د. فيصل عبدالرحمن علي طه

ftaha39@gmail.com

(1)

في تقرير الألفية 2000 المعنون «نحن الشعوب»، طرح كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك المعضلة بالتساؤل الآتي: إذا كان التدخل الإنساني يمثل حقاً تعدياً على السيادة، فعلى أي نحو ينبغي علينا أن نستجيب لحالات شبيهة برواندا وسرِبرينتشا؟ وأضاف أن الدفاع عن الإنسانية والدفاع عن السيادة كليهما مبدآن ينبغي دعمهما، ولكن ذلك لا يرشدنا إلى أيهما تكون الغلبة عند حدوث تعارضٍ بينهما؟

(2)

تصدت الحكومة الكندية للاجابة على تساؤل عنان، فأنشأت في سبتمبر 2000 اللجنة العالمية حول التدخل وسيادة الدولة.

أصدرت اللجنة في ديسمبر 2001 تقريرها المُعنْوَن «مسؤولية الحماية». تبنَّت اللجنةُ مفهوم السيادة كمسؤولية في الوظائف الداخلية أو في الواجبات الخارجية على حدٍ سواء. ورأت اللجنة أن المسؤولية الأولى عن حماية السكان تقع على عاتق دولتهم بينما تقع مسؤولية ثانوية على المجتمع الدولي عندما يتضح أن دولتهم غير راغبةٍ أو غير قادرةٍ على النهوض بمسؤولية الحماية، أو أنها هي المرتكبة للجرائم أو الفظائع.

(3)

في ديسمبر 2004 أيَّد تقرير الفريق الرفيع المستوى المَعنِي بالتهديدات والتحديات والتغيير الذي شكله كوفي عنان «المبدأ المستجد المتمثل في وجود مسؤولية دولية جماعية عن الحماية يمارسها مجلس الأمن بأن يأذن بالتدخل العسكري كملاذٍ أخيرٍ عند حدوث إبادةٍ جماعيةٍ أو عمليات قتل واسعة النطاق أو حدوث تطهير عِرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، ثبت أن الحكومات ذات السيادة عاجزةٌ عن منعها أو غير راغبةٍ في منعها».

(4)

اعتمد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 في الفقرتين 138 و139 من وثيقته الختامية التي صدرت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 60/1 مفهوم مسؤولية حماية السكان من الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الانسانية. وهناك من يرى بأن مجلس الأمن على الرغم من تأكيده على أحكام الفقرتين 138 و 139 في القرار 1674 (2006)، وإشارته إليهما في القرار 1706 (2006) المتعلق بمسألة دارفور، إلا أنه لم يطبق مفهوم مسؤولية الحماية عليها رغم توفر مسوغات تطبيقه. ووفقاً لهذا الرأي الذي يستند إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور للعام 2005، فإن مجلس الأمن قد تعمّد ذلك حتى لا يدخل في مواجهة مع حكومة السودان، وآثر الحصول على موافقة تلك الحكومة على استخدام البعثة الأممية في أراضيها. ولكن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" يرى بأن ذلك المفهوم قد طُبِّق في دارفور بصورة غير قسرية -أي بدون استخدام القوة.

(5)

إن الحالة الوحيدة التي طُبق فيها مفهوم مسؤولية الحماية حتى الآن هي الحالة الليبية بمقتضى القرار 1970 (2011) والقرار 1973 (2011). فرضَ القرار 1973 حظراً جوياً على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي للجماهيرية. كما أذن للدول الأعضاء إتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين للهجمات في الجماهيرية بما في ذلك بنغازي. من ثم بدأت عملية عسكرية بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ولاحقاً آلت القيادة إلى حلف شمال الاطلسي كجزء من عملية «الحماية الموحَّدة». تعرضت هذه العملية لانتقاد من كثير من الدول لأنها تعدَّت الحماية وتحولت إلى عمليةٍ لتغيير النظام. افتقدت هذه الدول عدم اقتران مفهوم مسؤولية الحماية بمفهوم آخر وهو المسؤولية اثناء توفير الحماية ودعت إلى تطويرهما معاً.

(6)

في الحالة السورية استخدم الاتحاد الروسي والصين حق النقض (الفيتو) لاحباط قرارين بشأن الوضع في سوريا بمنطق احترام السيادة الوطنية لسوريا واستقلالها ومبدأ عدم التدخل في شؤونها بما في ذلك التدخل العسكري. وأبدى المندوب الروسي خشيته من أن يتكرر نموذج عملية «الحماية الموحدة» بشأن ليبيا في سوريا. بمعنى أن يتحول التدخل إلى عملية لتغيير النظام.

(7)

إن مفهوم مسؤولية الحماية لا يزال مفهوماً سياسياً ولم يستقر بعد كعرفٍ قانونيٍ دولي لأنه لم يستوف شروط ذلك. كما أن حدود مسؤولية الحماية تحتاج إلى تدقيق وبيان. وسيظل تطبيق المفهوم رهناً باتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، هذا المجلس المشلول باستخدام الفيتو.

(8)

وحريّ بالذكر أن مفهوم مسؤولية الحماية مُضمَّنٌ في مبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي المبرم في العام 2000، أي قبل خمسة أعوام من اعتماد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 لمفهوم المسؤولية عن الحماية. فقد كفلت الفقرة (ح) من المادة الرابعة حق الاتحاد في التدخل بقرارٍ من جمعية رؤساء الدول والحكومات في حالات جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية. ولكن المادة 53 (2) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على التنظيمات أو الوكالات الإقليمية القيام «بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن». كما أن المادة 54 تنص على وجوب «أن يكون مجلس الأمن على علمٍ تامٍ بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يُزمَع إجراؤه منها».

(9)

يبدو جلياً مما تقدم أن الاتحاد الإفريقي لا يستطيع التدخل بالقوة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة (ح) من المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد بدون إذنٍ من مجلس الأمن، وقد لا يصدر هذا الإذن إذا لم يكن هناك اتفاق بين دول المجلس الخمس الدائمة العضوية.

(10)

في جلسة للجمعية العام في سبتمبر 2015 بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتماد مبدأ «مسؤولية الحماية»، أكدت الأمم المتحدة أن هذا المبدأ ينبغي أن يُترجَم إلى عمل. وقال الأمين العام "بان كي مون" إن الجرائم التي تلطِّخ ضمير الانسانية تُحتِّم على قادة الدول تحويل مفهوم «مسؤولية الحماية» من مبدأٍ حيويٍ إلى ممارسة واضحة.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

"التعاون الخليجي" يدعو إلى موقف أممي حازم إزاء ممارسات الحوثيين في اليمن

طالبت دول مجلس التعاون الخليجي، الجمعة، بموقف أممي حازم إزاء ممارسات الحوثيين التي تقوض جهود إحلال السلام في اليمن.

 

وأكد المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في بيانه الختامي الصادر عن دورته الـثالثة والستون بعد المائة دعمه الكامل لجهود إحلال السلام في اليمن.

 

وجدد المجلس دعمه الكامل لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة فخامة الدكتور رشاد محمد العليمي، والكيانات المساندة له لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، والتوصل إلى حل سياسي شامل، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216، بما يحفظ لليمن الشقيق سيادته ووحدته وسلامة أراضيه واستقلاله.

 

وشدد المجلس على أهمية انخراط الحوثيين بإيجابية مع الجهود الدولية والأممية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، والتعاطي بجدية مع مبادرات وجهود السلام لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب اليمني.

 

ورحب البيان باستمرار الجهود المخلصة التي تبذلها المملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، والاتصالات القائمة مع كافة الأطراف اليمنية، لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق حل سياسي شامل ومُستدام في اليمن.

 

وجدد دعمه لجهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن هانز جروندبرج، للتوصل إلى الحل السياسي الشامل وفقاً للمرجعيات الثلاث، وأشاد المجلس بتمسك الحكومة اليمنية بتجديد الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن.

 

ودعا البيان الأطراف اليمنية إلى التنفيذ الكامل للالتزام بمجموعة التدابير التي توصلت إليها والتي أعلن عنها المبعوث الأممي في 23 ديسمبر 2023م، شاملة تنفيذ وقف إطلاق نار شامل يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

 

وعبّر المجلس الوزاري عن القلق البالغ إزاء استمرار تطورات الأحداث في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

 

وشدد على أهمية خفض التصعيد للمحافظة على أمن واستقرار المنطقة واحترام حق الملاحة البحرية فيها، وفقاً لأحكام القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.

 

وأدان مجلس التعاون الخليجي استمرار التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية لليمن، وتهريب الخبراء العسكريين والأسلحة إلى ميليشيات الحوثي، في مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن 2216 و 2231 و 2624.


مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس السيادة القائد العام يؤكد ضرورة ترقية علاقات السودان الخارجية
  • موسكو وواشنطن تطالبان بمشاورات مغلقة في مجلس الأمن بشأن سوريا
  • رامي مخلوف يحمّل أحد ضباط الأسد مسؤولية أحداث الساحل
  • تحركات عاجلة من مجلس السيادة لإنقاذ معسكر تستهدفه الدعم السريع
  • الخارجية الإيرانية تدعو حكام سوريا الجدد لتحمل مسؤولية الأمن والاستقرار
  • التعاون الإسلامي تعتمد مخرجات القمة العربية وخطة إعمار غزة وتدعو لدعم دولي عاجل
  • التخويف والسخرية.. مفهوم التنمر في مشروع قانون العمل
  • "التعاون الخليجي" يدعو إلى موقف أممي حازم إزاء ممارسات الحوثيين في اليمن
  • ⭕️ رئيس وأعضاء مجلس السيادة ينعون وزير الاتصالات والتحول الرقمي المهندس عادل حسن
  • كاتب: الأمن الاقتصادي ركيزة أساسية من مفهوم الأمن القومي المصري