بسؤال لا يزال دون إجابة، تساءلت الحاجة أم رائد «وين نروح والله تعبنا، طول الليل لم يغمض لي جفن، صوت الطائرات المخيف يتزامن مع صوت هدير البحر العالي وتلاطم الأمواج، دون سابق إنذار دخلت المياه إلينا ونحن نائمون، غرق فراشنا وغرقت ملابسنا وغرق الأطفال وغرقت الخيمة أيضًا، أين نذهب؟».

كانوا أحفادها يبكون حولها وقد ظهرت عليهم أعراض البرد، ملابسهم مبللة تحاول والدتهم البحث عن ملابس جافة لتبديلها، أكوام من الأغراض والأغطية والملابس في انتظار الشمس حتى تجف.

في جلبة التفكير استطردت أم رائد وهي تنظر إلى الخيام المجاورة وقالت: «متى سيتحرك العالم من أجل إنهاء هذه المعاناة؟ أين سأذهب بهؤلاء الأطفال؟ أخبروني!، لم يتبق لنا شيء بعد ما يقارب العام ونحن ننزح من مكان إلى آخر».

كانت تحاورني وكأنها تنتظر الإجابة، بينما كنت أفكر بالطريقة التي يمكن لهؤلاء النازحين قسرًا الحصول من خلالها على مساعدات تخفف من وطأة حزنهم، ساد الصمت لوهلة من الوقت، لا أحد يستطيع وصف تلك المعاناة، فأنا أعيش نفس معاناتهم وأعلم جيدًا أن الأوضاع صعبة للغاية.

على مقربة من شاطئ البحر توجد خيمة مترهلة ومهترئة وبعض سقفها ممزق تُغطى ببعض الأقمشة التي لا تقي من أشعة الشمس، ولا من رياح الخريف التي بدأت تشتد منذ دخول شهر سبتمبر.

تعيش داخل الخيمة امرأتان نازحتان من شمال قطاع غزة إحداهما «حنين» ذات الـ32 عامًا، وهي أم لطفلين أكبرهما في سن الخامسة، فقدت زوجها أثناء نزوحه من شمال قطاع غزة إلى جنوبه مع بداية الحرب ولا تعلم عنه شيئًا، أما الأخرى «سمر» مطلقة نزحت وتركت أولادها الثلاثة برفقة والدهم ونزحت إلى منطقة المواصي بخان يونس.

تقول «حنين» بينما يقف بجوارها طفل نحيف: لقد تم قصف منزلنا في شمال غزة بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة، هربنا مسرعين من شدة القصف، توجهت إلى جنوب قطاع غزة وكنت أنتظر وصول زوجي لكنه لم يأتِ، وبعد اتصالات عدة علمت أنه قد توجه إلى الجنوب برفقة مجموعة من جيرانه وقد استشهد من كان معه، أما هو فحتى هذه اللحظة لا نعلم عنه شيئًا، تواصلت مع الصليب الأحمر الدولي أكثر من مرة ولكنني لم أعثر على أي معلومة بشأنه حتى هذا اليوم، يسألني ابني الصغير أين والدي؟ ولكنني لا أجد إجابة شافية له غير تمنياتي بأن يكون سالمًا.

وعن الواقع المرير الذي تعيشه قالت: «منذ أن وصلنا إلى هنا، جاء بعض النازحين لمساعدتي، قاموا ببناء هذا المكان الذي يشبه الخيمة ليأويني أنا وأبنائي وأختي، لا مساعدات توزع هنا، يحاول بعض الجيران مساعدتنا قدر المستطاع، حاولت الوصول إلى العديد من المؤسسات لطلب الحصول على خيمة أو شوادر ولكن دون جدوي».

سوسن أم لخمسة أطفال نزحت من شمال قطاع غزة إلى منطقة النصيرات وسط قطاع غزة تنقلت من مكان إلى آخر وقد انتهى بها المطاف إلى إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» قبل ثلاثة أشهر.

وتضيف: «قبل أسبوعين تم قصف المدرسة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، استشهد عشرات النازحين من الأطفال والنساء والشيوخ، أصيب ابني بجروح صعبة فقد على إثرها يده اليسرى، اضطررت للنزوح إلى أحد المخيمات العشوائية الموجودة في منطقة الزوايدة وبعد أن استقر بنا الوضع حتى كانت المفاجأة، سقط المطر لمدة ساعتين تقريبًا وكان المطر قويًا لدرجة أن الخيمة قد غرقت، رغم أن الخيمة كانت جديدة، ماذا نفعل وقد طردنا الجيش من بيتنا في الشتاء السابق دون أن نأخذ شيئًا؟ ماذا نفعل وقد قصف بيتنا وما تمكنا من إخراجه من تحت الركام من أغطية وملابس تم حرقه؟ ماذا نفعل؟ لا مأوى ولا أغطية ولا ملابس ولا سيولة ولا مساعدات شتوية ولا بضائع بأسعار منطقية».

أسئلة النازحون كثيرة ومنطقية ولكنها بلا إجابات في ظل استمرار الحرب وغياب الرؤية الواضحة، بل اكتفت العديد من المنظمات والهيئات الدولية بالتصريحات والمطالبات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فقد طالبت الأمم المتحدة ومؤسساتها لحقوق الإنسان بالتدخل العاجل لإيجاد أماكن إيواء تقي المواطنين النازحين من مخاطر مياه الأمطار.

إن ما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة وتطهير عرقي جماعي وسياسة «الترانسفير» التي كشفت زيف ادعاءات المجتمع الدولي وسياسة ازدواجية المعايير الدولية تجاه الشعب الفلسطيني، كل ذلك لم يسعف مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان لزيارة قطاع غزة والاطلاع على حجم تلك الجرائم وفظاعتها وفتح تحقيق عاجل بتلك الجرائم الموصوفة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

أمام تلك التحديات والمخاطر الكبيرة، ورغم فظائع العدوان الإسرائيلي وازدواجية المعايير الدولية التي لم تغير المزاج الرسمي العربي والغربي لوقف العدوان وجرائم الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، إلا أن الشعب الفلسطيني لا يزال صامدًا على أرضه ومدافعًا عن نفسه وحقوقه وكرامته الوطنية في مواجهة كافة مشروعات التهجير القسري والتطهير العرقي، وملتفًا حول مقاومته، وهي تكبد القوات الغازية الإسرائيلية خسائر كبيرة في صفوفها رغم حجم النيران والقصف العشوائي من الجو والبر والبحر.

إن حصار المواطنين النازحين فيما يسميها الاحتلال الإسرائيلي بالمنطقة الإنسانية في مساحة لا تتجاوز 11% من قطاع غزة يفاقم معاناة النازحين، ويزيد من انتشار الأمراض والأوبئة لا سيما لدى الأطفال وكبار السن، بفعل طبيعة التربة وتدمير البنية التحتية وقنوات تصريف المياه، الأمر الذي يهدد حياتهم وسلامتهم.

السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذه المعطيات، هل سيفلح مشروع القرار الفلسطيني في الأمم المتحدة الذي يطالب إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني بالأراضي المحتلة؟ إن مشروع القرار الفلسطيني يطالب بوضع آلية للتعويض عن الأضرار التي ترتكبها إسرائيل بالأرض المحتلة حيث من المرتقب أن يتم التصويت على مشروع القرار يوم 18 سبتمبر خلال الدورة الـ10 للجمعية العامة.

الجدير بالذكر أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي وحوالي 1.7 مليون فلسطيني نزحوا قسرًا بفعل العدوان على غزة، محشورين في مساحة ضيقة لا تتجاوز 10% من القطاع، فيما تقلصت المنطقة المزعومة كآمنة إلى 36 كلم فقط، تضم أراضي زراعية ومناطق حيوية.

________________

كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

وكأن المحن التي تعصف بهم ليست كافية: انتشار القوارض والحشرات يهدد صحة الفلسطينيين في غزة

حذّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” الاثنين من انتشار القوارض والحشرات في قطاع غزة، الأمر الذي يشكل خطرا على صحة المواطنين ضمن الأوضاع السيئة التي يعيشونها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

اعلان

قالت الوكالة على منصة إكس: " إن الأوضاع الصحية في غزة تتدهور بشكل متزايد يوما بعد يوم، وتشكّل الحشرات والقوارض خطرا على الصحة من خلال نشر الأمراض ما يهدد صحة الناس".

وأضافت في تغريدتها أن طواقم الأونروا تعمل على مساعدة النازحين داخل قطاع غزة من خلال منع هذه القوارض من الوصول إلى أماكن نزوحهم التي تعاني من أوضاع صعبة في الأصل.

غوتيريش: غياب المحاسبة على قتل موظفي الأمم المتحدة في غزة "غير مقبول"

ووفقًا لمسح أجرته منظمات الإغاثة الإنسانية في مايو/ أيار، فإن 85% من الأطفال دون سن الخامسة حُرموا من الطعام ليوم واحد على الأقل في مدة امتدت ثلاثة أيام.

وحسب الإحصاءات، تم تسجيل وفاة 30 طفلاً على الأقل بسبب الجوع في غزة منذ بداية الحرب وحتى وقت إجراء المسح.

Related"طفلي حُرم من كل شيء".. أطفال غزة يموتون ببطء والمناشدات تتعالى لإنهاء المعاناةللعام الثاني.. أطفال غزة بلا مدارس والحرب تُلقنهم دروس البقاءنزوح يليه آخر.. إسرائيل تأمر الفلسطينيين بالرحيل مجددا عن شرق خان يونس ولكن إلى أين المفرّ؟

وفي حزيران/يونيو الماضي، حذّرت لويس ووتردج وهي عاملة إغاثة في الوكالة من تراكم أكوام القمامة المتعفّنة قرب أماكن إيواء النازحين في قطاع غزة، ما يثير مخاوف من انتشار المزيد من الأمراض.

نازحون فلسطينيون يتفقدون خيامهم المدمرة جراء القصف الإسرائيلي، بالقرب من منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) غرب مدينة رفحJehad Alshrafi/AP

وقالت ووتردج، إنّ أكواما من القمامة يقدّر وزنها بنحو 100 ألف طن تتراكم بالقرب من خيام النازحين وسط غزة.

وذكرت أنّ إسرائيل رفضت طلبات متكرّرة للسماح للأونروا بتفريغ الأماكن الرئيسية لجمع النفايات، وهو ما يعني ظهور مواقع مؤقتة.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إسرائيل تستعد لعملية عسكرية موسعة على جبهة لبنان وترجيحات بإقالة غالانت وتعيين جدعون ساعر خلفا له حرب غزة: 3 "مجازر" جديدة بحق الفلسطينيين.. وإسرائيل تعترف بفشلها في اعتراض صاروخ أطلقه الحوثيون 14 قتيلا في قصف إسرائيلي استهدف منزلا وخيمة نازحين في وسط وجنوب قطاع غزة الصحة قطاع غزة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونروا نزوح الحشرات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. حرب غزة: مشعل يؤكد أن حماس ستنتصر بالحرب والجيش الإسرائيلي يكشف إحباط محاولة حزب الله لاغتيال مسؤول يعرض الآن Next لماذا تريد أوكرانيا ضرب العمق الروسي باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى؟ يعرض الآن Next دول أوروبية جديدة تشدّد الإجراءات ضدّ التدخين.. هل سيُصبح ممنوعاً في الهواء الطلق؟ يعرض الآن Next الأردن تستلم جثمان منفذ عملية جسر الملك حسين ماهر الجازي بعد جهود لتهدئة التوتر مع إسرائيل يعرض الآن Next الحرب الروسية الأوكرانية: مليون قتيل وجريح في حصيلة مروعة اعلانالاكثر قراءة ظهرت في 15 دولة.. هذا ما نعرفه عن سلالة فيروس كوفيد-19 الجديدة الرئيس الإيراني: لم نزود اليمن بصواريخ متطورة ونسعى لتحسين علاقاتنا مع دول الجوار ترامب: خطاب بايدن وكامالا هاريس وراء محاولة اغتيالي تفاصيل محاولة الاغتيال الجديدة لدونالد ترامب: من هو المشتبه به الذي هدد ب"حرق الكرملين"؟ 3 مؤشرات تدل على أن إسرائيل تقترب من تنفيذ عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومأوروباالحرب في أوكرانيا المملكة المتحدةفلاديمير بوتينروسياأزمة المهاجرينرجل إطفاءدونالد ترامبحرائقرومانياالبرازيلفرنسا Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • (فيديو) مع اقتراب فصل الشتاء.. نازحوا غزة يحاولون منع مياه البحر من الوصول إلى خيامهم
  • لعبة غميضة تتحول إلى مأساة بعد مصرع أربعة أطفال اختناقا داخل ثلاجة
  • وزير الخارجية المصري: حماس تؤكد لنا التزامها الكامل باقتراح وقف إطلاق النار الذي توصلنا إليه في 27 مايو والتعديلات التي أجريت عليه في 2 يوليو
  • وكأن المحن التي تعصف بهم ليست كافية: انتشار القوارض والحشرات يهدد صحة الفلسطينيين في غزة
  • أصوات من غزة.. صعوبة الحياة في الخيام مع اقتراب فصل الشتاء
  • المنظمات الأهلية تحذر من تداعيات الشتاء على قطاع غزة
  • شبكة المنظمات الأهلية تحذر من تداعيات الشتاء على قطاع غزة
  • رصاصة طائشة.. قلب ممزق: احتفال الحوثيين بالمولد تحول إلى مأساة
  • أستاذ صدر: كلما زاد عدد السجائر تزداد نسب الإصابة بالأورام
  • غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي مئات النازحين في بيت حانون