توقف قليلا واقرأ على مهل السؤال والجواب في قول الكاتبة والروائية البريطانية " أجاثا كريستي" حيث تقول:"لماذا نغلق أعيننا عندما نضحك بشدة وعندما نحلم وعندما نتعانق وعند الخشوع؟ لأن أجمل ما في الحياة لن تراه بعينك بل ستشعر به بقلبك".

هذا القول ربما يكون أكثر تعرضا من بعض القراء والكتاب والمفكرين والباحثين على حد سواء، وربما أيضا هو سؤال مهم يجب أن نفك طلاسمه، الغموض فيه سواء في ذواتنا أو مع الآخرين، فكلما اقتربنا من معرفة الحقائق وأسبابها، رصدنا قدرة الله تعالى في الصفات التي نتفرد بها، والتي منحنا إياها كبشر يعيشون على هذه الأرض.

أشياء كثيرة في حياتنا لا نمنحها جزءًا وافر من اهتمامنا بها، أو لا نبدي أي محاولة أو رغبة في معرفة أسرار حدوثها، والظروف التي تلازم البعض بشكل مفاجئ، وقد نعتقد بأن الأمر عادي للغاية، ولا يرقى بأن نفكر فيه طالما أننا نعيش بهدوء.

أشياء كثيرة يصعب على الإنسان إدراكها، فأسرار الكون لا تعد ولا تحصى، والقدرة الربانية لها من الحكمة ما يعجز البشر عن تفسيرها، إلا أن بعض الأشياء نستطيع أن نستنبطها من الحالة التي تحيط بها سواء مسبباتها أو لماذا تحدث لنا تلك الحالة؟ الشعور والإحساس بالأشياء التي تحيط بنا هي من تحركنا أحيانا للتدخل بدون أي تفكير، فهناك علاقة وطيدة ما بين الإنسان ومشاعره، وإثباتا لذلك نتعرض لوجهة نظر الكاتبة د.موزه المالكية التي نشرت مقالا متكاملا عن تضامنها مع حديث الروائية العالمية اجاثا كريستي فتقول:" أعظم وأثمن الأشياء التي قد يظفر بها الإنسان لا يلمس كيانها بيديه، بل يستشعرها في أعماقه استشعارًا..!! الطمأنينة، السعادة، الرضا، السلام، السكينة، الإيمان، الحب، البهجة، الراحة... هي أحاسيس نستشعرها ولكن لا نراها، وهذه الأحاسيس تتحكم في حياتنا وتصرفاتنا وانفعالاتنا، فهي مجموعة من المشاعر عندما تنطلق تترك في أجسامنا تأثيرات كيميائية تغير كيمياء الجسد وتلونها".

لنترك الاقتباس بعيدا، ولنتأمل الواقع الذي نعيش فيه كبشر يسيرون على هذه البسيطة، ويتآلفون مع الأشياء التي تحيط بهم، يتأثرون ويؤثرون في تفاصيل الأحداث المتلاحقة، والحالات النفسية المتقلبة، فعندما نشعر بالفرح الجارف تنساب الدموع بدون مبرر، وعندما نضحك من قلوبنا تسيل أيضا دموعنا بدون رغبة في البكاء، وعندما نفقد عزيزا علينا تسيل دموعنا بحرقة كجزء من وجع نفسي.

هذه التقلبات والمساحة ما بين هذه المكونات الثلاثة لها دلالات ومعاني، فقد لا يفهمها البعض لصعوبتها، وقد لا يركز عليها البعض الآخر لأسبابه الخاصة، لكن هذا البكاء قد يكون صفة متلازمة يشعر بها الإنسان عندما يكون فرحا أو حزينا، وفي كلا الحالات تنهمر فيها الدموع وتختلط فيها المشاعر كرؤية أم لولدها بعد فراق سنوات طويلة، والدموع هنا تمتزج بلون الفرح فهو تعبير إنساني عن حب دفين ينبعث تلقائيا من الجوف، ومشاعر مكنونة تخرج للعلن بعد أن انغرست في ذات الإنسان لوقت يكفي بأن تدفع العيون لتبكي فرحا بهذا القدوم.

الموضوع أكبر مساحة من الإلمام بكل تفاصيله أو الإمساك بخيوطه، فغلق العيون هو الخروج من مجال الرؤية الظاهرية إلى ظلمات الإبحار نحو عالم آخر، ربما لا نحس فيه بالخوف من الوهلة الأولى، لكنه واقع افتراضي نتجاوز من خلاله كل خطوط العالم الذي نسير عليها والاتجاهات التي نتخذها مسلكا لنا في الحياة.

نحن نغمض أعيننا عندما نريد أن ننام طلبا للراحة، وأحيانا عندما نريد أن نتذكر شيئا مهما ونجد أنفسنا وسط ازدحام كثيف من الأفكار الأخرى التي تنسينا ما نريد أن نتذكره لذا نغمض أعيننا لنغوص في عالم المفقودات، كل هذه التصرفات تأتي بتلقائية، فتجعلنا أقرب لعالمنا الداخلي منه إلى عالمنا الخارجي، وهي حقيقة مثبتة علميا وعمليا.

إذن مهما قلنا وتحدثنا عن هذه الحالة التي تلازم البشر أينما كانوا وأينما وجدوا، لن يكون أصدق مما قالته د.موزة المالكي في مقالها في صحيفة الراية عندما أشارت إلى "الزمن هو الزمن.. والوجود هو الوجود. ولن يتغير في الكون شيء إذا تغيّرت مشاعرنا.. فلماذا إذن نشعر بأن الأشياء تتغير؟ مرة تصير بلون وردي جميل إذا انتابتنا مشاعر الفرح، ومرة تصطبغ بالسواد والقتامة إذا سيطرت علينا مشاعر الحزن.. إن ما يتغيّر هو كيمياؤنا النفسية التي تجعلنا نكاد نلمس الفرح ونراه ونسمعه ونشمُّه، كما نلمس الحزنَ ونسمعُهُ ونشمُّه".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

متى يكون للحياة طعم؟

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

كثيرون هم الذين يسألون أنفسهم: متى يكون للحياة طعم؟ كيف نحيا ونشعر بلذة السعادة والراحة؟

لكن الأجوبة تختلف، والمواقف تتباين، تبعًا لطبيعة نظرة الإنسان إلى السعادة وسبل الوصول إليها. هناك من يرى أنَّ الحياة الطيبة مرهونة بالجلوس في المقاهي الفاخرة، أو بالسفر إلى البلدان البعيدة، أو بالعيش في أماكن راقية تزينها مظاهر الرفاهية. غير أن قليلًا منهم من يفكر كيف يصل إلى ذلك، كيف يجتهد، كيف يتعب، كيف يصنع لنفسه مقعدًا بين الناجحين، قبل أن يُطالب نفسه بثمار لم يزرعها.

 

إنّ للحياة طعمًا خاصًا لا يُدركه إلّا أولئك الذين عرفوا قيمة الجهد والتعب، الذين مرُّوا بمحطات الكد والسعي، وذاقوا مرارة الصبر قبل أن يتذوقوا حلاوة الراحة. هؤلاء حين يجلسون أخيرًا على مقاعد الراحة، لا يجلسون بأجسادهم فقط، بل تجلس أرواحهم قريرة مطمئنة، لأنهم يعرفون أنَّ ما وصلوا إليه لم يكن مصادفة ولا صدقة، بل كان نتاج سعيهم، ونصب أعينهم هدف رسموه بعقولهم وسقوه بعرقهم.

 

وعلى الضفة الأخرى، تجد أولئك الذين لم يبذلوا جهدًا حقيقيًا، لكنهم لا يكفون عن الشكوى واللوم. يعتقدون أنَّ سعادة الدنيا قد سُرقت منهم، وأن أيدي الآخرين قد اختطفت نصيبهم في متعة الحياة. ينسون- أو يتناسون- أنَّ السعادة لا تُهدى؛ بل تُنتزع انتزاعًا بالجد والاجتهاد. ينسون أن لحياة الطيبين المطمئنين أسرارًا، أولها أنهم لم يتكئوا على الأماني، ولم يحلموا بأطياف الراحة قبل أن تبلل جباههم عرق الاجتهاد.

 

ليس المطلوب أن يعادي الإنسان الراحة، ولا أن يرفض الجلوس في مكان جميل، ولا أن يمتنع عن السفر، ولكن المطلوب أن يعرف أن لكل متعة ثمنًا، وأن لكل راحة طريقًا.

الطريق إلى السعادة الحقة ليس معبّدًا بالكسل ولا مفروشًا بالاعتماد على الحظ أو الاتكالية على الآخرين، بل هو طريق طويل ربما ملأه التعب والسهر، وربما اختلط بالدموع والألم، لكنه الطريق الوحيد الذي يجعل للراحة طعمًا، وللحياة لونًا، وللسعادة معنى.

الحياة الحقيقية لا تطعم بالفراغ ولا تثمر بالركون إلى الأماني. متعة القهوة في المكان الراقي، ومتعة السفر، ومتعة الجلوس في الحدائق الجميلة، ليست في ذاتها، بل في الإحساس أنك وصلت إليها بجهدك، واستحققتها بكدك. حينها تصبح لكل رشفة طعم، ولكل لحظة لون، ولكل مكان ذاكرة تحمل عطر العناء الجميل.

هنا، يقف شخصان متقابلان؛ أحدهما عاشر التعب، وأرهقه السعي، فذاق الراحة بعد معاناة فكانت أطيب ما تذوق. والآخر ظل ينتظر السعادة تأتيه بلا عناء، فمات قلبه بالشكوى قبل أن تقترب إليه.

ما أجمل الحياة حين نحياها بالكد والعزم! وما أطيب طعمها حين ندرك أن اللذة الحقيقية ليست في المال الكثير ولا في الجاه العريض، بل في الرضا عن الذات، والشعور بأنك بذلت ما بوسعك، وقابلت النتائج بابتسامة الرضا لا تأفف الحاسد ولا حسرة المتكاسل.

فمتى يكون للحياة طعم؟

يكون لها طعم عندما نتذوق التعب ونحوله إلى لذة، ونحمل همّ الطريق ونتخذه رفيقًا لا عدوًا. يكون للحياة طعمًا حين نحيا بشغف، ونحب عملنا، ونسعى وراء أحلامنا مهما كانت بعيدة، وحين نصنع من كل يوم طوبة نبني بها صرح سعادتنا.

الحياة، في حقيقتها، ليست مجرد أيام تمضي، ولا متعٍ تُشترى. إنها قصة تُكتب بالتعب، وتُزيَّن بالأمل، وتُختم براحة الضمير وطمأنينة القلب.

حين نفهم هذه الحقيقة، ندرك أن طعم الحياة لا يُعطى هبةً، بل يُصنع بيدين متعبتين، وقلب مؤمن، ونفس طامحة لا تلين ولا تستسلم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ارتفاع عدد ضحايا انهيار سقف مصنع تحت الإنشاء بالعبور لـ4 وفيات وإصابة آخر
  • متى يكون للحياة طعم؟
  • رئيس الوفد يرد على تصريحات ترامب بشأن العبور من قناة السويس
  • المؤبد لعاطل وعامل بتهمة الاتجار في الحشيش بالعبور
  • المؤبد لعاطل لاتجاره في الحشيش بالعبور
  • المؤبد لعاطل لإتجاره في الحشيش بالعبور
  • إحباط 1314 محاولة لإدخال ممنوعات ومحظورات بجميع منافذ المملكة الجمركية خلال أسبوع
  • أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم السبت 26 أبريل 2025
  • محافظ الدقهلية يتفقد منافذ البيع وسوق اليوم الواحد..صور
  • أسعار الخضار والفاكهة في سوق العبور اليوم الجمعة 25 أبريل