شهر أيلول هو موسم "المونة" في معظم البلدات اللبنانية. تعد "المونة" في لبنان من التقاليد السنوية، التي يُعمل على تحضيرها مسبقا خلال فصل الخريف بغية استخدامها في الشتاء. لطالما كانت هذه الفكرة مرتبطة بعادات سكان لبنان، لكنها تحولت على مر السنين إلى حاجة ضرورية، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، إذ تساعد في تأمين الطعام بتكلفة مقبولة.


بعدما كانت "المونة" اللّبنانية تصارع من اجل البقاء باتت اليوم تظهر إلى الواجهة من جديد، هذه العادات الغذائية التقليدية في لبنان كانت في دائرة خطر الزوال. وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لجأ كثيرون وخصوصا النساء إلى الترويج لمنتوجاتهم عبر صفحات التواصل الإجتماعي، فتخطى البيع الأحياء والبلدات، واعتمد كثيرون على خدمة التوصيل داخل البلاد وحتى الخارج.
ومازال اللبنانيون متمسكون بالعادات القديمة بدق الزيتون بواسطة المطرقة الخشبية، وحين يبدأ موسم الزيتون تتوجه النساء إلى الجبال لقطافه. يجهزن العدة، ويخرجن باكراً قاصدات أماكنه. وبذلك، يحصلن على ما يمكنهن من تموينه لفصل الشتاء أو بيعه. ولا يمكنك مناقشة أي من سكان المنازل اللبنانية في "المونة" لأنهم يعتبرونها عنصراً أساسياً من تراثهم، ولا يؤمنون بأن المحال التجارية تبيع هذه الأصناف بجودة مماثلة لـ "مونتهم" ونظافتها.
بإصرار وتحد، تواصل "مونة ام ديب" تحضير المونة البلدية، في ظل أجواء الحرب، وتؤكد أن كل يوم يمثل تحديا جديدا بالنسبة لها، لكنها ترى في عملها وسيلة للحفاظ على جزء من هويتها وتراثها.
وقالت صاحبة صفحة "مونة ام ديب" إن "بين القرية والمدينة تطور التحضير وتحول إلى "بزنس". فمع الضائقة الاقتصادية التي ضربت البلاد، وفي عصر منصات التواصل الاجتماعي، لجأ كثيرون إلى الترويج لمنتجاتهن وحرّكت وسائل التواصل الاجتماعي البيع قليلا، حيث لجأت للترويج لمنتجاتها وتمكنت من بيع كميات جيدة من خلال الطلب، مشيرة الى أنه بدأت بعرض عينات من المونة المحضرة منزلياً،  مثل"دبس الرمان"، "رب البندورة"، "اللبنة المكرزلة"، وغيرها من المواد الغذائية. وباستخدام ما هو متاح، تحول الطماطم إلى دبس، والخضروات إلى مخللات، والتين إلى مربى.
وتابعت اعتدنا التسوّق الإلكتروني المتعارف عليه، لكن ما لم يكن بالحسبان ان تصبح المونة trending. يكفي أن تضع كلمة "مونة" لتنهمر الحسابات على وسائل التواصل الإجتماعي، من مختلف القرى والبلدات اللبنانيّة. مؤكدة أن الجودة تحل في المرتبة الثانية بعد "الماركتينغ" في أيامنا هذه، حيث الغلبة لمن يصل أسرع ويبيع أكثر في الأسواق.
وتقول إن "لا شيء مستحيل، فتقوم بتجفيف وتخزين كل ما يمكن تخيله، من الفواكه إلى الورقيات. تشمل قائمة المونة لديها الفريك، والملوخية، والبهارات اللبنانية، والمقطرات مثل ماء الزهر، إلى جانب العصائر".
ولفتت الى أن "الأسعار تضاعفت ثلاث مرات عن السنوات السابقة، وتحاول قدر الإمكان مسايرة الزبائن لكن مع ارتفاع الأسعار اضطررت لرفع أسعارها بعض الشيء، لكن من يحضر لها "مراطبينه" تحاول قدر الأمكان مسايرته".
وعن الأسعار، تؤكد ، بأنها لا تحقق أرباحاً طائلة مقابل عملها هذا، وتضع بالاعتبار الوضع الاقتصادي السيء.
وقالت "مونة ام ديب" أن المنافسة عالية بسبب كثرة منتجات المونة البلدية التي لا تتسم كلها بالجودة. والأسوأ أن بعضها متوافر بأرخص الأسعار بغض النظر عن جودتها، في وقت كلفة تحضير المنتجات البلدية الطازجة أعلى بكثير لو حضرت وفق الأصول. على سبيل المثال، يتطلب صنع "دبس الرمان" كثيراً من الجهد والوقت، فيما هو متوافر بأرخص الأسعار في الأسواق، وبمذاق دون المستوى.
وأكدت "أمونا حمدان"، التي تعمل في إعداد المونة المنزلية، في شبعا "أن المونة أصناف غذائية تتوفر في كل بيت لبناني، في القرى والمدن على حد سواء".
وقالت: صحيح أن الأوضاع تزداد سوءاً لكن روح المحبة والتعاون لا تزال مخيمة على أهالي الجنوب. لذا، فان مونة هذا العام تنجز" بكل حب" على الرغم من كل الصعوبات. فتخيل نفسك في إحدى القرى الحدودية، حيث تهدد الغارات والقصف الإسرائيلي حياتك بشكل دائم، ولكن، في وسط هذا الخراب، يحتفظ منزلك بكنز ثمين "المونة اللبنانية".
وأشارت الى أنه "من يريد تحضير المونة يبدأ هذه الأيام، لافتة إلى أن أهميتها أنها تبقى من عام إلى آخر، حيث تقوم بفرط أوراق النعناع المقطوفة لتجف وتخزينها لمونة الشتاء بالإضافة الى ذلك تجمع أوراق العنب لكبسه في عبوات البلاستيكية او الزجاجية".
وتتابع: "في السابق كنت أحضر خيرات الله من مكدوس الباذنجان، لكن بسبب ارتفاع سعر الباذنجان والجوز اضطررت إلى تخفيف الكمية هذه السنة، باختصار يصبح منزلي بعد تجهيز المونة مليئا بكل أنواع المأكولات، حتى أكثر من أي دكان".
وقالت "أمونا" أن في التحضير المونة البلدية لذة تعيدهم إلى زمن الأجداد، إضافة إلى أنها تؤمن كفايتهم من الأطعمة البلدية والمكونات التي يحتاجون إليها في غذائهم اليومي طوال العام من دون أي مواد حافظة، فإذا بهم يرفضون تناول أي أطعمة متوافرة في الأسواق أو لم تصنعها أيديهم، ولو كان شراؤها أسهل لهم. ولا نستطيع العيش من دونها كونها صحية وطبيعية، وتوفر الكثير من المصاريف في هذه الأوضاع الصعبة.
من جانبها، تقول سهيلة كنج من البقاع: "البيت بلا مونة ليس له قيمة، منذ صغري علمتني والدتي كيف أعدها وبدوري نقلت خبرتي لفتياتي".
وأكدت كنج أنه رُغم التعب الذي تعانيه ربة المنزل في هذا الموسم إلا إنّه هو موسم الخيرات بغض النظر عن الظروف الصعبة التي نمر بها هذه الأيام، حيث فرض علينا أن نخفف من كميات بعض الأنواع نتيجة ارتفاع الأسعار. والتعامل بالدولار ليس لطيفاً على الإطلاق، نذكُر كانت العائلة تشتري نحو 5 كيلوغرامات من الكشك في زمن مضى، اما اليوم، نكتفي بكيلو أو اثنين.
وتابعت: "التنافس على أشده بين محافظات لبنان على تجارة وتسويق المونة، خصوصا في قضاء مرجعيون جنوب لبنان، ومحافظتي الشمال والبقاع، أما الأكيد فهو أن المونة تعدت المأكولات الريفية البسيطة إلى سوق تجاري واسع".
وقالت كنج أن "مونة الشتا متل القرش الأبيض، بتخبّي لليوم الأسود، ونحاول التحصّن من أي امر طارئ بإمكانه ان يكون عاملاً مناخياً، او انقطاع مواد كما شهدنا هذا العام. او يدفعهم الخوف والشعور بالقلق من تكرار الحرب التي تدفع معظم اللبنانيين بالاكتفاء بما لديهم. فتلك الأسباب تُضاف في بعض الأحيان لحبّ تحضير المونة".
وتقول بفخر كبير: المونة جزء مني وأنا منها، ولا يمكنني التخلي عنها، مشددة: "نفتخر بتراثنا وتقاليدنا، وبحفاظنا عليهما في وقت غزت الأسواق كل أنواع المأكولات والمربيات التجارية التي لا طعم لها ولا فائدة غذائية منها".
في الختام، تعتبر مشاريع تحضير وبيع المونة المنزلية واحدة من ركائز التنمية الريفية وتمكين المرأة إقتصاديًا. وتبرز الحاجة إلى دعم هذا القطاع، إذ تشكّل هذه المشاريع حلقة اقتصادية مترابطة يستفيد منها المزارع وجميع العاملين في تحضير المونة، بالإضافة إلى منتجي المواد الأولية. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

بنت جبيل اللبنانية.. عقدة لواء غولاني الإسرائيلي

اكتسبت مدينة بنت جبيل جنوبي لبنان أهمية معنوية منذ ألقى الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله ما أسماه خطاب التحرير منها بعد انسحاب القوات الإسرائيلية عام 2000.

ووفقا لتقرير معلوماتي أعده صهيب العصا، فقد أصبحت المدينة الواقعة على بعد كيلومترات قليلة من الحدود حاضنة للحزب وقد استفزت الاحتلال أمنيا وعسكريا وكانت مسرح عمليات رئيسيا في السنوات التي تلت الانسحاب.

وتعتبر إسرائيل المدينة مقر القيادة الجنوبية للحزب، وقد شكلت منطلقا مهما لهجماته في مواجهات ما قبل الانسحاب. وقد اعتبر المستوى الأمني أن قوات الحزب منعت جيش الاحتلال من بلوغ الأنفاق الموجودة في المدينة.

عقدة الكتيبة 51

ومن هذا المنطلق، وضع الإسرائيليون بنت جبيل هدفا رئيسيا لهم في أي مواجهة مقبلة مع الحزب. وخلال حرب 2006، أطلق جيش الاحتلال ما تعرف بعملية "خيوط الفولاذ 2" في المدينة التي تعرضت لهجوم من 3 جهات شنّه لواء غولاني من الشرق ولواء مظلليين من الغرب وقوة من اللواء السابع المدرع من المرتفعات.

وفي 26 يوليو/تموز 2006، بدأت الكتيبة 51 التابعة للواء غولاني التوغل في قلب المدينة واندلعت معركة مع قوات حزب الله استمرت 11 ساعة قتل فيها 8 جنود وقادة من الفرقة وأصيب 25 آخرون، واعتبرت المعركة واحدة من أهم معارك لواء غولاني وأصعب معارك حرب لبنان الثانية.

وبعد فشل لواء غولاني في احتلال المدينة، قرر الاحتلال أنها ستكون هدفا أساسيا في أي معركة مستقبلية، وهو ما حدث خلال الحرب الأخيرة، أي بعد 18 عاما بعد آخر مواجهة.

وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عادت الكتيبة 51 مجددا إلى بنت جبيل بعد تمهيد إعلامي واسع، لكن القوة تعرضت لهجوم معقد انتهى بمقتل 6 من جنودها في المواجهة التي وصفت بـ"الكارثة" من جانب الإعلام الإسرائيلي.

ويعتبر لواء غولاني أهم وأشهر ألوية النخبة الإسرائيلية ويحمل الرقم "1" ويكنّى بـ"لواء الدولة" وقد تأسس لمهاجمة لبنان تحديدا، وقد خسر هذا اللواء 108 جنود وضباط في غزة ولبنان خلال الحرب الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • أسواق النفط تترقب وقف إطلاق النار في لبنان وسط استقرار الأسعار
  • بنت جبيل اللبنانية.. عقدة لواء غولاني الإسرائيلي
  • «الصحة اللبنانية»: 12 شهيدا و14 مصابا في غارات إسرائيلية على مناطق عدة بالبلاد
  • من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”
  • رئيس هيئة الدواء: مصر الأولى إقليميا في تحقيق الاكتفاء الذاتي الدوائي
  • الزمالك يكشف تفاصيل المؤتمر الصحفى الخاص بمواجهة بلاك بولز
  • حلقة عمل حول تحويل المهارات إلى منتج تسويقي بمحافظة مسندم
  • الصحة اللبنانية: 3754 شهيدا و15626 جريحا منذ بدء العدوان
  • هوكستين يُنذر إسرائيل.. والتصعيد يخيّم على جهود وقف الحرب اللبنانية
  • رئيس النواب الأردني: أمن المملكة واستقرارها فوق كل اعتبار وحادث الرابية عمل إرهابي جبان