بقلم : د. سرى العبيدي ..
سفيرة الجمال والطفولة والثقافة العالمية ..

إن رسالة الانبياء الكبرى ودعوتهم الجامعة هي (( الدين)) فهم جميعا بعثوا ليبشروا به دينا واحدا هو دين الإسلام ، دين الخضوع والاستسلام لأمر الله ، دين الهداية والانقاذ للبشرية مع تفاوت في درجات التبليغ ، واختلاف في منهج التعبد والبناء الاجتماعي ، ومع هذا التفاوت في الرسالات ، والدعوات الإلهية فإن معالمها الرئيسية جميعا تتركز في الرسالة الشاملة لهذا الدين ، رسالة محمد صل الله عليه وآله وسلم {١}.


بشارة الإنجيل بمجيء رسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم ، على الرغم من التحريف الذي تحمله الأناجيل المتداولة ، فإن ما وصل منها بأيدينا لازال يحمل البشارة برسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم ، ومع ذلك فإن المترجمون للأناجيل حاولوا أن يحرفوا ذلك أيضا كما سيتضح بما جاء في انجيل يوحنا :
( إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وانا اطلب من الأب فيعطيكم {بار قليط} معزيا آخر يمكث معكم إلى الأبد……){٢} .
( وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب بأسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم){٢}.
( لا اتكلم معكم كثيرا لأن رئيس هذا العالم يأتي ، وليس له في شيء ){٢} .
( ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا أليكم {٣} من الأب روح الحق الذي من عند الاب ينبثق فهو يشهد لي ….) {٤}
( لكني أقول الحق ، أنه خير لكم أن أنطلق ، لانه إن لم ينطلق لا يأتيكم المعزي ، ولكن أن ذهبت أرسله لكم ، ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة ، أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي ، وأما على بر فلأني ذاهب الى ربي ولا تروني أيضا ، واما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين .
إن لي أمورا كثيرا لاقول لكم ، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الان ، وأما متى جاء ذلك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق ، لانه لا يتكلم من نفسه ، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ، ذلك يمجدني لانه يأخذ مما لي ويخبركم ….) {٥} .
والتأمل في هذه النصوص نجد أنها تشير إلى :
ان المسيح ع يوصي ويبشر بمجيء معز بعده ، وان مجيئه مشروط بذهابه ، وأنه مرسل من قبل الله ، وأنه يعلم كل شيء ، وأنه يذكر بما قاله المسيح ع ، وأنه يشهد للمسيح ع ، وان العالم سيتبع دينه ، وأنه لا يتكلم من نفسه بل يتكلم بما يسمع ، وأنه يخبر بأمور آتية ، وأنه يمجد المسيح ع ، وأنه يبقى معهم إلى الأبد …

واذا راجعت صفات رسول الله صل الله عليه وآله وسلم فنجد هذه تنطبق عليه تماما ، فإنه يحمل القرآن الذي هو ( تبيان لكل شيء) ، ويخبر عن أمور آتية وقعت بعد نزوله ، وأنه يشهد للمسيح ع بالنبوة والرسالة ، ويمجد المسيح ع وهو لايتحدث من نفسه بل بما يوحى إليه :
( وماينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) {النجم /٣-٤} .
وقد انتشر دينه في العالم ، وقرآنه حي خالد إلى الأبد ، ويزداد يقينا أكثر إذا علمنا أن كلمة المعزي هي ترجمة محرفة لكلمة ( بير يكليتوس) اليونانية التي كتب بها انجيل يوحنا منذ البداية ، وهي تعني في ترجمتها الدقيقة ( احمد) ، وقد حرفت الكلمة في الأناجيل عند ترجمتها إلى ( باريكليتوس) والتي تعني المعزي .
وذلك ينطبق حرفيا مع ما أثبته القران من كلام المسيح ع إلى بني إسرائيل :
( وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله ٱليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد ….) {الصف/٦} .

كما أننا لم نجد في التاريخ ورود معارضة من قبل نصارى صدر الاسلام عند نزول القران وإخباره بأن التوراة والإنجيل قد بشرتا برسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم ، ولكن نقلت وقائع تأريخية عن نقاش اليهود والنصارى فيما إذا كان الرسول الموعود هو هذا أم غيره ، مما يؤكد أن البشارة الواردة هي بشارة برسول إنسان يرسل من قبل الله تعالى ، وقد دخل الاسلام كثير من اليهود والنصارى بسبب تلك البشارة المثبتة في كتبهم .

{١} الطبرسي – مجمع البيان في تفسير القرآن- تفسير سورة البقرة ج١
{٢} يوحنا – الاصحاح -١٤- سطر ١٥
{٢} نفس المصدر – سطر ٢٥
{٢} نفس المصدر – سطر ٣١
{٣} على الرغم من هذا التحريف والتشويه في العبارات فإن النصوص تشير لدالى حقيقة أساسية وهي بعثة النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم بعد المسيح .
{٤} يوحنا – الاصحاح ١٥- سطر ٢٦ .
{٥} يوحنا – الاصحاح ١٦- سطر ٦-١٥ .
——————————-تم نشر المقال في صحيفة الشرق الأوسط صحيفة برافدا الروسية—-

سرى العبيدي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات المسیح ع

إقرأ أيضاً:

الحب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في حياته

نتحدث في هذه الدراسة عن الجانب العاطفي في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو جانب لم ينل ما يستحقه من الإهتمام على الرغم من كثرة ماكتب عنه ربما لظن البعض أنه جانب يتسم بالخصوصية الشخصية، أو أنه موضوع ثانوي لا يستحق التعمق فيه بالتحليل، أو أن البعض كان يتحرج من الإقتراب من هذا الجانب العاطفي خشية أن ينتقص بذلك من مقام النبوة أو هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم ووقاره، وربما نزيد في هذه الدراسة باستخدام منهج القرءاة النفسية للحدث التاريخي لمزيد من الإستكشاف لمواطن العظمة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن المعروف أن الأنبياء والرسل هم نماذج رفيعة وراقية للسلوك البشري السوي في أعلى مستوياته ولذلك حين نتأمل أي جانب من جوانب حياتهم فنحن نحاول الإقتراب من قمة السلوك في هذا الجانب بما يعطي دفعة لتحسين السلوك عند سائر الناس خاصة المؤمنين منهم بهؤلاء الرسل أو حتى غير المؤمنين الذين يرونهم مجرد نماذج إنسانية رفيعة. والناس يتحسن سلوكهم حين يتمثلون شخصيات الرسل والقادة والمصلحين، وهذا ما يسمى في علم النفس "التعلم بالنمذجة" (أي القدوة).

وقد تميز كل نبي أو رسول بقمة من القمم فمثلا تميز سيدنا أيوب بقمة الصبر فأصبح قبلة للصابرين، وتميز سيدنا يوسف بقمة التعفف وضبط النفس أمام الشهوات وقمة التعامل مع الأزمات وقمة الإدارة الرشيدة للموارد وقمة التسامح مع المسيئين فكان قبلة لكل من يهفو إلى الإرتقاء نحو هذه المعالي، وتميز سيدنا سليمان بالتعامل مع الملك العظيم بزهد وعدالة فكان منارة للملوك في إدارتهم للملك، وتميز السيد المسيح بالزهد في مباهج الحياة وتميز بالمحبة والتسامح والنزوع نحو السلام فكان نبراسا لكل الزاهدين والمتسامحين والمحبين والساعين نحو السلام، ثم كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء فمنحه الله تعالى كل جوانب العظمة الممكنة في الكيان البشري فكان نبيا ورسولا وقائدا عسكريا وزوجا وصديقا ومصلحا ومعلما ومربيا ورفيقا وصانعا للحضارة ووصل في كل الجوانب إلى قمتها، ونحن الآن نقترب من أحد هذه الجوانب وهو الجانب الرومانسي (العاطفي) في حياته.

وفي اللغة العربية مايزيد على عشرون اسما للحب تمثل مراحل وحالات الحب عند العرب، وهذه حالة من الثراء لا نجدها في لغات أخرى كثيرة. وفي اللغة الإنجليزية نجد ثلاث مستويات للحب هي الشعور بالحب (Feeling love)، وممارسة الحب بمعنى الجنس (Making love)، وأخيرا الحياة بالحب (Living love )، والمرحلة الأخيرة حياة الحب أو الحياة بالحب تقابل الحب الرومانسي، أي أن العاشقان أو الزوجان يعيشان تفاصيل الحب في حياتهما اليومية وكأن حياتهما اصطبغت بالحب وتشبعت به في كل لحظاتها.

وقد شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون للمرأة مساحة كبيرة في حياة الأنبياء والرسل على وجه الخصوص فنرى أهمية حواء في حياة آدم ونرى أهمية السيدة ساره والسيدة هاجر في حياة سيدنا إبراهيم، ونرى أهمية المرأة في حياة سيدنا موسى ممثلة في أمه وأخته وزوجة فرعون التي ربته ثم زوجته ابنة النبي شعيب، ونعلم جميعا أهمية السيدة مريم للسيد المسيح.

وإذا جئنا لمحمد عليه الصلاة والسلام نعرف أنه لم ير أباه، وعاش مع أمه فترات قصيرة في بواكير طفولته، وأخذته مرضعته حليمة السعدية، وحين عاد لأمه تركته وهو ابن الرابعة أو الخامسة فاحتضنته أم أيمن مربيته تحت رعاية جده عبد المطلب ثم تحت رعاية عمه أبو طالب، وحين كبر كانت السيدة خديجة أهم سند له ثم جاءت زوجاته الأخريات بعد ذلك، ليكون للمرأة دورا محوريا في حياته يفوق أدوار كثير من الرجال، ومن هنا كانت المرأة تحتل مكانة مركزية في وعيه عليه الصلاة والسلام لكونها إنسانة كرمها الله، ولكونها امرأة راعية للحياة وواهبة لها بإذن ربها، ولهذا نراه يقول: "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة "، فوضع المرأة بين محبوب جميل وهو الطيب (العطر) ومحبوب مقدس هو الصلاة، وهذه مكانة لم تصلها في الوعي البشري قبل ذلك. وقد جعل معيار الخيرية للرجل مرتبطا بكيفية تعامله مع زوجته وأهل بيته: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي وابن ماجه).

ويجعل معاملتهن معيارا للكرم أو اللؤم عند الرجال "لايكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم"، ويعلن بأن من رزق ثلاث بنات فأحسن تربيتهن ورعايتهن دخل الجنة. وقد كان هذا الموقف من المرأة طفرة هائلة في بيئة بدوية صحراوية جافة وفي مجتمع ذكوري إلى حد التعصب، مجتمعا كان يعتبر إنجاب الأنثى عارا يستلزم وأد البنت وهي صغيرة، إذن هذه هي القاعدة من التقدير والإحترام للمرأة بوجه عام والتي سينطلق منها سلوكه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ليتعلم كل الرجال على مر التاريخ الإنساني كيف يتعاملون مع المرأة.

مقالات مشابهة

  • صاروخ المولد
  • تربويات وثقافيات لـ ” الثورة  “: الاحتفاء بالمولد النبوي تجديد الولاء لرسول الله
  • حكم دفع الرشوة لقضاء المصالح.. الإفتاء تجيب
  • في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلّم.. لا قُدّسَت أمةٌ لا يأخذُ الضّعيف فيها حقّه غير مُتعْتَع
  • الحب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في حياته
  • ما حكم التوسل بالنبي؟.. «الإفتاء» تستشهد بأدلة من القرآن والسنة
  • فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم
  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • دلائل مولد الرسول يوم الإثنين من عام الفيل من السنة