تهديد سيناتور أمريكي بقتل السنوار
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
«أيامك معدودة يا صديقي، نحن لن نقاضيك بل سنقتلك»؛ هذا هو التهديد الذي وجهه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام ليحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وذلك في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الأمريكية، يوم 4 سبتمبر 2024، واستطرد في تهديده قائلا: «إذا فاز الحزب الجمهوري بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، فإنهم يهدفون إلى قتل وليس محاكمة السنوار».
إذا كان يحقّ لنا أن نتساءل بأيِّ حق يوجِّه غراهام تهديده، ومن الذي فوضه في ذلك؟ فإننا في الوقت نفسه نطرح السؤال ذاته لوزارة العدل الأمريكية، بأيِّ صفة ترفع دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية في نيويورك ضد السنوار وقادة آخرين بحركة حماس على خلفية عملية «طوفان الأقصى»؟ ومن خوّلها في ذلك؟!
لا يعرف ليندسي غراهام ولا يريد أن يفهم أنّ الشهادة هي إحدى أسمى أماني السنوار ومن معه من الأجناد، وأنّ الأخير لم يدخل هذا المعترك إلا ويعلم يقينًا أنّه معترك صعب لا يؤدي إلا إلى الشهادة أو النصر. وقد رأينا كيف أنه بعد تصريح السيناتور ودعوى وزارة العدل الأمريكية ضد السنوار تناقل الناس مقطع فيديو له يقول فيه: «لسنا مهتمين نحن والجهاد الإسلامي أن يطلعونا من القائمة الإرهابية؛ فلسنا في حاجة إلى صك غفران من الإدارة الأمريكية أو غيرها لكي يطلعونا من القائمة؛ فنحن نقوم بواجبنا الوطني والديني والأخلاقي والقيم التي يفرضها علينا ديننا، ولن نقدّم تنازلات في عقيدتنا السياسية من أجل أن يرفعونا من قائمة الإرهاب، سواء تنظيمات أو كأشخاص».
يبدو أنّ أمريكا وربيبتها لم تعيا الدرس جيدًا، من أنّ سياسة البلطجة التي انتهجتاها في اغتيال قادة المقاومة لم تُجد نفعًا؛ بل كانت أنفع للمقاومة، فكلما اغتالوا قياديًّا جاء من هو أشد منه بأسًا وقوة وصلابة من سابقه، وهذا ملاحظ في غزة بالذات؛ فبعد تلك الكوكبة من الشهداء ظهر جيل شاب أقوى من سابقه متسلح بالعقيدة والإيمان؛ لذا فإنّ سياسة الاغتيالات إنما تستهدف الأجساد فقط، ولا يمكن لها أن تقضي على الإيمان والعقيدة وعلى فكرة الشهادة، وهذا ما لا يستطيع القوم أن يفهموه، وهو ما أشار إليه الكاتب عبد الباري عطوان في موقع «رأي اليوم» بتاريخ 5 سبتمبر 2024، عندما كتب: «ما لا يعرفه ولا يستطيع فهمه السيناتور غراهام وقبله نتنياهو، أنّ المُجاهد السنوار وكُل رجال المُقاومة سواءً في فِلسطين المُحتلّة أو جنوب لبنان واليمن والعِراق وسورية، أنّ هؤلاء طينة أُخرى في البشر، يتطلّعون إلى الشّهادة، بل ويستعجلونها، سيْرًا على خُطى المُسلمين الأوائل الذين هزموا أعظم امبراطوريّتين في التّاريخ، وهُما الفارسيّة والرومانيّة، ونشَروا الدّعوة في جميع أنحاء العالم».
تهديد غراهام بقتل السنوار ليس شيئًا جديدًا، فقد حرّض سابقًا على ضرب غـزة بالنووي، وطالب «إسرائيل» خلال مقابلة مع برنامج «قابل الصحافة» على شبكة «إن بي سي» الإخبارية «بأن تفعل كلَّ ما عليها فعله» لإنهاء الحملة العسكرية، و«سيكون لها ما يبرر تسوية قطاع غزة بالأرض باستخدام سلاح نووي، وذلك ببساطة لأنّ الولايات المتحدة فعلت ذلك في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينات ضد اليابان، وكان هذا هو القرار الصحيح». ومن المؤسف أنه في الوقت الذي أدانت فيه بعض المنظمات والشخصيات الأمريكية تصريحات غراهام، لم نجد إدانة عربية واحدة باستثناء إدانة حركة حماس التي أكدت «أنّ هذه التصريحات الصادمة تدلل على عمق السقوط الأخلاقي الذي وصل إليه غراهام، وعقلية الإبادة والاستعمار التي تسكنه، وأنّ هذه العقلية تسكن أيضًا قطاعات من النخبة السياسية في الولايات المتحدة، والمتماهية مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، ينفّذها جيش الاحتلال المتجرد من الأخلاق ضد مدنيين عُزَّل».
ويبدو أنّ السادية متأصلة في غراهام؛ فتصريحاته كلها تحريضية حول دول المنطقة؛ ومن ذلك أنه حث الرئيس الأمريكي بايدن في ديسمبر من العام الماضي، على تفجير أجزاء من إيران ومحوها من الخريطة، خلال مقابلة على قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، قال فيها: «لقد كنت أقول منذ 6 أشهر.. اضرب إيران. لديهم حقول نفط في العراء، ولديهم مقر الحرس الثوري الذي يمكنكم رؤيته من الفضاء. امحها من الخريطة».
لم تعد التصريحات البلطجية مقبولة من قبل الأمريكيين الآن، وقد بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تفقد تأثيرها على الجمهور الأمريكي بفضل وسائل التواصل الحديثة التي نقلت الصورة الحقيقية بكلِّ وضوح؛ لذا فإنّ تصريحات غراهام هذه قد أثارت ردود فعل غاضبة من قبل كثير من المنظمات والمعلقين؛ وكتب المحامي والمعلق السياسي جورج كونواي: «السيناتور ليندسي غراهام عار علينا»، في حين التزم البيت الأبيض الصمت، كما ذكر الكاتب محمد المنشاوي في تقرير له في موقع «الجزيرة نت»، بتاريخ 15 مايو 2024، رصد فيه من واشنطن، ردود الفعل ضد هذه التصريحات، ومنها مثلا تعليق حركة «كود بينك»، وهي حركة نسوية تأسست في أمريكا عام 2002 رفضًا لقرار اجتياح العراق، إذ قالت هذه الحركة: «من المعيب أن يتمكن عضو مجلس الشيوخ الحالي من الدعوة - في بث تلفزيوني مباشر- لقصف غزة بالسلاح النووي، في وقت يرى أنّ الطلبة الذين يحتجون على الإبادة الجماعية يشكلون تهديدًا». ولكي نعلم الأسباب الخفية لتصريحات ليندسي غراهام بوضوح، فعلينا أن نقرأ ما ذكرته حركة «كود بينك»، بأنه «تلقى مليونًا و580 ألف دولار من أيباك ليقول هذا الكلام». (والأيباك هي مجموعة ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة).
هناك حقيقة، وهي أنه لا يدل الوصول إلى عضوية الكونجرس الأمريكي بأنّ «السيناتور» هو شخص بالضرورة سوي؛ وفي حالة غراهام، فخير من يؤكد اضطرابه هو كونورس نيكولاس، أحد مساعديه السابقين عندما صرح: «يجادل البعض بأنّ ليندسي غراهام هو أسوأ عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي. وأنا أجد صعوبة في قول أيِّ شيء إيجابي عنه. ومنذ وفاة صديقه، السيناتور جون ماكين، أصبح غراهام شخصًا مضطربًا»، والحقيقة أنّ اضطرابه لا يمكن أن يكون بسبب وفاة جون ماكين، وإنما هو متأصل فيه وسابق لوفاة ماكين.
وعودة إلى تهديد غراهام بقتل يحيى السنوار، فإننا نقول إنّ إسرائيل قد تصل إليه - كما وصلت من قبل إلى كثيرين -، لكن على السيناتور غراهام أن يعرف أنّ سياسة الاغتيالات هذه لم تصفِّ المقاومة الفلسطينية على مدى أكثر من نصف قرن، رغم أنها شملت شخصيات وقيادات المنظمات والحركات الفلسطينية كافة، بل أنشأت على النقيض من ذلك جيلًا مناضلًا مستعدًا للشهادة في أيّة لحظة، وإذا ذهب يحيى السنوار فإنّ هناك أكثر من سنوار، وهناك المئات ممن سيكملون مسيرة النضال والكفاح والجهاد، وهي المسيرة التي لا تنتهي بغياب الأفراد.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لیندسی غراهام
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري