عربي21:
2025-04-07@19:06:03 GMT

كيف انتهى الحكم العماني في شرق إفريقيا؟ كتاب يجيب (1 من2)

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

كيف انتهى الحكم العماني في شرق إفريقيا؟ كتاب يجيب (1 من2)

الكتاب: كيف انتهى الحكم العماني في شرق أفريقيا؟ زنجبار أندلس أفريقيا المفقود، دراسة وثائقية
الكاتب: صالح محروس محمد محمد.
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي، الإمارات، 2023م
عدد الصفحات: 208 صفحة.


حظيت زنجبار بمكانة خاصة في المحيط الهندي، حيث تتميز بموقع استراتيجي، وتعد محطة تجارية مهمة في طريق التجارة بين الشرق والغرب، وزادت أهميتها بعد حفر قناة السويس بالإضافة إلى ما تتمتع به من ثراء في الثروة الطبيعية خاصة المحاصيل الزراعية مثل القرنفل، وجوز الهند.

وقامت بدور مهم كمركز لتجارة الرقيق في شرق أفريقيا بالإضافة إلى كونها مركزاً للحضارة العربية والإسلامية في شرق أفريقيا، وعن طريقها تم نشر الإسلام في تنجانيقا، الساحل الشرقي الأفريقي، وفى الكونغو(زئير) وإلى منطقة البحيرات الاستوائية العظمى بإفريقيا.

يسأل محروس في دراسته الوثائقية عن الكيفية التي انتهى بها الحكم العماني في شرق أفريقيا" أندلس أفريقيا المفقود؟، وحجم المؤامرة الدولية للوجود العربي العماني في شرق إفريقيا الذي استمر بشكل رسمي حوالي ثلاثمائة عام، والعلاقات التجارية الممتدة منذ آلاف السنيين حيث تكشف أسباب هذه المؤامرة، وتفاصيل أحداثها، وكذلك الموقف البريطاني، والإسرائيلي، والأمريكي، والعربي من تلك الأحداث، وكذلك الآثار التي خلفها هذا الغزو الأجنبي على شرق أفريقيا عموماً (خاصةً زنجبار). فكيف انتهى الحكم العماني لشرق أفريقيا؟ وكيف سقطت سلطنة زنجبار، والحكومة الشرعية بها في يناير 1964م، هذه الإشكالية حاول الكتاب معالجتها وكشف الغموض الذي اكتنفها والمغالطات التاريخية التي لحقت بها.

أسهمت بريطانيا بشكل مباشر في أحداث الغزو الأجنبي 12 يناير عام 1964 عن طريق مساعدة المتمردين بتسريح مسؤول الشرطة البريطاني لرجال الشرطة، وأخذ مفاتيح مخازن السلاح من العدد القليل من رجال الشرطة التي كانت موجودة، ورفض التدخل في زنجبار لمساعدة السلطان سواء منها أو من دول شرق أفريقيا، وعندما تمرد الجيش في كل من تنجانيقا وأوغندا وكينيا سارعت القوات البريطانية التي كانت موجودة في كينيا بقمع هذه التمردات بسرعة، مما يوضح الدور البريطاني المتعاون مع الإسرائيلي لتحقيق هدف واحد وهو القضاء على الحكم العربي في زنجبار.

بين محروس في دراسته عوامل نهاية الحكم العُماني، التي كان لبريطانيا الدور الأكبر في ذلك خاصة صناعة الطائفية في مجتمع كان مسالما لا يعرفها قط، وكيف اجتمعت قوى داخلية مثل حزب الأفروشيرازي، الذي أنشأته بريطانيا، وحزب الأمة مع قوى خارجية مثل نيريري واسرائيل ليصنعوا العنف في جزيرة زنجبار التي عاش أهلها في سلام على مدار عدة قرون في ظل الحكم العماني.

ما حدث في زنجبار ليس ثورة شعبية بل هو انقلاب لأن منفذيه لم يكونوا زنجباريين فقائد الانقلاب جون أوكيلو أوغندي الأصل، قاد حركة عنصرية موجهة ضد العنصر العربي، انقلاب عسكري دون مشاركة الشعب صاحب السيادة، انقلاب باركته ودعمته كل من بريطانيا وإسرائيل والحركة الشيوعية..قدم لهذا الكتاب السفير العماني بالقاهرة/ عبد الله بن ناصر الرحبي فيقول: "بدأت علاقات عُمان بشرق إفريقيا في شكل علاقات تجارية لتفوق عمان البحري في المحيط الهندي، تبعها الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا مثل هجرة النباهة وبني الحارث، وبني الجلندي وفق الظروف السياسية في عمان. ثم كان الدور العماني التاريخي الذي قامت به أسرة اليعاربة في طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا".

حمل الباب الأول من دراسة الكاتب عنوان: الوجود العماني في شرق أفريقيا، والتكالب الاستعماري، وتطرق فيه للوجود العربي في شرق أفريقيا، والتكالب الاستعماري الأوروبي على الإمبراطورية العمانية في شرق أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

زنجبار اسم يطلق على مجموعة جزر تابعة لتنزانيا في شرق إفريقيا، أهمها زنجبار وبمبا "الجزيرة الخضراء، وتقع في غرب المحيط الهندي، ثاني أكبر جزيرة به بعد جزيرة مدغشقر، وزنجبار معناها ساحل الزنج، ويمتد تاريخ زنجبار في أعماق التاريخ فالمرحلة الأولى حملت اسم ساحل الزنج ولم يشهد خلالها قيام دولة سياسية موحدة، أعظم دولة ظهرت فيها هي دولة الزنج، وعاصمتها كلوه، بالإضافة إلى عدد من الإمارات الإسلامية، وكان لكل إمارة أمير يدافع عن استقلالها السياسي والاقتصادي، وعنها يقول الكاتب: "كانت حضارات هذه الإمارات تفوق حضارة البرتغال نفسها في بداية القرن السادس عشر". (ص25)

أما المرحلة الثانية من تاريخ ساحل الزنج فهي مرحلة استعمار البرتغال لهذا الساحل لأهميته الاقتصادية، ووقوعه في طريق التجارة بين الشرق والغرب والانتقام من المسلمين، الذين حكموا شبه جزيرة أيبريا، والاتصال بمملكة القس يوحنا، المسيحية بالحبشة للتحالف معها ضد الوجود الإسلامي في مدن ساحل شرق إفريقيا، ودولة المماليك في مصر.. (ص27).

فعليا يرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق إفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد، وكانت هجرتهم بغرض التجارة، ليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج، فكان العرب أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرها، وكان هذا مقصوراً على التبادل التجاري، وتصريف منتجات سكان إفريقيا الشرقية في شتى الأسواق، وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصى، في بلاد البحر الأبيض المتوسط أي أن النشاط التجاري كان على أساس العلاقات التي كانت بين العرب عُمان  وشرق افريقيا.(ص28)

يقول الكاتب عن أسباب التوجه البحري العماني: "طوال السواحل العمانية، واحتوائها على عدد كبير من الموانئ الصالحة للملاحة خاصة صحار ومسقط، وأعطت تلك الموانئ لأهلها دور الوساطة في المناطق التي تقع على جانبيها بين سواحل شرق إفريقيا، وسواحل المحيط الهندي، والخليج العربي"، بالإضافة للعامل البشري المهم في قوة العلاقة بين العرب وشرق افريقيا، التي تتمثل في تفوق العرب بالأخص عرب عمان في ركوب البحر حيث أنهم عرفوا الانتقال عبر المحيط الهندي بحدوده المترامية، مما قوى العلاقة الاقتصادية بين الطرفين .

لعل أبعد الهجرات الإسلامية أثراً في تاريخ المسلمين بشرق إفريقيا تلك الهجرات التي أتت من شيراز في القرن العاشر الميلادي، واستقرت في القسم الجنوبي من الساحل، أو ما يقابل تنجانيقا ( تنزانيا)، وأسست دولة سواحيلية عرفت باسم (دولة الزنج) على يد علي بن الحسين الشيرازي الذي أنشأ مدينة كلوه، على أن الدور الأعظم في نشر الإسلام في شرق إفريقيا كان على يد السيد سعيد بن السلطان، الذي اتخذ من زنجبار مقراً لحكمه لعُمان وزنجبار معاً، وأخذت السلطنة في الاتساع، والشهرة العالمية، وانتشر الإسلام في عهده من الساحل إلى الداخل مع حركة القوافل التجارية (ص35).

على الرغم من الدور العماني الواضح في نشر الإسلام في شرق إفريقيا، وزنجبار لم ينتشر المذهب الإباضي، وهو مذهب أل بو سعيد بشكل واسع، والسبب أن الحكام البو سعيديين كانوا يقدمون المصالح التجارية على الشؤون السياسية والدينية، وظل المذهب الشافعي سائداً بين مسلمي شرق إفريقيا.

ذاع صيت زنجبار في العالم آنذاك، وأصبحت ذات شهرة عالمية في عهده حيث سعت الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية؛ لإقامة علاقات اقتصادية وسياسة مع السلطنة العربية الإفريقية الآسيوية في عهد السيد سعيد بن سلطان، فكانت زنجبار أولى الدول العربية التي عقدت معاهدة رسمية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام1833م، وأقامت قنصلية لها عام 1835م تولى أعمالها التاجر الأمريكي ريتشارد ولترز".. المصالح الأمريكية في شرق إفريقيا تتمثل في كونها مصدراً للرقيق الذي أخذته للعمل في مزارع القطن، وسعت للتجارة مع زنجبار للحصول على العاج، وتوريد الأسلحة، وبيعها في شرق إفريقيا" (ص42).

قامت بريطانيا بدور فاعل في تفتيت أوصال الإمبراطورية العمانية في شرق إفريقيا، فكانت ترمي إلى تثبيت سلطنة مسقط لزنجبار، بل إنها كانت تعترض أية محاولة من جانب زنجبار لضم مسقط، وأي محاولة من جانب مسقط لضم زنجبار.

يقول الكاتب: "الحقيقة أن إنجلترا كانت تعمل على تقسيم السلطنة العربية العمانية حتى تتمكن من السيطرة عليها بسهولة، وأتتها الفرصة عقب وفاة السيد سعيد حيث تم تقسيم السلطنة إلى قسمين الأول في مسقط يحكمه ثويني، والثاني في زنجبار يحكمه ماجد ولقد رفض السيد ثويني مبدأ التقسيم مؤكداً أنه هو الذي يجب أن تؤول إليه شرعاً، باعتباره الأبن الأكبر"، فتدخلت بريطانيا، وأصدرت قرار التحكيم الذي أصدره كاتنج حاكم الهند البريطاني عام 1861م، الذي قضى بإقامة سلطتين منفصلتين إحداهما في مسقط، وتتبعها عمان وملحقاتها في الخليج العربي، والثانية في زنجبار وتتبعها المستعمرات العربية على ساحل إفريقيا الشرقية (ص 44).

يرجع اتصال العرب الأوائل بساحل شرق إفريقيا إلى عدة قرون قبل الميلاد، وكانت هجرتهم بغرض التجارة، ليس الاستيطان واختلطوا بالأفارقة عن طريق الزواج، فكان العرب أقدم الأمم اتصالاً بالجماعات البشرية المقيمة على سواحلها قبل غيرها، وكان هذا مقصوراً على التبادل التجاري، وتصريف منتجات سكان إفريقيا الشرقية في شتى الأسواق، وربط المنطقة بأهم مصادر الإنتاج العالمي في الشرق الأقصىزادت الأهمية الاستراتيجية لزنجبار عام 1840م، كونها محطة مهمة في طريق التجارة بين الشرق والغرب، ومستودع للمواد الخام الآتية من إفريقيا، وزادت أهميتها بعد حفر قناة السويس عام 1869م، حيث أصبحت هناك حاجة لمحطات تخدم الملاحة في الطريق للهند، والأهمية الزراعية لزنجبار حيث أنها تتمتع بخصوبة التربة وتمركز زراعة القرنفل، فهي تنتج 80% من الإنتاج العالمي، على كل تم تقسيم ممتلكات زنجبار بين ألمانيا وبريطانيا عام 1886م، اعترفت فيها ألمانيا وبريطانيا بسيادة السلطان على جزر زنجبار، وبمبا، ولامو ومافيا، ومنح الحماية الألمانية على سلطنة ويتو وممرها إلى البحر على خليج ماندا، وتقسيم الأراضي الواقعة بين نهري روفوما وتانا بما فيها مقديشو على أنها منطقتي نفوذ ألمانية وبريطانية، ومن ثم حصلت بريطانيا على كينيا وأسمتها إفريقيا الشرقية البريطانية، وأخذت ألمانيا تنجانيقا وفقد السلطان معظم أملاكه. (ص55).

استعرض الكاتب في الباب الثاني أسباب المؤامرة الدولية على إنهاء الوجود العماني في زنجبار12 يناير عام 1964م، والمساعي البريطانية لإنهاء الوجود العربي في زنجبار، ورغبة إسرائيل في إنهاء الحكم العربي الإسلامي في زنجبار، والتوجه الإسرائيلي لشرق أفريقيا.

إن ما حصل في زنجبار في صباح الأحد الثاني عشر من شهر يناير 1964م، من قتل موجه وتشريد ضد العرب دفع النازحين للفرار إلى الدول العربية تاركين موطنهم زنجبار، وألقي الكثير منهم في البحر واعتقل الكثير لمجرد أنه عربي، وبالأخص عرب عمان، وكان كل ذلك رغبة بريطانية لإنهاء الوجود العربي في زنجبار، فما حدث في زنجبار ليس ثورة شعبية بل هو انقلاب لأن منفذيه لم يكونوا زنجباريين فقائد الانقلاب جون أوكيلو أوغندي الأصل، قاد حركة عنصرية موجهة ضد العنصر العربي، انقلاب عسكري دون مشاركة الشعب صاحب السيادة، انقلاب باركته ودعمته كل من بريطانيا وإسرائيل والحركة الشيوعية.. ص66.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الإمارات نشر الإمارات كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إفریقیا الشرقیة فی شرق أفریقیا فی شرق إفریقیا المحیط الهندی الإسلام فی العربی فی فی زنجبار التی کان عن طریق

إقرأ أيضاً:

إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب

الكتاب: إيران وحماس، من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى ما لم يرو من القصة
الكاتب: فاطمة الصمادي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات ط1،  الدوحة - قطر 2024
عدد الصفحات:  386.


ـ 1 ـ

عقدت الثورة الإيرانية الصلة بالفصائل الفلسطينية منذ كانت تحشد أنصارها وتجهز نفسها للاستيلاء على الحكم. فمن بريد الإمام الخميني تعرض الباحثة فاطمة الصمادي رسائل له تبادلها مع ياسر عرفات. وأبرز ما نتوقف عنده طلب الإمام الخميني من الزعيم الفلسطيني "التضامن مع شعبه المظلوم وأن يكون صوتاً لهم وأن يسخر وسائل إعلامه لإيصال صوتهم إلى العالم". ومن تورد أخرى وردت عليه من أبو جهاد عبر له فيها عن تضامن حركة فتح مع نضال الشعب الإيراني وعرض عليه وضع إمكانات منظمة التحرير تحت تصرفه وتصرّف معارضي الشاه.

وتذكر أنّ الخميني تفاعل إيجابا مع الرسالة. فعين ممثلا له لدى حركة فتح. ولاحقا عقدت بعض شخصيات الثورة الإيرانية المؤثرة علاقات مع المجموعات الفلسطينية المقاتلة في لبنان خوّل لها أن تفيد من خبراتها القتالية لتدريب العناصر التي أخذت على عاتقها بناء الحرس الثوري بعد أن استقام لها أمر الحكم. وهذا ما كان شاه إيران قد اشتكى منه. فقد قال في مقابلة مع مجلة "الحوادث" اللبنانية "لقد وقفنا، وما زلنا، إلى جانب الفلسطينيين، رغم أن بعض مجموعات المقاومة دربت مخربين إيرانيين على اقتحام أراضينا وقتل الناس وتفجير منشآت مختلفة. نحن نعرف كيف نميز بين عدالة قضية فلسطين والظلم الذي يوجه ضدنا من قبل بعض الفلسطينيين. ما أخشاه هو أن يسمح الفلسطينيون للظروف الدولية بجعل قضيتهم أداة لإستراتيجية سوفيتية أو إستراتيجية دولية أخرى على مصر والسعودية، وسوريا، والدول العربية الأخرى مساعدة الفلسطينيين على تجنب مثل هذه المآزق".

ـ 2 ـ

من الذين أسهموا في تدعيم العلاقات بين الثورة الإيرانية والفصائل الفلسطينية المقاومة أنيس النقاش عضو حركة فتح. فقد كان أول من أطلق تشكيلات المقاومة في جنوب لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1978. وكان هاجسه، فيما تنقل الباحثة عنه، كيفيةَ الاستفادة الروح الثورية في إيران لتفعيل الروح الإسلامية في جنوب لبنان. وبالفعل فقد أثمرت خططه شكلا من أشكال العودة إلى التدين في الكتيبة الطلابية، فبدأت عناصرها وضباطها يترددون على المساجد والحسينيات. وأمكن له استقطاب بعض المتطوعين الإيرانيين الرّاغبين في قتال الإسرائيليين في جنوب لبنان. فقد وكانوا جزءا من الثورة الإيرانية لكن بعد انتصارها حوّلوا وجهتهم إلى القتال في سبيل فلسطين. وبانتصار الثورة شكّلت إيران "وحدة المستضعفين وحركات التحرر". وأرادتها  الجمهورية الإسلامية أداة لتصديرها. وكان من بين العقول الدافعة نحو تركيزها، كل من محمد منتظري الشخصية ومهدي هاشمي (الذي أعدم في عهد هاشمي رفسنجاني بتهم كثيرة على صلة بمناهضة النظام والتحريض على الفتنة). فالرّجلان آمنا بأن قدر الثورة أن تكون عابرة للحدود وأن تتبنى القيم الثورية العالمية المشتركة، وحثا على عقد علاقات خارجية متشعبة تجاوزت المنظمات الإسلامية المعارضة في الخليج والعراق إلى المنظمات الثورية في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وأميركا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني.

ـ 3 ـ

مثل فيلق القدس صياغة جديدة لفكرة "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" ولكن بصورة مؤسسية أكثر. فقد أنيطت بعهدته مهمة تشكيل شبكة من الحلفاء بالخارج لتمثل"جبهة مقاومة قوية في مواجهة الصهيونية وأميركا في المنطقة من البحر المتوسط إلى شرقي آسیا" ولتجعل هدفها تحقيق مبدإ "وقف العدو خارج الحدود". وسيكون الدفاع عن إيديولوجيا الثورة الإيرانية موجهها الرئيسي بدل فكرة التحرّر مطلقا التي كانت تحكم "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" بحيث تكون إيران المركز الذي تخاض الحروب في الخارج حماية له.

شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.يشرح وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقاني سبب تسمية فيلق القدس بهذا الاسم. فيجعلها ترجمة ميدانية لمبدإ "طريق القدس يمر من كربلاء" وتجسيما لفلسفة خامنئي رئيس المجلس الأعلى للدفاع في إيران وقتها وللعقيدة الحربية الإيرانية برمتها التي تتبنى فكرة "الدفاع الفسيفسائي". والمراد بالعبارة خوض أتباع إيران المرتبطين بها عقائديا واقتصاديا وإستراتيجيا معارك صغيرة في بقاع متفرقة يستقل بعضها عن بعض. فإيران وفق خامنئي "لا تريد الآن الدخول بحرب هناك" (واسم الإشارة يعود على جنوب لبنان الذي هاجمته إسرائيل) فطريق القدس يمر من كربلاء. وهكذا يمكن للسلطة المركزية الإيرانية ممارسة الدبلوماسية في المنطقة من دون حضور ميداني عملياتي مباشر . ولكن عند حدوث هجوم أميركي أو إسرائيلي عليها، فبإمكانها أن تخوض حربا فسيفسائية عبر أتباعها وأن تجعل القواعد الأميركية والإسرائيلية في مرمى صواريخها.

ويقرّ علي خامنئي بفضل من أسماهم بـ"ـمدافعي الحرم". فيقول عن عائلاتهم "هذه العائلات لها دين في عنق الإيرانيين جميعًا، فقد قاتل أبناؤها دفاعا عن حريم آل البيت في سوريا والعراق وواجهوا أعداء إيران في الخارج، وبدون هذه المواجهة كان يمكن لهؤلاء الأعداء أن يدخلوا إيران، ولو لم يقفوا في وجههم فإن إيران كانت مجبرة على محاربتهم في كرمنشاه وهمدان وبقية المدن الإيرانية ".

ـ 4 ـ

ولم تغرق الباحثة في التفاصيل الكثيرة إلا لتوفر لنا قاعدة بيانات تخوّل لنا أن نفهم العلاقة بين إيران وحماس التي ستظهر على الساحة في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. وسيُحدث ميلادها تحولا كبيرا في جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فتنتقل من حركة اجتماعية تربوية إلى قوة سياسية عسكرية تزاحم القوى العلمانية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

تعرف حركة حماس نفسها ضمن المادة الثانية من الباب الأول من ميثاقها "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة. في التصور والاعتقاد في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع في القضاء والحكم. في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة". وسيكون لخلفيتها الإيديولوجية وقع كبير على علاقتها مع إيران مدّا وجزرا. فبين هذين المكونين من مكونات الإسلام السياسي من نقاط الالتقاء التي تقرّب بقدر ما بينهما من نقاط الاختلاف التي تباعد. فتتشابه مرتكزاتهما الفكرية في عدة جوانب، أبرزها النظر إلى الإسلام باعتباره أساسا لفلسفة  السياسية ومكانة الشريعة في الحكم وضرورة تطبيقها والموقف من الديمقراطية ومن منزلة المرأة في الأسرة والمجتمع ودورها في السياسية  والموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويختلفان جوهريا فيما يتعلق بالأهداف والأساليب والتفاعل مع السياقات السياسية المحيطة.

ـ 5 ـ

انتصر عرفات إلى صدام حسين عند غزوه للكويت ما جعله يخسر التعاطف الخليجي. ولعلّ موقفه غير الحكيم ما جعله يقود منظمة التحرير الفلسطينية في مسار تسوية أعرج. وبالمقابل، شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.

جعلت هذه التّحولات إيران تناقش صلتها الممكنة بحماس في أعلى دوائر صنع القرار.. ولمّا بدأت الاتصال بها رسميا كان بين قيادات الحركة من يعارض إقامة مثل هذه العلاقات. وتقدّر أنّ إيران تريد عبرها شيئا من القبول في الأوساط السنّية. وكانت  بعض القيادات الإيرانية تعارض بدورها هذه الخطوة. وكانت ظلال" الصراع الشيعي السني كثيفة. ثمّ عقد اجتماع بينهما في أحد فنادق الإمارات العربية المتحدة عام 1990 نقل خلاله الطرف الإيراني رغبته الصريحة في بناء علاقة مع الحركة.

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".ورغم التقارب طلبت حماس تأجيل تفعيل الصلة إلى ما بعد عقد مثلها مع السعودية والعراق. ورفضت مقترح الدعم المالي. ثم زار المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) طهران لأول مرة في سبتمبر1992. فأسست الزيارة تفاهما سياسيا شاملا بشأن القضية الفلسطينية. وفتحت قنوات مختلفة للتعاون في العمل المقاوم. ومثّل إبعاد إسرائيل 415 قياديا فلسطينيا من حماس والجهاد الإسلامي في أواخر 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوبَ لبنان، المنعطف الثاني في حياة العلاقة بين الطّرفين. فقد استغلت إيران الفرصة للتواصل مع نخب من حماس وتوفير الدعم لها.

ـ 6 ـ

تحقّق التواصل في مرج الزهور في ظل الحاجز المذهبي العميق بين حماس وإيران. فيذكر مجتبى ابطحي  أنّ عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يترأس اللجنة الإعلامية في مخيم المبعدين بادره قائلا: "ابق مكانك ولا تقترب أكثر" ويضيف: "أذكر تحفظهم، كانوا يعتقدون أننا كفار ومشركون ويظنون أننا نعبد الإمام علي، حتى إن بعضهم لم يكن يرغب بمد يده للسلام عليّ.. لكن لاحقا عقدنا رابطة أخوة".  فقد كان الاتفاق على عدم التطرق إلى الموضوع الفكري والطائفي في معسكرات التدريب. وكان طلب حماس أن تبقى فلسطين موحدة على مذهب واحد، لتكون قادرة على مقاومة الاحتلال، فلن يفيد فلسطين أن يصبح لديها مئة شيعي. وكان جواب الإيرانيين أنّ الجمهورية الإسلامية لا تسعى وراء تشييع فلسطين. وهذا ما ساعد على تفاهمات حول التدريب والتسليح وعقد الصلة بحزب الله. ولكن العلاقة تطوّرت أكثر بانتقال ملف حماس إلى مؤسسة الحرس الثوري. وتحقّق ذلك على مراحل ليصبح بإشراف هذا الجهاز كليّا عقب فوز حماس في الانتخابات، عام 2006. فقد مهّد وصول حماس للسلطة لمرحلة جديدة من الدعم الإستراتيجي العسكري والمالي. وكان على حماس تحمّل اتهامها بالتغاضي عما يصفه منتقدوها بـ "المشروع التخريبي الإيراني" في المنطقة.

ـ 7 ـ

مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".

تفسّر الباحثة هذا الارتباك في التعامل الإيراني مع هجوم حماس بعوامل عديدة. فالمشهد السياسي محكوم بانقسام حاد بين المعسكر الأصولي والمعسكر المحافظ. ولا حاجة له بقضايا خلافية جديدة. وطهران تدرك جيّدا أنها غير قادرة على حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينات. ولا يمكنها الرهان على فشل إسرائيل أمام هجوم حماس حتى تغيّر إستراتيجيتها الناجحة تجاهها. وطبيعة علاقتها بحماس تمنعها من الذّهاب بعيدا في دعمها. فالحركة ليست في مقام تلقي الأوامر كما هو الشأن بالنسبة إلى وكلائها ممن يشتركون معها في خلفيتها العقائدية، ولا يمكنها أن تكون يوما من "مدافعي الحرم" أو طرفا في فلسفة "الدفاع الفسيفسائي". ومبادئها معلنة: أن يكون عملها داخل الأراضي المحتلة، وأن يوجه بشكل مباشر ضد إسرائيل، وعليه فهي ملتزمة بألاّ تمارس أيّ عمل عسكري ضد أي دولة أخرى.

ولا ينفصل المستوى السياسي عن منظومة النضال ضد الاحتلال. فهو يتكامل مع فعل المقاومة المسلحة وقاعدة المصالح التي تنبني عليها التحالفات السياسية يجب أن تستند دائما إلى مصالح الشعب الفلسطيني أولا. أما استقلالية قرارها فخط أحمر يحصنها من كل تبعية للخارج.

ـ 8 ـ

تفسّر كل هذه العوامل تحول العلاقة بين الطرفين الإيراني والحمساوي من التجاذب في وسط الثمانينات إلى الودّ الذي ظل يتدعّم من بداية التسعينات إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023 إلى ما يصنّف سُنيا بالخذلان بعد طوفان الأقصى.

مقالات مشابهة

  • عندما انتهى بناء القارب.. جف النهر
  • السنيدي: قانون المناطق الاقتصادية يعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد العماني
  • نتائج مثيرة بـ"الشاطئية الخليجية".. واليوم مباراة قوية بين الأحمر العماني والأخضر السعودي
  • رئيس الوزراء البريطاني: العالم كما عرفناه انتهى
  • رئيس الوزراء البريطاني: لا رابح من حرب تجارية .. والعالم كما عرفناه انتهى
  • جنوب أفريقيا: لا نخطط للرد على التعريفات التي فرضها ترامب
  • “أمن أبين” يعلن الإطاحة بعصابة مخدرات في زنجبار مركز المحافظة
  • قرن على كتاب هز العقول !
  • عبدالله فلاته: النصر لعب كما أراد.. والهلال بات كتابًا مفتوحًا.. فيديو
  • إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب