عربي21:
2024-11-21@15:20:26 GMT

ذاكرتنا التاريخية تقول: حطين مرة أخرى..

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

يقولون إن العظمة التي صاحبت سيرة صلاح الدين جاءت من عظمة القرار الذي اتخذه وقتها، وهو قرار مواجهة الصليبيين وهم في أوج مجدهم، بعد أن بلغوا من القوة واتساع النفوذ درجة هددت العراق والشام ومصر بل والحجاز والحرمين.. وحين قرر المواجهة كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكّن لنفسه في الشرق تمكينا تاما.

لقد قرر الرجل تحدي ملوك إنجلترا وفرنسا وألمانيا ومعهم البابوية ذات النفوذ الواسع في غرب أوروبا في هذا الوقت.

. وقام الرجل وقرر جمع الأمة من "الفرات إلى النيل" في قوة واحدة شعارها "الجهاد" وهدفها تطهير البلاد من الصليبيين..

* * *

في أحد الكتب المهمة التي تناولت سيرة الرجل وهو كتاب "الناصر صلاح الدين" الذي كتبه د. سعيد عبد الفتاح عاشور (ت: 2009م) أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية رحمه الله.. سيلفت نظرنا شيء بالغ الأهمية، سنجد الكاتب يستخدم عبارة "وشاءت الظروف" مرات عديدة، وهو يتحدث عن تلك الفترة المدهشة والتي بدأت بمجيء صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر سنة 1168م.. وحتى نجاحه في جمع مصر والشام في دولة واحدة لتحقيق رسالته وتحرير بيت المقدس عام 1187م..

في كل المراحل الهامة التي صاحبت صلاح الدين في هذه الرحلة العظيمة كانت تحدث أشياء لم يجد لها الكاتب تفسيرا إلا بقوله "وشاءت الظروف"..

والمقصود طبعا هو "القدر" الذي قدّره الله، ولا نعلم من أسراره شيئا، إلا بما يأذن به الله ويشاء.. وقال لنا الفاروق حول معناه جملته الشهيرة حين سمع سورة الأعراف (الآية 54) والتي تتحدث عن قدرة الله المطلقة في إبداع الخلق، ومشيئته سبحانه، وتنتهي بقوله تعالى: ".. ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين".. قال رضي الله عنه بعد سماعها: "من بقي له شيء فليأخذه"!..

رضي الله عنه، كانت له بصيرة تنفذ إلى "قلب الأشياء".

* * *

لكننا سندعو لـصلاح الدين كما دعا له صديقه المقرب القاضي والفقيه والمؤرخ بهاء الدين بن شداد (ت: 1235م): "اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك، فارحمه".

وهي نفس الكلمات التي نسمعها في التسجيلات التي يرسلها لنا "فتية الأنفاق" الذين أذلوا أحفاد اللنبي/ بلفور/ روتشيلد في بريطانيا وأمريكا و"قفازهم القذر" الذي يضربوننا به من سبعين سنة.

* * *

هذا التاريخ لم يمض، ولم ينته، إذ لم تنته آثاره ومفاعيله، فكيف نغلقه؟

ما سيحدث فقط، هو أننا سنتعامل معه بطريقة مؤسس المدرسة الألمانية في علم التاريخ، يوهان هيردر (ت: 1903م) وسيكون هذا التاريخ حيا بروحه الكامنة بيننا: "التاريخ ليس مجرد المجرى الخارجي للأحداث، ومن يسعى لرؤية روحه، هو وحده الذي يستطيع اكتشاف الروح الكامنة وراء أقنعة هذه الأحداث"..

وطبقا لهذه "الروح الكامنة" سنكتشف أن حروب الغرب على "عالم الإسلام" من القرن الـ12 ميلادي فيما عرف بالحروب الصليبية، لم تنته..!! اللورد اللنبي فقط هو من قال ذلك، حين دخل القدس سنة 1917م: "الآن انتهت الحروب الصليبية"! لكن المرابطين في الأنفاق والكمائن، والصامدين من "أهل الأنوار" في الملاجئ والخيام كان لهم رأى آخر.

* * *

د. إيال زيسر (64 سنة)، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، سيكتب لنا في جريدة "يسرائيل هيوم" يوم الجمعة الماضي (13 أيلول/ سبتمبر): في حرب 1967، واجه الجيش قوات عسكرية أكبر كثيرا من قوات حماس، لكنه احتل غزة خلال يوم ونصف، وحسم المعركة بسرعة، كما احتل معها سيناء برمتها، والضفة والجولان. أما اليوم، فالجيش عاجز عن احتلال غزة"..

لو قالها غيرك يا د. زيسر!

ألا تعرف الفارق الهائل المهول بين كتائب "عز الدين القسام" التي تقاتل الآن و"كتائب ناصر/ عامر" التي لم تقاتل في 5 حزيران/ يونيو 1967م؟..

كتائب عز الدين القسام هي بنت "الذاكرة التاريخية" لحضارة عالم الإسلام.. وكتائب ناصر/ عامر حالة هجينة ممسوخة، لا صلة لها لا بالذاكرة ولا بالتاريخ ولا بالإسلام.. وكذلك كان الحال أيضا في سوريا والأردن.. والموضوع يطول شرحه..

* * *

ما يجري في الأرض المباركة وحولها من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، هو في حفظ الله وصونه ورعايته ومعيته ونصرته وتوفيقه وعطائه وفضله وكرمه.

هو سبحانه وتعالى يسمع ويرى، وبذلك طمأن خائفين (موسى وهارون) حين قال لهما في سورة طه "لا تخافا، إنني معكما أسمع وأرى".

وهي بالطبع لكل من يؤمن بأن الله هو الواحد القهار الفعال لما يريد، وأن إرادته سبحانه وتعالى علوا كبيرا لن تكون، إلا فيما يريد له أن يكون.

* * *

حين قرر صلاح الدين المواجهة الكبرى التي قررها وكان يشعر في أعماقه أنه "مختار" لها كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكن لنفسه في الشرق تمكينا تاما، وأيقن بأن تلك المواجهة لا بد أن تبدأ من هنا.. مصر.. العمق الاستراتيجي للعروبة والإسلام؛ سيأتي كل آت إلى الشرق وهو يعلم هذه الحتمية التاريخية والجغرافية، فقرر أن يبدأ العمل في هدوء؛ أولا: لا بد من عودة مصر إلى حضن الأمة (الخلافة العباسية) لأن الحرب القائمة ليست حربا إقليميه محدودة، وثانيا: لكي يتم ذلك لا بد من اتحاد جهود الأمراء والعلماء.. وقد كان.. ولولا أنه كان على ما كان عليه ما استطاع أن يقوم بما قام.. كيف كان؟

كان فقيها وأديبا ودرس الحديث في دمشق ومصر والقدس وكانَ يحفظ ديوان الحماسة للشاعر الشهير أبي تمام، وتروى سيرته كما كتبها لنا بن شداد: أنه كان خاشع القلب غزير الدمع، مرتلا وسامعا للقرآن، لا يصلي إلا في جماعة، وكان حريصا على قيام الليل متهجدا متبتلا، داعيا ربه.

الواقع أكبر من الكلمات.. نعم.. لكن ستظل "ذاكرتنا التاريخية" هي النقطة الأقوى التي سننطلق منها.. ولعل تلك الرسالة من أوضح وأبهى رسائل "طوفان الأقصى"، بعد أن حاولوا كثيرا أن يُنشؤا الأجيال على أن هذه الذاكرة، هي العبء الذي يجب علينا أن نطرحه جانبا حتى نتقدم..

وكما يقول لنا أستاذنا وأستاذ كل الأجيال د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله: معرفة تاريخنا من أنجع الطرق التي يتوسل بها الإنسان ليحدد علاقته مع الماضي، وليعرف هٌويته، وليتحرر من قضية الحاضر، وليعرف حدود ما هو ممكن وما هو مستحيل.

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صلاح الدين التاريخ مصر مصر فلسطين تاريخ صلاح الدين مسلمين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

الخلفية التاريخية ومتلازمةُ الولاء الخاطئ

د. شعفل علي عمير

تُعَدُّ الخلفيةُ التاريخيةُ من أهم العوامل الرئيسية في هذه المتلازمة؛ فالحقب الزمنية المتتالية -بما تحمله من أفكار ومعتقدات- ترسم في ذهنية الإنسان خطوط ومسارات حياته بكل ما تضمنته حياته من جوانب نفسية واقتصادية واجتماعية، كما تؤثر تلك الخلفية التاريخية على الجانب الروحي والفكري وبشكل عميق، وبهذا قد يكون من الصعوبة بمكان تغيير بعض القناعات لدى البعض على الأقل في المَدَيات القصيرة، والمتأمل لمُجريات الزمن وأحداثها يجد أن تأثير الماضي هو من يصنع أحداث الحاضر، من أبرزها جانب الولاء والعداء، إنها متلازمة العُقد والغباء بما أفرزته من ولاء وعِداء يتناقض مع الدين والمنطق وَأَيْـضًا مع المصلحة إذَا كان المبرّر للولاء هو لمصلحة الأُمَّــة.

ولكن هناك أحداث ومواقف كبيرة قد تعصف بهذه المتلازمة فتخرج الإنسان من دائرتها المغلقة، لا سيما إذَا ما كانت تلك الأحداث بالحجم والتأثير الذي يطغى على كُـلّ تلك القناعات التي رسَّختها الخلفية التاريخية وجعلت منها ثابتًا من الثواب التي يؤمن بها الإنسان.

هول وحجم الأحداث قد تختصر الزمن وتوفر كَثيرًا من الوقت والجُهد لإيجاد وعي مجتمعي، كما أنها تكسر الحواجز الفكرية والنفسية لبوابة هذه المتلازمة المعقدة، ولعل غزة كانت هي الشفرة التي اخترقت هذه المتلازمة؛ فكان لها الفضل بعد الله “سبحانه وتعالى” في إيجاد ثورة من الوعي الجمعي ونهضة فكرية ومراجعة للقناعات لدى السواد الأعظم من أمتنا الإسلامية.

إن مشاهدة ما يحدث من جرائم الإبادة بحق إخوة لنا في الدين والعروبة كانت إحدى الموجّهات الفكرية وأهمَّ سببٍ لتغيير القناعات ومراجعة للولاءات والرجوع للتوجيهات الإلهية في كتابه الكريم القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء، بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}.

تلك الجرائم بحِدّتها وبشاعتها أصبحت المحك الذي يجب على الإنسان أن يقيِّمَ نفسَه من خِلالها ليعرفَ أيَّهما أولى وأكبر أهميّةً: انتماؤه للدين أم انتماؤه للحزب؛ ليعرف موقعَه من الحق من خلال موقفهِ من الباطل في زمن أصبح الحق والباطل كالنور والظلام، لم يعد هناك شك أَو لبس في معرفة أهل الحق من أهل الباطل، كما لم يعد هناك وقت للترف الفكري وفلسفة الواقع وهندسة المبرّرات، كُـلّ شيء أضحى جليًّا، أصبح الإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون مع الحق أَو يكون مع الباطل.

ليس هناك محايد بعد كُـلّ ما تجلى مِن الحقائق التي لا ينكرها أحد، حقائق أجمع عليها المؤمن والكافر، أجمع عليها القريب والبعيد، أجمعت عليها كُـلُّ الملل في هذه الأرض فاتقوا الله في أنفسكم؛ فمن لا زال يكابر ويضحّي بدينه مقابل انتمائه لحزبه، نقول له: تأمَّلْ قول الله “سُبحانَه وتعالى”: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أخذتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد} “فلا تأخذكم العزة بالإثم فتخسروا عزتكم في الدنيا وآخرتكم يوم القيامة.

مقالات مشابهة

  • صلاح الدين تنجز 98% من التعداد السكاني وتنبيه بشأن أفراد العائلة
  • الخلفية التاريخية ومتلازمةُ الولاء الخاطئ
  • لجنة التعداد السكاني في صلاح الدين تعلن نجاح اليوم الأول وتشيد بتعاون المواطنين
  • وزارة الثقافة تعقد ورشة "إعادة التفكير في التراث" بقلعة صلاح الدين الأيوبى
  • صلاح الدين.. أكثر من 5300 عداد يغطون عمليات التعداد السكاني
  • السفير صلاح حليمة: العلاقات المصرية الإفريقية متنامية وتضرب بجذورها عبر التاريخ
  • السفير صلاح حليمة: العلاقات المصرية الأفريقية متنامية وتضرب بجذورها في التاريخ
  • السفير صلاح حليمة: العلاقات المصرية الأفريقية متنامية وتضرب بجذورها عبر التاريخ
  • محافظ البحيرة تفاجئ جمعية صلاح الدين التعاونية الزراعية ببدر
  • اعتقال 4 مطلوبين وأجنبي مخالف لشروط الإقامة في صلاح الدين