جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-08@22:04:25 GMT

القصص الصامتة لمن لا صوت لهم

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

القصص الصامتة لمن لا صوت لهم

 

محمد بن أنور البلوشي

في كل زاوية من زوايا العالم، تتكشف القصص، مكونة شبكة مُعقدة من التجارب الإنسانية. بعض القصص تجلب الفرح، فتملأ القلوب بالسعادة، بينما تثير قصصٌ أخرى الحزن، تاركة في نفوسنا شعورًا بالأسى. ومع ذلك، ورغم تنوع القصص التي تحيط بنا، لا تُسمع كل الأصوات التي تقف وراءها. وتصل بعض الأصوات إلى آذاننا بوضوح وقوة، بينما تظل أخرى صامتة بشكل مأساوي، مطموسة بفعل اللامبالاة أو الغموض.

خذ لحظة للتفكير؛ ألا تشعر بالغضب عندما تسمع عن زوجة تُساء مُعاملتها من قبل زوجها؟ ألا تشعر بالحزن عندما تعلم أنَّ موظفًا تمَّ فصله بشكل غير عادل؟ ألا تشعر بالإحباط عندما ترى شخصًا يُكافح للحصول على الدعم، ولكنه لا يجد أحدًا يساعده؟ هذه قصص تصرخ طلبًا للانتباه، ولكنها غالبًا ما تبقى غير مسموعة. الواقع المحزن هو أنه في حين أن بعض الأفراد يمكنهم مشاركة قصصهم مع العالم، يظل الكثير من الناس بلا صوت، يذوبون في غياهب النسيان حيث لا تجد صرخاتهم من يجيبها.

في عالم اليوم السريع الخطى، أصبحت الأخبار جزءًا أساسيًا من حياتنا. كأفراد، لدينا الحق في معرفة ما يحدث حولنا، وأن نكون على دراية بالأحداث التي تشكل عالمنا. لكن كيف نتلقى هذه الأخبار، والأهم من ذلك، كيف نعرف أنها موثوقة؟ هنا يظهر الدور الحقيقي للإعلام والصحافة. في بعض أجزاء العالم، يعمل الإعلام كقوة قوية، مضاعفًا أصوات من لا صوت لهم، ويقف كحارس للحقيقة والعدالة. في أماكن أخرى، مع ذلك، يكون الإعلام صامتًا، غير قادر—أو غير راغب—في أن يكون الصوت الذي يجب أن يكونه.

الصحافة في جوهرها مهنة محفوفة بالمخاطر. فقد العديد من الصحفيين حياتهم في سبيل كشف الحقيقة، مُضحين بسلامتهم لإبلاغ الجمهور. وقد قال الأمريكي الشهير هنري وارد بيتشر ذات مرة: "الصحف هي المُعلِّم للناس العاديين". ولكن اليوم، يجب أن نسأل: هل الصحافة تؤدي حقًا دورها كصوت لمن لا صوت لهم؟

لفهم هذا الموضوع بعمق، يجب أولاً أن نحدد من هم الأشخاص الذين لا صوت لهم. الحقيقة هي أن الأشخاص الذين لا صوت لهم موجودون في كل مكان، يعيشون بيننا. وربما تكون أنت واحدًا منهم. النساء في جميع أنحاء العالم يكافحن من أجل حقوقهن الأساسية، لكن مناشداتهن غالبًا ما تقع على آذان صماء. الأطفال في العديد من المناطق يحلمون بالذهاب إلى المدرسة، لكنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لجعل أصواتهم تُسمع. كبار السن، اللاجئون، الفتيات الصغيرات، والعديد من الآخرين من جميع الأجناس واللغات يعيشون على الهامش، حيث تظل قصصهم غير ملاحظة وغير مروية.

إنها مسؤولية الإعلام تسليط الضوء على هؤلاء الأفراد وتجاربهم، لكن في كثير من الأحيان، يتم تجاهل أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى الانتباه. في كثير من الحالات، تُعطي وسائل الإعلام الأولوية للإثارة أو الأجندات السياسية، متجاهلة القصص الملحة لمعاناة الإنسان التي تمر دون أن تُلاحظ.

تجربة شخصية مررتُ بها قبل عام تبرز كمثال على هذه القضية. بعد أن أوصلت عائلتي إلى مطار مسقط، لاحظت رجلاً وصل لتوه إلى عُمان، وكان ينتظر رحلة إلى صلالة. وكان قد فاتته رحلته وكان عالقًا في المطار لمدة يوم، غير متأكد مما يجب عليه فعله بعد ذلك. لم يكن يتحدث الإنجليزية أو العربية، ولم يكن هناك أحد ليُساعده. أثناء مراقبتي له، أصبح من الواضح أنه كان يشعر بالضياع تمامًا، وكانت عيناه محمرتين من قلة النوم والإحباط.

في تلك اللحظة، لم أستطع إلّا أن أتساءل: ماذا لو كنت أنا ذلك الرجل؟ ماذا لو كنت أنت الشخص الذي تُرك عالقًا في بلد أجنبي، دون القدرة على التواصل أو العثور على المساعدة؟ ماذا لو كنت المرأة التي تُساء مُعاملتها باستمرار من قبل زوجها، ولا يوجد أحد ليسمع صرخاتك من أجل العدالة؟ ماذا لو كنت لاجئًا، محرومًا من الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والماء والمأوى؟ وماذا لو، في اللحظة التي كنت في أمس الحاجة فيها إلى أن تُخبر قصتك، رفض الإعلام أن يكون صوتك؟

هذه ليست أسئلة افتراضية، إنها الحقائق القاسية التي يواجهها عدد لا يحصى من الأفراد كل يوم. إن الشعور بفقدان الصوت هو تجربة عميقة للعزلة، واحدة تآكل شعور الشخص بالكرامة والإنسانية. ومع ذلك، كل شخص، بغض النظر عن ظروفه، لديه قصة تستحق أن تُروى. والسؤال هو: من سيرويها؟

تخيَّل للحظة ما يشعر به الشخص الذي لا صوت له. تخيل أن لديك قصة، رواية شخصية عميقة تريد للعالم أن يسمعها. تبدأ في كتابتها، لكن قبل أن تتمكن من إكمالها، تُقطع حياتك. ماذا سيحدث لقصتك؟ هل ستختفي معك؟ هل سيتولى شخص آخر الأمر ويشاركها مع العالم، أم ستظل إلى الأبد غير مروية؟ وإذا اختار الإعلام- المؤسسة التي من المفترض أن تضخم مثل هذه القصص- ألا يستمع، كيف سيتم سماع قصتك؟

هذا هو التحدي الذي يواجهنا. كل شخص، من المرأة التي تُساء معاملتها إلى المسافر العالق، يحمل قصة بداخله. إنها مسؤولية المجتمع، وخصوصًا الإعلام، أن يضمن أن تلك القصص تُروى.

فقدان الصوت ليس مجرد مأساة شخصية، إنه فشل اجتماعي. يجب علينا أن نطالب بأن يرتقي إعلامنا إلى مستوى مسؤوليته، وأن لا يغض الطرف عن معاناة المنسيين. فقط عندها يمكننا أن نضمن أن كل قصة، مهما كانت صغيرة أو صامتة، لن تظل غير مروية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الدخلاء على مهنة الإعلام

أصبحت مهنة الإعلام فى الآونة الأخيرة عُرضةً لدخول بعض من يفتقرون إلى أدنى مستويات الاحترافية والمصداقية، وقد يكون لدخول هذه الفئة من «الدخلاء» تأثير سلبى، لا يُستهان به على مهنة تُعد من أهم مهن المجتمع، إذ ترتكز على نشر الحقائق وبث الوعى وتحقيق الشفافية.

ففى عصر المعلومات والتكنولوجيا، أصبح الإعلام عنصراً حيوياً فى تشكيل الوعى المجتمعى وصناعة الرأى العام، ولكن بالرغم من الأهمية الكبيرة التى تحظى بها هذه المهنة، إلا أنها تواجه تحديات جسيمة بسبب تزايد الدخلاء الذين يهددون جوهرها وصدقيتها، حيث أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، وانفتاح المجال أمام الجميع ليصبحوا «إعلاميين»، قد أفضى إلى تداعيات خطيرة على مهنة تحتاج إلى معايير صارمة وحرفية مهنية.

تاريخيًا.. كانت مهنة الإعلام مرتبطة بأخلاقيات ومبادئ صارمة، حيث كان الصحفيون المحترفون يخضعون لتدريب يمتد لسنوات ويتعلمون من خلاله منابع الأخبار ومبادئ التحقق من المعلومات، ولكن مع ظهور التكنولوجيا ووسائل التواصل، أصبح بإمكان أى شخص نشر خبر أو معلومة بنقرة زر، وهذا الانفتاح على الرغم من إيجابياته فى تحقيق الديمقراطية فى المعلومات، إلا أنه خلق أرضًا خصبة للدخلاء الذين لا يتحلون بأى من معايير المهنة.

يجب أن ندرك أن الدخلاء على مهنة الإعلام لا يقتصرون على الأفراد فقط، بل قد تشمل أيضًا كيانات تجارية تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب المصداقية، وهناك العديد من المواقع الإلكترونية التى تدعى تقديم الأخبار، لكنها فى الواقع تروّج لأجندات معينة أو تستند إلى منابع غير موثوقة، لذلك يجب على الجمهور أن يكون واعيًا لخطورة هذه الظاهرة وأن يتحقق من مصادر المعلومات قبل تبنيها.

إن تبنى سياسات تنظيمية صارمة والإصرار على تعاليم تُكسب الأفراد المهارات اللازمة للعمل فى مجال الإعلام هى خطوات ضرورية لحماية المهنة، ويجب أن يتم تعزيز مراكز التدريب الإعلامى وتوفير برامج تعليمية متطورة تهدف إلى تطوير مهارات الصحفيين وتعليمهم كيفية التحقق من الأخبار ومكافحة المعلومات المضللة.

أؤكد أن التحذير من خطورة الدخلاء على مهنة الإعلام ليس مجرد تحذير تقنى، بل هو نداء لإنقاذ القيم الأساسية للإعلام، وحماية حق المجتمع فى الحصول على معلومات موثوقة وصحيحة، خاصة وأن الوعى الجماهيرى والتربية الإعلامية ضروريان لإعادة الثقة فى الإعلام، وهذا يتطلب جهودًا جماعية من جميع الأطراف المعنية.

وأخر كلماتى هى أن مستقبل الإعلام يتوقف على قدرتنا فى التعامل مع هذه التحديات، ودعم الممارسات الصحيحة لضمان بقاء هذه المهنة رائدة وموثوقة فى عالم متغير.

 

مقالات مشابهة

  • الدخلاء على مهنة الإعلام
  • مؤتمر حماية الصحفيين في الأزمات يرسم صورة قاتمة لوضع الإعلام عربيا
  • مرشد سياحي: خيبر تعد أولى مناطق العالم التي اكتشف فيها قرية من العصر البرونزي
  • الأطفال يعيشون مغامرة «السرد القصص» في أولى أيام «الشارقة الدولي للكتاب»
  • "دخل الربيع يضحك" الفيلم المصري الوحيد بالمسابقة الدولية في القاهرة السينمائي
  • منتدى الإعلام السوداني يطلق حملة ( الصمت يقتل … الوضع في السودان لا يحتمل التأخير) للفت انظار العالم للانتهاكات ووقف العنف ضد المدنيين
  • «دخل الربيع يضحك» يمثل مصر بالمسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي 
  • «دخل الربيع يضحك» يمثل مصر بالمسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي
  • مخرجة فيلم دخل الربيع يضحك: نتناول بشكل طبيعي حياة النساء المعقدة
  • وجه الكورتيزول ومعجون الفحم للأسنان.. هذه صيحات الصحة التي شهدها العالم في 2024