الدكتور سلطان القاسمي يكتب: حقيقة تاريخ عُمان (2)
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
الدكتور: سلطان بن محمد القاسمي
وصل الأزد بقيادة مالك بن فهم إلى عُمان، وكانوا قادمين من مأرب بعد أن أجلاهم السيل العرم.
لقد ذكر الله تعالى قصتهم في سورة سبأ، حيث قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ لَقَد كَانَ لِسَبَإ فِي مَسكَنِهِم ءَايَةۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالۖ كُلُواْ مِن رِّزقِ رَبِّكُم وَٱشكُرُواْ لَهُۥۚ بَلدَة طَيِّبَة وَرَبٌّ غَفُور ﴿15﴾ فَأَعرَضُواْ فَأَرسَلنَا عَلَيهِم سَيلَ ٱلعَرِمِ وَبَدَّلنَٰهُم بِجَنَّتَيهِم جَنَّتَينِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثلٖ وَشَيءٖ مِّن سِدر قَلِيل ﴿16﴾ ذَلِكَ جَزَينَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَل نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلكَفُورَ ﴿17﴾ وَجَعَلنَا بَينَهُم وَبَينَ ٱلقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرنَا فِيهَا ٱلسَّيرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ﴿18﴾ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِد بَينَ أَسفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُم فَجَعَلنَٰهُم أَحَادِيثَ وَمَزَّقنَٰهُم كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور ﴿19)﴾ (سورة سبأ، الآيات 15-19)
جاء في السورة: السيل العرم: سيل شديد لا يطاق.
كان معظم المؤرخين يذكرون أن تصدع السد كان من بداية التقويم الميلادي، وما تلاه من السنين، ما عدا أحمد حسين شرف الدين في كتابه «اليمن عبر التاريخ»، حيث ذكر أن تصدع السد كان نحو سنة 115 قبل الميلاد.
عندما وقع السيل العرم تفرقت الأزد في أنحاء شتى من أرض الجزيرة العربية، أما مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الأزدي، فقد توجه إلى أرض عُمان.
ذكر سلمة بن مسلم العوتبي في مخطوطة كتاب الأنساب قائلاً:
«وتقدّم مالك بن فهم الأزدي في قبائل الأزد ومن معه من أحياء قضاعة إلى أرض عُمان، فدخلوها في عسكرهم، في قبائل من قومهم من قضاعة، من الخيل والرجال والعدة والعدد، فوجد بعُمان الفرس من جهة الملك دارا بن دارا بن بهمن بن إسفنديار، وهم يومئذ أهلها وسكانها، والمتقدّم عليهم المرزبان، عامل ملك فارس».
إن ادعاء التملك لعمان من قبل الحكام الفرس لاقى أصداء في الأسطورة العمانية، كما جاء في كتاب كشف الغمة، الذي يحكي قصة الحرب بين الأزديين والحكام الفرس في عُمان، ومن المعتقد أن تاريخ بداية الحكم الفارسي في عُمان، وحتى طبيعته، هو أمر وهمي للغاية.
وقع سلمة بن مسلم العوتبي في خطأ عظيم، حيث ذكر أن أهل عُمان وسكانها من الفرس، وتبعه، مع الأسف، مؤرخو عُمان. ولتصحيح ذلك الخطأ نذكر ما يلي:
أولاً: إن سكان عُمان هم من الحميريين الذين اتخذوا ظفار عاصمة لهم.
ثانياً: إن قوم عاد دخلوا عُمان مع النبي هود عليه السلام، ومن ثمّ من لحق بهم ممن ارتحل من ساحل المهرة، والبدو من الصحراء.
ثالثاً: إن هناك ملوكاً عرباً قد حكموا عُمان من الملك «باد» ومن بعده الملك «ماكان».
جاء ذكر الملك الفارسي «دارا بن دارا»، وهو الملك «داريوس» بن «داريوس»، الذي حكم فارس ما بين سنة 335 إلى 330 قبل الميلاد، وبذلك يكون وقوع السيل العرم في ذلك التاريخ، (سنة 335 - 330 قبل الميلاد).
عندما وصل مالك بن فهم إلى عُمان اعتزل بمن معه من جانب قلهات من شط عُمان، ليكون أمنع لهم، وترك العيال والأثقال، وترك معهم عسكراً لحمايتهم، وسار ببقية العسكر حتى نزل بناحية الجوف، فعسكر عسكره، وضرب مضاربه بالصحراء هناك، والجوف تشمل إزكي وأعمالها، ونزوى وأعمالها، وبهلا وتوابعها إلى الجبل الأخضر شمالاً.
فرّ من إزكي ملك عُمان، وهو لا بد أن يكون من أحفاد الملك «ماكان»، إلى الساحل الغربي من عُمان، ومن هناك بعثوا لملك فارس «داريوس» يطلبون منه المدد، وكانت الرسالة كما يلي:
من مزون إلى «داريوس» ملك فارس، وكان مع ملك عُمان حكومته وجيشه في الساحل الغربي لعمان.
ففي القواميس العربية: مزن: فرّ من عدوه، ومزون: الفارون من أعدائهم. كذلك في القاموس الفارسي، لغة نامة: مزون: الفارون من أعدائهم.
قام المزون (أي الفارون من أعدائهم) بالتعاون مع الفرس لاستعادة ملكهم، فنزلوا بصحراء سلوت قريباً من نزوى، وتقابل الجيشان، وما هي إلّا عدة أيامٍ من النزال حتى انهزم المزون ومن معهم من الفرس، واستقروا في الإقليم الغربي لعمان.
في نهاية سنة 331 قبل الميلاد، وصل الإسكندر الأكبر إلى جنوب شرقي الموصل، وتقابل مع «داريوس» الثالث في معركة هزم فيها «داريوس» الثالث. أخذ الإسكندر الأكبر يطارد القوات الفارسية، حينها هرب الملك داريوس الثالث، ومعه ضباطه إلى الجبال، حيث قام ضباطه وقتلوه، فاستولى الإسكندر الأكبر على فارس.
في فارس، توفي الإسكندر الأكبر في قصر نبوخذ نصر، على ضفاف نهر الفرات، في شهر يونيو سنة 323 قبل الميلاد، فتقاسم إرثه قُوّاده: «أنتيغونس» «Antigonus» حكم مقدونيا، و«بطليموس» «Ptolemy» حكم مصر، و«سلوقس نيكاتور» «Seleucus Nicator»، ويقال له الأول، وهو مؤسس سلالة «سلوقس»، وقد حكم فارس وسوريا، والساحل الغربي من عُمان.
علم «سلوقس» الأول أن عُمان تملك ميناء دبا التجاري على بحر عُمان، وأن البضائع تأتي إليه من ميناء السند، عند مصب نهر السند في بحر العرب.
كانت تجارة الصين تأتي من طريق الحرير، وينقل جزء منها عبر نهر السند حيث يمر طريق الحرير إلى شمال منابع نهر السند، ثم يستمر غرباً ماراً بمقاطعة كرمان ومن هناك يتجه غرباً.
قام «سلوقس» الأول باحتلال ميناء دبا، ومن ثمَّ قام باحتلال ميناء السند وما حوله، لتأمين مرور التجارة.
قام العمانيون بهجمات متعددة على مدينة دبا لاستردادها، حيث تمّ اكتشاف أعدادٍ من رؤوس السهام منتشرة حول دبا، وكانت تلك الرؤوس تصنع في مدينة مليحة.
استبدلت فارس بعد احتلال العمانيين ميناء دبا طريقاً آخر من كرمان يمر بطريق الحرير.
أخذت التجارة تمر من كرمان إلى شاميل إلى ساحل فارس على الخليج العربي.
ثم أعقب «سلوقس» الأول، «سلوقس» الثاني، وبعده «سلوقس» الثالث.
في سنة 250 قبل الميلاد استطاع الفرثيون، أو الأشكانيون، وهم شعب من أصول فارسية، استقر قديماً في خراسان، طرد عائلة «سلوقس» الثالث من فارس، وبقيت سلالة «سلوقس»، تحكم سوريا.
بعد تلك الفترة وهي سنة 250 قبل الميلاد، تمّ اكتشاف بعض الآثار الفرثية الأشكانية في مليحة بإمارة الشارقة ما يدل على أن الفرثيين الأشكانيين قد حكموا الساحل الغربي لعمان.
لكن ذلك الاحتلال لم يستمر، حيث استطاعت عُمان طرد الفرثيين الفرس من الساحل الغربي لعمان.
في ما يلي إثبات سيطرة عُمان على الساحل الغربي لعمان، وبذلك تكون عُمان قد تحررت من الاحتلال الفارسي.
من أهم المكتشفات التي عُثر عليها في مليحة بإمارة الشارقة، لوح قبر من الحجر الجيري، يبلغ سمكه 16 سم، وبطول 87 سم، وعرض 52 سم، كان قد استخدم كشاهد لهذا القبر، وقد احتوى على نقش جنائزي، يتكون من خمسة أسطر بنصوص عربية جنوبية في القسم المركزي، بينما تم كتابة نص بنفس اللغة على الحافة المحيطة، ويترجم النص كالتالي:
«نصب تذكاري وقبر عامود بن جر بن علي، مستشار ملك عُمان الذي بنى عليه ابنه عامود بن عامود بن جر مستشار لملك عُمان»، وقد كتب النص بخط حميري.
ويشير النص إلى أن عاموداً بنى القبر لوالده، وأن الاثنين كانا في خدمة ملك عُمان. وهذه أول إشارة تاريخية لدينا إلى وجود مملكة عُمان في سنة 215 – 214 قبل الميلاد في مليحة والساحل الغربي لعمان.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الشارقة الإسکندر الأکبر قبل المیلاد
إقرأ أيضاً:
“أرزاك مكدّره”(أرزاق مُقدّرة)
“أرزاك مكدّره”(أرزاق مُقدّرة)
من قلم د. #ماجد_توهان_الزبيدي
كان لقاءً طيباً مع الصديق والنسيب “ًفارس العوّاد” عصر أمس في مناسبة إجتماعية جمعتنا أعدنا خلالها بعض #ذكريات #الزمن_الجميل التي مضت،ثم تأكد الكاتب من ان صديقه مايزال مواظباً على طلاقه البائن بينونة كبرى للتبغ ونفث دُخّانه بعد رحلة تدخين إستمرت من العام 1968 وللعام 2021م بواقع 3 علب لليوم الواحد،أحياناً، أي بما تعداده 60 سيجارة يحرقها بين مسامات رئتيه اللتين كادتا أن تُشرفا على الهلاك بعد تدهور صحته تدهوراً خطيرا ،لولا لطف الله به ،ودعاء كثير من المُحبين له،ومنهم الكاتب الذي كان كلما وجده في أي مناسبة يرجوه بالإقلاع عنه، إلّا أنه كمعظم المدخنين العرب من متعلمين وغير متعلمين ،أو من علية القوم او أوسطها كانهم قد “درسوا على يد شيخ واحد” او كأنهم من حزب “عنزة ولو طارت” بإصرارهم الرهيب على مواصلة درب الوفاء لصديق العمر من مطلع المراهقة لسنوات السبعين من العمر!
وكم كانت فرحة العارفين بصديقي فارس كبيرة عندما أقلع ـ مُكرهاً أخاك لا بطل ـ عن رفيق دربه من ذلك العام 1968،ثم بدات صحته تتحسن والحمد لله ،على أمل أن يُقلع الكثير من أصدقاء التبغ والتدخين والأرجيلة في هذا الشهر الفضيل الذي يصوم فيه الناس عن لذائذ الطعام والشراب من مطلع الفجر لمغيب الشمس!
وقد حدثني الصديق فارس عن أكثر من فرصة للثراء جاءت برجليها تسعى له دون اي ترتيب منه،لكنه رفضها عن إرادة ودراية،ثم تمنّى لاحقا لو إستمع لها وإقتنصها ،إحداها عندما إستأجر 10 دونمات من الأرض جنوب مدينة الحصن بشمال الأردن بقيمة 100 دينار سنويا من المرحوم “ناصف ابو سليمان” من أهالي “الحصن”ليؤسس عليها مزرعة من الأبقار الألمانية المتميزة بلغت 38 بقرة،تحلب الواحدة منها 30 كيلوغرام من الحليب يوميا .
واضاف الصديق:جاءني المرحوم “ناصف” عام 1992 وعرض عليّّ شراء كل القطعة بعشرة آلاف دينار أردني ،بدفعة نقدية مقدارها خمس المبلغ 2000 دينار والباقي تقسيط مريح على قدر سعته ،لحاجته للمبلغ النقدي للسفر لألمانيا،إلّا أن صاحب مشروع الأبقار رفض العرض وهو يملك المبلغ بجيبه!
ومن طرائف تلك السنة 1992 ومشروع الرجل الذي خسر خلاله 28 بقرة من اصل 38،أنه إستأجر قطعة مجاورة من 10 دونمات يملك فيها المرحوم “ناصف” الثلث مع عمّين له،أعطاها لفارس كي يزرعها “كرسنة”لبقراته توفيرا عليه من شراء سيارات العشب من الغور ،ومن دون اجرة مالية،ليقوم الرجل بحراثة القطعة وبذرها ،ثم يُفاجأ بعد أسبوعين أن أحد أعمام صديقه قد جاء برفقة “تراكتور” وحرثها ثانية بعد أن بذرها قمحاً،فلم يُحرّك ساكناً أبدا ،لإعتبار أنه أخذ الأرض دون مقابل ،وليفاجأ أكثر بعد أسبوع آخر وقد حضر الشريك الثالث ،العم الثاني ل”ناصف” برفقة “تراكتور” وحرث القطعة ذاتها بعد بذرها شعيرأً!
ويضيف فارس:بعد حوالي أسبوع تقريبا حضر صديقه”ناصف” مُعتذراً،وناوله 50 ديناراً أردنيا بعد طول إصرار،تعويضاً له،ثم قال له :لقد تصالحت مع العميّن،وهما يتنازلان لك عن زراعتهما للقطعة وهي لك هذه السنة بكل قمحها وشعيرها!
وأكد فارس:”تصوّر ياصديقي أن الله جاد علينا سنتها بمطر وفير ،وأن القطعة قد “غلّت”غلالاً لم أشهده طيلة حياتي في سهول طوباس وإربد!ولم أشتر ولو سيارة واحدة من العشب في تلك السنة!
وعندما سألته عن الفرصة الثانية ،أجاب:كنتُ أنا قد إعتدتُ في سبعينيات القرن الماضي أن أعمل بتجارة السيارات الألمانية المرسيدس مباشرة ،أسافر عدة مرات بالعام لألمانيا وأحضر معي في كل مشوار سيارة مرسيدس وأجمركها وابيعها ،فأربح منها مصروفي طيلة إقامتي هنا وتكلفة مشواري ثانية للمانيا.
وأضاف:حدث ذات مرّة أن أحضرت معي سيارة مرسيدس ،وعدت بها من الجمرك بعمّان إلى أن أركبت معي بالطريق ضابط شرطة من اهل “النعيمة” أصرّ علي ان أشرب معه ببيته فنجاناً من القهوة ردّاً للجميل ،ففعلت،ثم قال لي :أنا أصررت عليك الإستضافة لأعرض عليك إستبدال سيارتك ب7 دونمات لي على جسر النعيّمة!
ومثلما رفض فارس فرصة صديقه “ناصف” رفض أيضا فرصة ضابط الشرطة،ليقول لي :”تصوّر يارجل أن كل قيمة السيارة مع جمركها 2500 دينار أردني”!
وعندما قلتُ لفارس أن قيمة قطعة ناصف أل10 دونمات الآن بين 400 إلى 500 ألف دينار أردني ،رد الرجل بعفوية:”يادكتور هي “أرزاك مكّدرة”!(11آذار2025)