المولد النبوي.. ومأزق البشرية الأخلاقي
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
يحتفل العالم الإسلامي اليوم بذكرى المولد النبوي الشريف، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم. وتعني هذه الذكرى الكثير للمسلمين فهي الفارق بين الظلام والنور الذي شعّ على هذه البشرية بمولده الكريم في مثل هذا اليوم فبدد الظلام وأسقط الضلال الذي كان سائدا في ذلك الوقت، يقول تعالى «وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين»، وكان مولده عليه الصلاة والسلام لحظة فارقة في تاريخ البشرية وفي بنائها الحضاري والأخلاقي.
وفي أخلاق الرسول الكريم التي امتدحها رب العزة جل وعلا، حل جوهري للأزمة الأخلاقية التي تعيشها البشرية اليوم. ويمكن عبر هذه الأخلاق وجوهرها أن يبني المسلمون خطابهم الحضاري للآخر، ومساهمتهم المعرفية لخلاص البشرية من أزمتها العميقة.
وإذا كان الغرب غير مهيأ الآن لأسباب كثيرة لتبني رسالة الإسلام فليس أقل من أن نستطيع إقناعه برسالة الأخلاق منطلقين من شخصية الرسول الكريم وأخلاقه. ومفكرو وفلاسفة الغرب، عبر التاريخ، كانت لديهم نظرة إيجابية جدا عن شخصية الرسول وعن أخلاقه وفكره خاصة في اللحظة التي ينظرون لشخصيته بعيدا عن كونه نبيا مبعوثا برسالة الإسلام.. فقد نظروا إليه بوصفه مفكرا ومصلحا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
إن العالم المنغمس اليوم في القيم المادية والاستهلاكية في حاجة ماسة للعودة إلى القيم والأخلاق الإنسانية: قيم التضامن والتعاون والتكافل الاجتماعي، وقيم التسامح والعدل والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية.
وإذا كان الكثير من المفكرين الغرب ينظرون إلى شخصية الرسول باعتباره رجل دولة عظيما وقائدا استثنائيا نجح في تحويل مجتمع مشتت إلى مجتمع صاحب حضارة من أعظم الحضارات الإنسانية، فمن المهم الاعتماد على هذه الرؤية في بناء خطاب إسلامي موجه للغرب يلتقي عليه الجميع.. وهو خطاب الأخلاق والقيم الإنسانية التي تتآكل كل يوم.. وفي هذا الخطاب الأخلاقي حلول جذرية للأزمة الأخلاقية التي تعيشها البشرية.
يقول الكاتب البريطاني توماس كارلايل في كتابه «الأبطال وعبادة الأبطال» إنه رجل (أي رسول الله محمد) «ذو رؤية عميقة وصدق داخلي، ونجاحه لم يكن مستندًا فقط إلى القوة العسكرية أو السلطة، بل كان نابعًا من قدرته الفذة على التواصل مع قلوب الناس وإلهامهم بتغيير حياتهم نحو الأفضل. وهذا بالضبط ما جعل من الإسلام حضارة عظيمة». وهذا الاهتمام بقدرة الرسول الكريم على إلهام المسلمين وتغيير مجرى التاريخ ليست مستغربة في منهج كارلايل فهو يرى أن «تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء».
كما أن إحدى أهم السمات التي يقدرها فلاسفة الغرب في شخصية الرسول محمد تكمن في رؤيته الإنسانية. يقول المهاتما غاندي قائد النضال السلمي في الهند: «أسس محمد مجتمعه على التسامح والعدالة، وبفضل توجيهاته وضع قيمة عالية للتسامح، ليس فقط بين المسلمين، ولكن أيضًا في التعامل مع الآخرين من ديانات مختلفة، وهو ما يظهر بوضوح في وثيقة المدينة التي وضعت أسس تعايش المسلمين مع اليهود وغيرهم في مجتمع المدينة».
لكن لا بدّ للمسلمين قبل أن يتوجهوا بهذا الخطاب الأخلاقي النابع من سيرة نبيهم الكريم أن يتمثلوا سيرته ويعيشونها واقعا في حياتهم.. فلا يمكن أن نقنع الآخر بأخلاق نبينا ونحن نعيش في غربة عنها. إن مجتمعاتنا الإسلامية في حاجة ماسة إلى عودة جوهرية إلى أخلاق النبوة وتمثلها بشكل جلي في تفاصيل حياتنا. وجاء في الأثر «إن الدين عند الله الأخلاق»، والرسول الكريم نفسه يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرسول الکریم شخصیة الرسول
إقرأ أيضاً:
حدث للناجين من مجزرة حماة.. العنف يغير الجينات البشرية لأجيال
توصلت دراسة حديثة إلى أن تعرض الشخص للعنف يؤدي إلى تغييرات في جيناته تنتقل لأبنائه وأحفاده والأجيال القادمة.
وقد قام باحثون من جامعتي فلوريدا وييل بالولايات المتحدة، والجامعة الهاشمية في الأردن، بهذه الدراسة التي نشرت يوم 27 فبراير/شباط الماضي في مجلة تقارير علمية.
وعام 1982، حاصر نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مدينة حماة، وارتكب فيها مجزرة مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من مواطنيها.
ووجد الباحثون أنه بالإضافة لمقتل الآلاف، فقد تركت المجزرة آثارا مخفية عميقا في جينات الأسر السورية. إذ تبين أن أحفاد النساء اللاتي كن حوامل أثناء الحصار ــالأحفاد الذين لم يختبروا مثل هذا العنف قط- يحملون علاماته في جينوماتهم. وهذه البصمة الجينية، التي تنتقل عبر أمهاتهم، تقدم أول دليل بشري على ظاهرة لم يتم توثيقها من قبل إلا في الحيوانات: الانتقال الجيني للإجهاد (ضرر وتلف) عبر الأجيال.
وقالت كوني موليجان، أستاذة الأنثروبولوجيا ومعهد علم الوراثة جامعة فلوريدا والمؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة "إن فكرة أن الصدمة والعنف يمكن أن يكون لهما تداعيات على الأجيال القادمة من شأنها أن تساعد الناس على أن يكونوا أكثر تعاطفا، وأن تساعد صناع السياسات على إيلاء المزيد من الاهتمام لمشكلة العنف. بل وقد تساعد حتى في تفسير بعض الدورات التي تبدو غير قابلة للكسر بين الأجيال من الإساءة والفقر والصدمات التي نراها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة".
إعلان
تجارب الحياة
وفي حين لا تتغير جيناتنا بتجارب الحياة، فإنه يمكن ضبطها من خلال نظام يعرف باسم علم الوراثة فوق الجينية. وفي الاستجابة للإجهاد أو الأحداث الأخرى، يمكن لخلايانا إضافة علامات كيميائية صغيرة إلى الجينات التي قد تهدئها أو تغير سلوكها. وقد تساعدنا هذه التغييرات على التكيف مع البيئات المجهدة، على الرغم من أن التأثيرات غير مفهومة جيدا.
وكانت المؤلفة الرئيسية للدراسة وفريقها يبحثون عن هذه العلامات الكيميائية في جينات العائلات السورية. وفي حين أظهرت التجارب المعملية أن الحيوانات يمكن أن تنقل التوقيعات الجينية للإجهاد إلى الأجيال القادمة، فإن إثبات نفس الشيء في البشر كان مستحيلا تقريبا.
وعملت موليجان مع الدكتورة رنا دجاني عالمة الأحياء الجزيئية في الجامعة الهاشمية بالأردن، وعالمة الأنثروبولوجيا كاثرين بانتر بريك من جامعة ييل، على إجراء الدراسة الفريدة. واعتمد البحث على متابعة 3 أجيال من المهاجرين السوريين إلى البلاد. وعاشت بعض العائلات هجوم حماة قبل الفرار إلى الأردن. وتجنبت عائلات أخرى حماة، لكنها عاشت الثورة السورية ضد نظام بشار.
وقد جمع الفريق عينات من الجدات والأمهات الحوامل أثناء الصراعين، وكذلك من أطفالهن. ويعني تصميم الدراسة هذا أن هناك جدات وأمهات وأطفالا تعرضوا للعنف في مراحل مختلفة من النمو.
وهاجرت مجموعة ثالثة من العائلات إلى الأردن قبل عام 1980، متجنبة عقود العنف في سوريا. وعمل هؤلاء المهاجرون الأوائل كعنصر تحكم حاسم للمقارنة بالعائلات التي عانت من ضغوط الحرب الأهلية.
وعملت دجاني، وهي ابنة لاجئين، بشكل وثيق مع مجتمع اللاجئين في الأردن لبناء الثقة والاهتمام بالمشاركة في القصة. وفي النهاية جمعت عينات (مسحات من الخد) من 138 شخصا من 48 عائلة.
وقالت موليجان "تريد العائلات أن تُروى قصتها. يريدون أن تُسمع تجاربهم. أعتقد أننا عملنا مع كل عائلة مؤهلة للمشاركة في الدراسة".
إعلانوفي فلوريدا، قام مختبر موليجان بمسح الحمض النووي بحثا عن تعديلات وراثية وعن أي علاقة بتجربة العائلات للعنف.
وفي أحفاد الناجين من حماة، اكتشف الباحثون 14 منطقة في الجينوم تم تعديلها استجابة للعنف الذي تعرضت له جداتهم. وتثبت هذه التعديلات الـ14 أن التغيرات الجينية الناجمة عن الإجهاد قد تظهر بالفعل في الأجيال القادمة، تماما كما يمكن أن تظهر في الحيوانات.
شيخوخة جينيةكما كشفت الدراسة عن 21 موقعا جينيا في جينومات الأشخاص الذين تعرضوا للعنف بشكل مباشر في سوريا. وفي اكتشاف ثالث، أفاد الباحثون أن الأشخاص الذين تعرضوا للعنف أثناء وجودهم في أرحام أمهاتهم أظهروا أدلة على شيخوخة جينية متسارعة، وهو نوع من الشيخوخة البيولوجية التي قد ترتبط بقابلية الإصابة بأمراض مرتبطة بالعمر.
وأظهرت معظم هذه التغيرات الجينية نفس النمط بعد التعرض للعنف، مما يشير إلى نوع من الاستجابة الجينية المشتركة للإجهاد، والتي لا يمكن أن تؤثر فقط على المعرضين للإجهاد بشكل مباشر، بل وأيضا على الأجيال القادمة.
وقالت موليجان "نعتقد أن عملنا ذو صلة بالعديد من أشكال العنف، وليس فقط اللاجئين. العنف المنزلي، والعنف الجنسي، والعنف المسلح: كل أنواع العنف المختلفة.. إننا نواجه أنواعا من العنف في الولايات المتحدة، ويجب علينا دراستها، ويجب أن نأخذها على محمل الجد".
وليس من الواضح ما إذا كانت هذه التغيرات الجينية تؤثر على حياة الذين يحملونها داخل جينوماتهم. لكن بعض الدراسات وجدت رابطا بين التغيرات الجينية الناجمة عن الإجهاد وأمراض مثل السكري.
وأشارت إحدى الدراسات الشهيرة -التي أجريت على الناجين الهولنديين من المجاعة أثناء الحرب العالمية الثانية- إلى أن ذريتهم تحملوا تغيرات جينية تزيد من احتمالات إصابتهم بالسمنة في وقت لاحق من حياتهم. وفي حين أن العديد من هذه التعديلات يمكن ألا يكون لها أي تأثير، فمن المحتمل أن يؤثر بعضها على صحتنا، كما قالت موليجان.
إعلان