شيخ الأزهر يطالب بالتضامن مع غزة انطلاقا من صلة الدم والرحم والمصير المشترك
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
طالب الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر تجديد وعي الأمة بذاتها وتاريخها العريق المشرف، وقدراتها المادية والروحية، وطاقاتها الخلاقة، وأن تكون على يقين من أنها تملك دواءها إن أرادت، وأن تكون على ذكر دائم من قوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.
كما طالب أن تبذل قصارى الجهد للتضامن مع أطفال غزة ونسائها وشبابها وشيوخها، ومع شعوبنا في السودان واليمن وغيرها، وأن نعلم أن ذلك ليس منة يمن بها على هذه الشعوب المعذبة في الأرض، وإنما هو واجب القرابة في الدين، وصلة الدم والرحم والمصير المشترك".
رسالة خاتمة للرسالات الإلهية
أوضح شيخ الأزهر خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، الذى نظمته وزارة الأوقاف بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أن المطابقة بين أخلاق القرآن الكريم وأخلاقه ﷺ هي السر في اختصاص نبي الإسلام برسالة تختلف عن الرسالات السابقة، حيث جاءت رسالة خاتمة للرسالات الإلهية، ورسالة عامة تتسع للعالمين جميعا: إنسا وجنا، وزمانا ومكانا؛ بينما جاءت الرسالات السابقة رسالات محدودة بأقوام بعينهم وفي زمان معين ومكان محدد لا تتجاوزه لمكان آخر.
وبين فضيلته أن أخلاق محمد ﷺ وإن تنوعت عددا ومنزلة وعلو درجة وكمال شأن، حتى وصف بالإنسان الكامل - فإن صفة من صفاته هذه قد انفردت بالذكر في القرآن الكريم، وهي: صفة «الرحمة» التي وصف بها ﷺ في قوله تعالى في آواخر سورة التوبة، في معرض الامتنان الإلهي على المؤمنين، حيث بعث فيهم رسولا منهم، وصفه بأنه حريص على هدايتهم، وأنه «رؤوف رحيم» بهم، ثم ذكرت صفة «الرحمة» مرة ثانية في قوله تعالى في آواخر سورة الأنبياء: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وجاءت بأسلوب القصر الذي يدل على أن هذا الرسول اتحد ذاتا وأفعالا بصفة: «الرحمة» حتى صارت سجية راسخة متمكنة في مشاعره، ومتغلغلة في أطوائه، ومسيطرة على تصرفاته.
وتابع شيخ الأزهر أنه ﷺ قد أكد اتصافه بالرحمة بقوله في سنته الشريفة: «إنما أنا رحمة مهداة»، وطبقه في كل تصرفاته مع البشر ومع جميع الكائنات والمخلوقات، وكان ينزع في كل تصرف من تصرفاته من معين هذه الرحمة التي فطره الله عليها، وألان بها قلبه، وكان ذلك من أقوى أسباب دخول المشركين في الإسلام: "فبما رحمة من الله لنت لهم.."، بل إنه كان رحمة للناس حتى في مواطن الحروب والاقتتال والصراعات المسلحة بين الأمم والشعوب.
وأشار فضيلته إلى أن أول ما يطالعنا من تجليات الرحمة النبوية في مواطن الحروب والاقتتال هو: أن القتال في شريعة الإسلام لا يباح للمسلمين إلا إذا كان لرد عدوان على حياتهم أو دينهم أو أرضهم أو عرضهم أو مالهم، أو غير ذلك مما يدخل تحت معنى: «العدوان» بمفهومه الواسع، أما القتال نفسه، أو حرب العدو، أو: الصراع المسلح، فله في شريعة الإسلام خطر وأي خطر، وله قواعد وضوابط وتشريعات شرعها الله تعالى!، وطبقها رسوله ﷺ تطبيقا عمليا وهو يقود بنفسه جيوش المسلمين في معاركهم مع أعدائهم، وأمر أمته بالتقيد بها كلما اضطرتهم ظروفهم وألجأتهم إلى مواجهة عدوهم..
وأوضح شيخ الأزهر أن أول ما يلفت النظر من قواعد الاقتتال لرد العدوان في الشريعة الإسلامية: قاعدة «العدل»، وهي قاعدة كلية بعيدة الغور في شريعة الإسلام، أمر الله بالالتزام بها في معاملة الصديق والعدو على السواء: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، ثم إن قاعدة العدل هذه تستدعي قاعدة ثانية تلازمها ولا تفارقها في أي تطبيق، وهي قاعدة: «المعاملة بالمثل» والتي تعني أول ما تعني حرمة تجاوز حدود العدل إلى حدود الظلم والعدوان على الغير، يتبين ذلك من قوله تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".
وتابع فضيلته أن من قواعد الإسلام العامة في القتال التزام مبدأ «الفضيلة» ومبدأ «الإحسان» الذي كتبه الله على كل شيء سواء تعلق هذا الشيء بالإنسان أو بالحيوان، وقد ترجم أمراء المسلمين وقادة جيوشهم، مبدأ «الفضيلة» هذا إلى لوحة شرف في قوانين الحروب، لا يعرف التاريخ لها نظيرا في غير معارك المسلمين، وها هو الخليفة الأول، أبو بكر "رضي الله عنه" يودع قائد جيشه إلى الشام ويقول له: «أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تهدموا بيعة- أي: كنيسة أو معبدا.."
وأضاف شيخ الأزهر أن صورة القتال في الإسلام لا تكتمل بدون الإلمام بصورة «الأسرى» في الحروب الإسلامية، لافتا إلى أن فقه «الأسير» في الإسلام يدور على أمرين لا ثالث لهما، حددهما القرآن الكريم في قوله تعالى: "فإما منا بعد وإما فداء"، والمن على الأسير هو إطلاق سراحه وتحريره بغير عوض ولا فدية، أما فداؤه فهو تحريره وإطلاق سراحه مقابل فدية يدفعها هو أو تدفع له، مبينا أن الأسير الذي يأسره المسلمون من جيش العدو يحرم على المسلمين قتله، كما تدل الأحكام الفقهية على وجوب إطعام الأسير، ووجوب الإحسان في معاملته، وحمايته من الحر والبرد، وتوفير ما يكفيه من كسوة وملابس، وإزالة كل ما يصيبهم من ضرر، ووجوب «احترام مراكزهم وكرامتهم الشخصية حسب مكانة كل فرد منهم»، مستلهمين في ذلك إلى دعوته ﷺ للرفق بالناس في قوله: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» وقوله: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأزهر شيخ الأزهر الإمام الأكبر ذكرى المولد النبوي قصارى الجهد أطفال غزة شیخ الأزهر قوله تعالى فی قوله
إقرأ أيضاً:
أيمن الحجار: المرأة كان لها دور في تعليم الناس خلال عهد الصحابة
أكد الدكتور أيمن الحجار، الباحث بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الإسلام قد أكرم المرأة وأعطاها مكانة عظيمة في مختلف مراحل حياتها، مؤكدا أن بعض المشككين في السُنَّة النبوية يحاولون ترويج بعض الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة التي تشوه صورة المرأة وتقلل من دورها في المجتمع، مثل الحديث الموضوع الذي يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل".
وقال الباحث بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، خلال تصريح اليوم الاثنين: "هذا الحديث يزعم أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، هو حديث موضوع، وقد حكم عليه عدد من العلماء بالضعف والكذب. فقد أخرجه الإمام البيهقي والإمام الحاكم، وفيه راوٍ ضعيف قد حكم عليه العلماء بالكذب، وبالتالي لا يصح الاستدلال به على أي حال من الأحوال".
وأضاف: "البعض يسعى إلى نشر هذه الروايات لخلق موقف سلبي ضد السُنَّة النبوية، ولإيهام الناس بأن الإسلام ينقص من حقوق المرأة، وهو أمر غير صحيح تمامًا."
ثم تحدث عن موقف السيدة عائشة رضي الله عنها، التي كانت تعلم النساء، وقال: "السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تُعلم النساء الدين، وكان النساء في عصر الصحابة يتعلمون ويشاركون في تعليم القرآن وتفسيره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُخصص لهن يوما لتعليمهن أمور الدين، كما كان يعلمه لرجاله."
وأوضح: "الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أن التعلم من القرآن ليس مقتصرًا على الرجال فقط، بل يشمل النساء أيضًا، وهذا يتضح من قوله تعالى: 'اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ'، وهو أول أمر إلهي، ولم يقل أحد من العلماء أن هذا الأمر خاص بالرجال فقط، بل يشمل النساء أيضًا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصص لهن يوما خاصًا للتعليم، لا يعني ذلك منعهن من التعلم في باقي الأيام."
وأكد على أن الإسلام لم يُفرق بين الرجل والمرأة في حق التعلم، وأن هناك الكثير من النصوص التي تبرز دور النساء في العلم والتوجيه في عصر الصحابة، مشيرا إلى أنه من خلال مواقف عديدة، كانت النساء في عهد الصحابة الكرام يشاركن بفعالية في تعليم وتوجيه المجتمع.
وختم: "من خلال هذه الحقائق، يتضح أن الإسلام أعطى المرأة مكانتها في التعليم والعمل، وحث على رفع مكانتها في كل مجالات الحياة، وما تروج له بعض التيارات المتشددة من تفسيرات خاطئة، هو محاولة لتشويه هذه الصورة النبيلة التي كفلها الإسلام للمرأة".