شيخة الجابري تكتب: كن لطيفاً كالنسيم
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
لا تكن هادراً كالموج، مزمجراً كالريح، ماكراً كالثعلب، مارداً كالظلم، غادراً كالبحر، كن رقيق القلب كي لا ينفضّوا من حولك، الحياة تعلّمنا الصبر، والصبر يذهب بنا نحو التحمل، والتحمل يأخذنا باتجاه القدرة على الاستمرار، نحن حينما نتمكن من قراءة دواخلنا نستطيع الذهاب نحو مناطق شاسعة من الحلم والتأني، والتجاوز الذي من الجيد لقلوبنا أن نتخذه منهجاً حياتياً، وسلوكاً يومياً يقينا من صدمات الواقع، وتحولاته.
إن ما نعيشه في عالمنا من تطورات وتغيّرات وهزات نفسية تؤثر في الكثيرين فلا يستطيعون تحمل أنفسهم، ولا احتمال ما يحدث حولهم، هم يخوضون تجارب مريرة من التعب والعناء، لذا تغلظ قلوبهم ويكونون أشد قسوة من سوط الظلم، فالإنسان ضعيف بطبعه ليس لديه الصبر أو القدرة التي تمكنه من تجاوز التحديات التي تطرأ عليه، ويتوقع أن يتفهم الآخرون ذلك، غير أن الآخرين كذلك يتوقعون أن يعود الخارج عن صوابه إلى مساره الذهني والنفسي الذي اعتاده.
من اللطف أن تمارس حياتك دون أن تؤذي الآخرين، أو تكون وسيلة لمقاطعة قلبٍ لقلبٍ، أو هجر صديقٍ لصديق، أو إيغال صدر شقيق على شقيق، أو قطع حبال ودٍ داخل أسرة مستقرة.. هذا يحدث في واقعنا للأسف، لكننا لا ننكر أنها سلوكيات وأطباع بشر تتحول كالحرباءات لتعصف بكل شيء جميل، وتلقي بقلوب طيبة إلى التهلكة، ووعورة طريق لا تقوى على قطعها، أو تحمّل قسوتها.
إن اللطف مرادف للعطف، متقاطع مع الحب، متوافق مع الود، هي منطقة تضج بالحالمين بالراحة، المنتمين إلى الهدوء والسكينة، الباحثين عن الأثر الطيب، الغارقين في محبة الناس دون شرط أو مِنّة، المرابطين عند أقدام النّبل، طريقهم محفوف بالضوء، أصواتهم ألحان شجيةٌ ملونة بأعذب القصيد، مُهَجُهم مخازن للحنان والرفق، حينما تفرغ من حمولتها يتحولون إلى مساكين تأكلهم الوحشة، وتكسرهم الصدمة.
الذين يفتقدون الطف والمشاعر الرقيقة الشفافة يفقدون الكثير من عناصر السعادة، تلك التي تمنحهم القدرة على التعامل مع الآخرين، والسير في طرق شديدة الوعورة، ذلك أن الحياة ليست سهلة، وتوفير أبسط متطلباتها يحتاج كثيراً من الصبر والأناةِ، لا شيء يأتيك على طبق من ذهب، فإذا كنت غير قادرٍ على استيعاب ما يدور حولك، وما قد تواجهه من معاناة تتطلب اللطف والسماحة في التعامل وتقبل الآخر فإنك لن تستطيع تحقيق النجاح الذي تتمناه، والطموح الذي آمنت به لمستقبل مشرقٍ وضّاء..
كونوا لطفاء من أجلكم، لتحققوا أمنياتكم، ولتضيئوا حياتكم بالسعادة التي يفتقدها قساة القلوب، والمتعجرفين، أولئك الفاقدين النبل والصبر والمروءة. أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: «اتحاد الكُتّاب» عهد جديد مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: تكليف كبير في مسيرة مهمة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
منى أحمد تكتب: أرزة لبنان
مع عيد أستقلال لبنان لا أجد أجمل من فيرزوته رمزا لأحياء ذكري هذا البلد الجريح ، فاللبنانيين يكفيهم فخرا إذ سألوا عن هويتهم يقولون نحن من لبنان وطن فيروز .
وليس غريبا أن يصادف العيد الوطني للبنان عيد ميلاد المطربة الكبيرة فيروز، فهي الحلم الذي شكل جزء من الهوية الوطنية والوجدان الشعبي، ويعتبرها اللبنانيين حضن الوطن فقد وحدت موهبتها انقسامهم المذهبي والسياسي ،فلا قاسما مشتركاً يجمع بين اللبنانيين أكثر من صوت فيروز.
وكما تجاوزت الخصومات السياسية تجاوزت موهبتها الحدود الجغرافية من المحيط للخليج ،فلم تغني فيروز لوطنها الأم لبنان فقط بل غنت لمصر والشام وبغداد وعمان وفلسطين ومكة، وهو ما حمل لها مكان خاصة ما زالت ترافق قلوب محبيها العريض في مختلف أنحاء العالم.
لم تكن اللهجة اللبنانية قبل جارة القمر من اللهجات الدراجة في الوطن العربي , لكن مع سفيرة لبنان أكتسبت المفردات اللبنانية بعدا عربيا ,وأصبحت فيروزته رمز وطني لكل مواطن لبناني وعربي.
ويأتي صوت سيدة الصباح عابرا من زمن الفن الجميل مخترقا جميع الحواجز ليلامس شغاف القلب ،حاملا السعادة متدرجا رقراقاً بين الشجن والفرح.
وصفها الموسيقار محمد عبد الوهاب بالصوت الملائكي الحس, ورغم تعاونها معه وغنائها أعمال الموسيقار سيد درويش في مرحلة متقدمة من مسيرتها الفنية , إلا أن تعاونها مع منصور وعاصي الرحباني أضافا لها وأعاد صياغة موهبتها الكبيرة.
فقد أكتشف الأخوين رحباني قدرات صوتها وتفاصيل طبقاته , فطوعا الجمل اللحنية لتناسب الطاقة الصوتية الجبارة التي تجمع بين الرقة والقوة معا ,فأجتمعت العذوبة الفيروزية بإبداع الرحبانية، وتعاون أفرز لنا مدرسة فريدة في الغناء العربي ,تم فيها المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان الفلكلورية اللبنانية في الموسيقى والغناء.
وكما طوع الرحبانية ألحانهم لتناسب مقام الصوت الثري رفيع المستوي, لونت الست فيروز الألحان بتغريدها وبصمة صوتها الذي لا تخطئه أذن, فكانت بدورها تعيد صياغة اللحن علي طريقتها الفيروزية ,فتتشكل تلاوينه اللحنية في قالب ساحر لم يتكرر حتي الأن , وتصبح أعمالهم جزء لا يتجزأ من التراث الوطني وحالة متفردة من الأبداع.
ومن الأخوين رحباني أنتقلت فيروز إلى جيل آخر وألحان زياد الرحباني ، ورغم خروجه من عباءة الرحبانية , إلا أن هويته الموسيقية مختلفة تماما عن والده وعمه ، فقد أتجه للمزج بين المقامات الغربية والشرقية وظهر ذلك جليا مع أول لحن له سألوني الناس وكان عمره وقتها لا يتجاوز ال18 عام , فأستعان بألات غربية وتوزيع مبدع غير مالوف وجاءت ألحانه لتشكل فصلا جديدا في مسيرة الأرزة .
وكان للكلمة أهمية كبيرة في المدرسة الفيروزية فكانت تحرص علي إنتقاء الكلمات بعناية فغنت فيروز لكثير من الشعراء العرب القدامى والمحدثين بداية من قصائد الأخطل الصغي وقيس بن الملوح وأبي نواس وصولا إلى إيليا أبوماضي وجبران خليل جبران ونزار قباني بالاضافة الي رفقاء نجاحها الاخوين رحباني متعددي المواهب.
رغم توقف فيروز عن الغناء مازالت ياسمينة الشام حاضرة بصوتها ،محلقة بأعمالها رفيقة الأوقات الحلوة والصعبة، كل سنة والست فيروز أخر جيل الأساطير في القرن العشرين وصوتها الساحر يحمل إلينا السعادة والأشراق والأمل .