لم تكن ثورة 26 سبتمبر 1962م وليدةَ فعل انفعالي بل نتاج انتفاضات كثيرة للقبائل اليمنية ونضالات طويلة من حركات التحرر الوطنية على حكم الإماميين الذي جثم على صدور اليمنيين لأكثر من ألف عام.

طيلة عشرة قرون كان نظام الحكم ثيوقراطياً مستمداً من ادعاءات دينية مكنت سلالة بعينها من الاستفراد بالسلطة والثروة وإدارة شؤون الرعية دون إشراك القبائل في صنع القرار، وتسخير أبنائها في الزراعة أو جند وعكفة الإمام.

في وقت تفشى فيه الظلم والجهل والتخلف وسفك الدماء في داخل اليمن، كان كل من يخرج من اليمن سواءً من التجار أو الضباط والمثقفين الذين سافروا خارج اليمن، أدركوا حجم الكارثة التي حلت باليمنيين المغيبين عن العالم بفعل العزلة التي فرضتها الإمامة المتوكلية.

عاد هؤلاء الضباط والمثقفون إلى الوطن وكلهم رجاء بأن يتم الأخذ بنصائحهم لما فيه خير اليمن أرضاً وإنساناً، غير أنهم انصدموا بغلظة أمراء بيت حميد الدين الذين استكثر الإماميون على الشعب العيش بحرية وكرامة وإنصاف، الأمر الذي ولّد كل عناصر ومقومات الثورة التي تقتلع النظام المتخلف الظالم، وتعيد الحكم للشعب.

وصل الأحرار والضباط إلى قناعة مفادها أن إسقاط الإمامة بثورة يكون الحكم فيها للشعب هو الحلُ الأمثل وبدأت بشارات ذلك الحمل بمحاولة اغتيال الطاغية أحمد حميد الدين في الحديدة في مارس من العام 1961 وظل الطاغية متأثراً بها إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة في التاسع عشر من سبتمبر من العام 1962.

أُسبوع فقط على ذلك وإذ بالمارد السبتمبري يخرج من قمقمه بفضل تضحيات تنظيم الضباط الأحرار وحركة التحرر الوطنية ومن خلفهم ثورة شعب مجيد أهال التراب على الإمامة بكل مساوئها، ولسان حال الثوار يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

أين حراك الجامعات العربية؟

 

 

ظلت الجامعات لوقت طويل تمثّل صمّام الأمان للمجتمعات التي شهدت تقلّبات فكرية وسياسية، إذ جعل الشباب المتطلع نحو المجد، الجامح نحو الحرية، الباحث عن مستقبل أفضل، من تلك المؤسسات التعليمية رافداً نحو الحرية وصناعة التغيير؛ فدور تلك المؤسسات لم يكن يقتصر على التعليم فقط، بل ينحو في اتجاه صناعة الوعي لكل أفراد المجتمع وتعزيز الانتماء إلى القضايا المحلية والقومية وربما العالمية، فالجامعات تشكّل الحاضنة الفكرية والثقافية التي تصقل مهارات الشبان اليافعين وقدراتهم، وتؤسس لوجودهم في المشهد السياسي.
ولعلّ الشواهد كثيرة مما يمكن الإشارة إليه، ففي فرنسا كان حراك جامعة السوربون عام 1968 أحد أهم الحراكات في أوروبا احتجاجاً على القيود الأكاديمية والممارسات السلطوية في التعليم، سرعان ما توسع ليشمل احتجاجات عالمية أدت إلى تغيير كبير في السياسات الداخلية وهيكلة النظام الفرنسي، وكذلك حراك الطلبة في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ضد حرب فيتنام، وكيف أُجبرت الحكومة على إعادة النظر في سياستها العسكرية تجاه فيتنام، فانسحب الجيش الأمريكي من هناك عام 1975.
والشواهد كثيرة كربيع براغ عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا وانتفاضة سويتو في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الأبرتايد، وحراك ميدان تيانانمن في الصين عام 1989 الذي قاده طلبة الجامعات مطالبين بالحرية وبعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وقد انتهى ذلك الحراك بقمع عسكري دموي، لكنه ترك أثراً كبيراً على السياسة الصينية والعلاقات الدولية، امتداداً نحو الثورة الطلابية في تشيلي عام 2013 وصولاً إلى احتجاجات هونغ كونغ وغيرها من الحراكات المتواصلة التي غيّرت المعادلات الدولية.
وأمام هذا كله، يتبادر إلى ذهن المواطن الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة كل لحظة، في بث مباشر أمام وسائل الإعلام الجديد والتقليدي: أين دور الجامعات العربية تجاه ما يجري؟ أين طلبة مصر والأردن وسوريا وتونس والجزائر؟ أين مجالس الطلبة؟ في الوقت الذي خرجت فيه الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي من دون توقف، بل وخرج الطلبة ليتظاهروا في الميادين العامة وأمام محطات الباصات والقطارات وغيرها، رغم تعرض كثير منهم للمضايقات وربما الاعتقال أو الطرد من تلك البلدان، أين الشباب الذين يمكن لهم أن يقودوا الأمة نحو التطور وصناعة التغيير؟ ألهذه الدرجة تمّ كيّ الوعي أو تدجينه بما تريده السلطات الشمولية الحاكمة؟ ألا يوجد من يهبّ ليشعل الفتيل الذي سيغيّر معادلة المنطقة برمّتها؟
لقد كانت الجامعات العربية سابقاً أدوات تغيير حقيقي، يحسب لها الجميع ألف حساب، فقد كان الطلبة دوماً في الطليعة لمجابهة الاستعمار أو الاحتلال، فقد شاركوا في ثورة عام 1919 لرفض الوصايا البريطانية بقيادة سعد زغلول، وما زالت الدراما والسينما المصرية تسلطان الضوء على تلك المظاهرات التي تحمل الشعارات وتهتف ضد الاستعمار، ثم إن تلك الثورات لم تتوقف، فهي التي خرجت لتحارب في فلسطين، ثم حملت السلاح إبان العدوان الثلاثي عام 1956، وهي التي خرجت من جامعات طهران إبان ثورة الإمام الخميني ضد الشاه وقطيع المتحالفين مع أمريكا، وما زالت مستعدة أن تحمل السلاح اليوم لتحارب الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمدد يميناً ويساراً تحت عين الأنظمة الحاكمة، لكن الشرارة ما زالت منطفئة.
إن واقع المنطقة يدعو إلى الرثاء، لأن الكيانات الصغيرة باتت المتحكم الأول بالدول العميقة، نظراً لما تملكه من المال والنفط، إذ بدأت تلك الكيانات بتعزيز نفوذها من خلال استقطاب المبدعين والفنانين ثم رصد الجوائز وإصدار المجلات والجرائد التي تدفع بسخاء للنخب ثم مطالبتهم بالعمل والكتابة وفق سياسة الرتابة والالتزام بعدم الخوض في القضايا السياسية كي لا يقدح بالاستعمار الرأسمالي أو الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة حثيثة لكيّ الوعيّ العربي المنشغل بتفاصيل الحياة اليومية واللهو بقضايا عادية جداً، تأخذ حيّزاً كبيراً من وقته وتفكيره، كي لا يلتفت إلى عمق كل المشكلات العربية وأساسها، المتمثلة بـ”إسرائيل”.
وأمام مشهد الدم النازف في قطاع غزة، وأمام محاولات التهجير المستمرة، ما تزال النخب نائمة والجامعات تفكر بعقلية الطالب العادي، الباحث عن التخرج ثم الحصول على وظيفة أو زواج أو سفر، ما تزال الأحلام بسيطة تنمّ عن ضيق أفق جاء كنتيجة طبيعية لقمع غير مسبوق في وعي الشباب، فأين ثورة الشباب؟ أين الحماس والقوة التي يجب أن تحسب لها الأنظمة ألف حساب؟ أين الخروج من قاعات الدراسة والهتاف بصوت واحد ضد أمريكا و”إسرائيل”، مع الأسف، يبدو أن النظم الحاكمة قد نجحت في توظيف طواقم أكاديمية تنتمي إلى سلطة القمع، ووضعت مناهج دراسية خارج إطار التاريخ العربي وقدرته على الانتصار لدم الأخ والقبيلة.
لذلك، فإن الأمة بحاجة إلى ثورة جديدة، ثورة يقودها الطلاب على المناهج الدراسية، وعلى الطواقم الأكاديمية، ثورة على الأنظمة المتخاذلة، وعلى العالم الذي يبرر الإبادة بحق شعب فلسطين، وحتى ذلك الحين، سيظل العربي مجرد أداة ضعيفة لا يحسب لها العالم أي حساب.
كاتب فلسطيني .

مقالات مشابهة

  • أول وزير للحرس الثوري عن الخميني: هل من المفترض أن نبقى ألف عام بلا علاقة مع أمريكا؟
  • أين حراك الجامعات العربية؟
  • تفاصيل وردود الفعل حول زيارة الرئيس السيسي لقطر
  • خلال شهر.. تطبيق قرار سلطان بإلغاء رتبتين عسكريتين في شرطة الشارقة
  • الشارقة.. إلغاء رتبتين عسكريتين في صف الضباط يوفر على المستفيدين 8 سنوات
  • الناطق العسكري لكتائب القسام: لا يزال إخوان الصدق في اليمن يصرّون على شلّ قلب الكيان الصهيوني وقوفاً إلى جانب غزة التي تتعرض لحرب إبادة شعواء
  • الحرس الثوري الإيراني: نأمل أن تُسفر المفاوضات مع أمريكا إلى تعاون مشترك
  • لماذا اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية؟
  • اليمن.. نارُ الكرامة التي لا تنطفئ
  • في يوم ذكرى سقوط الطاغية (11 ابريل 2019)