في تلك الالتواءات السرية للطبيعة!
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
لأول مرة، يسعفني الحظ للذهاب إلى محافظة ظفار في موسم الصرب، كمحاولة صغيرة لاكتشاف المكان بعد انجلاء الخريف برذاذه وحركة زائريه الدؤوبة.
ورغم ما ادخرته لنا الطبيعة من مفاجآت سارة بعد انقشاع الضباب، وانكشاف المروج الخضراء وتفتح الأزهار بألوان الربيع التي لم نعتد عليها، إلا أنني لا أستطيع أن أنكر أثر الشحوب الذي ملأ الشوارع الفارغة من زحامها، فالعيون والشلالات التي لم نكن نصل إليها إلا بمشقة عارمة، صارت تئن بوحشتها، وتناءى الملمح العذب للطائرات الورقية المحلقة فوق الهضاب، وتلاشت الحصُر التي يحجز بها أصحابها مساحتهم الخاصة، وفقدت عربات الآيس كريم والبرجر والذرة رونقها وبهاءها، وفرغت الشقق والفنادق من تهافت مستأجريها، واكتسى المكان بإحساس باهت.
حتى تلك الأكشاك التي تبيع المشلي وجوز الهند والفواكه الطازجة والتي تذكرنا برائحة أسفارنا إلى الدول الآسيوية، تلك التي بالكاد كنا نجد موطئ قدم فيها أيام الخريف، بقيت صامدة لكن دون أيدٍ تمتد لاقتناص مباهجها. ماذا عن مدن الملاهي التي خفت ضجيجها وأضواؤها والطوابير الواقفة في انتظار أدوارها!
دخلنا المطاعم والمقاهي التي اكتست بأجمل حللها هذا العام لنجلس وحدنا، غير مصدقين أنها كانت قبل أسابيع قليلة وحسب تفيض بالناس وضجيجهم طوال أشهر الصيف الماضية! وفي الحقيقة سأتذكر أني أحد الذين كتبوا بصورة مستمرة عن ضرورة توفير الخدمات على طول العام في محافظة ظفار، حتى رأيتُ بأم عيني المحلات ومدن الملاهي والعيون والشلالات والأسواق، وكأن هنالك من ضغط زرًا فأطفأ فتنتها وامتص رحيقها دون وجل أو وخز ضمير!!
أعرف جيدًا أن الخريف انقضى، وفتحت المدارس وانتهت الإجازات الصيفية، ولكني كنت أفكر كيف يمكن إنقاذ المشروعات من الركود والخفوت لمدة تسعة أشهر قادمة! كيف يمكن أن نُرَبي السياحة المستدامة، ولا أدري إن كانت هذه الرغبة شديدة «الحُلمية» أو إن كانت ليست على وفاق مع واقع الحال، ولكن ماذا لو: تحول مطار صلالة إلى نقطة ارتكاز أساسية ودائمة «ترانزيت» يستقطبُ مختلف دول العالم، ليُغذي المنطقة بخامات بشرية متعددة، الأمر الذي سيُحرض رغبة الآخر في اكتشاف سحر المكان الآسر! ماذا لو تحولت المحافظة إلى منطقة ترفيهية متاحة على مدار العام -كأغلب الدول التي تتمتع بجو استوائي معتدل- فلا تكتفي بجذب الناس إليها في أشهر الصيف وإنما تستثمر أيضًا إجازات منتصف العام والأعياد كما قد تجذب إليها شريحة أوسع من دول الخليج.
هنالك أيضًا ما يُطلق عليه «السياحة العلاجية»، فعوضًا عن السفر إلى الخارج، يمكن تهيئة المحافظة كمكان مخصص للاستشفاء، لتقديم أنواع مختلفة من العلاجات، استثمارًا لموقع المحافظة المطل على بحر العرب، وذلك عبر جلب استشاريين متخصصين إليها من مختلف بقاع العالم.
ماذا أيضًا عن سياحة المؤتمرات العلمية والاقتصادية، التي ستجلب معها شرائح متنوعة من البشر من بيئة البحث والأفكار والتي ستصب في نسيج البيئة الاقتصادية والتعليمية، فبينما تُنشط السياحة من جهة يمكن أن تترك أثرًا لا تخطئه عين على تقييم الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا أكاديميًا ومؤسسيًا أيضًا.
في تلك الالتواءات السرية للطرق التي تخفي كثافة أشجارها أكثر مما تُبدي، هناك حيث يحصد الفلاحون غلتهم، والرعاة لحوم مواشيهم وألبانها الشهية، وحيث يجني العسالون حلاوة شهدهم، تدافعت الأفكار في رأسي، في محاولة لرأب الصدع الذي أحدثه شحوب المدينة في أحد أجمل مواسمها الخلابة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مجلة أمريكية تضع الأقصر ضمن أفضل 50 وجهة سياحية للسفر إليها في 2025
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحت عنوان " أفضل 50 وجهة سياحية للسفر إليها خلال عام 2025" نشر موقع مجلة السفر والترفيه (Travel + Leisure) الأمريكية، المتخصصة في السياحة والسفر، تقريراً مصوراً يتضمن قائمة بهذه الوجهات واصفاً إياها بأنها تستحق الزيارة خلال العام المقبل، حيث جاءت مدينة الأقصر من بين الوجهات السياحية الأكثر تميزاً بالسياحة الثقافية.
وأشار التقرير إلى أن عام 2024 كان عام الرحلات النيلية، في حين أن عام 2025 هو عام الاستمتاع بواحدة من أكثر مدن مصر إثارة ومتعة وهي مدينة الأقصر، مشيراً إلى أن مدينة الأقصر تشتهر بمجموعة رائعة من المعابد الأثرية التي هي ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979، هذا بالإضافة إلى العديد من المنشآت الفندقية الفاخرة والنابضة بالحياة والذهبيات النيلية.
وفي سياق متصل، اختارت صحيفة التليجراف (The Telegraph) البريطانية المتحف المصري الكبير ضمن أفضل الأماكن السياحية على مستوى العالم خلال عام 2024، وذلك ضمن القائمة التي أعدتها، بناء على آراء قرائها، لأفضل وأسوأ 50 وجهة سياحية حول العالم، مشيرة إلى التشغيل التجريبي الذي يشهده المتحف حالياً.
وأضافت الصحيفة أن هذا المتحف يعد أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة، لافتة إلى أن المتحف عند افتتاحه بشكل كامل سيتيح لزائريه الاستمتاع بمشاهدة عدد كبير من القطع الأثرية تنتمي للحضارة المصرية العريقة عقب الحقب التاريخية المختلفة، بما في ذلك المجموعة الكاملة لمقتنيات مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون.
جدير بالذكر أن المتحف المصري الكبير يشهد حالياً تشغيلاً تجريبياً لعدد من الأماكن به تضم زيارة المسلة المعلقة، والبهو الرئيسي حيث تمثال الملك رمسيس الثاني، والدرج العظيم الذي يُعرض عليه مجموعة من أفضل القطع الأثرية الضخمة التي تجسد روائع فن النحت في مصر القديمة ويتنتهي بمشهد بانورامي رائع يبرز أهرامات الجيزة الخالدة، بجانب القاعات الرئيسية التي تضم 12 قاعة تعرض قطع أثرية متميزة من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، كما يضم التشغيل التجريبي زيارة متحف الطفل والمنطقة التجارية حيث المطاعم والكافيتريات.