لعنة الانتهاكات يجب أن تطاردهم جميعا!
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
نعم القتل والاغتصاب والسلب والنهب، وكل الانتهاكات ضد المواطن السوداني سبب موضوعي وأخلاقي جدا لإشهار الكرت الأحمر في وجه أي طرف عسكري لإخراجه من الملعب السياسي الذي يجب أن يكون خارجه أصلا حتى بدون انتهاكات!
ولكن لو طبق هذا المبدأ بعدالة فان الكرت الأحمر يجب إشهاره في وجه الجيش (سبعين سنة انتهاكات ونهب للثروة القومية وعمالة مذلة لمصر) وهيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن وكتائب الظل، وابوطيرة (أبشع منتهكين في السودان)، والدعم السريع الذي انتهك انتهاكات بشعة خلال هذه الحرب وارتكب جرائم يجب أن لا تسقط بالتقادم، كلهم يشهر في وجوههم الكرت الأحمر على حد سواء، بمعنى تجريدهم من المشروعية السياسية وتحميلهم الوزر الأخلاقي ووضعهم جميعا في خانة المؤسسات المأزومة التي يجب أن تكون هدفا لإعادة التأهيل الأخلاقي والفني كشرط لامان المواطن من شرور انتهاكاتهم.
لم أفهم حتى الآن ما هو المنطق الذي يجعل الانتهاكات سببا في استئصال الدعم السريع وحده والمطالبة بمحوه من الوجود، بينما يتم تتويج الجيش ومليشيات الحركة الكيزانية الإجرامية وجهاز أمنها أبطالا وحكاما أبديون للسودان! لا المعايير الأخلاقية تسمح بذلك ولا منطق الميدان العسكري يسمح بذلك! ولا حتى منطق أخف الضررين واختيار الأقل شرا يسمح بذلك، فلو قلنا يجب الاصطفاف خلف الجيش للتخلص من الجنجويد، فإن هذا المنطق تهزمه حقيقة أن سبب وجود الجنجويد هو الخلل البنيوي في الجيش الذي يعتمد في مهامه القتالية على تكوينات عسكرية خارج هياكله، وهذا الخلل ما زال مستمرا حتى هذه اللحظة إذ ما زال الجيش متكئا على المليشيات الإسلاموية والحركات المسلحة في خوض هذه الحرب، بمعنى أن جنجويد المستقبل حاضرون الآن في صفوف الجيش!
الجنجويد لم يهبطوا من السماء!
انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في السودان لم تبدأ يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣! وحتى لو تاريخها بدأ مع حرب الخامس عشر من أبريل فالجيش لديه انتهاكات على رأسها قصف الطيران الذي قتل مئات المواطنين، واعتقالات الشبهة، والتعذيب، والقتل على الهوية العرقية وسرقة الإغاثة وبيعها في السوق والناس يموتون جوعا فضلا عن جز الرؤوس وبقر البطون ومضغ الأحشاء.
التعامل المبدئي المحترم مع قضية الانتهاكات يقتضي إدانة كل الأطراف التي تمارسها، أما استخدامها كسكينة لذبح أحد أطراف صراع السلطة لصالح إعادة تمكين الطرف الآخر، فهذا تدليس واحتيال وابتذال مفهوم جدا من الكيزان الظاهرين والمستترين وصحافتهم التافهة،
ولكنه غير مفهوم أبدا من أناس يزعمون أنهم حراس بوابات حقوق الإنسان!
خسرنا الكثير في هذه الحرب، وربما هناك خسائر أفدح وأفظع في الطريق، ولكن المكسب الوحيد الذي يجب أن لا نفرط فيه أبدا هو “استخلاص الوعي الصحيح” من هذه التجربة القاسية، وبناء سرديتنا الخاصة عنها، ومن ثم ضبط بوصلتنا الفكرية والسياسية باتجاه الضفة الصحيحة من التاريخ: الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم المدني الراشد.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یجب أن
إقرأ أيضاً:
مخاوف إسرائيلية من زيادة تسلح الجيش المصري.. ما علاقة ذلك بفضيحة الغواصات؟
كشف تحقيق أجراه الصحفي رافيف دراكر في برنامجه "هامكور" في 2016 ما أصبح يُعرف بـ"فضيحة بيع الغواصات"، المعروف بالملف 3000 الذي يتم التحقيق فيه مع بنيامين نتنياهو في قضايا الفساد، وتتعلق بشراء الغواصات والطرادات وسفن الصواريخ متوسطة الدفع من شركة "تيسنكروب" الألمانية، ومن الأحداث المرتبطة بها، ولا يُخطط لمناقشتها في المحكمة، الموافقة التي منحها نتنياهو في 2014 على بناء سفينة شحن إسرائيلية في ميناء "كيب تاون".
هاغاي أولشنيتسكي، باحث التاريخ العسكري والسياسي، ويعمل محاضرًا بجامعة وارسو، أكد أن "المستشارة الألمانية آنذاك، أنغيلا ميركل، طلبت من شركة تيسن كروب توريد أربع غواصات متطورة إلى مصر، وطلبت الموافقة الإسرائيلية، لأنه بعد الهولوكوست، لم ترغب ألمانيا بخلق توازن قوى من شأنه أن يعرض دولة الاحتلال للخطر، وبما أن الغواصات المذكورة تشبه في نوعها ما تستخدمها البحرية الإسرائيلية، فإن الموافقة التي أعطاها نتنياهو خطيرة، لأنها صدرت دون موافقة المؤسسة الأمنية، بما في وزير الحرب".
موافقة أم خيانة؟
وأضاف في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21" أنه "في تلك الأثناء كان موشيه يعلون على علم بالأمر، وفي المظاهرات ضد حكومة نتنياهو، قرأ كثيرون وحملوا لافتات تزعم أن تلك الموافقة بمثابة خيانة، لكن قضية الغواصات المصرية تحتاج لدراسة في سياق أوسع، سواء من حيث تسليح القاهرة، أو أهميتها للعلاقات الإسرائيلية المصرية الألمانية، خاصة فيما يتعلق بصفقات الأسلحة واسعة النطاق التي تمت في السنوات الأخيرة، وليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل أعطت موافقة على تنفيذها".
وأوضح أن "أهم ما في الأمر عملية تجهيز الجيش المصري منذ سبعينيات القرن العشرين، ففي 1973 قرر أنور السادات خوض الحرب ضد الاحتلال، رغم أن صفقات الأسلحة المهمة بين مصر والاتحاد السوفييتي لم تكتمل بعد، وبالنسبة له، كان النجاح السياسي سيتحقق حتى بدون تحقيق نصر عسكري كامل في ساحة المعركة، وهكذا قرر التحرك دون الحصول على أسلحة إضافية، وانتهت الحرب بهزيمة عسكرية، لكنها تحولت نصرا سياسيا عبر اتفاق السلام 1979، ووفق تعريفات الحرب للمفكر العسكري كارل فون كلاوزفيتس فإن هذا انتصار مصري، لأن استخدام الأسلحة هدف لتحقيق إنجاز سياسي، وتغيير طويل الأمد في الوضع".
وأشار إلى أن "مصر بعد الحرب استعادت السيطرة على سيناء، وانتقلت من النفوذ السوفييتي للشراكة مع الولايات المتحدة، وتلقت مساعدات عسكرية كبيرة منها، رغم أنها نصف المبلغ الممنوح لإسرائيل، لكنها تمتنع عن تزويد مصر بأسلحة حاسمة، خاصة الطائرات والصواريخ جو-جو المتطورة، ورغم الالتزام الوارد في اتفاق كامب ديفيد بنزع السلاح في سيناء بالكامل، فقد سعت مصر باستمرار لإدخال قوات هناك، فيما ظل الاحتلال صامت بوجه عام في مواجهة ذلك".
نزع سلاح سيناء
وأوضح أن "مصر بنت طرقا سريعة تحت قناة السويس لنقل القوات بسرعة لسيناء، ونشرت البنية الأساسية لأنابيب الوقود والمياه تمتد لعمق ألف متر، وكل ذلك في نهاية المطاف يمكن أن يؤول لصالح قواتها في حالة الحرب، مع الإشارة إلى أن نموّ الجيش المصري في عهد الرئيس مبارك كان كبيراً، دون أن يكون عاملاً حاسماً في تحديد المنتصر في أي حرب قد تندلع، لأن قوة المناورة التي امتلكها جيش الاحتلال كانت هائلة أواخر الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، ولكن منذ ذلك الحين، طرأ تقليص مستمر في حجم قواته، وبات جيش المشاة اليوم ظلّ باهت لماضيه".
واستدرك أنه "عندما تولى عبد الفتاح السيسي السلطة في 2013، كان الجيش المصري أكبر حجماً وأفضل تجهيزاً بكثير، صحيح أن الفارق لصالحه كان ضئيلا، لكن السيسي لم يكتف بذلك، فبدأ حملة شراء عسكرية عالمية من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا والصين، واشترت في العقد الماضي أسلحة أكثر مما اشترته خلال الأربعين سنة الماضية، وتم تضمين الصفقات الألمانية الثلاث محور هذه المناقشة في هذه المشتريات".
وأضاف أن "مشتريات مصر العسكرية متنوعة للغاية، وعلى الصعيد البحري، بنت أسطولاً بحرياً ضخماً ينافس أكبر الأساطيل البحرية في البحر المتوسط: التركية والفرنسية والإيطالية، ومن بين المعدات التي حصلت عليها من صفقات الأسلحة الفرقاطات الإيطالية العملاقة، واستلام 6700 طن من حاملات الطائرات المروحية الفرنسية".
حرب أكتوبر 73
وزعم أن "وتيرة التسليح المصرية المتسارعة تثير مخاوف من أن يؤدي ذلك لتفاقم الأزمة مع الاحتلال، وإثارة تساؤلات حول نواياها، لأن تبرير بناء أسطول كبير، وشراء مئات الطائرات من فرنسا والصين وروسيا بالحاجة المحتملة للتحرك ضد إثيوبيا عقب انقطاع إمدادات مياه النيل بسبب بناء سد النهضة، فإنه على النقيض من ذلك، فإن الكثير من المشتريات الأخرى، والحاجة لاستخدامها، مثيرة للجدل".
ونقل عن أوساط عسكرية إسرائيلية تساؤلاتها بشأن "السبب وراء امتلاك مصر لهذا الكمّ من المعدات الأرضية والأسلحة المضادة للطائرات، رغم أن جيوش جيرانها في السودان وليبيا فقيرة جدًا في الحجم والقدرات، ولماذا تحتاج لمئات المدافع ذاتية الحركة، وما الهدف من الإنفاق الضخم على هذه الأسلحة، ولماذا يفوق عدد دباباتها عدد كل الذي بحوزة جيرانها مجتمعين، بما فيها إسرائيل، بثلاثة أضعاف؟".
وأشار إلى أن "مصر تمتلك أسلحة مضادة للدبابات لتسليح مائتي مروحية هجومية، وهو أسطول مصري أكبر بأربع مرات من أسطول كل جيرانها مجتمعين، وظهرت في الأسابيع الأخيرة صور لبعض البطاريات الألمانية المضادة للطائرات المتقدمة التي اشترتها مصر قبل سنوات متوقفة على الطريق الرئيسي في سيناء، مع العلم أنه بعد صفقة الغواصات وقعت القاهرة عدة صفقات شراء إضافية مع برلين، أكبرها صفقة شراء أربع غواصات على الأقل، و16 بطارية".
ووصل إلى القول إلى أن "الفساد الفاضح في صفقة الغواصات يطرح تساؤلات عن حقيقة موافقة نتنياهو عليها، وفي مثل هذه الحالة، فإن السؤال الواضح موجه لكبار المسؤولين في أجهزة الدولة وفروع الخارجية والأمن، ونصّه: هل كانت الموافقة على التسليح المصري، الذي قد يشكل في المستقبل خطراً وجودياً على أمن دولة الاحتلال، نابعة من اعتبارات عملية عسكرية، أم دوافع شخصية وخارجية".