عربي21:
2025-03-15@17:59:48 GMT

ذاكرتنا التاريخية تقول: حطين مرة أخرى..

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

يقولون إن العظمة التي صاحبت سيرة صلاح الدين جاءت من عظمة القرار الذي اتخذه وقتها، وهو قرار مواجهة الصليبيين وهم في أوج مجدهم، بعد أن بلغوا من القوة واتساع النفوذ درجة هددت العراق والشام ومصر بل والحجاز والحرمين.. وحين قرر المواجهة كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكّن لنفسه في الشرق تمكينا تاما.

لقد قرر الرجل تحدي ملوك إنجلترا وفرنسا وألمانيا ومعهم البابوية ذات النفوذ الواسع في غرب أوروبا في هذا الوقت.

. وقام الرجل وقرر جمع الأمة من "الفرات إلى النيل" في قوة واحدة شعارها "الجهاد" وهدفها تطهير البلاد من الصليبيين..

* * *

في أحد الكتب المهمة التي تناولت سيرة الرجل وهو كتاب "الناصر صلاح الدين" الذي كتبه د. سعيد عبد الفتاح عاشور (ت: 2009م) أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية رحمه الله.. سيلفت نظرنا شيء بالغ الأهمية، سنجد الكاتب يستخدم عبارة "وشاءت الظروف" مرات عديدة، وهو يتحدث عن تلك الفترة المدهشة والتي بدأت بمجيء صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر سنة 1168م.. وحتى نجاحه في جمع مصر والشام في دولة واحدة لتحقيق رسالته وتحرير بيت المقدس عام 1187م..

في كل المراحل الهامة التي صاحبت صلاح الدين في هذه الرحلة العظيمة كانت تحدث أشياء لم يجد لها الكاتب تفسيرا إلا بقوله "وشاءت الظروف"..

والمقصود طبعا هو "القدر" الذي قدّره الله، ولا نعلم من أسراره شيئا، إلا بما يأذن به الله ويشاء.. وقال لنا الفاروق حول معناه جملته الشهيرة حين سمع سورة الأعراف (الآية 54) والتي تتحدث عن قدرة الله المطلقة في إبداع الخلق، ومشيئته سبحانه، وتنتهي بقوله تعالى: ".. ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين".. قال رضي الله عنه بعد سماعها: "من بقي له شيء فليأخذه"!..

رضي الله عنه، كانت له بصيرة تنفذ إلى "قلب الأشياء".

* * *

لكننا سندعو لـصلاح الدين كما دعا له صديقه المقرب القاضي والفقيه والمؤرخ بهاء الدين بن شداد (ت: 1235م): "اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك، فارحمه".

وهي نفس الكلمات التي نسمعها في التسجيلات التي يرسلها لنا "فتية الأنفاق" الذين أذلوا أحفاد اللنبي/ بلفور/ روتشيلد في بريطانيا وأمريكا و"قفازهم القذر" الذي يضربوننا به من سبعين سنة.

* * *

هذا التاريخ لم يمض، ولم ينته، إذ لم تنته آثاره ومفاعيله، فكيف نغلقه؟

ما سيحدث فقط، هو أننا سنتعامل معه بطريقة مؤسس المدرسة الألمانية في علم التاريخ، يوهان هيردر (ت: 1903م) وسيكون هذا التاريخ حيا بروحه الكامنة بيننا: "التاريخ ليس مجرد المجرى الخارجي للأحداث، ومن يسعى لرؤية روحه، هو وحده الذي يستطيع اكتشاف الروح الكامنة وراء أقنعة هذه الأحداث"..

وطبقا لهذه "الروح الكامنة" سنكتشف أن حروب الغرب على "عالم الإسلام" من القرن الـ12 ميلادي فيما عرف بالحروب الصليبية، لم تنته..!! اللورد اللنبي فقط هو من قال ذلك، حين دخل القدس سنة 1917م: "الآن انتهت الحروب الصليبية"! لكن المرابطين في الأنفاق والكمائن، والصامدين من "أهل الأنوار" في الملاجئ والخيام كان لهم رأى آخر.

* * *

د. إيال زيسر (64 سنة)، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، سيكتب لنا في جريدة "يسرائيل هيوم" يوم الجمعة الماضي (13 أيلول/ سبتمبر): في حرب 1967، واجه الجيش قوات عسكرية أكبر كثيرا من قوات حماس، لكنه احتل غزة خلال يوم ونصف، وحسم المعركة بسرعة، كما احتل معها سيناء برمتها، والضفة والجولان. أما اليوم، فالجيش عاجز عن احتلال غزة"..

لو قالها غيرك يا د. زيسر!

ألا تعرف الفارق الهائل المهول بين كتائب "عز الدين القسام" التي تقاتل الآن و"كتائب ناصر/ عامر" التي لم تقاتل في 5 حزيران/ يونيو 1967م؟..

كتائب عز الدين القسام هي بنت "الذاكرة التاريخية" لحضارة عالم الإسلام.. وكتائب ناصر/ عامر حالة هجينة ممسوخة، لا صلة لها لا بالذاكرة ولا بالتاريخ ولا بالإسلام.. وكذلك كان الحال أيضا في سوريا والأردن.. والموضوع يطول شرحه..

* * *

ما يجري في الأرض المباركة وحولها من 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، هو في حفظ الله وصونه ورعايته ومعيته ونصرته وتوفيقه وعطائه وفضله وكرمه.

هو سبحانه وتعالى يسمع ويرى، وبذلك طمأن خائفين (موسى وهارون) حين قال لهما في سورة طه "لا تخافا، إنني معكما أسمع وأرى".

وهي بالطبع لكل من يؤمن بأن الله هو الواحد القهار الفعال لما يريد، وأن إرادته سبحانه وتعالى علوا كبيرا لن تكون، إلا فيما يريد له أن يكون.

* * *

حين قرر صلاح الدين المواجهة الكبرى التي قررها وكان يشعر في أعماقه أنه "مختار" لها كان يعلم تماما أنه سينازل عدوا قويا، مكن لنفسه في الشرق تمكينا تاما، وأيقن بأن تلك المواجهة لا بد أن تبدأ من هنا.. مصر.. العمق الاستراتيجي للعروبة والإسلام؛ سيأتي كل آت إلى الشرق وهو يعلم هذه الحتمية التاريخية والجغرافية، فقرر أن يبدأ العمل في هدوء؛ أولا: لا بد من عودة مصر إلى حضن الأمة (الخلافة العباسية) لأن الحرب القائمة ليست حربا إقليميه محدودة، وثانيا: لكي يتم ذلك لا بد من اتحاد جهود الأمراء والعلماء.. وقد كان.. ولولا أنه كان على ما كان عليه ما استطاع أن يقوم بما قام.. كيف كان؟

كان فقيها وأديبا ودرس الحديث في دمشق ومصر والقدس وكانَ يحفظ ديوان الحماسة للشاعر الشهير أبي تمام، وتروى سيرته كما كتبها لنا بن شداد: أنه كان خاشع القلب غزير الدمع، مرتلا وسامعا للقرآن، لا يصلي إلا في جماعة، وكان حريصا على قيام الليل متهجدا متبتلا، داعيا ربه.

الواقع أكبر من الكلمات.. نعم.. لكن ستظل "ذاكرتنا التاريخية" هي النقطة الأقوى التي سننطلق منها.. ولعل تلك الرسالة من أوضح وأبهى رسائل "طوفان الأقصى"، بعد أن حاولوا كثيرا أن يُنشؤا الأجيال على أن هذه الذاكرة، هي العبء الذي يجب علينا أن نطرحه جانبا حتى نتقدم..

وكما يقول لنا أستاذنا وأستاذ كل الأجيال د. عبد الوهاب المسيري رحمه الله: معرفة تاريخنا من أنجع الطرق التي يتوسل بها الإنسان ليحدد علاقته مع الماضي، وليعرف هٌويته، وليتحرر من قضية الحاضر، وليعرف حدود ما هو ممكن وما هو مستحيل.

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صلاح الدين التاريخ مصر مصر فلسطين تاريخ صلاح الدين مسلمين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك

#سواليف

أنا السجّان الذي عذّبك

#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب. لقد أحب الخير ودعا الناس إليه، وكره الشرّ ونهى الناس عنه، حتى أنه صنّف الناس إلى صنفين اثنين لمّا قال: “إن من #الناس #مفاتيح_للخير #مغاليق_للشر، وإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشرّ على يديه”.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة مهم من مؤسسة المتقاعدين العسكريين 2025/03/14

مقالات مشابهة

  • بالمنطق.. صلاح الدين عووضه : عجائب!!…
  • بأرقام قياسية.. المغربي حمد الله يكتب التاريخ بالدوري السعودي
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!
  • السوداني يعلن قتل الإرهابي عبد الله مكي الذي يشغل منصب والي العراق وسوريا
  • رحيل رئيس نادي صلاح الدين الرياضي
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • معركة أخرى تنتظر حزب الله
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 13 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل مثيرة .. ونجوت من الموت!!
  • الرئيس السيسي: التاريخ يسطر بأحرف من نور المواقف الثابتة والحكيمة التي تخطوها مصر