شيخ الأزهر: كان "النبي محمدﷺ" رحمة للناس حتى في مواطن الحروب والاقتتال والصراعات المسلحة
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
أكد الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن المتأمل في صفات رسول الله محمد ﷺ؛ يحار فلا يدري بأيها يبدأ ولا بأيها يختم، ولا ماذا يأخذ من هذا الوابل الصيب من صفات الجمال وصفات الجلال، ولا ماذا يدع... وكيف لا! وقد وصف الله سعة أخلاقه الشريفة بوصف العظم، فقال في كتابه الكريم: "وإنك لعلى خلق عظيم"، كما وصفته أخبر الناس به، زوجه السيدة عائشة أم المؤمنين - حين سئلت عن أخلاقه، فقالت: «كان خلقه القرآن»، مبينا أنها -رضوان الله عليها- قد أدركت الأفق المتعالي لهذا الخلق النبوي، وصعوبة بيانه للناس: عدا وحصرا واستقصاء، فأحالت البيان إلى أخلاق القرآن الكريم، وما بينها وبين أخلاقه -صلوات الله وسلامه عليه- من تطابق وتماثل، وبما يعني أن الخلق القرآني إذا لم تكن له نهاية في حسنه وكماله، فكذلك «الخلق المحمدي» لا نهاية لحسنه وكمالاته، ولا حدود لسعته واستيعابه العالمين بأسرهم.
وأوضح شيخ الأزهر خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، والمنعقد بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، وتنظمه وزارة الأوقاف بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أن المطابقة بين أخلاق القرآن الكريم وأخلاقه ﷺ هي السر في اختصاص نبي الإسلام برسالة تختلف عن الرسالات السابقة، حيث جاءت رسالة خاتمة للرسالات الإلهية، ورسالة عامة تتسع للعالمين جميعا: إنسا وجنا، وزمانا ومكانا؛ بينما جاءت الرسالات السابقة رسالات محدودة بأقوام بعينهم وفي زمان معين ومكان محدد لا تتجاوزه لمكان آخر.
وبين فضيلته أن أخلاق محمد ﷺ وإن تنوعت عددا ومنزلة وعلو درجة وكمال شأن، حتى وصف بالإنسان الكامل - فإن صفة من صفاته هذه قد انفردت بالذكر في القرآن الكريم، وهي: صفة «الرحمة» التي وصف بها ﷺ في قوله تعالى في آواخر سورة التوبة، في معرض الامتنان الإلهي على المؤمنين، حيث بعث فيهم رسولا منهم، وصفه بأنه حريص على هدايتهم، وأنه «رؤوف رحيم» بهم، ثم ذكرت صفة «الرحمة» مرة ثانية في قوله تعالى في آواخر سورة الأنبياء: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وجاءت بأسلوب القصر الذي يدل على أن هذا الرسول اتحد ذاتا وأفعالا بصفة: «الرحمة» حتى صارت سجية راسخة متمكنة في مشاعره، ومتغلغلة في أطوائه، ومسيطرة على تصرفاته.
وتابع شيخ الأزهر أنه ﷺ قد أكد اتصافه بالرحمة بقوله في سنته الشريفة: «إنما أنا رحمة مهداة»، وطبقه في كل تصرفاته مع البشر ومع جميع الكائنات والمخلوقات، وكان ينزع في كل تصرف من تصرفاته من معين هذه «الرحمة» التي فطره الله عليها، وألان بها قلبه، وكان ذلك من أقوى أسباب دخول المشركين في الإسلام: "فبما رحمة من الله لنت لهم.."، بل إنه كان رحمة للناس حتى في مواطن الحروب والاقتتال والصراعات المسلحة بين الأمم والشعوب.
وأشار فضيلته إلى أن أول ما يطالعنا من تجليات الرحمة النبوية في مواطن الحروب والاقتتال هو: أن القتال في شريعة الإسلام لا يباح للمسلمين إلا إذا كان لرد عدوان على حياتهم أو دينهم أو أرضهم أو عرضهم أو مالهم، أو غير ذلك مما يدخل تحت معنى: «العدوان» بمفهومه الواسع، أما القتال نفسه، أو حرب العدو، أو: الصراع المسلح، فله في شريعة الإسلام خطر وأي خطر، وله قواعد وضوابط وتشريعات شرعها الله تعالى!، وطبقها رسوله ﷺ تطبيقا عمليا وهو يقود بنفسه جيوش المسلمين في معاركهم مع أعدائهم، وأمر أمته بالتقيد بها كلما اضطرتهم ظروفهم وألجأتهم إلى مواجهة عدوهم..
وأوضح شيخ الأزهر أن أول ما يلفت النظر من قواعد الاقتتال لرد العدوان في الشريعة الإسلامية: قاعدة «العدل»، وهي قاعدة كلية بعيدة الغور في شريعة الإسلام، أمر الله بالالتزام بها في معاملة الصديق والعدو على السواء: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، ثم إن قاعدة العدل هذه تستدعي قاعدة ثانية تلازمها ولا تفارقها في أي تطبيق، وهي قاعدة: «المعاملة بالمثل» والتي تعني أول ما تعني حرمة تجاوز حدود العدل إلى حدود الظلم والعدوان على الغير، يتبين ذلك من قوله تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".
وتابع فضيلته أن من قواعد الإسلام العامة في القتال التزام مبدأ «الفضيلة» ومبدأ «الإحسان» الذي كتبه الله على كل شيء سواء تعلق هذا الشيء بالإنسان أو بالحيوان، وقد ترجم أمراء المسلمين وقادة جيوشهم، مبدأ «الفضيلة» هذا إلى لوحة شرف في قوانين الحروب، لا يعرف التاريخ لها نظيرا في غير معارك المسلمين، وها هو الخليفة الأول، أبو بكر "رضي الله عنه" يودع قائد جيشه إلى الشام ويقول له: «أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تهدموا بيعة- أي: كنيسة أو معبدا.."
وأضاف شيخ الأزهر أن صورة القتال في الإسلام لا تكتمل دون الإلمام بصورة «الأسرى» في الحروب الإسلامية، لافتا إلى أن فقه «الأسير» في الإسلام يدور على أمرين لا ثالث لهما، حددهما القرآن الكريم في قوله تعالى: "فإما منا بعد وإما فداء"، والمن على الأسير هو إطلاق سراحه وتحريره بغير عوض ولا فدية، أما فداؤه فهو تحريره وإطلاق سراحه مقابل فدية يدفعها هو أو تدفع له، مبينا أن الأسير الذي يأسره المسلمون من جيش العدو يحرم على المسلمين قتله، كما تدل الأحكام الفقهية على وجوب إطعام الأسير، ووجوب الإحسان في معاملته، وحمايته من الحر والبرد، وتوفير ما يكفيه من كسوة وملابس، وإزالة كل ما يصيبهم من ضرر، ووجوب «احترام مراكزهم وكرامتهم الشخصية حسب مكانة كل فرد منهم»، مستلهمين في ذلك إلى دعوته ﷺ للرفق بالناس في قوله: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» وقوله: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم».
وأوضح فضيلته "ما أظنني في حاجة بعد ما سمعناه في شأن الحرب في الإسلام، وهو قليل من كثير - إلى عقد مقارنة أو مناظرة بين الحرب في شريعة الإسلام ونموذجها الإنساني الرفيع، وبين الصورة البشعة للحرب الحديثة في القرن الواحد والعشرين، والتي آل أمرها إلى إبادات جماعية ومجازر همجية وجرائم منكرة، ترتكب ضد شعوب مضطهدة تخلى عالمنا القوي المتحضر عن نصرتها، والوقوف إلى جوارها، وصمت صمت القبور عن آلامها وصرخاتها، ثم راح يشمر عن ساعد الجد ليتصدق على هذه الشعوب البائسة بكلمات عزاء فارغة لا تقول شيئا، أو بمشاعر باردة تذكر بمشاعر القاتل الذي يمشي في جنازة قتيله ويتقبل عزاء الناس فيه، فالمقارنة في هذا المقام مضللة ومزيفة لكل نتيجة تنتجها مقدماتها".
واختتم شيخ الأزهر "حسبنا أن نعلم من جديد أنه لا يصح في حكم العقل أن نقارن بين الخير والشر، ولا بين الحسن والقبح، ولا بين الفضيلة والرذيلة، ولا بين قانون الغاب والأحراش، والدرس الذي يجب أن نذكر به مع تجدد ذكرى المولد النبوي هو تجديد وعي هذه الأمة بذاتها وتاريخها العريق المشرف، وقدراتها المادية والروحية، وطاقاتها الخلاقة، وأن تكون على يقين من أنها تملك دواءها إن أرادت، وأن تكون على ذكر دائم من قوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.."، وأن تبذل قصارى الجهد للتضامن مع أطفال غزة ونسائها وشبابها وشيوخها، ومع شعوبنا في السودان واليمن وغيرها، وأن نعلم أن ذلك ليس منة يمن بها على هذه الشعوب المعذبة في الأرض، وإنما هو واجب القرابة في الدين، وصلة الدم والرحم والمصير المشترك".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الازهر الشريف الاقتتال الرئيس عبدالفتاح السيسي النبي محمد القرآن الکریم قوله تعالى شیخ الأزهر فی الإسلام فی قوله
إقرأ أيضاً:
رحمة الله على أستاذنا دكتور جعفر بن عوف سليمان – بروفيسور طب الأطفال في السودان
د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
المملكة المتحدة
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
[البقرة: 155]
صدق الله العظيم
بلغني الليلة الخبر المحزن برحيل أستاذنا الفاضل الكريم إبن الأكرمين البروفيسور جعفر بن عوف أستاذ طب الأطفال في السودان ومؤسس أول مستشفى متخصص فى طب الأطفال بالسودان "مستشفي حوادث الأطفال بالخرطوم". دكتور جعفر قامة وكرم وشجاعة وشهامة وكتاب كبير لا يشبع القارئ من مواصلة البحث والأنس تجوالاً في صفحاته المضيئة بدرر الكم الهائل من أعمال الخير في الطب التي سعدت وتعافت بفضلها أطفال ملايين الأسر السودانية و دكتور جعفر صفحات صارت الآن بعد رحيله تاريخية خالدة كانت هي أساس بروتوكولات تنظيم وتمكين قواعد التعليم والتدريب السريريّ في علوم طب الأطفال بما في ذلك الحالات الطارئة والرعاية الصحية والاجتماعية وتغذية الأطفال. كثيرون من الذين تدربوا على يد الأستاذ جعفر الآن هم بروفيسورات أو اختصاصيين كبار يعملون بكفاءة في المملكة المتحدة ودول الخليج العربي. دكتور جعفر عرفته لأنني تدربت على يديه أثناء فترة الإمتياز وأيضا بعدها عملت في مستشفاه لفترة قصيرة قبل مغادرتي النهائية من السودان وبعد ذلك توثقت العلاقة بيننا كأسرة بعد زواج شقيقي مولانا الطاهر عبدالمحمود من إبنة أخيه محمود المهندسة أهيلة الأستاذة بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم. كان مشهورا بتفانيه الغير محدود لإنجاز مشروع مستشفى حوادث الأطفال ، كرس جهد حياته كلها لإنجاز وإستدامة ذلك الصرح الكبير وجدا مفيد لكل أطفال السودان وحتى الدول المجاورة. كان تخصصه الدقيق في أمراض الجهاز الهضمي للأطفال وكان كل حالات البلهارسيا تحول لتنام للعلاج في قسمه المعروف ب( سي فيفتين) بمستشفى الخرطوم التعليمي . لأن الحديث عن الأستاذ جعفر سيطول وسوف لن أكفيه قدره مهما أعدد من أفضاله ومآثره سأكتفي هنا بإعادة نشر ما كتبته سالفا قبل عشرة أعوام عندما تم تكريمه وقد تقاعد وأسلم الأمانة (مستشفي كاملاً كان العلاج فيه بالمجان) لأجيال كانت تقدره
دكتور جعفر رغم أنه كان رسمياً في أداء وظيفته كان هينا لينا رقيق المشاعر . واحدة من قرايبنا كان يشرف على علاج طفل لها كان قصير القامة وبالمتابعة نجح هورمون النمو في أن يطول الطفل. إبتسم دكتور جعفر وقال لوالدة الطفل "والله لو أهلي زمان عرفوا العلاج دا كان بقيت. زول طوييل". هكذا كان هينا لينا تستخفه بسمة الطفل لكنه قويا كان "يصارع الأجيالا".
اللهم يارب وبفضل هذا الشهر الفضيل ترحم أستاذنا دكتور جعفر بن عوف سليمان وتغفر له وتسكنه أعلى درجات الفردوس مع الصديقين والشهداء والصالحين وأن تجعل الكوثر مشربه وان تجعل قبره روضة من رياض الجنة. اللهم لا تفتنا بعده ولا تحرمنا من أجره. العزاء لزوجه الدكتورة حياة وبناته و عموم آل بن عوف سليمان والعزاء لطلابه وزملائه وكل من تدرب على يديه وعمل معه. إنا لله وإنا إليه راجعون
عبدالمنعم
الدكتور جعفر بن عوف سليمان: علم يرفرف في السماء بقلم: د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
UKنشر في سودانيل يوم 23 - 09 - 2014
بلغني عبر منتدي الأطباء السودانيين الذي أسسه مشكورا الأخ د. ابراهيم حسن الفحل العام 1997 نبأ حفل تكريم أستاذ الأجيال بل من هو بمثابة الوالد والعم والخال والجد لكل أطفال السودان أعني بذلك الأخ الموقر دكتور جعفر بن عوف الذي لا يحتاج إلي تعريف. لقد أثلج صدري ذلك النبأ وطربت له وسعدت كما يطرب الغريب ويسعد عند لقاء الأحبة بعد طول غياب. فتكريم الدكتور جعفر يرمز في معناه العريض تكريما وإجلالا لكل طبيب محترم يعرف قدر نفسه وقدر مهنته ولكل المهن الطبية الشريفة التي كادت تعصف بها الرياح وتحصدها كحصاد الهشيم. دارت بي الأيام إلي الوراء تعيد الذكريات الجميلة لأيام خلت قضيناها نحن الأطباء الجدد نتعثر نتحسس خطانا علي عتبات التدريب الطبي السريري بعد سنوات الدراسة المضنية في معية وإشراف أطباء سودانيين أكفاء ومحترم بن من ضمنهم كان الأخ الأكبر والمعلم د. جعفر بن عوف حفظه الله وأبقاه وزاده من فضله
كان في السودان عمومه للطب والأطباء وحتي المستشفيات في ذلك الزمن مكانة مرموقة ونظام وخدمات راقية لا تقل عن مثلها في أي مستشفي عالمي آخر. العلاج متوفر للجميع في أي ساعة من الزمان والمكان وبالمجان. المستشفيات نظيفة ذات حدائق وأشجار تزيدها بهجة ولها إدارات ونظم و مواعيد عمل ومناوبات وانضباط في مرور الأخصائيين علي عنابر المرضي مرتين في اليوم (صباحا ومساءا) ومواعيد معينة للعيادات المحولة والمتابعة ومواعيد ليزور فيها الناس مرضاهم. كنت كغيري محظوظاً في تلقي تدريب الإمتياز علي يد أطباء مرموقين من جامعة الخرطوم ووزارة الصحة. يطيب لي أن أخص بالذكر في هذه السانحة وبإختصار تلك الفترة الرائعة التي قضيتها بقسم الأطفال في مستشفي الخرطوم
كانت شعبة الأطفال أنذاك تنقسم إلي إدارتين إحداهما في المبني الرئيسي داخل مستشفي الخرطوم برئاسة البروفيسور محمد ابراهيم عمر رئيس قسم الأطفال بجامعة الخرطوم والدكتور المرحوم محمود محمد حسن كبير أطباء الأطفال بوزارة الصحة عندما كانت للوزارة قيمة محلية وعالمية ومسؤولية تؤديها بكل جدارة. الإدارة الثانية كانت تضم عنبر سي خمسة عشر( C15) وحوادث الأطفال تحت إشراف دكتور جعفر بن عوف. كان يوجد كادر مهول من نواب أخصائيي الأطفال (جامعة ووزارة صحة) أتذكر منهم علي سبيل المثال الدكاترة الأفاضل مصطفي عبدالله صالح وعطيات مصطفي والناجي عبدالله وعطيات محمد الحسن والتهامي وسوار ومبيوع عليه رحمة الله وحيدر الحلفاوي وآخرين ومن الأطباء العموميين د ساتي والنجومي وعبدالحي الزبير الطاهر وأطباء الإمتياز صلاح التيجاني فرح وإبراهيم قمر الدولة وكميل شمعون وحليمة سليمان فضيل وعبدالله سبيل وشخصي الضعيف وأخرين للأسف فقدت الذاكرة أسماءهم. كل هؤلاء كانت تلتقي مجتمعة أوتار معزوفاتهم الرقيقة بهارمونية وصفاء تعزف لحناً طروباً جميلاً سعدت به أجيال من الأطفال وأمهاتهم وأبائهم بل الآلاف من الأسر السودانية التي كانت تهرع إلي مستشفي حوادث الأطفال فتجد فيه الترحاب والسكينة والطمأنينة وحسن المعاملة التي تضمد جراحهم وتهديء من روعهم ومن ثم يعودون إلي إهلهم وبلادهم مسرورين من بعد الشفاء. كل ذلك كان علاجاً كاملاً بالمجان
جعفر بن عوف الذي عرفته كان دايناميك كالدينمو المحرك لشبكة كهربائية كبري تغذي قطراً كاملاً من غير إنقطاع أو توقف. أشبهه كذلك لتميزه بتلك القوة التي كان يختص بها وصاحبته يمارس بها نشاطه البناء في صمت ونكران ذات مشهود ومقدر وصدق فيه القول "الكريم لا يتحدث بكرمه". ولأنني عاصرته أشهد وأوثق للتاريخ أن كل تطورات تأسيس و توسيع وتأهيل مستشفي حوادث الأطفال بالكادر الطبي المميز والأجهزة الطبية الحديثة جاءت علي يد واحدة هي يد الدكتور جعفر بن عوف الذي كان يشتري الحديد والأسمنت من سوق السجانة ويصعد بنفسه السقالات صباح مساء ليشرف بنفسه مع العمال علي سير البناء وكان يجمع التبرعات وكنا نحن الأطباء نشارك في ذلك المجهود الخيري والدكتور صلاح التيجاني (الآن إستشاري الأطفال بالمملكة العربية السعودية) خير من يتذكر أو يسهم في شرح تفاصيل تلك النشاطات ، وأتذكر أننا كثيرا ما كنا نشهد وزير الصحة آنذاك خالد حسن عباس الذي يأتي بنفسه في الهجير ويصعد السقالات مع د جعفر ليتابع سير البناء وهكذا تم المشروع الجبار بهمة الرجل الطبيب الإنسان جعفر بن عوف سليمان فقد كان صادق الإيمان والعزم علي ترسيخ قواعد رسالته السامية في طب الأطفال وتتويجها بإنشاء مستشفي حوادث مخصص لخدمة أطفال السودان ، فكرة جداً ممتازة تحتذى وإنسانية بحتة ولدت ونفذت من عقل فذ سبق زمانه في التفكير والعمل والتنفيذ فأحكم وأجاد. ألا درك الله يا جعفر الصادق الزاهد وسيبقي فضلك المرسوم علي جباه كل أطفال السودان وعملك الصادق وخيرك وتعليمك للأطباء وصبرك الجميل علي إبتلاءات الدهر ذخراً وزاداً ينفعك في دنياك وأخراك وسيبقي إسمك علماً أخضراً جميلا ً يرفرف خفاقا إلي الأبد في سمواتنا العريضة فهنيئا لك بالتكريم وهنيئا للذين كرموك من الزملاء الأطباء وغيرهم الذين خصهم الله بهذه الفرصة الذهبية فقد فازوا ولهم منا كل الشكر ولك من الله موفور الصحة والعافية ونعماء الدنيا والآخرة ففضلك علينا لكبير لا ينسي ولك وجيلك الموقر ألف تحية وألف سلام وإحترام وستبقي أنت دوماً في مخيلتنا ذهباً لا يصدأ
المخلص
د عبدالمنعم عبد المحمود العربي
darabdelmoneim@yahoo.com