معضلة التوفيق بين التدخل الإنساني ومبدأ السيادة الوطنية
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
د. فيصل عبدالرحمن علي طه
ftaha39@gmail.com
(1)
في تقرير الألفية 2000 المعنون «نحن الشعوب»، طرح كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك المعضلة بالتساؤل الآتي: إذا كان التدخل الإنساني يمثل حقاً تعدياً على السيادة، فعلى أي نحو ينبغي علينا أن نستجيب لحالات شبيهة برواندا وسرِبرينتشا؟ وأضاف أن الدفاع عن الإنسانية والدفاع عن السيادة كليهما مبدآن ينبغي دعمهما، ولكن ذلك لا يرشدنا إلى أيهما تكون الغلبة عند حدوث تعارضٍ بينهما؟
(2)
تصدت الحكومة الكندية للاجابة على تساؤل عنان، فأنشأت في سبتمبر 2000 اللجنة العالمية حول التدخل وسيادة الدولة.
(3)
في ديسمبر 2004 أيَّد تقرير الفريق الرفيع المستوى المَعنِي بالتهديدات والتحديات والتغيير الذي شكله كوفي عنان «المبدأ المستجد المتمثل في وجود مسؤولية دولية جماعية عن الحماية يمارسها مجلس الأمن بأن يأذن بالتدخل العسكري كملاذٍ أخيرٍ عند حدوث إبادةٍ جماعيةٍ أو عمليات قتل واسعة النطاق أو حدوث تطهير عِرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، ثبت أن الحكومات ذات السيادة عاجزةٌ عن منعها أو غير راغبةٍ في منعها».
(4)
اعتمد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 في الفقرتين 138 و139 من وثيقته الختامية التي صدرت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 60/1 مفهوم مسؤولية حماية السكان من الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الانسانية. وهناك من يرى بأن مجلس الأمن على الرغم من تأكيده على أحكام الفقرتين 138 و 139 في القرار 1674 (2006)، وإشارته إليهما في القرار 1706 (2006) المتعلق بمسألة دارفور، إلا أنه لم يطبق مفهوم مسؤولية الحماية عليها رغم توفر مسوغات تطبيقه. ووفقاً لهذا الرأي الذي يستند إلى تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور للعام 2005، فإن مجلس الأمن قد تعمّد ذلك حتى لا يدخل في مواجهة مع حكومة السودان، وآثر الحصول على موافقة تلك الحكومة على استخدام البعثة الأممية في أراضيها. ولكن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" يرى بأن ذلك المفهوم قد طُبِّق في دارفور بصورة غير قسرية -أي بدون استخدام القوة.
(5)
إن الحالة الوحيدة التي طُبق فيها مفهوم مسؤولية الحماية حتى الآن هي الحالة الليبية بمقتضى القرار 1970 (2011) والقرار 1973 (2011). فرضَ القرار 1973 حظراً جوياً على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي للجماهيرية. كما أذن للدول الأعضاء إتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين للهجمات في الجماهيرية بما في ذلك بنغازي. من ثم بدأت عملية عسكرية بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ولاحقاً آلت القيادة إلى حلف شمال الاطلسي كجزء من عملية «الحماية الموحَّدة». تعرضت هذه العملية لانتقاد من كثير من الدول لأنها تعدَّت الحماية وتحولت إلى عمليةٍ لتغيير النظام. افتقدت هذه الدول عدم اقتران مفهوم مسؤولية الحماية بمفهوم آخر وهو المسؤولية اثناء توفير الحماية ودعت إلى تطويرهما معاً.
(6)
في الحالة السورية استخدم الاتحاد الروسي والصين حق النقض (الفيتو) لاحباط قرارين بشأن الوضع في سوريا بمنطق احترام السيادة الوطنية لسوريا واستقلالها ومبدأ عدم التدخل في شؤونها بما في ذلك التدخل العسكري. وأبدى المندوب الروسي خشيته من أن يتكرر نموذج عملية «الحماية الموحدة» بشأن ليبيا في سوريا. بمعنى أن يتحول التدخل إلى عملية لتغيير النظام.
(7)
إن مفهوم مسؤولية الحماية لا يزال مفهوماً سياسياً ولم يستقر بعد كعرفٍ قانونيٍ دولي لأنه لم يستوف شروط ذلك. كما أن حدود مسؤولية الحماية تحتاج إلى تدقيق وبيان. وسيظل تطبيق المفهوم رهناً باتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، هذا المجلس المشلول باستخدام الفيتو.
(8)
وحريّ بالذكر أن مفهوم مسؤولية الحماية مُضمَّنٌ في مبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي المبرم في العام 2000، أي قبل خمسة أعوام من اعتماد مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 لمفهوم المسؤولية عن الحماية. فقد كفلت الفقرة (ح) من المادة الرابعة حق الاتحاد في التدخل بقرارٍ من جمعية رؤساء الدول والحكومات في حالات جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية. ولكن المادة 53 (2) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر على التنظيمات أو الوكالات الإقليمية القيام «بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن». كما أن المادة 54 تنص على وجوب «أن يكون مجلس الأمن على علمٍ تامٍ بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يُزمَع إجراؤه منها».
(9)
يبدو جلياً مما تقدم أن الاتحاد الإفريقي لا يستطيع التدخل بالقوة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة (ح) من المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد بدون إذنٍ من مجلس الأمن، وقد لا يصدر هذا الإذن إذا لم يكن هناك اتفاق بين دول المجلس الخمس الدائمة العضوية.
(10)
في جلسة للجمعية العام في سبتمبر 2015 بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتماد مبدأ «مسؤولية الحماية»، أكدت الأمم المتحدة أن هذا المبدأ ينبغي أن يُترجَم إلى عمل. وقال الأمين العام "بان كي مون" إن الجرائم التي تلطِّخ ضمير الانسانية تُحتِّم على قادة الدول تحويل مفهوم «مسؤولية الحماية» من مبدأٍ حيويٍ إلى ممارسة واضحة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة حول سوريا.. الأمم المتحدة: حياة الشعب على المحكّ!
أفادت وسائل إعلام جزائرية رسمية، اليوم الأربعاء، “بأن الجزائر والصومال دعتا إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا”.
وذكر التلفزيون الجزائري أن “الجزائر والصومال طلبتا عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة آثار اعتداءات الاحتلال الصهيوني على سوريا الشقيقة”.
وأضاف التلفزيون الجزائري إن”طلب عقد الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي جاء بعد التشاور والاتفاق مع المجموعة العربية في نيويورك”.
وفي سياق متصل، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، مشاهد تظهر تجوله في الجنوب السوري في محافظة القنيطرة، وأكد أن تل أبيب لن تتسامح مع أي تهديد لأمن إسرائيل.
وكتب أدرعي على “تلغرام”: “جولة في الجنوب السوري حيث تنتشر قوات جيش الدفاع في منطقة التامين الدفاعية المتقدمة داخل الأراضي السورية، بهدف منع التهديدات المحتملة وضمان أمن مواطني إسرائيل”.
وأضاف: “وجودنا في هذه المنطقة يعزز قدرتنا على الاستجابة السريعة لأي سيناريو أمني قد ينشأ نتيجة الأوضاع الداخلية في سوريا”.
وأكد أنه “لا نية لنا بالتدخل في النزاع الداخلي، لكننا لن نتسامح مع أي تهديد لأمن إسرائيل”.
هذا “ويشن الجيش الإسرائيلي، بوتيرة شبه يومية، غارات جوية على سوريا، ما أدى إلى مقتل مدنيين وتدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري، ودخلت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل مستغلة التطورات التي شهدتها الساحة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024. وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة انتهاكا لاتفاقية فصل القوات لعام 1974. كما أعلنت إسرائيل نيتها الحفاظ على سيطرتها على هذه المنطقة”.
وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية الأحد الماضي، “بأن الجيش الإسرائيلي توغل خارج المنطقة العازلة في جنوب غربي سوريا”، مشيرة “إلى أنه أقدم على اعتقال مواطنين سوريين اتهمهم بالإرهاب’.
الأمم المتحدة: تعليق المساعدات الغذائية الأمريكية إلى سوريا يهدد بتداعيات مدمرة
اعتبرت نائبة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن “تعليق المساعدات الغذائية الأمريكية لسوريا يهدد بتداعيات مدمرة”، وطالبت المجتمع الدولي “بالتصرف” لأن حياة السوريين على المحك.
وبحسب صحيفة “الوطن” السورية، كتبت رشدي اليوم على منصة “إكس”: “يحذر برنامج الأغذية العالمي من أن هذا قد يكون حكما بالإعدام للملايين الذين يواجهون بالفعل جوعا شديدا”، لافتة إلى أن “ما يقرب من مليون ونصف المليون سوري ما زالوا يتعافون من أكثر من عقد من الصراع وعدم الاستقرار المستمر يواجهون الآن خطر فقدان المساعدات الغذائية الأساسية”.
وأضافت أنه بالإضافة إلى ذلك، “سيتم قطع الدعم الغذائي المنقذ للحياة عن أكثر من 50 ألف امرأة وطفل، مما يهدد صحتهم وتعافيهم ونجاتهم”.
وقالت: “ليست مجرد أزمة إنسانية، إنها ضربة تقوض استقرار منطقة هشة بالفعل، في وقت يحتاج فيه السوريون إلى التضامن العالمي أكثر من أي وقت مضى”.
وحذرت رشدي من أن “تعليق هذه المساعدات سيؤدي لتعميق المعاناة وتأجيج عدم الاستقرار”، وأضافت: “يجب على المجتمع الدولي أن يتصرف الآن. حياة السوريين باتت على المحك”.
السفارة الأمريكية في سوريا ترحب بالإعلان الدستوري
رحّبت السفارة الأمريكية في سوريا بالإعلان الدستوري، الذي قالت لجنة صياغته إن “الحريات في الإعلان الدستوري وضعت لكافة مكونات الشعب في سوريا”.
وكتب السفارة في منشور على منصة “إكس” إن “الولايات المتحدة ترحب بالإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة السورية وتأمل أن تكون خطوة إيجابية نحو سوريا شاملة”.
وفي مارس الفائت وقع الرئيس السوري أحمد الشرع على الإعلان الدستوري، الذي قالت لجنة صياغة الإعلان الدستوري إنه “يستمد مشروعيته من الرغبة في بناء سوريا الجديدة”.
وقال الشرع بعد تسلمه مسودة الإعلان الدستوري: “نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.
بدء انسحاب الدفعة الثانية من قوات “قسد” من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب
أفادت قناة الإخبارية السورية اليوم الأربعاء، “ببدء انسحاب الدفعة الثانية من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب باتجاه مناطق شرق الفرات”.
ولفتت القناة، إلى أن “خطوة اليوم، تأتي ضمن إطار تنفيذ بنود الاتفاق المبرم بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية”.
وبدأ في 3 أبريل الجاري، “تنفيذ الاتفاق بين المجلس المدني لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، وغالبية سكانهما من الأكراد، واللجنة المكلفة من الرئاسة السورية، حيث خرجت دفعة من مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، كما تم الاتفاق على “تبييض السجون من الأسرى”، وتبادل ما يقارب من 250 شخصا”.