السودان: آثار ومتاحف مدمرة وآمال للإنقاذ
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
لم تترك الحرب في السودان شيئًا إلا ودمّرته، فقدَ السودان الكثير، لكن ما لا يعوّض هو تراثه؛ من آثار ومتاحف وأرشيفات، لذا جاءت الحرب ليفقد السودان جانبًا من ماضيه التليد.. فماذا حدث لهذا التراث.
إن بدايات التدمير تحت القصف، كانت في الخرطوم التي دمّر فيها ما لا يقلّ عن 33 ألف بناية، هذا ما يؤشر إلى فقدان بنايات تعود للقرن التاسع عشر، والنصف الأوّل من القرن العشرين، حيث تمثل حلقة مهمة في تاريخ العمارة في السودان، وهو جانب لم يلتفت له الكثيرون، أبرزها بنايات جامعة الخرطوم التي كانت تعرّف بكلية غوردون التي أسّست عام 1904م، كما تضرّر القصر الرئاسيّ القديم.
اتجهت الأنظار للمتاحف في الخرطوم والتي تقع في قلب مناطق النزاع، وعلى رأسها المتحف القومي السوداني الذي بات في دائرة الصراع منذ بدايات الحرب. تأسس المتحف عام 1971م على شاطئ النيل في الخرطوم، وتعرض لأضرار كبيرة، خاصة سقف الهيكل المعدني الذي يقع في الحديقة، حيث يضم معبد بوهين الذي يعود إلى 1200 عام قبل الميلاد، ومعبد أكشا. تضم بناية المتحف 100 ألف قطعة، دمر بعضها وفُقد بعضها، لكن ليس لدينا حصر بها، كما دُمر معمل بحثي في المتحف.
بيدَ أنه ليس لدينا صورة واضحة عن الأضرار التي لحقت بالمتحف الإثنوغرافي الذي ظلّ مغلقًا 16 عامًا، إلى أن أعيد افتتاحه عام 2021، وهو يضمّ مقتنيات من كل السودان، بما يعكس التنوع وغنى التراث القبائلي، خاصة الملابس وأدوات المطبخ والعملات. افتتح المتحف عام 1956م، وكان ناديًا للجنود الإنجليز.
طالت يد التدمير أيضًا متحف التاريخ الطبيعي الذي تعرّض لأضرار شديدة؛ لقربه من مقرّ القيادة العامة للجيش، ويعود تاريخ افتتاحه لعام 1958م، وهو يضم حيوانات نادرة قتلها الجوع والعطش، وأخرى محنطة منقرضة لكنها فُقدت، وبذور نباتات وعينات لصخور وأعشاب نادرة، نهبت أيضًا، لكن الكارثة الكبرى فقدان سجلات المتحف.
كما أنّ متحف الآلات الموسيقية دُمر بالكامل، واختفت أو نهبت أو أحرقت مقتنياته. ويذكر ضيف الله الحاج أنه على مدى 32 عامًا جمع أكثر من 150 آلة موسيقية من كافة أنحاء السودان؛ ليؤسس المتحف في عام 1997م، ليصبح المتحف عضوًا في المجلس الدولي للمتاحف عام 2017م، وخسارة المتحف كارثة؛ بسبب ندرة بعض مقتنياته.
متحف بيت الخليفة في أم درمان – وهو مقر إقامة الخليفة عبدالله بن محمد التعايشي الذي خلف المهدي، بُني الطابق الأرضي كسكن عام 1888م، والطابق العلوي 1891م وتحول لمتحف عام 1928م – تعرض المتحف لعملية تخريب وسرقة شملت معظم محتوياته التي تؤرخ لحقبة المهدي وخليفته، ففقدت سُبحة عثمان بن دقنة، وسيوف الأمير أبو قرجة. كان المتحف شهد قبل الحرب عملية ترميم وتأهيل ممولة من صندوق الحماية الثقافي التابع للمجلس الثقافي البريطانيّ.
ذكرت منظمة تراث من أجل السلام أن سطح متحف نيالا في ولاية جنوب دارفور أصابته أضرار بالغة، ما يجعل هناك خطرًا على مقتنياته من القطع الفخارية والمجوهرات والأدوات الأثرية، وكذلك متحف السلطان بحر الدين في مدينة الجنينة غرب دارفور.
المواقع الأثرية.. تدمير ونهبرصد عدد من الأثريين انتهاكات في مواقع ولايتَي نهر النيل والشمالية، تشمل السطو والبناء العشوائي والزراعة في مواقع تراثية، وتشويه مقابر أثرية، فيما تحوّلت بعض المواقع إلى ساحات اشتباك بين الجيش والدعم السريع، بعد أن تسللت قوات الدعم السريع إلى موقع النقعة والمصورات المسجل ضمن التراث العالمي.
ويضمّ الموقع آثارًا ترجع للحقبة المروية، وجزيرة مروي التي تعتبر أهم المواقع في السودان على قائمة التراث العالميّ، وتشمل أهرامات ومدينة مروي الملكية بقصورها ومعابدها، إضافة لأفران الفخار.. إلخ، حيث تعرّضت للتصحر، وغطت أهراماتها الرمال. وكانت قطر قد نفّذت بها مشروعًا لترميمها ووقف زحف الرمال، إلا أن الموقع تعرّض لعدد من الأضرار.
وقد تمكّن مجهولون من نبش أكثر من 50 مقبرة بجزيرة صاي شمال السودان، فمنذ العام 1904م بدأت بعثة فرنسية في الكشف عن آثارها، وعثرت على تواجد بشري يعود إلى عصور ما قبل التاريخ. صاي كلمة نوبية تعني المخزن، وهي كانت مخزنًا للتمور، وعثر بها على مقبرة مصرية قديمة تؤشر إلى العلاقات المصرية السودانية التاريخية.
ما سبق يؤشر إلى تهريب للآثار إلى خارج السودان. والمهربون لا يركّزون على المتاحف لكون قطعها مسجلة، لكن يركّزون على المواقع الأثرية، حيث تجري عمليات النهب، ومن ثم التهريب، وإن كانت هناك مؤشرات محدودة على ظهور قطع أثريّة من السودان في بعض الدول، إلا أن عرض آثار سودانية للبيع في صالات المزادات ما زال في الحدود الدنيا.
حرب ضد الوثائقتعرّضت دار الوثائق السودانية التي تجاور منطقة الخرطوم العسكرية لأضرار جسيمة، حتى بات هناك قلقٌ كبيرٌ على مقتنياتها. وتشير الأحداث إلى فقدان جزء منها، فهي ذاكرة السودان حيث تضم 3 ملايين وثيقة موزعة على 200 مجموعة، منها 80 ألف وثيقة لسلطنات الفونج والفور وحقبة المهدي.
كما تعرّضت مكتبة محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية للتدمير، وكانت تضم مخطوطات ووثائق نادرة، وكذلك مبنى "جراب الفول" الذي شيّده محمد سعيد باشا "جراب الفول" سنة 1883م، وهو مجاور لمتحف شيكان بمدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
كانت البريطانية مارلين ديجان خبيرة الرقمنة، أنهت مع عدد من الخبراء رقمنة 150 ألف صورة لمواد تعود إلى 400 سنة قبل الميلاد، هذا المشروع بات حوله قلق، فضلًا عن القلق على آلاف الساعات من تسجيلات الإذاعة السودانية.
جهود وآمالكانت هيئة متاحف قطر موّلت بدءًا من عام 2012م العديد من المشاريع؛ لإنقاذ وترميم عدد من المواقع في السودان، فضخّت 135 مليون دولار لهذا الغرض، وما زال الأمل معقودًا عليها لإنقاذ تراث السودان بعد الحرب، في حين تصاعدت الجهود الدولية.
ففي يوليو/تموز 2023 دشنت في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن مبادرة لحماية تراث السودان من قبل منظمة تراث من أجل السلام، وهي تتطلع لوضع خطة لحفظ التراث السوداني، وشكل فريق من الأثريين مبادرة حماية تراث السودان (يقود)، والتي يشارك فيها دكتور توممي فوشيا الخبير الياباني، والدكتور إسماعيل حميد الدين من جامعة برمنغهام، والدكتور إسبر صابرين عالم آثار سوري.
لكن من أطرف محاولات الحفاظ على تراث السودان تجربة (متحف صون تراث السودان الحي)، وهو متحف افتراضي على شبكة الإنترنت بدعم من المجلس الثقافي البريطاني، وبمشاركة خبراء سودانيين، قوة المشروع تأتي من الشركاء المحليين: جامعة نيالا ومتحف الإثنوغرافيا بالخرطوم، والدوليين كذلك، مثل: الإيكروم، والمتحف البريطاني، وجامعة كامبردج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی السودان
إقرأ أيضاً:
أنظمة أسلحة فرنسية تنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة في السودان
قالت الأمينة العامة للمنظمة غير الحكومية أنييس كالامار في بيان “تظهر بحوثنا أن أنظمة أسلحة مصممة ومصنعة في فرنسا تُستخدم في ساحة المعركة في السودان”
التغيير: وكالات
أفادت منظمة العفو الدولية الخميس إن معدات عسكرية فرنسية تستخدم في مركبات مدرّعة إماراتية في السودان في “انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة” على منطقة دارفور.
وقالت الأمينة العامة للمنظمة غير الحكومية أنييس كالامار في بيان “تظهر بحوثنا أن أنظمة أسلحة مصممة ومصنعة في فرنسا تُستخدم في ساحة المعركة في السودان”، وفقا “سويس إنفو”.
وأضافت المنظمة أن ناقلات جند من طراز “نمر عجبان” التي تصنعها المجموعة الوطنية الإماراتية “إيدج” تستخدمها قوات الدعم السريع “في السودان، وربما في دارفور”.
وقالت إن هذه المدرّعات مجهزة بنظام الحماية الذاتية “غاليكس” الذي تصممه شركتا “كا إن دي إس” و”لاكراو” الفرنسيتان، وفقا لصور مركبات مدمرة نشرتها منظمة العفو الدولية.
وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت الحرب المستمرة بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو منذ أبريل 2023.
واتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب فيما أُجبر أكثر من 11 مليون شخص على ترك منازلهم في ما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة نزوح في العالم.
وتقول شركة “لاكروا” على موقعها الإلكتروني إن نظام غاليكس يتكون من أجهزة استشعار متصلة ببطارية قاذفات يمكن تحميلها بذخيرة مثل الدخان أو الأفخاخ الخداعية أو المقذوفات.
وتوضح أن “نظام غاليكس ليس فقط لغرض الدفاع عن النفس بل أيضا يستخدم لتحييد الأفراد المعادين بشكل فعال”.
وقالت كالامار إن “أي استخدام (لنظام غاليكس) في دارفور سيكون بمثابة انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة”، داعية باريس إلى “التوقف فورا عن توريد هذا النظام إلى الإمارات” من جانب الشركتين المصنعتين.
وقالت هيئة SGDSN الفرنسية التي تراقب صادرات الأسلحة لوكالة فرانس برس إنها لم تطّلع على تقرير منظمة العفو الدولية وامتنعت عن التعليق. كما رفضت “كا إن دي إس” و”لاكراو” التعليق.
وتفرض الأمم المتحدة حظر أسلحة على دارفور منذ العام 2004. وحضت منظمة العفو الدولية على توسيع الحظر ليشمل البلاد برمّتها.
الوسوماسلحة فرنسية السودان العفو الدولية حظر السلاح في دارفور