بوابة الوفد:
2024-09-18@18:45:27 GMT

الكفيفة التى أبصرت بعيون القلب

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

مع قوافل العائلات الهاربة من حرارة القاهرة والأقاليم، جئنا إلى مرسى مطروح حسناء المتوسط بحثًا عن الاستجمام. كنا نتوقع أن نجد المتع المألوفة من شمس وأمواج وأطباق شهية من ثمار البحر. لكن ما لم يكن فى الحسبان، أن نقابل تلك الشابة الرائعة التى أذهلتنا ببصيرتها رغم فقدانها نعمة البصر.

دعونا نسمّيها «ماريا».

فقدت بصرها وهى طفلة، ولكن ما فقدته فى حاسة الرؤية، عوّضته بأعين قلب يرى ما لا تدركه الأبصار. كانت نقاوة روحها هى التى تجذبنا إليها، وضحكتها كانت تطرق آذاننا كأمواج البحر، وذكاؤها كان كسيفًا حادًا، يقطع جمود الأحاديث بنكاتها و»قلشاتها».

كنّا نرى ثنائيات الحياة من حضور وغياب، وسر وعلانية، وبراءة و»شقاوة» متمثلات فى «ماريا»: غياب البصر فى مقابل حضور البصيرة، انقباض الإعاقة فى مقابل بسطة الروح، ظلمة العمى فى مقابل إشراقة الصوت الجميل.

لم يكن فقدان البصر إلا نافذة تطلّ على عالم أوسع فى قلبها. كانت تستشعرنا بحسّ لا يملكه المبصرون: تعرف أدقّ تفاصيل مشاعرنا، وتقرأ قلوبنا كما يقرأ المرء كتابًا مفتوحًا، وتعرف متى تحتاج أرواحنا إلى راحة الضحكة وروقان البال.

«ماريا» لم تكن وحدها من يثبت أن البصيرة تفوق البصر. كانت تذكرنا بعظماء الأدب الذين تجاوزوا قيود الإعاقة مثل أبى العلاء المعرى الذى رأى فى عماه بصيرة فلسفية عميقة تغوص فى أسئلة الوجود، وطه حسين، الذى قهر الظلام ليكون مشعل فكرٍ وقلم، وهوميروس، الشاعر الإغريقى الكفيف صاحب ملحمتى «الإلياذة» و»الأوديسة»، الذى بيّن لنا أن الرؤية الحقيقية تأتى من سويداء القلب لا من حدقة العين.

فى كل لقاء لنا مع ماريا، كنا ندرك سرًا لم نجرؤ على البوح به. كنّا، نحن المبصرين، دائمًا ما نتجنب أمامها استخدام كلمات تشير إلى العين أو النظر أو البصر؛ لم يقصد أحد منّا أن يشعرها بأن فقدانها للبصر شىء يلفت انتباهنا أو يحصرها فى زاوية خاصة. لكن المدهش أنها هى التى خفّفت، بفكاهتها، الرهبة من ذكر العمى وعلّمتنا أن الإعاقة ليست حاجزًا أمام العيش بحب وانفتاح مع الآخرين. كانت تُظهر لنا، نحن المبصرين، أن الحياة الحقيقية تتطلب رؤية أعمق من مجرد حاسة البصر.

أصرّت «ماريا» أن تشاركنا فى لعبة «الضمنو». كانت تتحسّس أرقام المربعات بأناملها، لتفوز علينا فى «فورة» عقب الأخرى وهى تضحك ضحكات تجلجل فى فضاءات المقهى. الغريب أننا كنا نضحك معها، ونفرح بفوزها علينا، رغم أنها كانت تشمتُ فينا علنًا وتهلّل وتضرب بكفها مسند المقعد كما يفعل جُلُّ الفائزين.

مع نهاية العطلة، أدركنا أن «ماريا» لم تكن مجرد ذكرى صيفية عابرة فقد أضحت فى نظرنا رمزًا لما يمكن للبشرية أن تحقّقه عندما ترى بما هو أعمق من رؤية العيون.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مرسى مطروح ماريا فقدان البصر

إقرأ أيضاً:

«الابتعاث بعيون أمنية» في جلسة حوارية بـ«شرطة أبوظبي»

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «الطاقة» و«الاتحاد للماء والكهرباء» تطلقان مبادرة أنظمة الطاقة الشمسية صقر غباش يبحث علاقات التعاون مع رئيسة الجمعية الوطنية في تنزانيا

نظمت ادارة البعثات بقطاع الموارد البشرية، بالتعاون مع مجلس شباب شرطة أبوظبي (رواد أمن المستقبل) جلسة نقاشية شبابية بعنوان: «الابتعاث بعيون أمنية»، ضمن جهود القيادة في تعزيز الدعم والإرشاد للطلاب المبتعثين تجسيداً لأولوية «الاستخدام الامثل للموارد»، وتحقيقاً للهدف الاستراتيجي «الاستثمار الامثل للموارد ورأس المال البشري».
وأوضح المقدم دكتور بخيت سالم العامري، رئيس قسم الإرشاد والمتابعة الأكاديمية، أن الجلسة النقاشية تأتي ضمن سلسلة من الفعاليات والورش التي تنظمها إدارة البعثات ومجلس الشباب بهدف توفير الدعم المتكامل للطلاب المبتعثين، وتمكينهم من الاستمرار في النجاح في مسيرتهم الدراسية، والتمهيد لمسيرتهم المهنية.
وناقشت الورشة أبرز التحديات التي يواجهها الطلاب المبتعثون، وتضمنت تقديم نصائح قيمة للطلاب الموجودين على مقاعد الدراسة، من خلال طرح أعضاء مجلس الشباب لتجاربهم السابقة، خلال مسيرتهم التعليمية وطرح التحديات والفرص المرتبطة بالمسيرة العملية في مختلف الوحدات التنظيمية التابعة للقيادة العامة لشرطة أبوظبي، بالإضافة الى مشاركة عدد من الخريجين الجدد لتجاربهم كمبتعثين سابقين.
وشهدت الجلسة تفاعلاً كبيراً من الحضور، وتبادلاً مثمراً للأفكار والخبرات، وعبّر المشاركون عن تقديرهم لجهود القيادة الرشيدة في تعزيز التواصل بين المنتسبين، من خلال في تنظيم الورش التفاعلية التي تسهم في توجيه الطلاب وتحضيرهم لانتهاز الفرص، ومواجهة التحديات خلال فترة الابتعاث.

مقالات مشابهة

  • ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻏﺘﻴﺎﻻت الموﺳﺎد ﻣﻦ ﺣﺼﺎن ﻃﺮوادة إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺠﺮ
  • فض اشتباك
  • هل يتراجع الوزير؟
  • ترامب.. والقادم الأسوأ للفلسطينيين!
  • عادل حمودة يكتب: 101 سنة هيكل.. الاختلاف لا ينفي الإعجاب
  • «الابتعاث بعيون أمنية» في جلسة حوارية بـ«شرطة أبوظبي»
  • «البوابة نيوز» تفتح الملف..هل اختفى الفن الجميل بفعل فاعل ؟.. صناع الأغنية: مؤدو المهرجانات مثل الجراد يأكل الأخضر واليابس.. كلماتهم وألحانهم عقيمة وأصواتهم بشعة ودمروا كل شيء..الذوق العام لم يعد بخير
  • «المتحدة» إعلام يُعزّز حقوق الإنسان.. سياسيون وخبراء يشيدون بطرح تعديلات قانون الإجراءات الجنائية للمناقشة: دعم للشفافية وتوعية للمواطنين
  • (الإجراءات الجنائية).. وإجراءات الحوار!!
  • 25 سنة في حب «الصقور».. هواية الملوك تجذب «حسن وسراج» من الصيد للرعاية والتدريب