نشرت صفحات تدعم الرئيس التونسي قيس سعيد على مواقع التواصل الاجتماعي بيانا انتخابيا موقّعا من قِبله، ومختوما من قِبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في تونس مقتطفات من بيان سعيد، كما عرض التلفزيون التونسي تقريرا تناول ما ورد فيه، وقد أثار البيان جدلا واسعا في الشارع التونسي انعكس على منصات التواصل الاجتماعي بسبب شكله ومضمونه.

وجاء بيان سعيد في 34 سطرا كُتبت بحجم صغير تصعب قراءته، كما تضمن أخطاء، منها تاريخ اندلاع الثورة التونسي، حيث جاء في نص البيان -قبل أن يُعدَّل النص المنشور في بعض الصفحات لاحقا- أن الثورة اندلعت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، والحال أنها اندلعت خلال العام 2010.

بيان المرشح للانتخابات الرئاسية قيس سعيّد يقطر حقدا وكراهية وتباغضا ودعوة للتقاتل والتناحر في وقت ينتظر فيه الشعب بارقة أمل بوعود عملية وواقعية لحل مشاكله وأزمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة والمركّبة..
الله المستعان.#تونس pic.twitter.com/cpyygZnrCp

— Mr Khaled (@FightingNobody) September 15, 2024

وعلّق عدد من الناشطين حول البيان بالقول إنه "كُتب كي لا يقرأه أحد "، فيما اعتبر آخرون الخطأ في تاريخ اندلاع الثورة دليلا على أن الذين كتبوا البيان لا علاقة لهم بالثورة.

وبقصيدة شعرية تفاعل الشاعر والناشط التونسي لزهر الضاوي مع بيان سعيد، مبرزا خلوه من حلول لمشاكل التونسيين، مقابل تعدد عبارات الحرب والتخوين بين أسطره.

 

بيان حرب

وأكثر ما أثار الاستهجان بين الناشطين في مختلف المنصات أن البيان جاء مشحونا بعبارات الحرب والتفرقة، حيث تكررت فيه عبارات "دماء، الظلام، الأعداء، إرهاب، اغتيالات، تقسيمها، تفجيرها، معركة، ألغام، متفجرات، العمالة، الخيانات، تطهير، مسعورة، مأجورة، التلاشي، التبخر، الاندثار".

هذه العبارات دفعت بعض النشطاء بوصف البيان بأنه "بيان حرب".

وقال القيادي بحزب التيّار الديمقراطي هشام العجبوني في تدوينة على صفحته بفيسبوك: "ليس إعلان حرب ضد عدو خارجي أو الكيان الصهيوني لا سمح الله، بل ضدّ جزء من الشعب الذي انتخبه في 2019، واكتشف بعد 5 سنوات من الحكم، منهم 3 سنوات من الحكم المطلق، أنّه ليس أهلا لهذه المسؤولية الجسيمة، وأنّه فشل فشلا ذريعا في كلّ ما قام به، وأنّ بقاءه على رأس الدولة لـ5 سنوات أخرى يعني تواصل الخراب والفشل والشّرخ الاجتماعي الذي تسبّب فيه بسياساته وخطاباته المقسّمة والمتشنّجة".

وأضاف العجبوني في التدوينة ذاتها بأنه "ليس مستغربا من مضمون البيان"، فليست المرة الأولى التي يلجأ فيها سعيد لهذا القاموس، حيث دأب منذ 25 يوليو على وصف معارضيه بأبشع الأوصاف، ونعتهم بأسوأ النعوت.

وأوضح القيادي في حزب التيار الديمقراطي بأنه في حال تم إلغاء خطاب التآمر والتخوين وتفجير الدولة من الداخل، والارتماء في أحضان الخارج والغرف المظلمة لن يجد الرئيس ما يكتبه وما يقوله.

 

ومن جهة أخرى، تطرق النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي إلى القانون الانتخابي، وما تضمنه من مواد تجرم ما ورد في بيان الرئيس من "خطاب كراهية وعنف".

حيث نصت المادة 52 من القانون على أن الحملة الانتخابية تخضع لجملة من المبادئ الأساسية، بينها "عدم الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز".

وجاء في المادة 56 أنه " يحجر كل دعاية انتخابية أو متعلقة بالاستفتاء تتضمن الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصب والتمييز".

كما يجب على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التدخل في حال وجود خروقات للقانون الانتخابي بنص الفصل 71 منه، الذي جاء فيه "تتعهد الهيئة من تلقاء نفسها أو بطلب من أي جهة كانت، بمراقبة احترام المترشح أو القائمة المترشحة أو الحزب لمبادئ الحملة والقواعد والإجراءات المنظمة لها، وتتخذ التدابير والإجراءات الكفيلة بوضع حدّ فوري للمخالفات، ولها في ذلك حجز الإعلانات الانتخابية..".

ويفترض على الهيئة بحسب ما تضمنته النقاشات في مواقع التواصل حول بيان سعيد أن تمنع نشره، بسبب ما تضمنه من إخلالات، إلا أنها سمحت بذلك مما يرفع منسوب الشكوك حول حياديتها واستقلاليتها، وفقهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

وسائل التواصل الاجتماعي بين فضاءات الحرية وهدم الأوطان

تواصل الثورة التقنية والاتصالات تحديها لكثير من مفاهيمنا التقليدية ومنظومات القيم والأخلاق والأعراف المرتبطة بمفاهيم الحرية التي نشأت عليها مختلف الأجيال البشرية قبل انبثاق هذه المنصات والتطبيقات والتي فرضت نفسها واقعا جديدا لا عودة عنه. وليس من قبيل المبالغة أن القادم سيكون أكثر تعقيدا وغموضا في التعامل معه بأدواتنا الإنسانية الحالية لاسيما مع دخول حقبة الذكاء الاصطناعي لتشكل هي الأخرى انعطافة بشرية هائلة نحو تسليم التفاصيل الإنسانية إلى الآلة.

ورغم ذلك يلاحقنا السؤال، إلى أين تأخذنا هذه التحولات الغرائبية في المسير البشري نحو المستقبل وماذا تفعل بنا هذه التطبيقات وكيف تشكل (وتضيع) وقتنا ووعينا وعلاقاتنا مع الذات والآخر سلبا وإيجابا. لقد كتب الكثير حول هذا الوضع ولم يكن مفاجئا أن يوجه الروائي البرازيلي الشهير امبرتو ايكو نقدا قاسيا لهذه الحالة (1932 – 2016) معتبرا أن «أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالقٍ من الحمقى، ممّن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البُلهاء».

على ذات الخط ، يرى الفيلسوف والأكاديمي الكندي «الان دونو» في كتابه «نظام التفاهة» (The Banality System) وفقا لترجمة الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري أن الأمر «قد تطور حتى صار يكتسح جميع المجالات، وصارت التفاهة نظاما يحتفى به، واستطاع التافهون أن يبنوا عالما جديدا يقتل الإبداع والتميز، ويشرع التفاهة والتخلف».

وفي العبور نحو فضاءات الحرية والتعبير عن الرأي في تلك المنصات يدوي السؤال حول الحدود التي يمكن أن ننطلق منها أو نقف عندها. الشاهد في راهن الوضع العام أن هناك جانبا مشرقا وواسعا بإمكانية الاستفادة الهائلة من محتوى هذه المنصات والتطبيقات رغم الجدل المستمر حول محتواها. بيد أن تلك المنصات أصبحت سلاحا كذلك لدى البعض ومعول هدم لآخرين ومنطلقا خطيرا لبث الكراهية والعنف والتحريض والتشهير وضرب استقرار الأوطان.

والمتابع للقضايا العالمية لربما يلاحظ الاستغلال البشع لهذه الوسائل في إرهاب الآخرين من جانب كافة الأطياف الأيديولوجية وراياتها البغيضة سواء من التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط أو حركات اليمين المتطرف وخطاباتهم العنصرية ضد الآخر المختلف في الغرب أو ما يحدث من تطرف سياسي عنصري ضد الأقليات في بعض الدول الآسيوية وغيرها، وتشترك جميعها في أن خطاباتها التي تنضح حقدا وكراهية واستخفافا بالقيم والحياة الإنسانية وكرامتها، نجدها تستغل ذات المنصات في توسعة جبهات أنشطتها ومد نفوذها وإيصال خطاباتها العنيفة وبكل السبل للمغرر بهم.

وحينما يصل الانحدار الفكري والعقائدي لهذا الدرك من الخطورة بحجة حرية التعبير والرأي، فلا يمكن أن نتوقع من الدولة المسؤولة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا المد من الفكر العنيف الذي يضرب استقرار الأوطان ويهدم مكونات السلم الأهلي ويعبث بقدسية الأمن والأمان والذي من دونهما لا يمكن أن تستقيم دولة أو أن يكون لها وجود حقيقي على مؤشرات التنمية والعمران والتمدن والحضارة، ولا غرو أن نجد نحو تسع دول عربية قد تصدرت مؤشر الدول الفاشلة لعام 2024 (https://fragilestatesindex.org/) من بين 179 دولة، بعد أن نجحت خطابات الكراهية والفرقة والمذهبية والتناحر والعنف في مختلف منابرها الإعلامية التقليدية والإلكترونية في تفتيت وضرب استقرارها ونسف سنوات البناء والتنمية وتضحيات الشعوب التي استغرقت عقودا من الزمن جراء شيوع ثقافة المحاصصة الطائفية والمناطقية والإقصائية والوقوع فريسة سهلة لمخططات التفتيت وسماسرة الحروب ووكلاء الخراب.

وفي الغرب نفسه بكل مؤسساته الديموقراطية والبرلمانية وما يتشدق به صباح مساء حول الحريات، نلاحظ أن دولة بعراقة المملكة المتحدة لم تتردد في اتخاذ إجراءات استثنائية مباشرة لاحتواء تحركات وخطابات اليمين المتطرف في بريطانيا لإثارة الشارع البريطاني ضد المسلمين بعد مقتل طفلتين، والترويج بأن القاتل كان مسلما، بل والشروع الفوري في عقد محاكمات مباشرة (لا تتجاوز أربعة وعشرين ساعة) وصدور أحكام قاسية ضد من تسول له نفسه الخروج عن القانون بحجج حرية التعبير والرأي حينما يؤدي هذا المسلك إلى إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات وتخريبها. وطالبت بعض الأصوات مثل الكاتب البريطاني جوناثان فريدلاند في صحيفة الجارديان بتاريخ 9 أغسطس 2024 بأن تسعى الحكومة البريطانية لمقاضاة «إيلون ماسك» نفسه الذي يراه الكاتب طرفا في التحريض على ضرب الاستقرار في البلاد حيث أخذ يروج أن «الحرب الأهلية قادمة إلى بريطانيا لا محالة» في منصة أكس.

تعكس مثل هذه المنصات ومالكيها والكثير من الجهات المغرضة والأفراد المغرر بهم، وجود إمكانيات كبيرة لضرب استقرار المجتمعات ومن أماكن بعيدة وهو أمر يفرض تحديات أمنية لا يمكن تجاهلها وبالتالي تقتضي المسؤولية أن تكون الأوطان محصنة قدر المستطاع من هذا المد المعقد، والعمل على تنظيم قطاع وسائل التواصل الاجتماعي خاصة ما يتعلق بالخطابات الداعية إلى الفتنة وضرب الاستقرار، وتعزيز الاستفادة الإيجابية منه وإثراء المحتوى المحلي بما يعكس حضارية هذا البلد وثراءه وتراثه وإبداعات شبابه وتقديم قدوات جديرة بالظهور والتقدير والدعم.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

مقالات مشابهة

  • وسائل التواصل الاجتماعي بين فضاءات الحرية وهدم الأوطان
  • انتقادات واسعة للتلفزيون التونسي بسبب “تلحين” آية قرآنية- (ادوينات)
  • انتقادات لبث التلفزيون التونسي تلاوة للقرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى (شاهد)
  • عقٍب الضربة اليمنية المُدوية.. انتقادات واسعة لحكومة نتنياهو ومُطالبات باستقالتها
  • معالي سعيد محمد الطاير يفتتح “أسبوع الرشاقة المؤسسية 2024” بمشاركة واسعة من مؤسسات محلية وعالمية رائدة
  • الحكومة العراقية تتجه لفرض ضرائب على مواقع التواصل الاجتماعي
  • الرئيس التونسي يدعو لبناء اقتصاد الوطني في بيانه الانتخابي
  • الرئيس التونسي يصدر بيانه الانتخابي ويهاجم معارضيه
  • مكافحة الفساد.. شكاوى تختص بها الرقابة الإدارية وأرقام التواصل مع الهيئة