جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-07@19:04:41 GMT

كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم "كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كثيرٌ من المشاهدات الحياتية تمر علينا خلال اليوم الواحد ولعلنا لا نلقي بالًا لكثير من هذه المواقف ولا نتمعن فيها باعتبارها مواقف مكررة أصبحت مألوفة في وقتنا الحاضر، ومع تسارع رتم الحياة نجدنا في كثير من الأحيان غير مبالين حتى لمجرد بذل محاولة في فهم السلوك البشري الذي اختلف كليًا عن السابق مع طغيان المدنية وسيطرتها على حياتنا بشكل شبه كامل جعلتنا أقرب للآلات منَّا للبشر الذين يشعرون ويعانون ويتعاطفون ويلقون بالهم للآخرين.

ترى شابًا يخرج للتنزه في مكان عام مرتديًا السروال القصير، وترى فتيات تتعالى ضحكاتهن في أحد الأماكن العامة المكتظة بالناس دون الشعور بالحرج، وآخر يرتدي سلسال في رقبته وأسورة في معصمه، وشاب عند مدخل أحد الجوامع يتقدم في الدخول كبار السن دون أن يُفسِح لهم، ومجموعة أخرى في سيارة يصدر منها صوت أغنية غربية بصوت عالٍ يسمعه كل من في الشارع، وآخرون في وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء ومُعرَّفات مختلفة يُطلقون العنان لأنفسهم ويكتبون عبارات مُسيئة وردود خارج سياق الذوق العام والقيم، وكثير من المشاهد التي انتشرت وأصبحت تؤذي العين والمشاعر في نفس الوقت وتقودنا للتساؤل هل هذا المجتمع يشبه مجتمعنا.

إنَّ ما نراه يُعطي مؤشرات تجعلنا مجبرين للوقوف عليها طويلًا وتجبرنا على مراجعة أنفسنا وطرح عديد الأسئلة في محاولة لفهم أسباب ما يحدث، هل قمنا بدورنا في تنشئة الأجيال الجديدة وفق سياق القيم والأخلاق التي كانت سائدة في مجتمعنا قبل أن تغزو التكنولوجيا الرقمية بيوتنا؟ كم من الوقت نقضيه في محاولة نقل هذه القيم لأبنائنا؟ هل وضعنا محددات للسلوك العام الذي لا يمكن التنازل عنه في تعاملنا معهم؟ هل قمنا بتحديد الخطوط العريضة والحمراء التي لا يجب الاقتراب منها؟

على كل مسلم إدراك أن دوره في الحياة أكبر من فكرة التكاثر؛ بل هي تتعدى ذلك لتصل إلى عمارة الأرض ونشر القيم الحميدة ومكارم الأخلاق وترسيخ مبادئ الإسلام السمحة وإخراج أجيال صالحة تحمل الرسالة وتنقلها للأجيال القادمة، وأن الحفاظ على استمرار الحياة وفق منهج الله تعالى وسننه المثلى لا يتأتى إلا من خلال تحقيق التربية الصحيحة التي تحفظ الأخلاق الفاضلة وتحافظ على القيم والمبادئ وتعظم دور الإنسان في هذا الشأن. دون إغفال ودون تهاون وتخاذل يدفع بالمجتمع لهاوية السقوط القيمي والأخلاقي كما سقطت أمم سابقة واندثرت حضارات كانت في يوم من الأيام رائدة.

كلكم راعٍ.. أوكل الله سبحانه وتعالى إليه مهمة عظيمة عليه أن يؤديها وفق ما شرع الله تعالى وإلا سوف يكون ذلك وبالا عليه يوم القيامة، وسوف يسأل عن رعيته من أسرة أو جماعة أو عاملين أو ممن جعل الله تعالى له عليهم سبيلًا، وأناط إليه مسؤوليتهم في كل جانب من جوانب الحياة، وعلى الإنسان أن يدرك إنما ذلك فضل الله عليه إذا أحسن كان له أجر عظيم وثواب جزيل، وهذا أمر ليس بصعب على من يعرف دوره بشكل سليم ويقوم به على نحو صحيح مستعينا بالله تعالى راجيًا أداء أمانته بكل إخلاص وصدق.

لقد ابتُليت المجتمعات بكثرة الموثرات التي يمكن أن تشكل تحديًا في سبيل الحفاظ على القيم والمبادئ والعادات والتقاليد الاجتماعية الصحيحة، وهذه المؤثرات تتعقد يومًا بعد يوم وتتطور بشكل متسارع، فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعي موجودة قبل عشرون عامًا ولكنها اليوم تؤدي دورًا رئيسيًا في التأثير على المجتمعات وأحد مصادر تشتيت الأجيال وتقويض مساعي التربية القويمة والحفاظ على قيم المجتمع، وفي القريب سوف تضاف تقنيات أكثر صعوبة في الضبط وسوف تصبح هذه التقنيات أهم منابع السلوكيات الخاطئة التي تؤثر على أفراد المجتمع فتجعلهم جاهزين للتأثر واستقبال ما تحمله من أفكار وسلوكيات.

إنَّ مسؤولية الرعاية لا تنحصر في المنزل والعائلة وإنما تشمل كل فرد جعل أمره بين يدي الإنسان من مسؤولية وظيفية أو مسؤولية مجتمعية أيًا كان شكلها، وفي مجال الأسرة يشدد المتخصصون على أهمية معرفة أساليب التربية والتنشئة الصحيحة والإلمام بمبادئ السلوك البشري وكيفية حل مشكلاته وعلى رب الأسرة أن يقضي وقتاً أطول مع أبنائه وأن يكون النموذج الذي يحتذون به فلا يوجد أسلوب للتربية أنجع من التربية بالمُثل والنمذجة والقدوة الحسنة التي ينتقل من خلالها السلوك بكل سلاسة من الآباء إلى الأبناء.

علينا أن نحرص على القيام بدورنا؛ فهذه مسؤولية وأمانة وتأثير عدم القيام بها يتخطى الفرد ليضر المجتمع والوطن والمواطن الذي لا ذنب له سوى أن أحدهم قصر في أداء دوره وترك الحبل على الغارب لينتشر السلوك السيئ في المجتمع.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكم جعل القرآن الكريم أو الأذان نغمات للهاتف المحمول.. الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية، إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على أفضل رسله وخير خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أُمِرنا باحترامه وتعظيمه وحسن التعامل معه بطريقة تختلف عن تعاملنا مع غيره، فلا يمس المصحف إلا طاهر من الحدثين الأكبر والأصغر كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۝ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 77-79].

وأضافت دار الإفتاء المصرية، في فتواها المنشورة عبر موقعها الإلكتروني، أنَّه لا يجوز وضع شيء من الكتب على المصحف؛ لأنه يعلو ولا يُعلَى عليه، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، ولذلك فليس من اللائق ولا من كمال الأدب معه أن نجعله مكان رنَّة الهاتف المحمول؛ لأنَّ له من القدسية والتعظيم ما ينأى به عن مثل ذلك: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. 

هل تأخير إخراج الزكاة يبطل ثواب صيام رمضان؟.. الإفتاء تجيبصيام الست من شوال وإهداء ثوابه إلى الميت.. دار الإفتاء توضح الحكمحكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم.. الإفتاء توضحهل الزواج في شهر شوال مكروه؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل

وأكدت الإفتاء، أن وضع آيات القرآن مكان رنات المحمول فيه عبث بقدسية القرآن الكريم الذي أنزله الله للذكر والتعبد بتلاوته، وليس لاستخدامه في أمور تحطُّ من شأن آيات القرآن الكريم، وتخرجها من إطارها الشرعي، فنحن مأمورون بتدبر آياته، وفهم المعاني التي تدل عليها ألفاظه، ومثل هذا الاستخدام فيه نقلٌ له من هذه الدلالة الشرعية إلى دلالة أخرى وضعية على حدوث مكالمة ما، مما يصرف الإنسان عن تدبره إلى الاهتمام بالرد على المكالمة، إضافةً إلى ما قد يؤدي إليه من قطع للآية وبتر للمعنى -بل وقلب له أحيانًا- عند إيقاف القراءة للرد على الهاتف.

وتابعت "كذلك الحال في الأذان لا يليق به أن يُجعَل رنَّةً للهاتف المحمول؛ لأنَّه شُرِع للإعلام بدخول وقت الصلاة، وفِي وضعه في رنَّة المَحمول إحداث للَّبس وإيهام بدخول الوقت، كما أن فيه استخدامًا له في غير موضعه اللائق به، ويمكن للإنسان أن يعتاض عن ذلك -لو أراد- بأناشيد إسلامية أو مدائح نبوية تتناسب مع قِصَر رنَّة الهاتف، أمَّا كلام الله تعالى فله قدسيته وتعامله الخاص اللائق به".

وأما عن قراءة القرآن الكريم أو الاستماع لتلاوته، فقالت دار الإفتاء، إن كليهما عبادة من أفضل العبادات، والسنة النبوية عامرة بالنصوص المؤكِّدة لفضلهما وثوابهما: ففي خصوص قراءته جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي.

وأوضحت أنه بخصوص الاستماع إليه جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كانت لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام أحمد.

وتابعت "حث الله تعالى عباده المؤمنين على الاستماع إلى القرآن الكريم والإنصات له، فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، فالله عز وجل أرشد المؤمنين به المصدقين بكتابه إلى أن يصغوا وينصتوا إلى القرآن إذا قرئ عليهم؛ ليتفهموه ويعقلوه ويعتبروا بمواعظه؛ إذ يكون ذلك سبيلًا لرحمة الله تعالى بهم.

وقال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (10/ 658، ط. دار هجر): [يقول تعالى ذكره للمؤمنين به المصدقين بكتابه الذين القرآن لهم هدى ورحمة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ﴾ عليكم أيها المؤمنون، ﴿الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾، يقول: أصغوا له سمعكم لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه] اهـ.

وقال الإمام الليث: [يُقال: ما الرحمة إلى أحدٍ بأسرع منها إلى مستمع القرآن؛ لقول الله جل ذكره: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، و"لعل" من الله واجبةٌ] اهـ. يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (9/1، ط. دار الكتب المصرية).

استماع النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ لتلاوة القرآن من غيره

كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ يحب أن يستمع لتلاوة القرآن من غيره، وهذا مما يؤكِّد سنية الاستماع والإصغاء لتلاوة القرآن الكريم واستحبابه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قالَ: قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيرِي، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قالَ: أمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 277، ط. مكتبة الرشد): [«إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» معنى استماعه القرآن من غيره -والله أعلم- ليكون عرض القرآن سنة، ويحتمل أن يكون كي يتدبره ويفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسُه أخلى وأنشط من نفس القارئ؛ لأنه في شغل بالقراءة وأحكامها] اهـ.

وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 88، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي حديث ابن مسعود هذا فوائد، منها: استحباب استماع القراءة والإصغاء لها، والبكاء عندها، وتدبرها، واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم] اهـ.

مقالات مشابهة

  • مفاهيم إسلامية: الصراط المستقيم
  • والدة مدير الإعلام بأمارة المنطقة الشرقية في ذمّة الله
  • مختصون: حماية الأحداث مسؤولية مشتركة .. والعقوبات البديلة ضرورة للإصلاح
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • مفتي الجمهورية: كفالة اليتيم من أسمى القيم الإنسانية وأقربها إلى الله
  • التربية تعلق بشأن الاستحقاقات التي تخص الملاكات التعليمية
  • لمن ارتدت الحجاب في رمضان وخلعته بعده.. احذري 3 عقوبات
  • داعية يحذر من العودة إلى الذنوب بعد رمضان
  • هل الله يأمر ملك الموت بقبض الأرواح لهذه السنة في شوال؟.. انتبه
  • حكم جعل القرآن الكريم أو الأذان نغمات للهاتف المحمول.. الإفتاء توضح