لوفيغارو: 3 أسابيع في قلب السودان المدمر والمعزول عن العالم
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
الخرطوم، التي كانت ذات يوم جوهرة حقيقية تقع على ضفاف نهر النيل، لم تعد أكثر من حقل من الخراب والدمار، وأصبحت مقبرة مليئة بالجثث التي نهشتها الكلاب الضالة، ورائحة الموت تفوح في كل مكان، أما المحطة التلفزيونية، التي كانت معقلا للدعاية، فتحولت إلى مركز لتعذيب السجناء.
هذه هي الصورة التي رسمتها صحيفة لوفيغارو لعاصمة السودان هذه الأيام، وهي نتاج أكثر من عام من الحرب بين الأشقاء في الجيش السوداني النظامي برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تحول خلالها السودان إلى برميل بارود حقيقي، قتل فيه أكثر من 150 ألفا وشرد الملايين وانتشرت المليشيات، في حرب تدور رحاها خلف الأبواب المغلقة، وترافقها أزمة إنسانية كبيرة.
واستعرضت الصحيفة عملا مصورا أعده الصحفي المصور إيفور بريكت لصحيفة نيويورك تايمز، تحت عنوان "حرب فوق النيل: السودان المجزأ"، بعد أن قضى أسابيع مع الصحفي والكاتب ديكلان والش في السودان، واحدة من أكثر الدول انغلاقا على الصحفيين في العالم.
وحسب الصحفيين، فقد أدت الانتصارات المتتالية لقوات الدعم السريع على قوات الجيش النظامي إلى انتشار الجماعات المسلحة التي انضمت إلى القتال لدعم الجيش، والأسوأ أن شبح المجاعة الذي يمكن أن يتسبب في وفاة مئات الآلاف من الأطفال في الأشهر المقبلة يحوم مثل السيف فوق شعب وقع في ورطة وانقطع عن العالم.
يقول بريكيت "من الصعب جدا الحصول على تأشيرة لدخول إلى البلاد. ولم يتمكن سوى عدد قليل من الصحفيين من الدخول. ولحسن الحظ، تمكنا من الحصول على التأشيرة"، وهكذا، وصل بريكيت وولش ومستشار أمني بالطائرة في أبريل/نيسان الماضي إلى بورتسودان على ساحل البحر الأحمر قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى الخرطوم برا.
وأشار الكاتب إلى أن قذائف المدفعية كانت تسقط بلا هوادة على المستشفيات والمنازل، وقد شاهد الصحفيان السكان وهم يدفنون موتاهم عند أبواب منازلهم الأمامية دون مراسم، في محاولة يائسة لمنح الراحل بعض مظاهر الكرامة، كما شاهدوهم يتجمعون، غاضبين لتشكيل مليشيات مدنية تزيد من تعقيد فسيفساء الصراعات التي تهز البلاد.
ويصف الثنائي الصحفي مدينة تتغير فيها الخطوط الأمامية باستمرار، حيث يصبح كل شارع ساحة معركة محتملة، ففي الجزيرة الوسطى التي كانت ذات يوم مكان تنزه وسياحة للسكان، لا يكسر الصمت الثقيل الآن سوى أزيز محركات الطائرات المسيرة فوق النهر العظيم، متتبعة أهدافها بلا هوادة.
ويلتقي المراسلون بالدكتورة مناهل محمد في مستشفى علياء، حيث تعالج الجنود في مبنى يتعرض باستمرار لنيران القناصين، ومن النوافذ المنفجرة، يرون الصورة الهيكلية لوسط مدينة الخرطوم، حيث الوزارات والفنادق الفاخرة وناطحات السحاب التي بنيت خلال الطفرة النفطية في التسعينيات تكشف اليوم عن مدينة مشوهة، سقطت بشكل نهائي في الفقر، وأصبحت معالمها مجرد ذكريات.
وفي بداية أغسطس/آب، حذرت الأمم المتحدة في بيان صحفي من أن 26 مليون شخص معرضون لخطر الإصابة بمشاكل تغذية حادة، وقال ستيفن أومولو، نائب المدير العام لمكان العمل والإدارة في برنامج الأغذية العالمي، "لم يتم الالتفات إلى تحذيراتنا"، وقال إن لجنة مراجعة خلصت إلى وجود مجاعة في دارفور، وإن مناطق أخرى تتعرض لتهديد خطير.
ويتجمع اللاجئون، الذين يقدر عددهم بأكثر من 10 ملايين، على الحدود مع تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، ويواجه أكثر من نصف سكان البلاد مستويات حرجة من المجاعة، ويتعرض 230 ألف طفل لخطر الموت، في أزمة غذائية يمكن أن تكون أكثر فتكا من تلك التي شهدتها إثيوبيا في الثمانينيات.
السودان عالقة في دوامة حرب يمكن أن تنجذب إليها دول أخرى في المنطقة من خلال تأثير الدومينو
وفي مواجهة الكارثة، يحاول البعض المساعدة بكل ما يستطيعون، مثل مطبخ الحساء المرتجل الذي لا يزال يقدم وجبات الطعام، ويموله الشيخ الأمين من جيبه الخاص، وهو يرأس مركزا صوفيا إسلاميا له فروع في لندن ونيويورك ودبي، كما أنه رجل أعمال وصاحب منجم ذهب وشركة لتصدير اللحوم، وقد أصبح الشخصية الأكثر شعبية في البلاد اليوم، حسب الكاتب.
وعلى صعيد التدخل الأجنبي، عبر الخبراء الأميركيون أكثر عن انتقادهم وقلقهم من تأثير دولة الإمارات التي أصبحت أكبر مورد للأسلحة في هذا الصراع، والتي قامت -حسب تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز- بتزويد القوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بالأسلحة في انتهاك للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى، يقال إن الجيش النظامي المدعوم من مصر لجأ إلى إيران للحصول على طائرات مسيرة، كما أن مرتزقة فاغنر الروسية في بداية الحرب عام 2023، زودت قوات الدعم السريع بصواريخ مضادة للطائرات، مما دفع أوكرانيا إلى نشر وحدة صغيرة من القوات الخاصة لمساعدة الجيش السوداني.
وأشار الكاتب إلى أن السودان عالقة في دوامة حرب يمكن أن تنجذب إليها دول أخرى في المنطقة من خلال تأثير الدومينو، فهي تسبب توترات في تشاد، وتحرم جنوب السودان من عائدات النفط الحيوية، وقد تنزلق إليها إثيوبيا التي يتهمها السودان بدعم قوات الدعم السريع، مما يدفع إريتريا، منافستها التقليدية لإعلان مساعدتها للجيش النظامي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الدعم السریع یمکن أن أکثر من
إقرأ أيضاً:
كيف تفاعل النشطاء مع التراجع الكبير لقوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني؟
وأثار تقدم الجيش حالة من الفرح في صفوف السودانيين الذين ينتظرون استعادته السيطرة على العاصمة بشكل كامل.
وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش السوداني تقدم قواته بشكل كبير في محور مدينة الكاملين بولاية الجزيرة وسط البلاد، وقال إنه "طهرها من قوات الدعم السريع".
وأكدت مصادر محلية للجزيرة أن الجيش السوداني بسط سيطرته على مدينة الكاملين، التي كانت آخر معاقل الدعم السريع، لتصبح ولاية الجزيرة وسط البلاد تحت السيطرة الكاملة للجيش باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.
ومدينة الكاملين هي كبرى مدن شمال ولاية الجزيرة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 65 كيلومترا. وقد تداول ناشطون مشاهد لاحتفالات مواطنين سودانين في مدينة الكاملين بعد سيطرة الجيش عليها.
ولم تعلق قوات الدعم السريع على ما أعلنه الجيش، لكن مستشار قائدها الباشا طبيق قال إن قواته في محور شرق النيل بولاية الخرطوم تمكنت من صد قوة من قوات "درع السودان" المساندة للجيش السوداني.
فرح على مواقع التواصل
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، علَّق نشطاء على هذه التطورات الميدانية التي اعتبرها البعض مفرحة، حيث كتب ناشط يدعى "كونت" أن "الأخبار اللي جاية من السودان تفرح القلب، الجيش السوداني سيطر خلاص على وسط وقلب ولاية الجزيرة ودخل مدينة الكاملين آخر معاقل الدعم السريع في الولاية".
إعلانكما كتب حلفاوي "فرحة الشعب السوداني بدخول القوات المسلحة إلى مدينة الكاملين.. هل هذا هو الشعب الذي تريدون أن تحكموه؟ هل يوجد إثبات أكثر من هذا أن هذه الحرب التي تخوضونها ضد شعبنا؟".
في المقابل، قال أبو علي "إعلان تحرير الخرطوم يبدأ الآن من مدينة الكاملين"، في حين قال أبو القاسم "ينتصرون في الإعلام والدعم السريع ينتصر في الميدان".
وزار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بلدة "ود أبو صالح" شرقي الخرطوم، والتي استعادها الجيش السوداني مؤخرا، وقد توعد بملاحقة قوات الدعم السريع.
وتحدث البرهان عن جسر سوبا شرقي العاصمة، وهو جسر حيوي يربط بين منطقة شرق النيل وجنوب الخرطوم، والتي تعد حاليا المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع.
وفي آخر التطورات الميدانية، قال الجيش السوداني اليوم الأربعاء إن قواته سيطرت على حي الرميلة ومقر الإمدادات الطبية ودار صك العملة في الخرطوم.
وقالت مصادر ميدانية للجزيرة إن الجيش أصبح على مقربة من شارع الغابة المؤدي إلى وسط الخرطوم، حيث تتمركز قوات الدعم السريع.
5/2/2025