سبتمبر 15, 2024آخر تحديث: سبتمبر 15, 2024

د. مها أسعد

تحول المجتمع المدني إلى مفهوم مُتقاطع مع المدنية، حيث أنه عزز قُدرتنا على النظر إلى ما وراء بعد المجتمع المدني المفترض والذي يكون أقرب إلى الوهم في تدعيمهُ للمدنية، لذلك نحتاج إلى تضمين عوامل المسار المُنحرف لهيمنة الغرب المُتزايدة وما أنطوى عليها من نزاع، والتي قد فسرت ذروة الكولونيالية على إنها “رسالة تحضّر”، على الرغم من أن العملية استنساخ للأصل، فإننا ينبغي أن نكون على وعي بأن نشأة المدنية الغربية الحديثة هي في المقام الأول مُحصلة التطورات المحددة في أوروبا الغربية الشمالية، وهو ما يتصادف والصعود المتزامن أساساً مع بداية المشروع الرأسمالي؛ فبينما تمتع النظام بصدارة مؤكدة في استهلال العملية التاريخية، تشكلت بأثنائها مجتمعات تجارية وصناعية، ولا سيما في إسكتلندا وإنكلترا، وما ينطبق على تلك الثقافة يجب أن لا ينطبق على المناطق الذي فرض الغرب نفوذهُ وهيمنتهُ عليها مع السيطرة والتوسع، والمُتمثلة في الكثير من دول الشرق حيث اختلاف  العادات والتقاليد والقيم والمعايير التي تزنها وتحدد السلوك والتفاعل المُتوافق معها، لأن نوع التدرج الحضري لمجتمع صناعي مثل أمريكا والغرب يمثل مطلب غزير النمو للاماكن الحضرية القائمة على الخدمات الصناعية والتجارية، أما لفهم المدن في السياقات غير الصناعية المُعتمدة على الزراعة والرعي مثلاً سوف يولد ذلك نوع أخر من التدرج الحضري الذي يجب ان يسحب هذه المدن ذات الرتبة الواحدة ليست على أساس وسائط نقلها او اتصالاتها العقدية، لكن على رتبتها في شبكة الأهمية الطقوسية الحضرية او من ناحية وظائفها ونوع اقتصادها.

تعكس المدينة مجتمع الدولة على الأغلب وبشكل جوهري فما زالت هناك طريقة أخرى ذات علاقة بالطبقية الاجتماعية مثلما ان رتبة الملك أعلى من النبلاء وفي دورهم النبلاء أعلى من الفلاحين وهكذا يستمر التفاوت من المدن الى الأمم كمثال حصري للفروع الحكومية، كذلك الحال بالنسبة إلى المدن والأماكن الريفية المُتدرجة كمستوطنات حضرية، وكيف أن التأملات فيما يقصد بالمدنية تجاوزت بوضوح ما كان في الماضي من تشديد كلاسيكي على القانون الطبيعي وأفكار الحكم الرشيد، وباتت تنسف القيم الأصيلة في دول الشرق والتي أراد الغرب ان ينسفها بالطبع من خلال مُنظماتهم المُنتشرة بكُل مكان مما احدث الصراع داخل المُجتمع  بين الأصيل والدخيل وبالتالي التشتت، حيث أنها دعمت ذلك من خلال تركيزها على تحديات العالم الجديد للمشروع الرأسمالي، ومن الأهمية هنا أن نفكر ملياً في أن تلك التأملات حدثت من داخل مواقع تُنتمي إلى الأجزاء التي هي أسرع تطوراً من أوروبا، التي كانت تزداد التزاماً بالمغامرات الكولونيالية المتسعة من دون توقف، وقد تكون هذه السرعة في التحولات غير مسبوقة والاهتمام بدور الشخصيات المغامرة المبادرة بالمشاريع (entrepreneurial characters)، خلقت رؤية اختزالية لبعد الرباط الاجتماعي المدني بوصفه قائماً على محور الفعالية الفردية، كانت الفكرة الأخرى غير الواقعية لاستقلالية الثقة وما يرتبط بها من خطايا أخلاقية وبشكل خاص اختزالية، كما لو كانت لا تفعل شيئاً سوى الاستجابة لدفع المصالح وسحب العواطف المحددة لموشور الذات المشاريعية المغامرة.

كل المدن تجمع كل من الكثافة التنظيمية الحضرية والأيديولوجية في افتراقهم من المجتمع الأكبر، هذا الافتراق الذي في نفس الوقت يقع تحت الأدوار الثقافية الحضرية أو التكيف الخارجي الذي يربط المدينة بالمجتمع الرسمي، حتى الأماكن الحضرية الصناعية حيث المدينة كشبكة وظيفية وكثافة سكانية أكثر وضوحاً والصروح الرسمية والسياسية، فإن النشاطات تؤشر للمدينة أيديولوجيا حيثُ الطريق إلى رؤية أكثر رصانة حول المدنية تتطلب خطوة أولية، والتي تتمثل في جهد إظهار فكرة المدنية التي تعمل على التعافي من كشط الطبقة الخارجية الوهمية التي تزيد من عبء الفكرة الغربية الحديثة عن المجتمع المدني، فبينما تتمثل إحدى مشكلات المجتمع المدني الواضحة في صفته المُتركزة على أوروبا، تكون المُشكلة الأخرى والأقل وضوحاً، أنهُ لا يكشف المدى الكامل للأثر العالمي للمركزية الأوروبية والطريقة التي تأسست بها على شاكلة مُعينة وغير بها أشكال الهيمنة المبكرة للترابط العالمي، وبمجرد إنجاز هذه الخطوة الأولية لا يمكننا البدء في رؤية المدنية كمحصلة للتاريخ الحديث المُحدد للغرب أو بعض الأجزاء منه فحسب، بل أيضاً لعلاقاته مع باقي التاريخ الكولونيالي وما بعد الكولونيالي، بل وكذلك إلى حد كبير ما قبل الكولونيالي في المقام الأول، وفي الغالب مع العالم ذي الأغلبية المسلمة أو المعمورة الإسلامية، بمعنى أخر إن تقاطع المدنية مقابل حصرية المجتمع المدني المتخفية بصورة سيئة تستقر في الإقرار بخاصية المدنية التاريخية التي تشبه العملية، بوصفها محصلة عملية تحضر مستمرة متأصلة عالمياً تعرضت لمنعطفات مفاجئة ومُتكررة، وتحولات لإحداث تغيرات في اتجاه مسار التاريخ الإنساني، ويستتبع هذه الرؤية أنه مع صعود الحداثة الغربية وما تلاها من طفرة في مختلف أشكال الحداثة على المُستويين العالمي والمحلي، والتي لم يعد من الممكن للمدنية أن تصير مجرد مُحصلة عملية تحضر، بل أصبحت معتمدة على بناء الغرب الكولونيالي لنفسه وهيمنته عبر القفزة من هويته الثقافية المدنية في أعماق الآخر المستعمر، ومن ثم وبعيداً عنا، فالأمر هو تمني بناء مدنية ذات جوهر حقيقي غير إشكالي ومن ثم عالمي حقيقي للمجتمع المدني، ولإعادة صياغة ما قُلنا فإن مواجهة الغرب مع عملية التحضر طويلة المدى للأمة الإسلامية خصوصاً وللشرق عموماً قد خلقت الجديدة في مُنظماتهم الاجتماعية الداخلية والتي تُركز على السُكان والوظائف الأيديولوجية الرسمية ومراكز السمعة او الهيبة، حيثُ إنها تأخذ شكلاً مكانياً في الصروح المعقدة والدرع الدفاعي للمدن ضد الهجوم الخارجي والذي نادراً ما كان موجوداً من قبل، حيث إن الاستحداث يكون بحسب الحاجات المُستجدة، فضلاً عن التعريف الأيديولوجي لحدود المجتمع الحضري والعلاقة بالشركات والادوار الثقافية والانواع الحضرية الرئيسية اذا كانت المجتمعات الرسمية هي الأماكن الاجتماعية والثقافية التي فيها تطورت المدن إذ أنهم يُشكلون البيئة الأساسية للأماكن الحضرية.

ثم ان هناك مُسلمة منطقية تقول: بأن الأنواع المُختلفة للدول سيكون عندها أنواع متميزة من المدن والتي بدورها ستؤثر على العلاقات الخارجية بشكل كبير وهكذا على الأدوار الثقافية المحلية للمدن ضمن المؤسسات السياسية والاقتصادية للمجتمع الأكبر، حيث مدى استيعاب سياقهم الاجتماعي الحضاري لإعطاء فكرة عن خط امتدادهم وكيفية التعامل معهم من جهة، وتجنبهم بالحفاظ على القيم الأصيلة للمجتمع من جهة أخرى .

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: المجتمع المدنی

إقرأ أيضاً:

“الاتحاد لحقوق الإنسان”: الإمارات جعلت السلام جزءا أصيلا من المجتمع

 

أكدت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان، أن دولة الإمارات جعلت من السلام والتسامح والتعايش السلمي والأخوة الإنسانية، جزءاً أصيلاً من المجتمع، ملتزمةً بمشاركة هذه القيم والمبادئ مع العالم أجمع.
وذكرت الجمعية، بمناسبة اليوم الدولي للضمير الذي يوافق 5 أبريل من كل عام، أن دولة الإمارات تقدّمت 31 مركزاً على مؤشر السلام العالمي لعام 2024 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في سيدني، وذلك من خلال إطلاق المبادرات والجوائز العالمية التي تحتفي بتعزيز التسامح والسلام، منها إنشاء وزارة التسامح والتعايش، وجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي، وجائزة الإمارات العالمية لشعراء السلام، وجائزة زايد للأخوة الإنسانية، وجائزة محمد بن راشد للتسامح.
وأكدت أن دولة الإمارات عززت موقعها القائم على تعزيز الاستقرار والسلام، وقدرتها على لعب دور محوري في القضايا الإقليمية والدولية، ومشاركتها في المبادرات التنموية العالمية، حيث حصدت المرتبة العاشرة في مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2025، كما جاء ترتيبها ضمن أهم عشر دول عالمياً في عدد من المجالات، حيث نالت المركز الرابع عالمياً في الكرم والعطاء، والمركز الثامن في المؤشر العام للتأثير الدولي، والتاسع في كل من العلاقات الدولية، والتأثير في الدوائر الدبلوماسية.
وأشار إلى أن الإمارات تصدرت كذلك العديد من مؤشرات التنافسية العالمية لعام 2024، عبر تعزيز البنية المؤسسية التي تحمي حقوق الإنسان، حيث حازت على المركز الأول إقليمياً والـ37 عالمياً في مؤشر سيادة القانون، وحققت المركز الأول إقليميا والسابع عالمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين، واحتلت المركز الأول إقليمياً والسادس عالمياً في مؤشر جودة التعليم، مشيرة إلى إطلاق الإمارات خلال عام 2024، مبادرة “إرث زايد الإنساني” بقيمة 20 مليار درهم، لدعم الأعمال الإنسانية عالمياً.
ونوهت إلى إعلان “وكالة الإمارات للمساعدات الدولية” عن تقديم 100 مليون دولار لدعم التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر، حيث بلغ إجمالي المساعدات الخارجية منذ تأسيس الاتحاد عام 1971 حتى منتصف 2024 نحو 360 مليار درهم ما كان له بالغ الأثر في الحد من الفقر وتعزيز ثقافة السلام فضلا عن الاستثمارات الإماراتية الداعمة للدول التي تعاني اقتصادياً نتيجة النزاعات، والتي قدّرها صندوق النقد الدولي لعام 2025 بنحو 50 مليار دولار.
وأشارت كذلك إلى إطلاق الدفعة الرابعة من مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن في يونيو 2024، والتي تركّز على تمكين المرأة، وإنشاء شبكات تواصل بين النساء المعنيات بالعمل في المجال العسكري وحفظ السلام، وزيادة تمثيل المرأة في قوات حفظ السلام، كما دعمت الدولة كافة الجهود الهادفة إلى دفع مبادرات السلام الخاصة بالسودان، وتجنّب حدوث المجاعة الوشيكة، وقدّمت دعماً إغاثياً بقيمة 600.4 مليون دولار منذ بدء أزمتها الإنسانية.
وأثنت الجمعية على جهود الوساطة التي قامت بها الإمارات بين جمهوريتيّ روسيا وأوكرانيا، وأثمرت عن إتمام 13 عملية تبادل أسرى الحرب لدى الطرفين، بإجمالي 3233 أسيراً منذ بداية الأزمة عام 2024، مشيدةً بنجاح الجهود الإماراتية في تبادل مسجونين اثنين بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية في ديسمبر 2022.
ولفتت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان إلى الالتزام الثابت للإمارات في تعزيز مشروع السلام، حيث قدمت في مايو 2024، مشروع قرار بأهلية دولة فلسطين لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة خلال جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة، وقد حاز على تصويت الجمعية العامة بأغلبية لصالح قبول القرار، في خطوة تاريخية على طريق السلام.وام


مقالات مشابهة

  • برعاية حمدان بن محمد.. “دبي للتوحد” يطلق حملته التوعوية الـ 19
  • “الطيران المدني” يسلّم الرخصة التشغيلية لـ”طيران الرياض” تمهيدًا لبدء الرحلات الجوية
  • “الفاف” تُنصف الأندية التي سددت ديونها في الآجال المُحددة
  • حملة عالمية للإضراب والعصيان المدني “غداً الاثنين” للمطالبة بوقف حرب الإبادة في غزة
  • “دقلو” يبدو أن الزهللة التي يعيشها أنسته أنه هاجم من داخل العاصمة ولم يتمكن من الاحتفاظ بها
  • “الأحوال المدنية المتنقلة” تقدم خدماتها في 12 موقعًا بالمملكة
  • ما هي خطة “الأصابع الخمسة” التي تسعى دولة الاحتلال لتطبيقها في غزة؟
  • “المنافذ الجمركية” تسجل 1071 حالة ضبط خلال أسبوع
  • فضيحة “الدرونز” التي كشفت مشاركة فرنسا في إبادة غزة
  • “الاتحاد لحقوق الإنسان”: الإمارات جعلت السلام جزءا أصيلا من المجتمع