، ليتم إيقافه عن العمل من قبل إذاعة "آر تي إل"، وفي التاسع من مارس/آذار أعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي قراره بمغادرة العمل.
وأثارت المجلة قضية حساسة عن كيفية التعامل مع إرث العنف الاستعماري، وكيف تنعكس هذه الذاكرة على الخطاب العام والسياسة المعاصرة، تاركة السؤال مفتوحا حول قدرة المجتمع على مواجهة ماضيه بشفافية، مشيرة إلى أن فرنسا تُحيي ذكرى بعض المجازر مثل أورادور-سور-غلان بينما تتجاهل جرائمها في مستعمراتها السابقة، مما يعكس انتقائية في طريقة تذكر الماضي.
أسلحة كيميائية
وإلى جانب استقالة أباتي، وفي سياق دبلوماسي متوتر يحتدم فيه النقاش حول الجرائم الاستعمارية، سحبت القناة الفرنسية الخامسة فيلما وثائقيا غير منشور يكشف عن استخدام فرنسا للأسلحة الكيميائية في الجزائر قبل 5 أيام من بثه، مع أنه متاح عبر الإنترنت منذ الأربعاء 12 مارس/آذار.
إعلانويستند الوثائقي -حسب تقرير آخر لصحيفة ليبراسيون- إلى أبحاث المؤرخ كريستوف لافاي، ويكشف استخدام الجيش الفرنسي لأسلحة كيميائية محظورة لتطهير المناطق الجبلية من المقاتلين الجزائريين، مثل غاز "سي إن 2 دي" (CN2D) المحظور وفق معاهدة جنيف لعام 1925.
وذكرت ليبراسيون بأن الوثائقي الذي عُرض على قناة "آر تي إس" السويسرية قبل أيام، وأثار تفاعلا واسعا في الإعلام الجزائري، يأتي في وقت حساس بسبب توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية، لا سيما بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 "بالسيادة المغربية" على الصحراء الغربية.
وأشارت لوبس إلى أن العنف لا يقتصر على الجزائر وحدها، وقد أوضح المؤرخ كريستوفر جوشا، الذي أجرت معه مقابلة في عددها الخاص "الهند الصينية، الاستعمار المنسي"، أن حرب الهند الصينية كانت حرب الاستعمار الأكثر عنفا في القرن الـ20، حيث كانت حصيلة الضحايا المدنيين أعلى حتى من حصيلة ضحايا حرب الجزائر.