بقلم: بلال التليدي

الزيارة التي قام بها الماريشال برهانو غولا جيلالشا، رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية إلى المغرب ما بين 25 و29 غشت الماضي، أثارت ردود فعل غاضبة من قبل بعض الأوساط الإعلامية المصرية، وانخرطت وسائل إعلامية جزائرية متعددة في توجيه خلفيات الحدث في اتجاه إثارة التوتر بين الرباط والقاهرة.

المشترك بين ردود الفعل الإعلامية الجزائرية والمصرية، أن المغرب، وفي سياق جد حساس، محكوم بصراع محموم بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة، يمكن في أي لحظة أن يتحول إلى صدام عسكري، اتجه إلى تعزيز التعاون العسكري مع إثيوبيا، بما يعني حسب هذه التأويلات الإعلامية أن المغرب حدد موقعه ضدا على المصالح القومية المصرية!

الخارجية المصرية لم تصدر أي رد فعل وتركت الباب مفتوحا أمام التأويلات المختلفة، فالقاهرة لا تحبذ أن تتجه إلى توتير العلاقة مع البلدان التي تتميز بدبلوماسية الهدوء، وبالأحرى الدول العربية التي تحتفظ معها بعلاقات تاريخية لم يشبها منذ زمن طويل أي تصعيد رسمي مثل المغرب.

ثمة معطيات معقدة، تجعل من الصعوبة فهم هذه الزيارة وخلفياتها، فالمغرب طوى صفحة التوتر مع إثيوبيا مع زيارة الملك محمد السادس إلى أديس أبابا سنة 2016 إذ تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المهمة في مختلف المجالات (12 اتفاقية) اعتبرها رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين مدخلا لإقامة «شراكة متكاملة» بين البلدين.

وسائل الإعلام وقتها لم تكشف عن كل هذه الاتفاقيات، وإنما تحدثت عن قطاع الزراعة والمعادن والنقل الجوي، والعمل الدبلوماسي، ولو لم تشر إلى مجال التعاون العسكري، لكن بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية بمناسبة زيارة رئيس الأركان الأثيوبي للرباط الذي أعرب «ارتياح البلدين للمستوى المتميز الذي بلغته علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين في مجال الدفاع، وتطلعهما ورغبتهما المشتركة في تقوية هذه العلاقات النموذجية مستقبلا» يشي بأن هذا المجال لم يكن غائبا ضمن زيارة الملك محمد السادس لأديس أبابا سنة 2016.

مصر لم تنزعج وقتها من زيارة ملك المغرب إلى أديس أبابا، لأن مشكلة سد النهضة لم تكن متفجرة بعد، بل كانت الأطراف الثلاثة (إثيوبيا ومصر والسودان) قد وقعت في مارس 2015 وثيقة إعلان مبادئ بالخرطوم، تقر بالأمر الواقع، لكن بشرط أن تلتزم أديس أبابا بتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية، التي شملت إجراء تقييم الأثر البيئي والاجتماعي.

الرباط كانت تسير بسرعة قصوى في اتجاه إبعاد أديس أبابا عن المحور الإفريقي الداعم لجبهة البوليساريو، ولذلك، استمر تعميق التعاون بين البلدين إلى اللحظة التي قررت أثيوبيا سنة 2021 فتح قنصلية لها في مدينة العيون المغربية اعترافا منها بسيادة المغرب على صحرائه.

العنصر الثاني في المعادلة، يتعلق بالموقف المغربي من الصراع المصري الأثيوبي، والذي لم يعد مقتصرا على الخلاف على الحصة التاريخية لمصر من مياه النيل، وإنما امتد إلى الإقليم أي الصومال وجيبوتي، فالرباط اختارت الحياد الذي قد يسمح لها بالقيام بالوساطة اللازمة بين الطرفين لتجنيب المنطقة الصدام العسكري، وهو الموقف الذي يلزم الرباط بالنأي بنفسها عن أي موقف يضر بالمصالح القومية لمصر.

العنصر الثالث في المعادلة المعقدة، أن سياسة الرباط الإفريقية منذ سنة 2004، لم تقتصر على حلفائها التقليديين في غرب إفريقيا، بل سعت إلى التحرك نحو الشرق والوسط والجنوب الإفريقي مستعملة في ذلك ورقة الاقتصاد والزراعة على الخصوص (الأسمدة) وورقة الأمن والدين لتعزيز علاقاتها وتعاونها الثنائي مع عدد من الدول الإفريقية، وذلك بقصد كسب ملف وحدتها الترابية، وضمن هذا السياق يمكن أن نفهم زيارة الملك محمد السادس إلى رواندا وتانزانيا ثم أثيوبيا وكينيا ومدغشقر ونيجيريا سنة 2016.

العنصر الرابع في المعادلة، يتعلق بطبيعة التعاون العسكري بين أديس أبابا والرباط، الذي لم يكشف عنه في بيان القيادة العامة للقوات المسحة الملكية، لكن بالرجوع للوراء، وتحديدا بعيد منتصف شهر يوليو، فقد زار وفد عسكري مغربي رفيع المستوى أديس أبابا يرأسه اللواء عزيز الإدريسي، وأجرى مع المسؤولين العسكريين الإثيوبيين، يتقدمهم رئيس أركان الجيش الأثيوبي الماريشال برهانو جولا، وقد كشف بيان للجيش الأثيوبي تعليقا على زيارة المسؤول العسكري المغربي لـ«كلية القيادة وأركان الدفاع» عن جانب من هذا التعاون العسكري، أي التكوين والتدريب في المدارس المغربية ومشاركة المغرب تجاربه على هذا المستوى.

العنصر الخامس في المعادلة، يتعلق بشفرة اختراق المغرب للشرق الإفريقي، وبخاصة إقامة علاقات تعاون مع أثيوبيا، فالمحادثات التمهيدية التي جرت مع أديس أبابا لفك هذه الشفرة، أبانت عن أولوياتها (الجانب الزراعي والعسكري) وهو ما حتم على المغرب التكيف مع هذه الشفرة، وتوجيهها بشكل لا يضر علاقاته بمكونات في شرق الإقليم لاسيما مصر.

البعض حاول الربط بين التعاون العسكري الإثيوبي المغربي وبين مشاركة مصر في مناورة عسكرية مع الجزائر حضرت فيها جبهة البوليساريو سنة 2023، واعتبر أن دبلوماسية الهدوء بالرباط تختار دوما وقتها للرد حتى ولو كان الفارق بين الحدثين حوالي سنة. والواقع، أن مصر الرسمية (وزارة الدفاع المصرية) لم تعلن بشكل رسمي عن مشاركة البوليساريو في مناورات «سلام شمال إفريقيا 2» التي أجريت بين 18 و25 نوفمبر من السنة الماضية. وإنما وزارة الدفاع الجزائرية هي التي أقحمت البوليساريو في بيانها، مما دفع الرباط إلى عدم إبداء أي رد فعل رسمي.

المعطى الرابع الذي أثر بشكل كبير على تفسير التعاون العسكري الأثيوبي، وأبعد خلفياته عن استهداف المصالح المصرية، هو ما يتعلق بلقاء وزيري خارجية مصر والمغرب بمقر وزارة الخارجية المصرية في يوم الثلاثاء الماضي على هامش مشاركتهما في الاجتماع الوزاري لمجلس جامعة الدول العربية، والذي قرئ على أنه محاولة لإزالة الالتباس حول طبيعة زيارة رئيس الأركان الأثيوبي للمغرب.

المثير في هذا اللقاء أو ما صدر عنه من بلاغات سواء بالنسبة للخارجية المغربية أو المصرية ليس الحديث عن عراقة العلاقة بين البلدين وقوتها، ولا الحديث عن القضايا التي تم مناقشتها، بما في ذلك مياه النيل، وإنما ما يتعلق بآلية التشاور بين خارجية البلدين، وقرار عقد الندوة الرابعة لآلية الحوار والتنسيق والتشاور السياسي والاستراتيجي في أقرب الآجال، وكذا تكثيف زيارات المسؤولين من الجانبين بهدف ضخ دينامية جديدة في علاقات التعاون القائمة بين المغرب ومصر، فهذا الشق الوارد في البلاغين، يكشف عن سعي بعض الأطراف لتسميم العلاقات المصرية المغربية، والحاجة إلى آلية تشاورية لها طابع الديمومة، تمكن من تأطير القرارات السيادة لكل بلد على حدة، بما يبعد بشكل كامل أسباب التوتر بين البلدين.

ما يكشف مصداقية هذه الخلاصة، أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، سارع إلى الاجتماع مع وزير الخارجية المصري ساعات قليلة بعد لقاء نظيره المصري بوزير الخارجية المغربي، لكن، بيان الخارجية المصري عقب لقاء عطاف لم يحمل أي جديد يذكر، فباستثناء إطلاع وزير الخارجية الجزائري عن الوساطة المصرية في موضوع غزة، وتبادل الرؤى في القضايا ذات الاهتمام المشترك، فإن إعادة فقرة «أهمية الحفاظ على الاستقرار والأمن في القارة الأفريقية عموماً وفي منطقة الساحل والصحراء بشكل خاص» في بيان الخارجية المصرية في لقاء الوزير المغربي والجزائري، تعطي صورة عن فشل محاولة توتير الأجواء بين مصر والمغرب.

 

كاتب وباحث مغربي

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: التعاون العسکری الخارجیة المصری بین البلدین فی المعادلة أدیس أبابا

إقرأ أيضاً:

بعد أحداث سبتة.. هل يعيد المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين كما فعل مع الإيفواريين ؟

زنقة 20 | الرباط

تعالت أصوات مؤخرا بالمغرب ، تنادي بعودة فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين و التي ألغاها المغرب سنة 2004 بعدما كانت سارية منذ عام 1994.

هذه الدعوة ، تأتي ردا على تورط جزائريين في محاولة الإساءة للمغرب عبر الهجمة الأخيرة على مدينة سبتة المحتلة ، وخروج مواطنين جزائريين ينتحلون صفات مواطنين مغاربة للإدلاء بتصريحات مسيئة للمملكة ورموزها.

في هذا الصدد ، حذرت عدة أصوات من أن السماح بدخول المواطنين الجزائريين الى أرض الوطن بدون تأشيرة ، سيفتح الباب أمام مندسين للإساءة للمملكة، خاصة و أن المغرب مقبل على استضافة أحداث قارية و عالمية مثل كأس أفريقيا 2025 و كأس العالم 2030.

الناشط مصطفى عمراني ، يرى أن فرض المغرب التأشيرة على الأشقاء الإيفواريين الداعمون للوحدة الترابية بسبب تزايد عدد المهاجرين السريين القادمين من بلادهم ، يطرح بقوة ضرورة إعادة فرض التأشيرة على الجزائريين لأنه من الواضح والمؤكد وجود توجه لضرب استقرار المغرب من الداخل بعد فشل الحرب التي تشن عليه من الخارج.

تاريخيا، فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين في 1994 ، بعد هجوم استهدف فندق أسني في مراكش.

واتهمت الرباط حينها أجهزة الاستخبارات الجزائرية بالتورط في العملية، فردت الجزائر بإغلاق حدودها مع المغرب.

مقالات مشابهة

  • بعد أحداث سبتة.. هل يعيد المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين كما فعل مع الإيفواريين ؟
  • ألباريس يُثني على التعاون المغربي في صد الهجرة إلى سبتة منتقدا "دعوات إلى خلق نزاعات بين مدريد وجيرانها"
  • وزير الخارجية: العلاقات المصرية الأمريكية "قوية" ونعمل على تطويرها
  • وزير الخارجية: الرئيس السيسي يؤكد لبلينكن متانة العلاقات المصرية والأمريكية
  • وزير الخارجية يبحث مع «بلينكن» ضخ الاستثمارات الأمريكية في السوق المصرية
  • وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يترأسان الحوار الاستراتيجي بين البلدين
  • وزير الخارجية: نتوقع دائما المزيد من الدعم للمواقف المصرية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي
  • رئيس الاتحاد المغربي يتعرض لحادث سير
  • وزير الاستثمار السعودي: العلاقات المصرية السعودية نموذج يحتذى به في التعاون العربي الوثيق
  • المغرب يتجه نحو تعزيز قدراته العسكرية بصفقة مروحيات مقاتلة جديدة مع فرنسا