الجنينة بعد عام ونصف من الحرب.. نظرة لما حدث.. شهادة لاجئة نجت من المحرقة!
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: راديو دبنقا
أدري 16 سبتمبر 2024 – قبل عام ونصف حولت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور لمدينة أشباح المحرقة غير مسبوقة للمدنيين. ومثلت الاشتباكات التي بدأت بحي الجمارك شرارة البداية لأكبر كارثة ومجزرة بشرية للقتل الجماعي والتطهير العرقي للمدنيين تشهدها مدينة في تاريخ السودان قتل فيها بحسب الإحصاءات الأممية الأولية نحو (15) الف شخص بينهم والي الولاية خميس ابكر الذي تم التمثيل بجثته بصورة بشعة فيما انتشرت مئات الجثث على شوارعها، استخدم بعضها كجوائز في طريق رئيسي للمراقبة وتفتيش للسيارات العابرة والفارين إلى خارج المدينة، أو إلى دولة تشاد المجاورة طلبا للأمن والسلامة.
الشهادة
ومن بين عشرات الآلاف من الفارين الذين، ووصلوا من الجنينة إلى أدري التشادية قبل عام ونصف اللاجئة آمال موسي التي التقاها راديو دبنقا في خيمتها المشيدة بالمشمعات وبجوارها طفلان أحدهما ولد في المعسكر بعد وصولها بشهرين وهي حامل به في شهرها السابع في رحلة مرعبة من بيتها بمدينة الجنينة المحاور للمسجد العتيق بسوق العطرون بحي الثورة إلى مدينة أدري التشادية الواقعة على بعد (28) كيلومترا من الجنينة.
250 جثة بالتراب الأحمر
روت آمال، وهي معلمة أساس وناشطة مجتمعية، في مقابلة مع راديو دبنقا شهادتها حول ما حدث ورحلة فرارها من الجنينة حتى مدينة أدري التشادية، ووصفت آمال الطريق من الجنينة إلى أدري بأنه كان أشبه بيوم القيامة، “رجال ونساء وأطفال راجلون، وعلى سيارات ودواب ونقاط تفتيش كثيرة وجثث لا حصر لها، بعضها في منتصف الطريق وأخرى على أطرافه، أمتعة متناثرة وسيارات معطلة وانتهاكات بكل أنواعها.. نساء يجلدن بعنف وشتائم وسؤال عن القبيلة.. وويل لك إن كنت من المساليت “وأضافت “عند خروجنا من الجنينة، وفي منطقة التراب الأحمر شاهدت بعيني أكثر من “250) جثة مغطاة بالمشمعات.. كان المنظر مرعبا وخيفا”.
الشهادات الدولية
وبحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد تم بدفن جثث ما لا يقل عن 87 قتيلا من قبيلة المساليت، قُتلوا بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات الموالية لها، في مقبرة جماعية خارج مدينة الجنينة. وبحسب التقرير الأممي، تم أيضا دفن ما لا يقل عن 37 جثة في 20 يونيو من العام الماضي في مقبرة بعمق متر واحد تقريبا بمنطقة التراب الأحمر كما تم دفن 50 جثة أخرى بنفس الموقع في 21 يونيو بينهم سبع نساء وأطفال. وأدت الهجمات بمدينة الجنينة كذلك إلى هدم وتدمير كل معسكرات النازحين بالجنينة ونهب كل الأحياء الجنوبية والغربية والتخلص من معظم الجثث برميها في وادي كجا.
ذبح ثلاثة ركاب شباب
وكشفت آمال خلال حديثها مع راديو دبنقا إنه، وفي إحدى نقاط التفتيش في الطريق إلى أدري، “توقفت سيارتان امامننا وانزل ركابهما، وقامت القوات المرتكزة في تلك النقطة بعدها بذبح (3) شباب من الركاب أمام أعيننا، وأضافت والدموع تغالبها “لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أمروا كل النساء تحت الضرب والتهديد بالقفز فوق كل جثة، وهم يتلذذون ويضحكون ويوزعون شتائم وتعليقات جارحة” وأضافت “لن أنس هذا المشهد أبدا.. ولا زلت أعاني آثار تلك الصدمة، وكلما جاءت الذكري أشعر بالهلوسة”.
أكوام من الجثث
ونقلت آمال في المقابلة مع دبنقا مشاهد أخرى من منطقة بابنوسة في طريق رحلتها إلى أدري التشادية، ووصفت الطريق بأنه شارع لعرض الجثث المتناثرة.. كانت الجثث كثيرة للغاية بينهم أطفال ونساء وشباب وشيوخ.. كنا نسير ونقرأ الشهادة إلى أن توقفنا عند نقطة تفتيش لقوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها… “في تلك النقطة انزلوا أخي عبد المنعم من العربة… قالوا له، أنت مسلاتي، من قبيلة المساليت، لن نسمح لك بالذهاب، وإن أردتم أن يذهب معكم عليكم أن تدفعوا لنا مليار جنيه” وأضافت “قلنا لهم نحن لا نملك مالا، وتوسلنا له مع سائق السيارة التي تقلنا أن يترك أخي، لكنهم رفضوا وأسروه… ولا نعرف حتى الآن مصيره وما إذا كانت حيا أو ميتا”.
يومان من الحصار
وتقول آمال، وهي تحاول أن تستعيد ذكريات ذلك اليوم الأول الذي اندلعت فيه الاشتباكات صباحا بمنطقة الجمارك بمدينة الجنينة وهي برفقة زوجها عمر يعقوب وأختها حليمة وبنتها الصغيرة سهام “كنا نظنها معركة عابرة ستنتهي خلال ساعات مثلها ومثل الأحداث الأخرى التي شهدناها، ولكنها للأسف امتدت ليومين كاملين حوصرنا خلالها داخل المنزل بعض ساعاتها كنا نلجأ أنا وبنتي للاختباء تحت الأسرة خوفا من سقوط مقذوفات طائشة”.
قيدوني واخذو زوجي أسيرا
وأضافت آمال في المقابلة مع دبنقا “في اليوم الثالث هدأت الاشتباكات، وخرجت أنا وأختي وبنتي الصغيرة من المنزل بعد أن أمرنا زوجي عمر بالذهاب إلى حي السلام؛ لأن الوضع هناك أفضل حالا من هنا)، وأضافت “في صباح اليوم التالي صحونا على إطلاق نار كثيف من مختلف أنواع الأسلحة في يوم طويل عرف محليا في الجنينة بكتمة الخميس على حي الثورة أحد أحياء مدينة الجنينة”.
وقالت “شهد ذلك اليوم هجوما واسعا من كل الاتجاهات على حي الثورة من قبل الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها استمر لمدة (12) ساعة “وأضافت “في ذلك اليوم اقتحم بيتنا صباحا نحو (15) مسلحا بعضهم بلباس الدعم السريع وآخرين باللباس المدني حيث كنت أنا وزوجي عمر وصديقاه عبد السلام ومحمد في المنزل”.
تقيأت دما
وأوضحت آمال أن ما أسمتهم بالجنجويد قاموا بضربها ضربا مبرحا حتى استفرغت دما، وقيدوها بالحبال وأخذوا زوجها عمر وهو صاحب متجر في المدينة ومعه عبد السلام ومحمد أسرى وغادرو البيت، وتابعت “لحظة خروجهم من البيت سمعت طلقات رصاص وآهات، لكن كنت مقيدة على القواعد الحديدية للجزيرة، ولم أستطع معرفة ما حدث”. وذكرت أنها وبعد محاولات مؤلمة وطويلة استطاعت التخلص من الحبل، وخرجت للشارع لتستطلع فوجدت زميل زوجها عبد السلام مقتولا على باب المنزل.
قتلى داخل مسجد
وشهد ذلك اليوم أيضا حرق متاجر ومنازل ونهبها وقتل العشرات من المدنيين بحي الثورة من بينهم (13) شخصا بينهم نساء وأطفال داخل المسجد العتيق لمدينة الجنينة. وأوضحت آمال إن جثث القتلى ظلت لأربعة ملقية داخل المسجد العتيق لأربعة أيام لم يستطع أحد من الوصول إليهم. وأضافت “بعد أربعة أيام استطاع بعض أحد أهل الحي الوصول إلى المسجد، ورفعهم من هناك”.
مقتل الوالي خميس
وذكرت أنها تمكنت من العثور على زوجها ملقى على الأرض مصابا بجروح عميقة بمنطقة سوق ليبيا بمدينة الجنينة بعد رحلة بحث شاقة ومعاناة. وأضافت “أن زوجها أبلغها أن قوات الدعم السريع التي أسرته هو وزميله محمد أطلقت سراحه هنا بسوق ليبيا، وذهبت بمحمد أسيرا لمكان لآخر لا يعلمه. وزادت” نقلنا يوحي إلى المستشفى بحي المدارس، وتركته هناك لتلقي العلاج إلى أن وقعت أحداث أمانة حكومة غرب دارفور الدموية وتوابعها حتى يوم مقتل الوالي خميس أبكر وما أعقبه من سيطرة كاملة للدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها على المدينة.”
شوارع من الجثث
وتقول آمال بعد مقتل الوالي خميس “فقدت الاتصال بزوجي بعد هجوم المليشيات على المستشفى، وخرجت مذعورة للبحث عنه”. وأضافت “كانت شوارع المدينة، وأنا في رحلة البحث عن زوجي، تتناثر فيها مئات الجثث خاصة بأحياء المدارس وهشابة وغيرها” وتابعت “كانت مشاهد الجثث وهي ملقاة في الشوارع مرعبة، لا تستطيع أن تنظر إلى بعضها من هول فظاعتها”.
اغتصاب في الشوارع
وأكدت أنها خلال رحلة البحث عن زوجها شاهدت عددا من الجرحى في حاجة إلى الإسعاف يتأوهون بين الجثث الملقاة على الشوارع “لكن لا يوجد إسعاف أو مارة أو أي وسيلة أخرى لإسعافهم.. كنت وحدي هناك أتألم وأبكي ولا أستطيع فعل أي شي”. وأضافت “خلال رحلة البحث، وعلى تقاطع أحد الشوارع الرئيسية قرب داخلية الزهراء فوجئت برجل يغتصب في فتاة وسط الشارع وبالقرب منه نحو “7) مسلحين يقفون على درجات نارية ويشاهدون.. كان الموقع ليس بعيدا مني، فغيرت الشارع بسرعة وانا مفزوعة.. لم يروني لأنهم كانوا مشغولين باغتصاب الفتاة”
مصير زوجي مجهول
وأشارت أنها وخلال رحلة البحث عن زوجها – الذي لا تعرف مكانه ولا مصيره حتى الآن – تعرضت للضرب المبرح ممن أسمتهم بالجنجويد، وحاولت الوصول إلى بيتها، لكن الطريق أمام باب منزلها تحول لنقطة ارتكاز للقوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، فغيرت رأيها وقررت الخروج من الجنينة إلى دولة تشاد المجاورة”.
تفريغ المعسكرات وحرق مراكز الإيواء
وأدت هجمات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بمدينة الجنينة أيضا بحسب التقارير الأممية والموثوقة إلى حرق جميع مراكز إيواء النازحين في الجنينة وتفريغ معسكراتها الأخرى وتخريب وتحطيم المستشفيات والمراكز الصحية ونهب الأسواق وتدمير أحياء الثورة والزهور والتضامن والمجلس والنهضة جنوب، بالإضافة إلى نهبها وحرقها.
وأعلنت الولايات المتحدة، رسمياً، في ديسمبر الماضي إن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها متورطة في عمليات تطهير عرقي في غرب دارفور، وفرضت عقوبات على قائد الدعم السريع بولاية غرب دارفور، وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا لا يزال جاريا حول الأحداث فيما ظل قائد الدعم السريع بالولاية المتهم بمقتل الوالي ينفي أي صلة له بذلك.
الشهادات الأممية
وبحسب الشهادات الموثقة وتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية المدافعة عن حقوق الإنسان، ارتكبت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها خلال هجومها على الجنينة كافة أنواع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والقتل الجماعي واغتصاب النساء ودفن المدنيين أحياء وتهجير الناجين من محرقتها قسرا إلى تشاد والمدن والقرى الأخرى داخل السودان فيما ظلت قوات الدعم السريع – المسيطرة الآن على مدينة الجنينة تنفي وباستمرار صلتها بتلك الجرائم المروعة وتحمل المسؤولية لأطراف أخرى.
المعاناة بمعسكرات اللجوء
ووصفت آمال في المقابلة مع دبنقا، العيش في معسكرات أدري بعد عام ونصف من الحرب واللجوء بأنه قاس، وأضافت “بصراحة نحن منذ مجيئنا لم نجد مأوى لائقا… هذه البيوت التي نسكن كما ترى لا تليق بالإنسان، لكن هذا ما اختاره الله لنا” وطالبت آمال في المقابلة من المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني بتوفير المساعدات والرعاية الكاملة بما يليق بالإنسان اللاجئ خاصة المرأة والطفل.
تلقيت تهديدات وأغلقت شريحتي
وطالبت آمال أيضا بتوفير الحماية للنشطاء والناشطات في معسكرات اللجوء “حتى نستطيع أن نتحدث عن الحقائق والانتهاكات التي حدث وتحدث بحرية كاملة” وأضافت “حتى بعد وصولنا إلى هنا نجد الانتهاكات، ولا نستطيع التحدث بحرية وبصورة أوسع” وتابعت “أنا كناشطة اطلب الحماية… لقد تلقيت تهديدات عبر الهاتف، وأغلقت شريحة هاتفي لأربع مرات لأسباب مجهولة فقط لأنني تحدثت عن القضية ونقلت الحقائق”.
إغلاق الحدود الغربية
وطالبت آمال في ختام المقابلة مع راديو دبنقا بإغلاق الحدود الغربية للسودان التي قالت بأنها تشكل معبرا لدخول الأسلحة والمرتزقة للبلاد، وأضافت “الشيء الوحيد الذي أطلبه من الحكومة، وبعد مرور عام ونصف من الحرب، أن تسترد كرامتنا وأراضينا من المغتصبين، وأن ينتصر الجيش السوداني حتى نستطيع أن نعود إلى أراضينا وبيوتنا.. لقد تعبنا”.
يذكر أن الحرب في السودان أجبرت بحسب الأمم المتحدة أكثر من 600 ألف لاجئ سوداني و180 ألف عائد تشادي – غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال – على الفرار من دارفور إلى تشاد.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني..
منتدى الإعلام السوداني# ساندوا_السودان
#Standwithsudan
الوسومالجرائم والانتهاكات الجنينة حرب الجيش والدعم السريع ولاية غرب دارفورالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجرائم والانتهاكات الجنينة حرب الجيش والدعم السريع ولاية غرب دارفور بمدینة الجنینة مدینة الجنینة أدری التشادیة المقابلة مع غرب دارفور من الجنینة رحلة البحث ذلک الیوم إلى أدری عام ونصف
إقرأ أيضاً: