لا شك أن الخلود والتاريخ والانتقال بين الأزمنة كانت ولا تزال من الموضوعات التي درجت السينما على التعاطي معها وشاهدنا العديد من الأفلام من هذا النوع وهي التي عبرت عن الخارقية الممتزجة بالميثولوجيا ولكن وفي الوقت ذاته ولتلافي الإغراق فيما هو ورائي يتم ربط الأحداث ببعد واقعي بما يجعل الفيلم أكثر قربا من ذائقة المشاهد.

هذا المزيج الدرامي قدم لنا حصيلة سردية أراد صانعو الفيلم من خلالها اللعب بالزمن والتنويع في البناء السردي والخروج عما هو سائد ومألوف من خلال تكريس الفانتازيا كشكل خارجي جذاب يقرب الفيلم من الجمهور العريض.

كل هذه المعطيات يبدو أن المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي من أصل إيراني علي زماني قد اشتغل عليها واتجه إلى تقديم باقة متداخلة من البنى السردية والشخصيات والتنوع السينمائي في كل متداخل هو اقرب إلى المغامرة السينمائية لاسيما وأن زماني عرف بمنجز متنوع من الأفلام القصيرة والفيلم الموسيقي والفانتازيا والأفلام التجريبية خلال مسيرة حياته التي تنقل فيها من السويد إلى بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

في هذا الفيلم سوف يدخلنا المخرج مباشرة في مشهد حربي معتاد من تلك المشاهد التي وثقت الغزو الأمريكي للعراق وحيث المواجهات اليومية بين أفراد المارينز وبين أفراد يرتدون الملابس المدنية ويقاتلون الجيش الأمريكي ولكن يتم قتلهم تباعا كالمعتاد فالتفوق الأمريكي لابد منه، لكننا لن نمكث طويلا مع يوميات جندي الماينز ماركوس – الممثل راندي كوتورز الذي سرعان ما سوف يعود إلى بلاده بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 لتبدأ صفحة أخرى من صفحات حياته.

ربما يكون ذلك التمهيد كافيا لتزكية ماركوس وكونه شخصا جديرا بأن يعتمد عليه في مهمة قادمة يتولى أمرها الرجل الخفي بلاثازار – الممثل كوبا غوردنك جي آر الذي يظهر فجأة داعيا جندي المارينز السابق أن يقود مجموعة تتصدى لكائن خرافي مجهول يدعى ميكايل وهكذا سوف يؤسس لقوة مقابلة قوامها أشرار يقودهم تريغر – الممثل اريفين بوترا.

هذه المعادلة بين الأخيار والأشرار مجسدة لقوتي الصراع في الدراما الفيلمية ليست جديدة في عالم السينما فلطاما كان هذا النوع من الصراعات هو الذي يفتح الآفاق نحو الغوص في التاريخ والفانتازيا وهو ما سبق وشاهدناه في فيلم "الحرس القديم" للمخرجة غينا برنس بيثوود على سبيل المثال، وحيث إننا لن نرحل مع الشخصيات عبر الزمن ولن تتم عملية إيقاف الزمن ولا الرحيل إلى المستقبل، بل إننا سوف نكون مع شخصيات هي في حد ذاتها قاهرة للزمن ومن فصيلة الخالدين الذين لا يهلكون، وإذا أصيبوا فجراحهم سهلة الالتئام والشفاء وبسبب هذه القابلية الخرافية يلتقي أربعة أشخاص عابرين للزمن.

وكذلك الحال في الفيلم الشهير (الابديون)، للمخرجة كلوي زهاو حيث يقدم قصة طويلة ومتشعّبة تمتد عبر الأزمنة والحضارات البشرية في إطار لن يحيد كالمعتاد عن الصراع ما بين الأخيار والأشرار مع تداخلات يمكن من خلالها إيجاد توصيفات لا تندرج في التصنيفات إلى أبيض أو أسود أو طيب أو شرير، فالدراما الفيلمية هي التي سوف تحكم ومسار الأحداث هو الذي سوف يقودنا إلى النهايات والنتائج التي نترقبها.

هذا المزيج الدرامي سوف يشتغل عليه المخرج متنقلا بين عالمي الأخيار والأشرار راسما مساحة سردية يغلفها بالفانتازيا ولهذا سوف نتساءل عن الدوافع الحقيقية التي تجعل الشخصيات أن تنخرط في مثل ذلك النوع من الصراعات والتحولات وهو سؤال يرتبط أيضا بالخيال والميثولوجيا وعلى هذا تبدو المشاهد الأولى لجندي المارينز والانطباعات التي تترتب عليه وكأنه قد تم لصقها بالفيلم لصقا وإلا ما جدواها ولماذا تم توظيفها بهذا الشكل.

أما إذا انتقلنا إلى مكان آخر، حيث توجد عصابة من النازيين الذي يستخدمون حلبة الملاكمة في نطاق المراهنة على الفائز ضمن نادي للمقامرة، إلا أن ما يقلب الأحداث هو ظهور تريغر حاملا حقيبة محشوة بالقطع الذهبية والتي بإمكانه أن يغري بها خصمه فيما إذا فاز عليه في منازلة حرة لاسيما وأنه يبدو نحيفا وذا قدرات بدنية متواضعة فكيف وهو يخوض نزالا مع شخص مفتول العضلات وصرع قبل ذلك الكثيرين، هذه المفارقة سوف تعيدنا مجددا إلى ذلك النوع من القدرات الخارقة الذي يميز الشخصيات بوجهيها الخيرة والشريرة.

على أن التحول الدرامي الآخر يتمثل في التقاء من يعرف بمحاربي السلام مع الشخصية الاستثنائية ديبورا- الممثلة دينيس ريتشاردز

وهي التي تصمم أسلحة قتال الشياطين، بما في ذلك امتلاكها جرعة يمكنها بها إحياء الموتى، ويبدأ الفيلم أخيرا في جلب الشياطين أنفسهم والقتال معهم. ولحسن الحظ، فإن المؤثرات المستخدمة لمواجهة الشياطين أفضل بكثير مما شاهدناه في بداية الفيلم وحيث تتراوح المخلوقات نفسها بين البشر و الزواحف وحتى الشياطين ذوي القرون التقليدية.

هذه السلسلة من المواجهات ما بين الأخيار والأشرار بدت في جانب منها أنها أقرب إلى الميثولوجيا الدينية منها إلى نوع من الفانتازيا والقصص الديني ذا الطبيعة التاريخية وهو ما وجدناه سائدا في السياق الفيلمي مما أوجد حالة من الإرباك إلى حد ما في المسار الدرامي والسردي الذي يجب أن يتخذ الفيلم في معالجته الدرامية لاسيما أنه يريد أن يجمع كل شيء في قبضة واحدة من الميثولوجيا إلى تاريخ الأديان إلى الفانتازيا وخلال ذلك حاول المخرج جاهدا أن يقرب فيمه من منطقة الأفلام التي تدهش المشاهد.

إن الملاحظ هو أن أغلب المشاهد الفيلمية كانت بحاجة إلى مزيد من المؤثرات الخاصة والخدع السينمائية والتداخلات الرقمية وبسبب التكاليف الضخمة لهذا النوع من الأفلام نجد أن المخرج اتجه نحو الإثارة والمحاكاة الميثولوجية وابتعد تدريجيا عن الفانتازيا التي تحتاج إلى نوع من الإنتاج الضخم والقدرات التقنية العالية.

ولعل من التساؤلات التي يطرحها الفيلم أو التي يمكن أن نطرحها في قراءتنا للفيلم حول شخصية محارب المارينز في حد ذاته لاسيما وأنه يظهر أكثر من مرة وهو يتعاطى أدوية ما عرف بمتلازمة ما بعد الصدمة، المرض الذي أصاب كافة جنود أمريكا تقريبا من الذين خدموا في العراق وأنهم لدى عودتهم إلى الديار بدوا محطمين نفسيا ويعانون من كوابيس الحرب وعدم القدرة على النوم والعمل، فهل الجندي المارينز كان يعاني من هلوسات وضعه النفسي بحيث ذهب بعيدا إلى خيالات وصراعات مع عوالم خفية وما ورائية؟

هذا السؤل وغيره من الأسئلة فرضت نفسها بسبب نوع المعالجة الدرامية والبناء السردي التي لجأ إليها المخرج مما فتح الأبواب على الميثولوجيا والفانتازيا والتاريخ والخيال العلمي وهي مجتمعة أراد من خلالها تقديم فيلم يضم في مساحته الزمنية كل ما يبحث عنه المشاهد وما يجذبه إليه وهي بكل تأكيد محاولة قد لا يكتب لها النجاح دائما مما يتسبب في تشتيت انتباه المشاهد.

...

قصة وإخراج/ علي زماني

سيناريو / كريس كاتو

إنتاج/ زيوس زماني

كوبا غوردنك جي آر – بلاثازار

راندي كوتورز – ماركوس

اريفين بوترا -تريغر

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النوع من

إقرأ أيضاً:

نجاة عبد الرحمن تكتب: الملائكة ليسوا وصمة عار

في ظاهرة باتت واضحة الوضوح بين بعض شرائح المجتمع المصري، من تباين في العِلاقة بين الأبناء و ألأباء و بين الآباء و الأبناء نجد أن هناك فجوة إنسانية قد طرأت على المجتمع، و ظهرت في شكل العِلاقة بينهما، و خاصة الآباء الذين رزقوا بأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة.

نجد أن هناك بعض الأسر التي تلجأ لانجاب الطفل الثاني و الثالث و ربما الرابع كنوع من الاحتراز و التعويض عن الابن صاحب الاحتياجات الخاصة، و يكون الاهتمام منصب على الأبناء الأسوياء و يكون الإهمال من نصيب الابن ذوي الإعاقة.

و هناك فجوة كبيرة لدى نسبة ضئيلة من الشريحة المجتمعية التي رزقت بطفل من أصحاب متلازمة داون، نجد الأسرة تشعر ببعض الخزي و التواري و ربما محاولة التنكر للطفل و حبسه بعيدا عن أعين المجتمع المحيط كأنه وصمة عار على جببن الأسرة لمجرد أن ملامحه تظهر عليه الإعاقة.

بالإضافة عن التفضيل في كل شيء و نوع المعاملة كأب و كأم تجاه ذلك الطفل، فنجد أن هذا الطفل يعاني الاضطهاد و الظلم و الحرمان البيئي و الحرمان الإنساني، حتى في نوع الطعام المقدم اليه نجد أن بعض الأسر تتناول أشهى الأطعمة و تترك بواقي الطعام للابن المعاق، بالرغْم أن هذا الطفل يعد أحد أهم أسباب و مصادر الرزق لهم، فتلك الأسر تعمل جاهدة على الحصول على الامتيازات التي منحتها الدولة لأولادنا من ذوي القدرات الخاصة، و في المقابل يتم اقتناص تلك الامتيازات لصالح الأبناء الأسوياء بينما أصحاب الحقوق الأصليين يجدون النكران و الحرمان.

نجد تلك الأسر تشتري أفخم الملابس للأبناء الأسوياء و أحط أنواع الملابس المتهالكة للابن ذوي الإعاقة بالرغم من أنه صاحب الفضل الأول في رزق الأسرة و مصدر سعادتها، و تربحها من جرّاءِ إعاقته فضلا عن الرزق الإلهي.

لذلك أطالب الأزهر الشريف بتكثيف حملات توعية دينية من خلال المنابر المختلفة سواء بخطب الجمعة و المناسبات الرسمية الدينية و المنابر الإعلامية بفضل حسن التعامل مع الأبناء من ذوي القدرات الخاصة و فضل الإحسان إليهم.

و كذلك وزارة العدل و مجلس النواب بضرورة سن قانون يقر عقوبة على الآباء و الأمهات التي تسيء التعامل مع أبنائهم من ذوي القدرات الخاصة.

ويحق لوزارة التموين و التجارة الداخلية بحرمان تلك الأسر من الدعم العيني الذي يحصلون عليه، و كذلك وزارة التضامن الاجتماعي بعمل بحث دوري على الأبناء و متابعتهم و رؤيتهم قبل صرف المعاش الشهري و عمل كشف تحريات حول معاملة الأسرة للابن المستحِقّ للمعاش، حتى نضمن إنه لا يتم الإتجار بهم من قبل أسرهم.

و أذكر أنهم منحة إلهيه و ليست محنة، هم اختبار لقدرة الأسرة و خاصة الأم و الأبُّ على التحمل و المثابرة و حسن الرعاية و الإنفاق، لدخول الجنة دون عناء، على قدر الاهتمام بهم يكون قدر تقربك لله، كلما أنفقتم عليهم يكون متسع الرزق أكبر و أوسع من حيث لا تحتسبوا، و بقدر البخل عليهم يكون ضيق الرزق و المشكلات و العراقيل و الابتلاءات في من فضلتموهم عليهم، بقدر الإحسان يكون مقدار الجزاء من الله.

فلا يعقل أن تكون مصليً و حاجً و تخرج الصدقات و الزكاة و تبخل في أقرب الناس إليك فلذة كبدك لمجرد أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، لن تقبل أعمالك لن يبارك الله لك في رزقك، فإذا أردت البركة و الخير و الرزق أحسن للملاك الذي رزقك الله به و لا تخجل منه أخرج به واجه به المجتمع فهو ليس وصمة عار.

فهنيئاً لمن لديه ملاكا بمنزله يعيش إلي جواره و ينعم بخيراته و بركته.

مقالات مشابهة

  • موعد نزول الضمان المطور الاجتماعي لشهر فبراير 2025: كل ما تحتاج لمعرفته
  • «بكى بسببه».. محمد سعد يكشف أصعب مشاهده في فيلم «الدشاش»
  • صور صعب أن تبعدها عن نظرك بسرعة
  • أبرزها اتفاق غزة.. محطات من الوساطات القطرية في صراعات دولية
  • هل الملائكة تلعن الزوجة إذا امتنعت عن زوجها؟
  • هل الملائكة وصالحي الجن يصلون مع البشر؟.. الشيخ خالد الجندي يُجيب
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف جنود وآليات للاحتلال وتقصف غلاف غزة بالصواريخ
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: الملائكة ليسوا وصمة عار
  • رغم الاحتفالات.. 5 مشاهد لا تنسى من حرب غزة خلال 15 شهرا (فيديو)
  • هل الملائكة تلعن الزوجة إذا امتنعت عن زوجها؟.. انتبهن