القصص الصامتة لمن لا صوت لهم
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
محمد بن أنور البلوشي
في كل زاوية من زوايا العالم، تتكشف القصص، مكونة شبكة مُعقدة من التجارب الإنسانية. بعض القصص تجلب الفرح، فتملأ القلوب بالسعادة، بينما تثير قصصٌ أخرى الحزن، تاركة في نفوسنا شعورًا بالأسى. ومع ذلك، ورغم تنوع القصص التي تحيط بنا، لا تُسمع كل الأصوات التي تقف وراءها. وتصل بعض الأصوات إلى آذاننا بوضوح وقوة، بينما تظل أخرى صامتة بشكل مأساوي، مطموسة بفعل اللامبالاة أو الغموض.
خذ لحظة للتفكير؛ ألا تشعر بالغضب عندما تسمع عن زوجة تُساء مُعاملتها من قبل زوجها؟ ألا تشعر بالحزن عندما تعلم أنَّ موظفًا تمَّ فصله بشكل غير عادل؟ ألا تشعر بالإحباط عندما ترى شخصًا يُكافح للحصول على الدعم، ولكنه لا يجد أحدًا يساعده؟ هذه قصص تصرخ طلبًا للانتباه، ولكنها غالبًا ما تبقى غير مسموعة. الواقع المحزن هو أنه في حين أن بعض الأفراد يمكنهم مشاركة قصصهم مع العالم، يظل الكثير من الناس بلا صوت، يذوبون في غياهب النسيان حيث لا تجد صرخاتهم من يجيبها.
في عالم اليوم السريع الخطى، أصبحت الأخبار جزءًا أساسيًا من حياتنا. كأفراد، لدينا الحق في معرفة ما يحدث حولنا، وأن نكون على دراية بالأحداث التي تشكل عالمنا. لكن كيف نتلقى هذه الأخبار، والأهم من ذلك، كيف نعرف أنها موثوقة؟ هنا يظهر الدور الحقيقي للإعلام والصحافة. في بعض أجزاء العالم، يعمل الإعلام كقوة قوية، مضاعفًا أصوات من لا صوت لهم، ويقف كحارس للحقيقة والعدالة. في أماكن أخرى، مع ذلك، يكون الإعلام صامتًا، غير قادر—أو غير راغب—في أن يكون الصوت الذي يجب أن يكونه.
الصحافة في جوهرها مهنة محفوفة بالمخاطر. فقد العديد من الصحفيين حياتهم في سبيل كشف الحقيقة، مُضحين بسلامتهم لإبلاغ الجمهور. وقد قال الأمريكي الشهير هنري وارد بيتشر ذات مرة: "الصحف هي المُعلِّم للناس العاديين". ولكن اليوم، يجب أن نسأل: هل الصحافة تؤدي حقًا دورها كصوت لمن لا صوت لهم؟
لفهم هذا الموضوع بعمق، يجب أولاً أن نحدد من هم الأشخاص الذين لا صوت لهم. الحقيقة هي أن الأشخاص الذين لا صوت لهم موجودون في كل مكان، يعيشون بيننا. وربما تكون أنت واحدًا منهم. النساء في جميع أنحاء العالم يكافحن من أجل حقوقهن الأساسية، لكن مناشداتهن غالبًا ما تقع على آذان صماء. الأطفال في العديد من المناطق يحلمون بالذهاب إلى المدرسة، لكنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لجعل أصواتهم تُسمع. كبار السن، اللاجئون، الفتيات الصغيرات، والعديد من الآخرين من جميع الأجناس واللغات يعيشون على الهامش، حيث تظل قصصهم غير ملاحظة وغير مروية.
إنها مسؤولية الإعلام تسليط الضوء على هؤلاء الأفراد وتجاربهم، لكن في كثير من الأحيان، يتم تجاهل أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى الانتباه. في كثير من الحالات، تُعطي وسائل الإعلام الأولوية للإثارة أو الأجندات السياسية، متجاهلة القصص الملحة لمعاناة الإنسان التي تمر دون أن تُلاحظ.
تجربة شخصية مررتُ بها قبل عام تبرز كمثال على هذه القضية. بعد أن أوصلت عائلتي إلى مطار مسقط، لاحظت رجلاً وصل لتوه إلى عُمان، وكان ينتظر رحلة إلى صلالة. وكان قد فاتته رحلته وكان عالقًا في المطار لمدة يوم، غير متأكد مما يجب عليه فعله بعد ذلك. لم يكن يتحدث الإنجليزية أو العربية، ولم يكن هناك أحد ليُساعده. أثناء مراقبتي له، أصبح من الواضح أنه كان يشعر بالضياع تمامًا، وكانت عيناه محمرتين من قلة النوم والإحباط.
في تلك اللحظة، لم أستطع إلّا أن أتساءل: ماذا لو كنت أنا ذلك الرجل؟ ماذا لو كنت أنت الشخص الذي تُرك عالقًا في بلد أجنبي، دون القدرة على التواصل أو العثور على المساعدة؟ ماذا لو كنت المرأة التي تُساء مُعاملتها باستمرار من قبل زوجها، ولا يوجد أحد ليسمع صرخاتك من أجل العدالة؟ ماذا لو كنت لاجئًا، محرومًا من الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء والمأوى؟ وماذا لو، في اللحظة التي كنت في أمس الحاجة فيها إلى أن تُخبر قصتك، رفض الإعلام أن يكون صوتك؟
هذه ليست أسئلة افتراضية، إنها الحقائق القاسية التي يواجهها عدد لا يحصى من الأفراد كل يوم. إن الشعور بفقدان الصوت هو تجربة عميقة للعزلة، واحدة تآكل شعور الشخص بالكرامة والإنسانية. ومع ذلك، كل شخص، بغض النظر عن ظروفه، لديه قصة تستحق أن تُروى. والسؤال هو: من سيرويها؟
تخيَّل للحظة ما يشعر به الشخص الذي لا صوت له. تخيل أن لديك قصة، رواية شخصية عميقة تريد للعالم أن يسمعها. تبدأ في كتابتها، لكن قبل أن تتمكن من إكمالها، تُقطع حياتك. ماذا سيحدث لقصتك؟ هل ستختفي معك؟ هل سيتولى شخص آخر الأمر ويشاركها مع العالم، أم ستظل إلى الأبد غير مروية؟ وإذا اختار الإعلام- المؤسسة التي من المفترض أن تضخم مثل هذه القصص- ألا يستمع، كيف سيتم سماع قصتك؟
هذا هو التحدي الذي يواجهنا. كل شخص، من المرأة التي تُساء معاملتها إلى المسافر العالق، يحمل قصة بداخله. إنها مسؤولية المجتمع، وخصوصًا الإعلام، أن يضمن أن تلك القصص تُروى.
فقدان الصوت ليس مجرد مأساة شخصية، إنه فشل اجتماعي. يجب علينا أن نطالب بأن يرتقي إعلامنا إلى مستوى مسؤوليته، وأن لا يغض الطرف عن معاناة المنسيين. فقط عندها يمكننا أن نضمن أن كل قصة، مهما كانت صغيرة أو صامتة، لن تظل غير مروية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية: القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية تسعى إلى مواكبة التحديات والمتغيرات التي يشهدها العالم
أوضحت سعادة الشيخة هنوف بنت عبدالرحمن آل ثاني، مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية، أن القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، المزمع عقدها في الدوحة، خلال الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر الجاري تسعى إلى تجديد الالتزام الدولي بالمبادئ التي أُقرت في كوبنهاغن، والبناء على ما تحقق لتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة والمستدامة، ومواكبة التحديات والمتغيرات التي يشهدها العالم اليوم.
وأكدت سعادتها في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن هذا الحدث العالمي يأتي امتدادا للقمة العالمية الأولى للتنمية الاجتماعية التي استضافتها العاصمة الدنماركية كوبنهاغن عام 1995م، وشكّلت حينها محطة تاريخية في العمل الدولي المشترك من أجل مكافحة الفقر، والحد من البطالة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وبينت سعادتها أن القمة تهدف لخلق منصة دولية لتبادل التجارب والخبرات بين الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وتنسيق الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفقا لأجندة الأمم المتحدة 2030، مع التركيز على قضايا محورية للحد من الفقر، وتمكين المرأة والشباب، وتعزيز نظم الحماية الاجتماعية، ودعم المجتمعات الريفية، وبناء قدرات الأفراد والمؤسسات نحو تنمية أكثر شمولا واستدامة.
ولفتت سعادتها إلى أن استضافة دولة قطر لهذه القمة تعد تأكيدا لمكانتها المرموقة على الساحة الدولية، ودليلا على إيمانها العميق بأهمية التعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، لا سيما في ظل التحولات العالمية المتسارعة وما تفرضه من متطلبات جديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في التنمية، وامتدادا لنهجها الثابت في دعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز التنمية المستدامة والارتقاء بالإنسان باعتباره محور التنمية وغايتها الأساسية.
وأوضحت سعادتها أن إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية، تعمل بالتعاون مع كافة الجهات الوطنية المعنية، على الإعداد والتحضير لعقد القمة بما يضمن نجاحها وتحقيق نتائج عملية تسهم في بلورة رؤى جديدة للتنمية الاجتماعية على المستويين الإقليمي والدولي، ويعكس الدور الإيجابي والبنّاء الذي تضطلع به دولة قطر في دعم مبادرات التنمية الإنسانية وتعزيز الحوار العالمي حول قضايا العدالة والمساواة.
وأعربت سعادة الشيخة هنوف بنت عبدالرحمن آل ثاني، مدير إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية، عن إيمان دولة قطر بأن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الإنسان، وتعزيز قيم العدالة والتضامن، ودعم المبادرات التي تكرّس التعاون الدولي وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
كما أعربت سعادتها، عن تقديرها العميق للجهات الوطنية والدولية الشريكة على تعاونها المثمر في التحضير لهذه القمة، مؤكدة تطلعها إلى مشاركة واسعة وفاعلة تُسهم في إنجاح أعمال القمة وترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية الاجتماعية المستدامة.