و الضمير (الهاء) يعود للحركة الإسلامية و حزبها "المؤتمر الوطني" .
ظل الأستاذ نضال عبد الوهاب يثابر مثابرة شديدة لطرح أفكار مبتكرة تكسر الجمود السياسي و تحريك الأمور للأمام ، وهو مجهود مقدر على كل حال ، كما إنه أفضل من تكرار روايات الأطراف المتقاتلة العقيمة .
يبدو طرح نضال ، في ظاهره ، منطقيا . فروايات "القوى السياسية" بأن الإسلاميين وراء الحرب ، تقود للاستنتاج الطبيعي أنك إن أردت وقفها ، فعليك الحوار مع من أنشأ الحرب كما تقول .


و في حقيقة الأمر ، إن القوى السياسية ممثلة في "تقدم" و نظائرهم "الإسلاميون" يضخمون حجوم بعضهما البعض لمداراة إفلاسهما و فقدانهما للفضاء الجماهيري الذي يمكنهم من القبول الشعبي . و معروف تزلف الإسلاميين للجيش لاعتقادهم أنه يشكل لهم حماية للاحتفاظ بما نهبوه من ثروات الشعب السوداني ، كأن يكافؤهم الجيش على "وقفتهم" معه في حرب جناحهم المجرم المستبد: الدعم السريع .
أما سر المغناطيسية بين الدعم السريع والقوى السياسية ممثلة في "تقدم" ، فقد تناولناه في مقالنا السابق الذي حمل عنوان (فرص السلام و جاهزية "تقدم") بما يغني من إعادته هنا . و لكن ما نحب الإشارة إليه هنا ، أن الطرفين يستقويان بالسلاح تعويضا لهما عن سداد الأفكار المقنعة التي تدفعها إلى الحياة منفعتها للناس . فالإسلاميون الممثلون في حزب "المؤتمر الوطني" المحلول و خصماؤهم في "قوى الحرية و التغيير" الموسعة في جبهة "تقدم" ، يعتقدان أن إنجازهما إنما هو عوار الآخر . فلكأنما تقول "تقدم" بلسان حالها أن أقبلوني بفشلي و سذاجتي السياسية خير لكم من لصوصية و إجرام "المؤتمر الوطني" ، كما يريد "المؤتمر الوطني" أن نقبل لصوصيته و إجرامه باعتباره أفصل من فشل "تقدم" و سذاجتها .
و لأنهما الأعلى صوتا في الفضاء السوداني ، أنحبس الأستاذ نضال في هذا السجن الصوتي و رأى حثهما للدخول في حوار لأجل وضع أسس لوقف الحرب و إرساء السلام في المستقبل . و في ذلك ، أغفل الإستاذ نضال أن إفرازات هذه الحرب البليدة هي التي ستشكل ، بالضرورة مقبولية النظام السياسي الذي يعقب الحرب .
فالتفكير بإبعادهما معا ، أفيد للمرحلة الانتقالية و استقرارها . إذ أنه ينزع فتيل التوتر الإفنائي الأحمق الذي جبلا عليه حتى لا ينعتق الشعب السوداني من قيدهما الثقيل . فالطرفان يتظاهران باحترام الشعب السوداني و خياراته مجرد تظاهر ، فحسب . و لئن كنا لا نحتاج دليلا للمفارقة الوجودية للإسلاميين مع حرية اختيار الشعوب لتقرر مصيرها و مسيرها ، فخصماؤهم في "أحزاب" اليسار ، و التي أنفقت أنت و غيرك جهدا ثمينا في إنعاشها بأفكار شتى بلا جدوى ، يعلمون أن إصلاحها يعني تبددها و زوالها في الحياة السياسية .. و هذا هو السر في عزلها للشباب حينما أدارت السلطة الانتقالية ، وذلك لأن دمج الشباب ، في الانتقال ، كان سيجر معه أسئلة تجعل خدود "الأحزاب" متوردة ، كلماذا تتمركز الديمقراطية في لجنة ، أو لماذا يتشبث النوباوي السوداني الأصيل بعروبة السودان ، أو لماذا يعيش رئيس حزب خارج بلده ، أو لماذا يلح رئيس حزب على احتكار السلطة الزمنية و الدهرية احتكارا وسواسيا ..
و بالرغم من ذلك ، نرى أن أكثر القرارات طفولية ، و التي اتخذت في الفترة الانتقالية ، هي حل حزب الإسلاميين "المؤتمر الوطني"!!
و في حقيقة الأمر ، قاس متنطعو الفترة الانتقالية ذلك بحل الحزب الألماني النازي بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية . وهو قياس فاسد كما ترى . فالحزب النازي الألماني لم تطح به ثورة شعبية كثورة ديسمبر ، ثورة "عندك خت ، ما عندك شيل" .. فلماذا ، إذن، تحل حزبا رفضته الجماهير ؟؟ علاوة عل ذلك ، فحل حزب "المؤتمر الوطني" ، جعل هذا الحزب يغوص تحت الأرض ، يحوك خططه الشريرة بعيدا عن عين الجماهير ، كما جمد الانقسامات و الانشقاقات التي بدأت برفض الأتباع لقياداتهم ذات العقلية النهبية و الإجرامية .. و كان من شأن هذه الانقسامات و الانشقاقات أن ترخي قبضتهم على متصل الثروة و السلطة ، و من ثم محاسبتهم على النهب و الإجرام ، موظفين في ذلك زخم الثورة التي جعلت البرهان يقول لأحد الصحفيين حين سأله "ما هي القوانين المقيد للحريات التي وافقتم على إزالتها ؟" ، بقوله " لا أدري (!) و لكنهم طلبوا منا ذلك و وافقنا عليه (!)" . و التعجب من عندي يا بن ودي ..
إن اقتراحك بالحوار مع الإسلاميين الذي يتضمن اعترافهم بالثورة و شعاراتها التي أطاحت بهم ، و اعتذارهم عن نهب الثروات و الأفعال الإجرامية ، إنما يغفل حقيقة بنيوية معتقة في مخ الإسلاميين ، و هي أنهم لن يقبلوا على شيئء إلا إذا أجبروا عليه أجبارا ، و لا شيئ يجبرهم سوى العمل في الضوء و محاصرتهم بهذا الضوء . و لا أعتقد أن الشعب السوداني يهتم أن يدعي الإسلاميون أنهم فرقة ناجية يوم الحشر ، أو أنهم يعرفون الطريق إلى الجنة و يرغبون في احتكارها و معها الأنبياء المرسلين ، إنما يهمه بالدرجة الأولى محاسبتهم على ما اقترفوه من نهب للثروات و إرجاعها و على الجرائم المرتبطة بها و تسويتها .
إن التفكير في وقف هذه الحرب البليدة يبدأ بالتخلي عن الروايات غير الواقعية مثل إن الجيش يسيطر عليه الإسلاميون سيطرة محكمة ، أو أن "الدعم السريع" يجب إفناؤه عن بكرة أبيهم . فلو كان الإسلاميون يسيطرون على الجيش سيطرة كاملة لما صنعوا له الدعم السريع و ربوه و فضلوه عليه حد الإذلال . فهم خلقوا "الدعم السريع" لأنهم يدركون أن هذا الجيش يمكن أن يخرج من ثناياه كمحمد صديق و حامد الجامد ..
و أما "الدعم السريع" ، فواقع شاذ ممض ، و لكنه فيعرف ألا مكان له خارج الجيش ، و أن مصيره الاندماج في الجيش ، و بشروط هذا الجيش . على سبيل المثال ، لا مكان لرتبة اللواء إلا عبر دخول "الكلية الحربية" ، و قس على ذلك من مفاهيم الاندماج المتعارف عليها عالميا .
لذلك ، لا ضرورة لحوار سياسي مع الإسلاميين أو "التقدميين" ، إنما حملة السلاح المتقاتلين فحسب ، على أن تمتد الفترة الانتقالية بسيطرة العسكر في الشأن الأمني حتى تتم السيطرة على السلاح السائب . و خلالها يسمح لكل أصحاب المشاريع السياسية بطرح ما عندها ، وسبق أن فصلنا بعض الشيئ في ذلك في مقالنا المشار إليه آنفا .. و في غضون ذلك ، تعمل أزموزيا السياسة فعلها الطبيعي بغربلة المشاريع السياسية المطروحة فتسقط الأفكار الصبيانية في جب العدم ، و يبقى أصلحها نفعا للناس ، و لي أملي كبير في الشباب لإنشاء أحزاب واقعية تستوعب ما حصل من حروب و مآسي ، أحزاب من واقعنا ما من أكتر ..

adil.esmail@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی الشعب السودانی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟

اتهم السودان الإمارات بـ"التواطؤ في الإبادة الجماعية" في شكوى تقدّم بها الخميس أمام محكمة العدل الدولية، في خطوة تسلّط الضوء على دور مفترض للدولة الخليجية في الحرب المدمّرة التي يشهدها منذ نحو عامين. ولطالما اتهمت الخرطوم وأطراف أخرى أبوظبي بدعم قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ العام 2023، وهو ادعاء لطالما نفته الإمارات. فأي دور للإمارات في السودان، وما هي علاقتها بقوات الدعم السريع؟

ما أهمية السودان للإمارات؟
يُعد السودان، إحدى أكبر دول أفريقيا، غنياً بالموارد الطبيعية بما في ذلك الأراضي الزراعية الشاسعة والغاز. كما أنه ثالث أكبر منتج للذهب في القارة. ويتشارك السودان حدوداً غربية طويلة مع ليبيا حيث تدعم الإمارات موالين لها في بنغازي، ويطل شرقاً على البحر الأحمر، الممر المائي الحيوي للنفط.

وفي العام 2021، استولى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة في السودان، بعد تنفيذ انقلاب مع نائبه حينها محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع. وبعد عامين، اندلعت الحرب بين البرهان وحميدتي، وسط اتهامات لقوى عدة، بما في ذلك الإمارات ومصر وتركيا وإيران وروسيا، بدعم أحدهما أو الآخر.

ويقول الباحث المتخصص في القضايا الأمنية في الشرق الأوسط أندرياس كريغ إنّ الهدف الأساسي للإمارات في السودان "يتعلق بالتأثير السياسي في بلد استراتيجي يكتسي أهمية كبيرة للغاية". وتنظر شركات مرتبطة بالإمارات إلى السودان باعتباره مركزاً للاستثمار في الموارد والمعادن والتجارة، بحسب كريغ.

من جهته، يقول الباحث السوداني حميد خلف الله إنّ "دولة الإمارات الصحراوية مهتمة بالموارد الطبيعية التي تفتقر إليها بما فيها المعادن والأراضي الصالحة للزراعة". ويضيف أنه من ليبيا إلى الصومال، "تتّبع الإمارات نمطاً للعمل مع القوات شبه العسكرية" لاستغلال موارد القارة.

وقدّرت منظمة "سويس إيد" في تقرير العام الماضي أنّ 66,5% من صادرات الذهب الأفريقية إلى الإمارات في العام 2022 تمّت عن طريق التهريب. وتُعد الإمارات، وهي مركز رئيسي لتجارة الذهب، المشتري الأكبر عالمياً لهذا المعدن الثمين من السودان، وهو قطاع يسيطر عليه دقلو إلى حد كبير.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ترييستي الإيطالية فيديريكو دونيلي أنّ حصر اهتمامات الدولة الخليجية بالذهب هو أمر "تبسيطي للغاية". وأضاف أنّ الإمارات تسعى أيضاً إلى "مواجهة النفوذ السعودي" في السودان و"منع انتشار الإسلام السياسي" الذي ترى فيه تهديداً لأمنها.

ما علاقة الإمارات بـ"الدعم السريع"؟
ترتبط دول خليجية بعلاقات مع الجيش السوداني منذ انضمام الخرطوم إلى التحالف الذي تقوده السعودية منذ العام 2015 لدعم الحكومة اليمنية في مواجهة جماعة الحوثيين. وقاد البرهان السودانيين الذين قاتلوا تحت مظلة السعودية، بينما قاتلت قوات الدعم السريع إلى جانب جنود من الإمارات، بحسب دونيلي.

منذ ذلك الحين، نشبت خلافات بين الحليفين الخليجيين التقليديين. ويشرح دونيلي أن دعم الإمارات دقلو، رغم نفيها ذلك، يهدف إلى "تحدي أهداف السعودية". من جهته، يرى كريغ بعداً أيديولوجياً للعلاقة، موضحاً أن الإمارات "اعتمدت على قوات الدعم السريع لاحتواء الشبكات المرتبطة بالإخوان المسلمين"، في حين يُربط بين الجيش وقيادات إسلامية من عهد النظام المخلوع للرئيس عمر البشير.

وواجه الجانبان مزاعم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليوناً. وفي يناير/ كانون الثاني 2025، اتهمت واشنطن قوات الدعم السريع بـ"الإبادة الجماعية" لارتكابها القتل والاغتصاب الجماعيين بحق جماعات عرقية.

وخلال الشهر نفسه، قال المشرعون الأميركيون إنّ الإمارات "خرقت" وعودها بوقف الدعم العسكري لقوات الدعم السريع. وتُدار الشؤون المالية الخاصة بدقلو من الإمارات، وفق كريغ، مضيفاً أنه بات رهن علاقة "اعتماد متبادل" مع أبوظبي. كما حصلت قوات الدعم السريع على دعم حيوي من الإمارات، بما في ذلك شحنات أسلحة عبر تشاد المجاورة، بحسب دبلوماسيين ومحللين ومنظمات حقوقية. وتنفي الإمارات تلك الاتهامات.

أي تأثير لشكوى السودان على الإمارات؟
رفع السودان، أول من أمس الخميس، شكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، على خلفية "التواطؤ في إبادة جماعية" بسبب دعمها المفترض للدعم السريع. وندّدت الإمارات بالشكوى التي وصفتها "حيلة دعائية خبيثة" مؤكدة أنها ستعمل على ردّها.

وتُعد قرارات محكمة العدل، التي تتخذ من لاهاي الهولندية مقراً، ملزمة قانوناً، لكنها لا تملك وسائل لفرض تنفيذها. لكن من شأن الخطوة أن تضرّ بسمعة الإمارات بحسب دونيلي الذي قال لوكالة فرانس برس إنه بات يُنظر لأبوظبي بشكل متزايد على الصعيد الدولي، وفي أفريقيا، على أنها "جهة مزعزعة للاستقرار". لكنه يضيف أن "الأهمية المالية والسياسية" التي اكتسبتها الدولة الخليجية خلال العقد الماضي "ستحميها على الأرجح من أي عواقب خطرة".

(فرانس برس)  

مقالات مشابهة

  • «47 مركبة و100 طائرة مسيرة».. الجيش السوداني يلحق خسائر فادحة لميليشيا الدعم السريع
  • قائد الجيش السوداني يضع شرطا صارما للسلام مع الدعم السريع
  • الجيش السوداني يبتدر عملية عسكرية كبيرة لاستعادة آخر جسر في الخرطوم من الدعم السريع
  • الجيش السوداني يكشف أسباب التصعيد في نيالا بين فصائل قوات الدعم السريع
  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  • الجيش السوداني يكثف هجماته على معاقل الدعم السريع وعينه على القصر الرئاسي ومركز العاصمة الخرطوم.. آخر المستجدات
  • الجيش السوداني يعلن تحقيق تقدم كبير في «النيل الأبيض»
  • أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب سيارات قتالية لـ”الدعم السريع” من الفاشر
  • السوداني يستقبل الجناح الثاني لحزب تقدم بزعامة زياد الجنابي