الوحدة الوطنية: السلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال وتحقيق التحرر
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
الوحدة الوطنية هي الأساس الصلب الذي يُمكن من خلاله تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى للشعب الفلسطيني، والتي تتجسد في الحرية والاستقلال وحق العودة. إن الحديث عن الوحدة الوطنية ليس ترفا سياسيا أو مجرد خطاب يُستخدم في المناسبات، بل هو محور أساسي وحتمي لنجاح أي مشروع وطني يهدف إلى التحرر من الاحتلال الإسرائيلي.
الفصائل الفلسطينية، بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، تمتلك من القوة ما يُمكنها من إحداث تحول نوعي في مسار المقاومة، لكن ذلك مشروط بتجاوز الخلافات الداخلية والعمل تحت مظلة المشروع الوطني الشامل. إن تاريخ الحركات التحررية العالمية يبين أن الوحدة الوطنية كانت دائما العامل الحاسم لتحقيق الانتصار، وكل تجربة تحررية لم تنجح إلا عندما توافرت لها وحدة صفوف فصائلها المختلفة، رغم ما قد يكون بينها من تباينات أيديولوجية أو سياسية.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، هذا الوضع أكثر إلحاحا، لقد طال أمد الاحتلال الإسرائيلي، واستفاد من الانقسامات الفلسطينية التي أدت في بعض الأحيان إلى تفتيت الصف الوطني وعرقلة الجهود المشتركة. الواقع الفلسطيني لا يحتمل استمرار تلك الانقسامات، لأن الاحتلال الإسرائيلي يستغل كل فرصة لتوسيع مشروعه الاستيطاني وممارسة مزيد من الضغوط على الشعب الفلسطيني. أي انقسام بين الفصائل يعزز من قدرة الاحتلال على تحقيق أهدافه، ويضعف بالمقابل من قوة الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية. من هنا، الوحدة الوطنية ليست خيارا سياسيا يمكن قبوله أو رفضه، بل هي ضرورة وجودية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني.
الفصائل الفلسطينية، بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، تمتلك من القوة ما يُمكنها من إحداث تحول نوعي في مسار المقاومة، لكن ذلك مشروط بتجاوز الخلافات الداخلية والعمل تحت مظلة المشروع الوطني الشامل
الفصائل الفلسطينية، سواء كانت ذات توجهات يسارية، إسلامية، قومية، أو ليبرالية، تمتلك جميعها منطلقات فكرية متنوعة يمكن أن تُثري المشروع الوطني. بدلا من النظر إلى هذه التنوعات كعائق، يمكن استغلالها كعامل قوة يدعم مسار التحرر. الفصائل اليسارية تُقدم إطارا نقديا للتحليل الاقتصادي والاجتماعي، ما يساهم في بناء مشروع مقاوم يركز على العدالة الاجتماعية والمساواة. في المقابل، الفصائل الإسلامية تقدم بُعدا عقائديا يمكنه أن يشكل حافزا كبيرا للجماهير، خصوصا في ظل توجهات المنطقة العربية والإسلامية. ولكن حتى يتم استثمار هذه القوى المتنوعة بشكل إيجابي، يجب أن يتم تجاوز الخطابات الانعزالية والفئوية التي تنظر لكل فصيل من زاوية ضيقة.
الوحدة الوطنية لا تعني إلغاء الفروقات، بل تعني احترام التنوع داخل إطار المشروع الوطني الجامع الذي يخدم تحرير الأرض وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. إن المقاومة الفلسطينية، في جميع أشكالها، بحاجة إلى جبهة موحدة تضم جميع الأطياف السياسية والفكرية، لأن الاحتلال لا يفرق بين فلسطيني وآخر على أساس توجهاته الفكرية، بل يستهدف الشعب بأكمله.
التحدي الأكبر الذي يواجه الفلسطينيين اليوم هو بناء استراتيجية مقاومة موحدة تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحلية والدولية. التغيرات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة تجعل من الضروري للفصائل الفلسطينية أن تتبنى استراتيجية تجمع بين المقاومة المسلحة والسياسية والدبلوماسية. لا يمكن لفصيل واحد أن يحمل عبء المقاومة بمفرده، ولذلك فإن التكامل بين الفصائل هو السبيل الوحيد لتحقيق النجاح. تجارب الشعوب أثبتت أن المقاومة المستمرة والمتنوعة هي التي تُجبر الاحتلال على التراجع.
في هذا السياق، يجب أن تتكامل أدوار الفصائل: فالمقاومة المسلحة التي تقودها بعض الفصائل، مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي، يمكن أن تعمل جنبا إلى جنب مع المقاومة الشعبية التي تُشرف عليها الفصائل الأخرى. كما أن العمل السياسي على الساحة الدولية، الذي تقوده السلطة الفلسطينية، يجب أن يكون جزءا من هذه الاستراتيجية، بحيث تُستغل كل الساحات لإضعاف الاحتلال وفضح جرائمه. المقاومة الشعبية، بمختلف أشكالها، هي السلاح الأقوى في يد الشعب الفلسطيني، لأنها تتجاوز الفصائل وتضم جميع شرائح المجتمع. إنها تمثل الوحدة الوطنية الحقيقية لأنها تنطلق من القاعدة الشعبية التي توحد الجميع حول هدف واحد. وإذا تمكنت الفصائل من توحيد رؤيتها حول هذا النوع من المقاومة، فإنها ستضع الاحتلال في موقف صعب أمام المجتمع الدولي.
منذ عام 2007، يشهد المشهد الفلسطيني انقساما عميقا بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو انقسام أثّر بشكل مباشر على المشروع الوطني. الاحتلال استفاد من هذا الانقسام لتعميق سيطرته وتوسيع مشاريعه الاستيطانية في الضفة الغربية، بينما استمر في حصار غزة. لقد أدى الانقسام إلى تعطيل دور المؤسسات الوطنية الفلسطينية مثل المجلس التشريعي والمجلس الوطني، وترك فراغا في العمل السياسي الذي يستغله الاحتلال. إنهاء الانقسام ليس مسألة شكلية، بل هو شرط أساسي لإعادة بناء الثقة بين الشعب والفصائل، ولإعادة الاعتبار للمؤسسات الوطنية.
الوحدة الوطنية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الأهداف الوطنية، الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية يجب أن تدرك أن اختلافاتها الداخلية لا ينبغي أن تكون عائقا أمام مقاومة الاحتلال
يجب أن تدرك الفصائل أن الوحدة لا تعني بالضرورة الهيمنة، بل هي شراكة حقيقية تقوم على أسس الديمقراطية والتعددية. الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الوحدة، ويجب أن يكون مبنيا على الثقة المتبادلة والتزام جميع الأطراف بمصلحة الشعب الفلسطيني. الواقع العربي والإقليمي يفرض على الفلسطينيين تحديات جديدة، حيث تعيش المنطقة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهذا يتطلب من الفصائل الفلسطينية أن تتجاوز خلافاتها الضيقة، وأن تضع نصب أعينها هدف التحرر من الاحتلال. الاحتلال ليس مجرد قوة عسكرية، بل هو مشروع استعماري استيطاني يسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية. وبالتالي، فإن إنهاء الانقسام هو خطوة أولى نحو التصدي لهذا المشروع.
لا يمكن للفصائل الفلسطينية أن تعتمد فقط على البعد العسكري في نضالها ضد الاحتلال، الدبلوماسية هي جزء أساسي من المقاومة، ويجب أن تكون مُنسقة مع الجهود العسكرية والشعبية. الاحتلال الإسرائيلي يسعى دائما إلى تحسين صورته أمام العالم، ويستغل الانقسامات الفلسطينية ليظهر نفسه كدولة ديمقراطية تواجه "إرهابا". من هنا، يجب أن تعمل الفصائل الفلسطينية على تصحيح هذه الصورة من خلال توحيد خطابها الدبلوماسي وتوجيهه نحو فضح جرائم الاحتلال في جميع المحافل الدولية.
السلطة الفلسطينية، رغم الانتقادات الموجهة إليها، تمتلك خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي، ولكن حتى تكون هذه الجهود فعالة، يجب أن تكون جزءا من استراتيجية وطنية موحدة، لا أن تكون منفصلة عن الجهود الأخرى. المقاومة الدبلوماسية تحتاج إلى دعم شعبي واسع، وإلى خطاب سياسي واضح يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وتقرير المصير.
إن الوحدة الوطنية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الأهداف الوطنية، الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية يجب أن تدرك أن اختلافاتها الداخلية لا ينبغي أن تكون عائقا أمام مقاومة الاحتلال. على العكس، هذه التنوعات يمكن أن تشكل مصدر قوة إذا ما تم توظيفها بشكل صحيح لخدمة القضية الفلسطينية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الوحدة الفلسطيني الفصائل فلسطين المصالحة فصائل الوحدة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة رياضة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الفصائل الفلسطینیة الشعب الفلسطینی المشروع الوطنی الوحدة الوطنیة أن تکون یجب أن التی ت الذی ی
إقرأ أيضاً:
العراق أمام مفترق طرق.. تفكيك الفصائل المسلحة أو مواجهة الاستهداف - عاجل
بغداد اليوم - خاص
أصبح العراق اليوم في مواجهة تحدٍ مصيري يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة بشأن التعامل مع الفصائل المسلحة، هذا ما أكده الخبير الأمني والاستراتيجي مخلد حازم، الذي حذر من أن العراق يواجه أحد خيارين لا ثالث لهما: إما حل الفصائل وتفكيك سلاحها أو مواجهة استهداف قد يتجاوز قدرة العراق على التصدي له.
رسائل أمريكية مباشرة وواضحة
يشير الخبير مخلد حازم في تصريحات متلفزة، إلى أن الرسائل الأمريكية المتعلقة بملف الفصائل المسلحة وصلت إلى العراق بوضوح، بل وبالأسماء، وتُظهر أن الوضع الحالي بات يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، التي ترى في بعض الفصائل المسلحة تهديدًا لاستقرار العراق ومصالحها في المنطقة.
وأوضح حازم أن أي محاولة للعمل بعكس هذه التوجيهات الأمريكية ستقابل باستهداف مباشر، خاصة مع المتغيرات الكبيرة التي طرأت على المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وعودة أجواء التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بما يتضمن مصالح متشابكة ومعقدة.
أصل المشكلة
يعاني العراق منذ سنوات طويلة من وجود فصائل مسلحة تعمل خارج إطار الدولة، وتملك أسلحة ثقيلة وخفيفة تمنحها نفوذًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا.
وقد تعزز وجود هذه الفصائل بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث نشأت العديد من المجموعات المسلحة كرد فعل على الاحتلال، ومع الوقت تطورت لتصبح قوى مؤثرة داخليًا وخارجيًا.
بعد القضاء على تنظيم "داعش"، برزت هذه الفصائل كجزء من قوات الحشد الشعبي، الذي اعترف به رسميًا كجزء من المؤسسة الأمنية العراقية.
ضغط أمريكي متزايد وتصعيد محتمل
تصاعدت الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة، حيث دعت واشنطن إلى تحجيم دور الفصائل المسلحة، وخصوصًا تلك التي تصنفها "إرهابية" أو ترى أنها تشكل تهديدًا لمصالحها.
وقد نفذت الولايات المتحدة عدة ضربات جوية ضد مواقع الفصائل، كما اغتالت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أوائل عام 2020، وهو ما أثار توترات كبرى بين الجانبين.
وفي ظل المتغيرات الإقليمية، ترى الولايات المتحدة أن وجود هذه الفصائل يعرقل جهود تحقيق الاستقرار في العراق، ويعقد دور بغداد كطرف محايد في الصراعات الإقليمية، خاصة بين واشنطن وطهران.
تحديات تواجه الحكومة العراقية
الحكومة العراقية تجد نفسها اليوم في موقف حرج، من جهة، يمثل حل الفصائل المسلحة وتفكيك سلاحها تحديًا سياسيًا وأمنيًا هائلًا، إذ تتمتع هذه الفصائل بقاعدة دعم شعبية وسياسية، وقد يؤدي أي تحرك ضدها إلى ردود فعل عنيفة.
ومن جهة أخرى، فإن تجاهل الضغوط الدولية، وخاصة الأمريكية، قد يعرض العراق لعقوبات واستهداف عسكري مباشر، بالإضافة إلى تقويض مكانته الدولية.
بالإضافة، الى أن العراق يعاني من وضع اقتصادي هش وبنية تحتية متدهورة، ما يجعل أي تصعيد جديد عبئًا إضافيًا يصعب تحمله.
خيارات محدودة وآفاق غير واضحة
أمام هذه المعطيات، يبدو أن العراق أمام خيارين كلاهما صعب، الأول، هو محاولة حل الفصائل تدريجيًا من خلال دمج عناصرها في المؤسسات الأمنية أو نزع سلاحها بشكل سلمي، وهي مهمة تحتاج إلى توافق سياسي ودعم دولي واسع.
أما الخيار الثاني، وهو المواجهة المباشرة مع هذه الفصائل، فقد يؤدي إلى انزلاق البلاد نحو صراع داخلي جديد.
ويبقى العراق في مفترق طرق حاسم يتطلب اتخاذ قرارات جريئة ومتكاملة، فالتحديات التي تواجه البلاد ليست أمنية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب السياسية والاجتماعية، حيث يجب على الحكومة العراقية أن تعمل على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن الوطني والضغوط الدولية، مع الحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها الداخلي.
السؤال الأهم الآن: هل يمتلك العراق الإرادة السياسية والقدرة العملية لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟ أم أن الجمود سيبقي البلاد في دائرة التوترات المستمرة؟، الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
إعداد: قسم الشؤون السياسية في "بغداد اليوم"