جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-18@23:45:17 GMT

العرب بين حياة البشر وحياة الماعز

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

العرب بين حياة البشر وحياة الماعز

 

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

 

خلال الفترة القريبة أُثيرت ضجّة كبيرة في وسائل الإعلام، وعبر منصات التواصل الاجتماعي لا سيما العربية بسبب عرض فيلم "حياة الماعز The Goat Life" الهندي على إحدى منصات البث الترفيهي العالمية.

أحداث الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية لمغترب هندي جاء للعمل في دول الخليج الغنية بالنفط في فترة التسعينات من القرن المنصرم؛ بيد أنَّ هذا العامل تعرض للخداع من قبل شركة التوظيف في بلاده، كما أُجبر على رعي الأغنام في الصحراء العربية، وواجه مُعاملة قاسية من قبل كفيله في العمل بحسب رواية الفيلم.

ورغم أنَّ قصة الفيلم قد تحدث في أي مكان في العالم، وأنّها حالة لا يُمكن تعميمها على أي مجتمع إلا أنَّ الفيلم بالغ في تصوير الأحداث لأغراض سينمائية. وفي المُقابل وبعيدًا عن الإساءة، وتعزيز الصورة النمطية السلبية عن المجتمعات الخليجية يُمكن أن تكون هذه القصة فرصة لمراجعة ملفات العمالة الوافدة في دول الخليج بشكل عام، وتصحيح مساراتها ورب ضارة نافعة.

ودون الدخول في تفاصيل هذا الفيلم ورؤيته الفنية التي أُشبعت نقاشًا، وكُتبت حوله عشرات المقالات والرؤى مع أو ضد؛ فإنه مما يلفت الانتباه ويحزّ في النفس أن العقل العربي يلتفت إلى أشياء قد تبدو هامشية؛ فيما يغض الطرف عن أحداث جوهرية تعصف بالمنطقة العربية نتيجة للتكالب الاستعماري عليها. وبنظرة عامة على خارطة الوطن العربي نجد أنه مُثخن بالجراح ابتداءً من العراق واليمن مرورًا بسوريا وليبيا والسودان، والساحة العربية وللأسف الشديد هي ميدان الصراعات الدولية، والدماء العربية هي وقود تلك الحروب. ودول العالم شرقًا وغربًا تتقدم وتتطور؛ فيما تعود بلداننا العربية إلى العصور الوسطى والله المستعان.

ولا نذهب بعيدًا ومنذ أحد عشر شهرًا وما زال الكيان المُحتل يمارس إجرامه البربري في الأراضي الفلسطينية بتواطؤ دولي، وبدعم غربي لا متناهٍ، وخذلان وصمت عربي راح ضحيته أكثر من 40 ألف شهيد حتى اللحظة، ناهيكم عن الأعداد المهولة للجرحى، وتعمُّد قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف الطواقم الطبية والتعليمية والإعلاميين، وتدمير غزة بالكامل، لا لشيء إلّا أنها قالت "لا" للغطرسة الصهيونية، وطالبت بحقها المشروع إنسانيًا ودوليًا في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ورحيل المحتل إلى غير رجعة.

ومع هذه الأحداث الأليمة التي نعيش تفاصيلها لحظة بلحظة، واستمرار ممارسة لعبة المفاوضات لإطالة أمد الحرب، نجد أن المجتمع العربي غير مكترث لما يدور حوله،  أو أنه منقسم مع أو ضد، رغم أن الموقف لا يختلف عليه اثنان، وقلة قليلة هي من تدعم المقاومة الفلسطينية، ولله الأمر من قبل ومن بعد. وفي خضمّ هذه الأحداث، وفي ظل التشرذم العربي القُطري، وتجذّر الفكر الطائفي والمذهبي الذي وُظِّف لخدمة أجندات محددة، يبدو أننا بعيدين عن الوصول إلى مُبتغانا من الوحدة العربية، وتعمير بلداننا، والاستفادة من خيراتنا. ويبدو واضحًا كذلك أن سياسة "فرق تسد" قد نجحت بامتياز في بلداننا العربية.

ومع ذلك، فالأمل دائمًا موجود، ولن يغلب عسر يسرين، والرؤية أضحت واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار إلا من كان على عينيه غشاوة. ويُمكن إعادة توجيه البوصلة مجددًا، واستثمار المناخ السياسي الإيجابي، والتخلص من مصالحنا الآنية الضيقة شريطة توفر الرغبة الصادقة، والإرادة الأكيدة نحو رسم خارطة طريق للمستقبل، وضرورة العمل التكاملي، ورص الصفوف من أجل الخروج من هذه الشرنقة، وقبل كل هذا وذاك لا بد أن نعترف أن المشكلة في داخلنا، وفي طريقة تفكيرنا وما نحتاجه فعلًا هو صناعة وعي عربي، وإعادة برمجة عقولنا رأفة بالأجيال القادمة، وتنقيتها من الرواسب الفكرية المنحرفة عن جادة الصواب والتي قادتنا إلى هذا المصير المتردي.

قال تعالى في سورة الرعد "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" صدق الله العظيم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

استنساخ البشر وتقنية نيورالينك

في عام 1996 تم استنساخ النعجة دوللي، ثم فتح الباب واسعًا لعالم الاستنساخ، فتم استنساخ أول حصان عام 2003، ثم في عام 2018 استنسخ علماء صينيون قردين، وفي عام 2022 تم استنساخ فأر من خلية جلد فأر آخر، ولم يفصلنا عن استنساخ البشر إلا خطوة صغيرة، وربما تم استنساخ البشر لكن لم يُعلن عنه إلى حين التمكن التام من أسرار عمليات الاستنساخ.

الجديد في الموضوع العمل على تقنية نيورالينك «Neuralink»، وهي تقنية تعمل على اتحاد الدماغ مع الآلة، حيث تهدف شركة نيورالينك إلى تطوير واجهة عصبية تستخدم إشارات الدماغ للتحكم في الأجهزة الإلكترونية الخارجية، بما يعزز إمكانيات هذه الواجهة الإلكترونية عبر دمج الذكاء البشري والرقمي للحد من المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي كما يقول أنصارها وأهمهم إيلون ماسك.

ففي عام 2021 ظهر قرد يلعب بونج بأفكاره فقط، وفي عام 2023 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على التجارب البشرية حوله، وفي يناير 2024 شاهدنا أول إنسان يتحكم في جهاز حاسوب بأفكاره، فقد أصبح الخيال واقعًا.

والهدف الآن إنسان مستنسخ، مثلًا نسخة حية مستنسخة عن إيلون ماسك، تحمل كل ذكرياته وأفكاره ومحتويات عقله وإدراكه بفضل الدمج بين الاستنساخ وتقنية نيورالينك، فيصبح لدينا إيلون ماسك أصلي وآخر مستنسخ، يقول كلاهما أنه الحقيقي وكلاهما يرى نفسه هو الأصل!

موضوع مربك ويراه البعض مرعبًا، فالاستنساخ والخلود الرقمي يصبحان واقعًا قريبًا جدًا.

وتتدفق الأسئلة المحيرة، مثلًا من سيمتلك Tesla و SpaceX، النسخة الأصلية من ماسك أم المستنسخة؟ وهل يحق لكليهما العيش مع زوجته وأطفاله؟ وإذا ارتكب أحدهما جريمة هل يُعاقب الآخر؟ وإذا مات الأصل هل تستمر النسخة في حياته وكأنه لم يمت؟

ويرى العلماء مجموعة من التداعيات الاجتماعية لذلك، وهي ظهور طبقة من البشر الخارقين المستنسخين والمعززين تكنولوجيًا، وربما تحدي مفهوم الموت، فقد أصبح حلم الخلود خيارًا للأثرياء، وكذلك ظهور أزمة هوية عالمية، فما معنى أن تكون «أنت» في عالم مليء بالنسخ المتطابقة معك؟

أما التحديات الأخلاقية والقانونية فهي كبيرة، ومنها كيف نحمي خصوصية الأفكار في عصر يمكن فيه قراءة العقول؟ وكيف ستتعامل الأنظمة القانونية مع قضايا الملكية والمسؤولية مع النسخ البشرية.

عالم جديد ينفتح بفعل التطور العلمي والتقني، وعادة عندما تميل البشرية عن القانون الأخلاقي، يكون الميلان لدمار الحياة الإنسانية، فقد اخترعت القنابل النووية الهيدروجينية والذرية، وظهرت سباقات التسلح لأجل الهيمنة والسيطرة، وتدمير حيوات ومجتمعات بشرية لأجل فئة ترى نفسها الأفضل والأقوى، وما سيناريو المليار الذهبي ببعيد عنا.

د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة عُمانية

مقالات مشابهة

  • 26 سبتمبر.. موعد طرح فيلم عاشق لـ أحمد حاتم خارج مصر
  • بلينكن: أمريكا غير متورطة في الأحداث اللبنانية
  • رئيس البرلمان العربي يهنئ المملكة العربية السعودية لحصولها على المركز الأول إقليميًا والرابع عالميًا في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية، ويؤكد: ثمار مباشرة للرؤية الطموحة “2030”
  • انطلاق الدورة السادسة لجائزة الألكسو للإبداع للباحثين في الوطن العربي
  • الحقّ الفلسطيني وحياة القادة وموتهم!
  • البولماني: لي ما عندو حرفة ولا دبلوم غيعيش حياة الماعز فأوربا
  • بين حياة الماعز وولاد رزق: من ترك بصمته أكثر؟
  • تمرد جديد في سجن القاصرين بروما وسط تصاعد التوترات
  • استنساخ البشر وتقنية نيورالينك