عربي21:
2025-01-31@00:11:22 GMT

قراءة في ملف الاغتيالات الإسرائيلية

تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT

برغم أن ملف الاغتيال والقتل خارج القانون والاستهداف الانتقائي كلها من أساليب نظام الاحتلال، إلا أن بعض حالات القتل تتميز بفظاعتها من جهة وردود فعل بعض الجهات أو الدول من جهة ثانية.
وقد أصبح واضحا أن عيون العالم لا تذرف دموعها للقتل اليومي الذي يحصد أرواح المدنيين بشكل مكشوف خصوصا خلال العام الأخير. مع ذلك تحدث ضجة حين يكون الاستهداف وقحًا وفظًّا ويحمل سمات التحدي للجهات أو الدول التي ينتمي إليها الضحية.

وقد جاء قتل الناشطة التركية الأمريكية، عائشة نور إزجي البالغة من العمر 26 عاما ليحرّك مشاعر الحكومة التركية نظرا لما فيه من تحدٍّ واستهتار.

ولكن السؤال: هل ستفعل تركيا شيئا؟ لم تكن الضحية عنصرا قياديا في مقاومة الاحتلال، ولكن مشاعرها الإنسانية دفعتها للمشاركة في احتجاج ضد التوسع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية.

واعتبرت وزارة الخارجية التركية أن عائشة «استُهدفت وقُتلت عمدا على يد جنود إسرائيليين خلال مظاهرة سلمية تضامنا مع الفلسطينيين».

الواضح أن القتل كان عملية اغتيال ميدانية، ولذلك فهي جريمة تقع ضمن «القتل خارج القانون».
والسؤال هنا: هل تمارس سلطات الاحتلال سياساتها ضمن القانون الدولي؟ أم أن الاحتلال نفسه ليس له صفة قانونية؟ ألا تعتبر الأمم المتحدة أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي التي احتلت في العام 1967 غير قانوني؟ ولكن في عالم ليس فيه من يحمي القانون استمر احتلال تلك الأراضي قرابة العقود الستة ولا يلوح في الأفق احتمال إنهاء «إسرائيل» احتلال الضفة الغربية وغزة.

القتل أقسى ما يمكن أن يمارسه إنسان بحق آخر. ومنذ القدم كان البشر يتحدثون عن أن الإعدام هو عقوبة القتل. وجاء في شرائع الأمم السابقة «العين بالعين، والسن بالسن» حسب التعبير القرآني. والهدف من التشدد في العقوبة الردع عن إزهاق الأرواح وقتل الأنفس البريئة. ولكن التجربة البشرية تشير إلى أن الشر لا تردعه العقوبة حتى لو كانت الإعدام. هذا يؤكد قوة الشر وهيمنته على النفس الإنسانية، وضعف إرادة البعض أمام ما تعتبره «استفزازا» أو دفاعا عن النفس أو تصديا للآخر المناوئ.

 ومن الضروري التأكيد على أن القتل ليس ممارسة محبّبة لدى أغلبية البشر، فهو ممارسة مقززة تخافها النفوس الطيّبة ولا يقدم عليها ذوو العقل الراجح والأخلاق السامية. وقد حرّم الله الاعتداء على النفس فاعتبر قتل نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعا: من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا. إنه التشريع السماوي الهادف لكبح النزوات الشيطانية واستبدالها بنوازع الخير والصلاح. فما أحلى الحياة حين يسود الحب والتفاهم والإخاء والرأفة، وما أقساها إذا استحوذ الشيطان على النفوس وعاث في الأرض فسادا بانتشار ثقافة الانتقام والتشفّي خارج القانون.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون وحده لا يكفي لردع البشر عن ارتكاب الموبقات. وتقل قوته الردعية حين يتجرّد الحاكم من إنسانيته ويستبدلها بالقسوة والعنف. يضاف إلى ذلك أن غياب الخوف من ردة الفعل والقدرة على إنفاذ حكم القانون يشجع ذوي السلطة على ارتكاب الفظاعات بحق البشر. وهذا ما يحدث في الأراضي المحتلة. وما قتل الشابة المذكورة إلا تأكيد لذلك.

هل غريب أن يُقتل أكثر من 41 ألفا من الفلسطينيين أمام مرأى العالم ومسمعه. هذا العدد لم يُقتل دفعة واحدة في يوم واحد، بل على مدى أحد عشر شهرا ضمن حملة عسكرية متواصلة لم يمتلك «العالم الحر» الجرأة أو الشجاعة أو الإنسانية للدعوة لوقفها
صحيح أن الحكومة التركية تعهدت بإجراءات ضد كيان الاحتلال، ولكن ليس ورادا أن يكون هناك رد فاعل ورادع حقا. ألم تقتل القوات الإسرائيلية في مايو 2010 عشرة من الأتراك الذين كانوا على ظهر سفينة «مرمرة» التي كانت تسعى لكسر الحصار على غزة؟ كان هناك احتجاج كبير ولكن لم يدفع المعتدون فاتورة جريمة قتل الأبرياء.
عندما استهدفت القوات الإسرائيلية الشابة الأمريكية راتشيل كوري في مارس 2003 وقتلتها عمدا، تجاهلت الحكومة الأمريكية تلك الجريمة ولم تتعرض قوات الاحتلال لرد حقيقي. كانت الشابة التي لم تكمل الرابعة والعشرين من العمر تحاول وقف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مبان مدنية للفلسطينيين في مدينة رفح بقطاع غزة. وكان بإمكان سائق الجرّافة التوقف عندما اعترضت الشابة المتعاطفة مع القضية الفلسطينية طريقها، ولكنه لم يفعل، بل قتلها أمام كاميرات التصوير. يومها حدثت ضجة كبرى لما اعتبر «إعداما» وقع خارج القانون، واعتقد البعض أن أمريكا سوف تتخذ إجراءات ضد القتلة، ولكن لم يحدث شيء. الحديث هنا يدور حول مواطنة أمريكية مارست حقها في الاحتجاج السلمي ودفعت حياتها ثمنا لذلك على أيدي حليف مقرّب من أمريكا التي تدعمه بالمال والسلاح وتصر على ضمان أمنه وتفوقه العسكري على الجانب العربي.

فماذا يعني ذلك؟ أليس ذلك الموقف تشجيعا على ارتكاب المزيد من القتل خارج القانون؟ هل غريب بعد ذلك أن يُقتل أكثر من 41 ألفا من الفلسطينيين أمام مرأى العالم ومسمعه. هذا العدد لم يُقتل دفعة واحدة في يوم واحد، بل على مدى أحد عشر شهرا ضمن حملة عسكرية متواصلة لم يمتلك «العالم الحر» الجرأة أو الشجاعة أو الإنسانية للدعوة لوقفها. ما معنى ان يصمت إنسان أو حكومة أو مجتمع أو عالم على القتل الجماعي لآلاف المدنيين بشكل متواصل لم يتوقف يوما؟ كيف يمكن الحفاظ على أمن الكوكب وشعوبه من العقليات الشغوفة بالقتل والمصرّة على الانتقام بأبشع الأساليب؟

على مدى ثلاثة أرباع القرن لم تتوقف آلة الموت الإسرائيلية عن استهداف أهل فلسطين وكل من يمارس دورا ولو كان سياسيا لوقف عملها. هذه الآلة وسّعت نطاق عملها لتطال اغتيالاتها رموزا سياسية خارج حدود فلسطين، شملت لبنان والأردن ومصر والعراق وتونس ومالطا وسواها. تم ذلك تحت شعار «الدفاع عن النفس» الذي رفعته قوات الاحتلال. وكرّر المسؤولون الأمريكيون والغربية ذلك الشعار بدون توقف، حتى بدا أن تكراره تبرير للقتل الجماعي الذي تمارسه قوات الاحتلال والاغتيالات خارج الحدود والقتل خارج القانون في كل مكان.

أهذا هو الشرق الأوسط الذي يتحدث البعض عن مشاريع لحماية أمنه بمشاركة إسرائيلية؟ فإذا كان الناس لا يأمنون على أنفسهم من الاعتداءات الإسرائيلية فما الأمن الذي يتوقعونه؟ إذا كان الفلسطيني مهددا بفقد حياته وتصفية عائلته وهدم منزله في أية لحظة بدون تردد، فكيف يستطيع منح محتليه الثقة بإمكان التعايش الآمن على أرض فلسطين؟ هل هناك اليوم شعب يعاني من الاحتلال والتصفية وفقدان الأمن وتكالب الغربيين عليه كما هم أهل فلسطين؟

لقد أصبحت مشاهد الشباب والأطفال الذين هم في عمر الزهور وقد مزقت آلة العدوان الإسرائيلية أشلاءهم بدون رحمة منظرا مألوفا يحدث كل يوم، وتتناقه وسائل التواصل الاجتماعي، حتى فقد تأثيره على النفوس لكثرة تكرره. وربما يكون ذلك ضمن سياسة إسرائيلية لتطبيع النفوس على التعايش مع القتل الجماعي والمشاهد المروّعة. فلو حدث واحد من تلك الجرائم في بلد آخر لاهتز العالم لفظاعتها، ولكن نظرا لتكررها في فلسطين لم تعد قادرة على تحريك المشاعر وشحذ همم النشطاء للعمل لوقف العدوان المتواصل. إنها إزمة أخلاقية من شأنها أن تضعف المشاعر الإنسانية إزاء الكوارث والمآسي، والأحاسيس التي تعتبر ضرورة لتوجيه السلوك الإنساني.

وهكذا أصبحت مشاهد الدم التي تراق في غزّة غير ذات أثر على السياسين وكذلك البشر العاديين، لغزارتها، كما أصبح عويل الأمهات لفقد أبنائهن لا يحرّك مشاعر الأسى في النفوس. فليس الغربيون وحدهم الذين توقفت أحاسيسهم عن إدراك معاناة أهل فلسطين، بل العرب والمسلمون وصلوا إلى هذا المستوى من البرود في المشاعر، حتى توقفت أساليب الاحتجاج التي كانت من قبل مؤشرا للتفاعل مع قضية فلسطين.

فأين هي التظاهرات الداعمة لغزة والضاغطة على الأنظمة ليس لوقف التطبيع فحسب، بل لدفع الحكومات لعمل شيء ما لحماية الأطفال والنساء والدفاع عن حق الحياة الذي تخلّت عنه قوات الاحتلال.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال الفلسطينيين فلسطين الاحتلال الاغتيالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الاحتلال

إقرأ أيضاً:

السيسي يشدد على تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية للتصدي للتحديات التي تهدد كيان الدول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية في التصدي للتحديات التي تهدد كيان الدول، مع أهمية العمل الجماعي لوضع قواعد دستورية إفريقية مشتركة لمواجهة تلك التحديات.

واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، رؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة المشاركين في المؤتمر  الثامن الذي تنظمه المحكمة الدستورية العليا المصرية لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الإفريقية، وذلك بحضور المستشار بولس فهمي رئيس المحكمة الدستورية العليا وعدد من قضاة المحكمة.

وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الرئيس رحب بالحضور، وشدد على الأهمية التي توليها مصر لدعم وتعزيز دور السلطة القضائية في المجتمعات الإفريقية، مؤكدًا على أن تنظيم هذا المؤتمر وانتظام عقد اجتماعاته يعكس وحدة الأهداف والمصير المشترك بين شعوب القارة، التي تمتاز بالالتزام بقيم الحق والعدل، والتطلع لتعزيز مبادئ سيادة القانون، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق والحريات.

وأضاف السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي، أن الرئيس أكد على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات القضائية في ضمان أمن واستقرار دول القارة، فضلًا عن دورها الحيوي في مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الدول الإفريقية، لا سيما في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة.

مقالات مشابهة

  • “الأونروا” تعلن نقل موظفيها خارج مدينة القدس المحتلة بسبب قرارات قوات الاحتلال الإسرائيلية
  • فتح: الاحتلال الإسرائيلي مستمر في ممارسة القتل والعدوان بالضفة الغربية
  • ما هي إجراءات تنفيذ حكم صادر ضد شخص متواجد خارج البلاد؟ القانون يجيب
  • يوم بكى فيه صقور الاحتلال.. قراءة في كتابات إسرائيلية
  • عمر الشريف أسير مقدسي محرر حكم بـ18 مؤبدا وأبعد خارج فلسطين
  • رمضان مشاهرة أسير محكوم بالسجن 20 مؤبدا أبعد قسرا خارج فلسطين
  • الاتحاد الأوروبي: المستوطنات في فلسطين غير قانونية بموجب القانون الدولي
  • دعوة إسرائيلية لعدم إبعاد الأسرى خارج فلسطين لصعوبة متابعتهم
  • قراءة فكرية في التغيرات الكبرى التي صنعها السيدُ حسين بدرالدين الحوثي
  • السيسي يشدد على تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية للتصدي للتحديات التي تهدد كيان الدول