دونما استئذان اقتحمته بعبارة (قالوا لي أنساه وأمسح من خيالك ذكرياته) في إشارة لأغنيته الخالدة (السنين) ورد بالقول: لكن كيف؟! الحكاية دي ما صعبة شديد؟ باقي ليك بتبقي يا حبيب؟ هكذا رد الفنان الكبير الطيب عبدالله، وبعد التعريف بنفسي والاستئذان لعمل حوار صحفي أجاب حول وضعه الصحي قائلا: تسلم اخوي نحمد الله لا جديد، بس نسأل الله العودة لي بلدنا الحبيب، ويحفظ أهلنا المساكين الفيه من شر المجرمين.

وفي مقابلة مطولة تحدث الشاعر والملحن والفنان السوداني صاحب الأصول اليمنية عن تجربته العريضة وبداياته، وتناول الواقع الغنائي بالسودان وعبّر عن رأيه في اهتمام الدولة بالمبدعين، ورأى أن التوزيع الموسيقي في السودان يحتاج للكثير ليواكب الاحترافية وتطرق الطيب عبدالله لمنافسته مع العمالقة وردي وود الأمين والكاشف وأبو داؤود وغيرهم، وعن تأثير الثقافة اليمنية عليه، وأجاب عن الأسئلة بهدوء يشبه طبقات صوته الحزين التي أطربت الشعب السوداني حد الثمالة.

أجرى المقابلة: عبدالله برير

أنت احد عظماء المبدعين السودانيين ذوي الأصول المزدوجة أمثال بازرعة وربشة وغيرهما، كيف كان تأثير الفن اليمني عليك؟

جدي لأبي مولود في السودان لذا لا اعلم عن فن الغناء اليمني شيئا مع احترامي الشديد له فقط اسمعه من حين لآخر كاي شخص سوداني، انا لم أجد نفسي مسكونا بالفن السوداني فجأة،  فهو في  تكويني منذ بداية خلقي ونشوئي فانا سوداني حتي العظم، وأول فنان تغنى نابذا للتفرقة العنصرية البغيضة واسأل (يافتاتي ما للهوى بلد) فهي تنبيك عن سؤالك، عموما علينا ألا نتطرق لمثل هذه الأشياء التي اوردتنا الآن الى مانحن فيه من شتات وتشرذم وتهلكة، ابتعد عن الأنا والقبلية والجهوية (وجعجة نحن ونحن) فقط إن أحببت استخدام  لفظ نحن فقل (نحن ابونا النيل والجنس سوداني).

عند عودتك للسودان بعد غياب طويل هل وجدت التكريم والاحتفاء المستحق رسميا وشعبيا؟

لا تكريم لكريم، التكريم لـ (القونات)، نحن لم نفعل شيئا نستحق عليه التكريم.

كيف استطعت أن توظف إمكانيات صوتك المنتمية إلى المساحة الوسطى (تينرو) في تقديم ألحان وأغنيات ذات طابع تطريبي خرافي خلدت في وجدان الناس؟

بجانب الفطرة والموهبة الإلهية التي أعتقد انها كانت عالية الحمدالله، واتمتع بقرار صوتي عال جدا، درست (صولفيج) صوت بمعهد الموسيقي اول افتتاحه 1969 لخمس سنوات.

في بداياتك هل توقعت أن تحجز لنفسك مقعدا في خارطة الغناء السوداني في وجود الكاشف وعثمان حسين وأبو داؤود ووردي وقتذاك؟

هذه الأشياء كان وما زال صعبا التكهن بها، لم يدر بخلدي يوما أنني سأكون من بين هذه الكوكبة التي ذكرتها ولكن كل من كان يسمعني كان يتنبأ لي بان يكون لي يوما شأن في هذا المجال ما عدا شخصي لم اكن اتوقع ذلك.

هل يمكن القول بأن الفرق الموسيقية عند بعض الفنانين السودانيين محدودة الآلات كما ونوعا ( كلاسيكية) ولا توصل فكرة اللحن والتوزيع المطلوب؟

نحن مازلنا يا عزيزي بعيدين عن فهم توظيف الآلات الموسيقية الا من اجتهادات شخصية من بعض زملائنا مثل محمد وردي ومحمد الامين رحمهما الله،  نحن في حاجة ماسة لموزعين على مستوى رفيع من الموهبة والذكاء والاحساس العالي بجانب العلم المؤسس على فهم فن التوزيع للأغاني ليريحوا الفنان المغني من ارهاق التكرار للأغنية بالساعات الطويلة لكذا يوم او المقطوعات الموسيقية، شخصيا  كنت حضورا في   توزيع أغنية “الود” لوردي في القاهرة في السبعينات وكان المسؤول عن التوزيع الموسيقار العالمي ايطالي الجنسية اندريا رايدر علي النوتة، في ظرف 24 ساعة فقط كانت الاغنية قد  سُجلت.

هل قدرت الدولة الفن والفنانين والمبدعين؟

هذه الأشياء رهينة برئيس دولتك أي أن  يكون فنانا وليس بالضرورة أن يكون دارسا للموسيقى، فقط  يكون له احساس فني عالي، نحن بكل أسف وخلال كل الحكومات المتعاقبة لم يكن بها رئيس فنان ولا حتى  شغال بالفن، ومعظمهم ينظرون للفن من زاوية انه سفه أو ترف، ليس من أجندتهم في شيء، واذا زار أي رئيس فنانا وكان هذا الفنان مريضا يعتبر الرئيس زيارته هذه شرفا للفنان، انا شاهدت عشرات التماثيل لفنانين في امريكا وبريطانيا في قلب العواصم والمدن الكبيرة تكريما لهم، الفنان السوداني يعاني اشياء مؤلمة جدا منها عدم وجود سند مادي  له أذا مرض أو توقف عن الغناء ليعيش باقي عمره في أمان، كان الله في عونه.

ما هو تقييمك للساحة الفنية في العقد الأخير في ظل وجود ظاهرة الغناء الهابط ؟

هو ليس بفن لكي نطلق عليه هذه الكلمة السامية التي ما خلقت إلا لترقى بالأمم، أما ما يُطلق عليه من فن هابط ما هو إلا (عهر فكري) ونتاج إفراز طبيعي لنظام  مريض بأكمله يرزح باسم الدين، وجلس يتقيأ اسقاطاته على البسطاء ثلاثين عاما بسياسة ممنهجة لتقضي على كل ما هو جميل فكانت هذه الظاهرة من الذين نصبوا أنفسهم فنانين للغناء الهابط واصبح لهم مصدر ارتزاق للعيش، والأمم كما تعلم أخلاق.

في ظل شبح الجوع في السودان بسبب الحرب، هل من رسالة توجهها للمسؤولين؟

كيف تطلب مني أن  أرسل لهم رسالة لتذكيرهم بأن يساعدوا المطابخ الخيرية مثلا ليمدوا   بدورهم  الناس المساكين المحتاجين للطعام، هؤلاء الناس المسؤولين أليسوا سودانيين و(شايفين البحصل قدام عيونهم إنو الناس بتموت بالجوع) هؤلاء جبناء بلا ضمائر، لا تطلب من جبان أن يساعدك.

الوسومالطيب عبد الله الغناء السوداني الفنانين السودانيين الموسيقى السودانية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الطيب عبد الله الغناء السوداني الفنانين السودانيين الموسيقى السودانية

إقرأ أيضاً:

عياد: التشدد في الدين نوع من التطرف.. و«المنصات الإلكترونية» جزء من فوضى الفتاوى

أكد الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن موضوع هذا اللقاء يعد ضرورة حياتية وفريضة دينية، فنحن نتحدث عن موضوع خطير ودقيق.

وأوضح، خلال كلمته في ندوة بعنوان «التطرف وأثره على المجتمع»، بجامعة العريش، أن التطرف بمعناه السهل البسيط هو مجاوزة الحد إما أقصى اليمين أو اليسار، فالتشدد في الدين نوع من التطرف، وكذلك الانفلات من الدين والخروج على الثوابت والمقدسات نوع آخر من التطرف لأنه يرتبط بالوعي، وقضية الوعي قضية محورية في أي أمة من الأمم، فإذا أردنا أن نتحدث عن أمة متقدمة فعلينا أن ننظر إلى عنصر الوعي فيها.

وأضاف: أن الشريعة الإلهية بمعناها العام جاءت بأمر محدد وهو الدين، الذي يراد به ومن خلاله سعادة الإنسان في الأولى، وفلاحه وفوزه برضوان الله تعالى في الآخرة، فقد عرف العلماء الدين بأنه وضع إلهي وضعه الله عز وجل على لسان الأنبياء والمرسلين بهدف تحقيق الصلاح للناس في الأولى أي الدنيا، والفلاح لهم في الآخرة، فالله تعالى أرسل الأنبياء للإنسان لهدف نبيل وغاية سامية تتمثل في تحقيق السعادة له في الدنيا والفلاح والفوز برضوان الله تعالى في الآخرة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يصادم ما جاء عن الله عز وجل الفطرةَ أو الطبيعةَ الإنسانية، أو يخرج عن قانون العقل أو يعارض مقتضى الفكر السليم، أو الذوق الرفيع.

وبيَّن المفتي أن الله تبارك وتعالى خلق الناس وهو أعلم بهم، ومن ثم عندما أرسل الأنبياء بالدين وضع فيه ما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بنفسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان ببني جنسه، وما يتعلق بعلاقة الإنسان بباقي عناصر الكون، لذا لا غرابة أن تجد في الدين آليةً للتعامل مع الإنسان والحيوان والجماد، وما يحقق به الإنسان الرؤية الصحيحة الدقيقة للكون التي تقوده إلى صلاحه في الأولى وفلاحه في الآخرة.

وأشار إلى أنه إذا ما تم الخروج عن هذا فليس مرده إلى الدين، وإنما مرده إما إلى المنتسبين إلى الدين، أو القارئين أو المفسرين أو المتأوِّلين لنصوص الدين، فلا يوجد دينٌ صحيحٌ جاء من عند الله تبارك وتعالى يتناقض مع الطبيعة الإنسانية، وأن الخطأ قد ينشأ من القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، والتي تكون بعيدة عن قواعد العلم والفهم، كما يقرر الفيلسوف والفقيه ابن رشد رحمه الله أن الفهم الخاطئ لنصوص الدين له أسبابه وهي: الهوى، المرض النفسي، القراءة الانتقائية، سوء الفهم.

أوضح مفتي الجمهورية، أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى التطرف بنوعيه هو النقص في التعامل مع الدين، فالأول يتعامل مع مسائل الدين الفرعية من خلال أحادية الرأي وأحادية المذهب وأحادية الفكرة، والثاني يتعامل مع الدين على أنه يمثل القيد والعائق عن الحرية، فنحن أمام طرفي نقيض أحدهما يعمل على سرد النصوص الدينية في دائرة مغلقة تؤدي إلى الغلو والتشدد واتهام الدين بما ليس فيه، والآخر ينسلخ جملة وتفصيلًا من الثوابت الدينية والأعراف البشرية والقواعد العلمية، بحثًا عن الهوى واللذة تحت مصطلح الحرية، تلك المصطلح الفضفاض النسبي حيث يتفاوت باختلاف النظار، فهذا التطرف ليس له علاقة له بالدين وإنما علاقته بالمتعاملين مع الدين، وأن السبب الثاني يتمثل في القراءة الانتقائية الناقصة لنصوص الدين، فالنصّ الديني لا يمكن تناوله إلا استنادًا إلى مجموعة من الضوابط العلمية والقواعد الأصولية التي تعين على فهم تلك النصوص.

وأشار إلى أن السبب الثالث يتمثل في نقل العلم من غير مظانه، فالدين علم وليس مسألة ثانوية، والإنسان يجب أن ينظر فيمن ينقل عنه هذا العلم، فنقل العلم عن غير مظانه يؤدي إما إلى التساهل المفرط أو التشدد المفرط، والسبب الرابع: اتباع الهوى الشخصي أو الانطلاق من خلفية ثقافية معينة، فالتعاملُ مع النص الديني يجب أن يكون وفق التجرد والموضوعية بعيدًا عن الأهواء والخلفيات.

واختتم المفتي، حديثه بالحديث عن خطر الوسائل التكنولوجية الحديثة والمنصات الإلكترونية والتي أوجدت فوضى الفتاوى، وكذلك فوضى الشذوذ الأخلاقي والفكري، خصوصًا وأنها كما تحمل الخير تحمل كذلك الشر، ومن ثم ينبغي أن نكون على حذر في التعامل معها والنقل عنها أو الترويج لها لأنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلى التطرف سواء الديني أو اللاديني.

من جهته أعرب الدكتور حسن عبد المنعم الدمرداش، رئيس جامعة العريش، عن تقديره لفضيلة مفتي الجمهورية على جهوده العلمية والوطنية، والتعاون الفعال بين دار الإفتاء ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي في توعية الشباب في الجامعات المصرية، وتعزيز القيم الدينية الوسطية السمحة، مؤكدًا على أهمية البناء الديني والعقلي والفكري من أجل بناء جيل واعٍ متحضر متسامح محبٍّ ومخلصٍ لوطنه.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: نواجه تحديات فكرية وثقافية تسعى لهدم القيم وتفكيك الأسرة

مفتي الجمهورية: الزكاة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية «فيديو»

عيد الفطر 2025.. «المفتي» يكشف سبب اختلاف رؤية الهلال بين الدول

مقالات مشابهة

  • القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفين لنظام البيئة لارتكابهما مخالفتي قطع مسيجات ودخول محمية دون ترخيص في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية
  • العصائب:الإتفاقيات التي أبرمها السوداني مع تركيا باطلة وضد سيادة العراق
  • عشنا وشفنا دكاترة موية
  • عبدالله بن زايد: الإمارات تدين بشدة المخططات التي تستهدف المساس بأمن الأردن
  • الاعترافات الكاملة للضالعين بقضايا الخلية التي ضبطتها دائرة المخابرات / فيديو
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
  • نينوى.. الإفراج عن أبو جنة ومتهمي المحتوى الهابط بكفالة
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط 3 مخالفين لنظام البيئة لارتكابهم مخالفتي قطع مسيجات ودخول محمية دون ترخيص في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية
  • عياد: التشدد في الدين نوع من التطرف.. و«المنصات الإلكترونية» جزء من فوضى الفتاوى