الحرة:
2025-02-22@09:34:27 GMT

ذكرى وفاة مهسا أميني.. عامان من الغضب والقمع والتحدي

تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT

ذكرى وفاة مهسا أميني.. عامان من الغضب والقمع والتحدي

بين مضايقات لعائلات الضحايا وغياب محاسبة المسؤولين وتزايد عمليات الإعدام، يجد مناهضو السلطات في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم بعد عامين على اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت وفاة، مهسا أميني، وكانوا يأملون في أن تشكل نقطة تحول بعد أكثر من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية.

وفي 16 سبتمبر 2022، توفيت الشابة الكردية الإيرانية عن 22 عاما، بعد أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.

وشكلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت من الأكبر منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى رغم تراجعها الملحوظ بعد أشهر على اندلاعها، يتمسك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحركات تركت بصمة دامغة في المجتمع الإيراني.

وكانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن خلالها بوجه إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الإسلامي، وهي إلزامية الحجاب. قامت العديد منهن بخلعه وإحراقه في مشاهد لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محللون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها.

واعتبرت السلطات أن معظم التحركات "أعمال شغب" تغذيها أطراف غربية أو معادية للثورة، وقمعتها بشدة. وبحسب منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الأمن الإيرانية الأسلحة النارية لمواجهة المحتجين.

وتقول منظمات حقوقية إن 551 شخصا قتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تؤكد السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وتم توقيف آلاف الأشخاص، بحسب الأمم المتحدة.

وبعد مرور عامين، تؤكد منظمات حقوقية أن السلطات تواصل قمع أي تحرك.

وأعلن القضاء الإيراني في أغسطس تنفيذ حكم الإعدام بحق غلام رضا رسائي بعد إدانته بقتل ضابط في الحرس الثوري طعنا "خلال التظاهرات غير المشروعة في نوفمبر 2022".

وارتفع بذلك إلى عشرة عدد الذين تم إعدامهم بتهم متصلة بالاحتجاجات.

وتحذر منظمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى كأداة ترهيب.

وبحسب منظمة "حقوق الانسان في إيران" ومقرها النروج، نفذت سلطات الجمهورية الإسلامية 402 حكما بالاعدام خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، منها 100 على الأقل في أغسطس.

وقالت نائبة مدير منظمة العفو للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديانا الطحاوي، إن "عددا لا يحصى من الأشخاص في إيران ما زالوا يعانون من عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات".

"إرث أميني".. إيرانيات يتحدين السلطات بلا حجاب في شوارع المدن الإيرانية، أصبح من الشائع رؤية امرأة تمر دون حجاب إلزامي، مع اقتراب الذكرى الثانية لوفاة مهسا أميني والاحتجاجات الجماهيرية التي أثارتها.  "تعنيف الناس مرتين"  

وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تعرض أفراد عائلات عشرات من الذين قتلوا أو أعدموا أو سجنوا على هامش الاحتجاجات، للتهديد أو المضايقة أو حتى التوقيف بناء على اتهامات باطلة.

وقالت الباحثة في "هيومن رايتس ووتش"، ناهيد نقشبندي، "تعنف السلطات الإيرانية الناس مرتين، مرة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة".

ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أعدم في يناير 2023، وكان في الثانية والعشرين من العمر. وحكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في مايو، وتسعة أعوام في حكم ثان في أغسطس.

وأسست الاحتجاجات لتغيير بدا جليا في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلي العديد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة.

وشددت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع.

وأفادت منظمة العفو بأن السلطات أطلقت، في أبريل 2024، حملة "خطة نور"، زادت على إثرها "بشكل ملحوظ" الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها "لفرض الحجاب الإلزامي". 

وأوضحت أن "القمع شمل مطاردات خطرة بالسيارات لتوقيف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن".

واتهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات هذا الأسبوع بـ"تكثيف" قمعها للنساء، مشيرين إلى أن "قوات الأمن صعدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساسا، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللواتي يعتبر أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين وقواعد الحجاب الإلزامي".

ولفتت منظمة العفو إلى تقارير عن مطاردة عناصر الشرطة في شمال إيران في يوليو، سيارة كانت بداخلها أريزو بدري (31 عاما) بغية مصادرتها تنفيذا لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب. 

وأشارت الى أنهم أطلقوا النار على السيارة، ما أدى لإصابة بدري بالشلل.

وعلى رغم أن مهمة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت في مارس إلى أن العديد من الانتهاكات خلال حملة القمع ترقى إلى مستوى جرائم ضد الانسانية، لم تتم محاسبة أي مسؤول.

إيران تكثف قمع النساء بعد عامين على مقتل مهسا أميني اتّهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات الإيرانية، الجمعة، "بتكثيف" قمعها للنساء بعد عامين على وفاة مهسا أميني، بما في ذلك عبر إصدار أحكام بالإعدام بحق الناشطات. "تحولات جوهرية" مقبلة؟

ويرى محللون أنه على رغم تمكن السلطات بقيادة المرشد الأعلى، علي خامنئي، من تجاوز التهديد الذي مثلته قضية مهسا أميني، إلا أن الاحتجاجات أدت لتغيير جذري في المجتمع الإيراني.

وقالت رويا برومند "العديد من الشابات ما زلن يرفعن لواء التحدي".

وأضافت المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بورومند المعني بحقوق الإنسان في إيران، ومقره واشنطن، أن "قيادة الجمهورية الإسلامية لم تتمكن بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم الى سابق عهده أو استعادة مشروعيتها المفقودة".

ورأت مجموعات حقوقية أن إعدام رسائي في أغسطس، بعد أيام من تولي الإصلاحي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، يؤشر الى أن السلطات لا تعتزم تغيير نهجها المتعلق بتطبيق عقوبة الإعدام.

من جهة أخرى، كشفت الاحتجاجات اختلافات كبيرة في صفوف المعارضة في المنفى، في ظل غياب مجموعة موحدة قادرة على استثمار هذه التحركات سياسيا في الداخل أو الخارج.

وباءت بالفشل كل المحاولات لإيجاد صيغة قابلة للحياة بين مجموعات متباعدة من الملكيين والقوميين والليبراليين.

وقال الأستاذ الزائر في جامعة بوسطن الأميركية، آرش عزيزي إن التحركات الاحتجاجية "هزت النظام الإيراني حتى العظم وأكدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين من الواقع الراهن".

وأشار مؤلف كتاب "ما يريده الإيرانيون" إلى أن التحركات "أظهرت كذلك الإفلاس المطلق لبدائل المعارضة".

وأضاف "ما زلت أعتقد بأن إيران لن تعود إلى ما قبل 2022. وخلال السنوات القليلة المقبلة، ستشهد الجمهورية الإسلامية على الأرجح تحولات جوهرية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الجمهوریة الإسلامیة منظمة العفو مهسا أمینی بعد عامین العدید من فی إیران فی أغسطس

إقرأ أيضاً:

التجديـد في الـدراسات الإسلاميـة

بعد ردح من الزمن طويل هيمن فيه الدارسون الغـربيـون بآرائـهـم وقراءاتهم وتصـوراتهم في ميدان الدراسات الإسلاميـة، وكـرسوا فيه تقاليـدهـم في الدرس ويـقـيـنيـاتـهم في النـظر حتى كادت أن تصير مسـلـمات أو شيئا بهـذه المثابة، شـرع ميدان الإسلاميـات في العـودة إلى أهـلـه تـدريجـيـا واتسـع لهم حتى باتت مساحـة حضورهم وفـعـلـهم فيه أرحب مـن مساحة المستـشرقيـن الذين أمـسـوا يتـنـاقـصون أعـدادا، ويتـضاءلـون قـيمة عـمـا كانت عليه أجيالهم الأولى.

بـدا هذا المسار الجديـد - الذي انطلق في سـتـيـنـيـات القـرن العشرين الماضي - وكأنـه يأخذ الفـكـر العربي والإسلامي نحو حال، ولو ابتدائيـة، من الاستـقـلاليـة المعـرفـيـة عن السلطـة المرجعيـة للاستـشـراق، ثم لم يلبث ازدياد عدد الدارسين العرب والمسلميـن في حقـل الإسلاميـات، وخاصـة أولئك المـسربـليـن منهم بالعـدد والأعـتـدة المنهجيـة الحديـثـة، أن أوحى بأنـنا ذاهبـون نحو حال من الظـفـر بالبغيـة الفكريـة الثمينة التي تأجـل تحـقـيقـها طـويلا: تـأميم ميـدان الدراسات الإسلاميـة.

ليس التـأميم هذا انشقاقـا عن الفكـر الإنساني المعاصر، الذي إليه ينتمي الاستـشراق ويحتـل في رحابه مكانا، وإنـما هـو استعادة سيادة كانت مفـقودة على ميـدان من المعرفة يـدور على الأنا الجماعيـة: على الحضارة، والموروث الديـني والثـقـافي، وعلى مشكـلات حاضر مجتمعات العرب والإسلام.

وما أغنانا عن التـنـفـيل في الكلام من أجل بيان لا مشروعيـة أن يـكـون شعب أو مجتـمع أو أمـة صورة عن نـفسها (عن ذاتـيـتها الحضاريـة، وثـقافـتها وتراثـها، وعن معـضلاتها المعاصرة) مرسـومة بريشة سواها! نعـم، ما مـن شك في أن الثـقافـة العربيـة والإسلاميـة، الحديثـة والمعاصرة، ظـلـت تعـتـاز المـوارد والأدوات التي تـتيـح لها أن تـفـك عن الوعـي شـرانـق التـقـليد والاجتـرار وأربـاقـه، وأن تـفـتحـه على أفـق جـديـد يـقـتـحـم فيـه المـجاهـل ويـضيء المـعـتـم من ماضيـها والحاضـر. وإذ قضـى الاعـتيـاز هـذا بأن يـضـرب مفـكـرو الإسلام بأيـديـهـم إلى كتـب الغـربـيـيـن ينهـلون منها ويـمـتحـون ما إليه يـفـتـقـرون، من أجل إعمـار معـرفي لثـقافـتـهم تـتـأهـل بـه هذه لأن تـقـرأ تراثـها وحضارتـها نحـوا جـديـدا من القراءة، فقـد استلـزم - عنـد حـد مـا مـن سـد نقـصـه وإشباعـه - بأن يـنـوضع حـد لـتـلـمـذة مـديـدة أوشـكـت على أن تصـير تسـولا فـكـريـا، وعلى أن تـرسـخ في نفـوس الباحثـيـن روح الكسل المعـرفي وأن تـفـضي، بالتـبعـة، إلى إنجاب نسخة جديدة من التـقـليد الرث نظيـر ذلك الذي كان، وما يـزال، مسلكا قائمـا تجاه الأقدميـن!

بهذا المعنى نفهم عبارة تأميم ميدان الإسلاميـات، أي بحسبانـه استعادة ما صادره منـا فـقـر التـقـليـد والاجتـرار معـطوفـا على تـفـوق السلطان المعرفي الغربي.

وهكذا، أيضا، نفهم هاتيك الاستعادة بوصفها تنـميـة دائبة للحقـل المعرفي المستـعاد، وتـنظـيما له من الداخل يـعاد بـه نصب القـواعـد والأسس لمعرفـة مستقـلة: تاريـخيـة ونـقـديـة، لا تستـبطـن مسـبـقات ولا تعيد لـوكها: أكانت مما خلـفـه فينا سلطان القـدماء، أو كانت ممـا ازدرعـته في هذا الحقل أعمال الغربـيـين وأطاريـحهم. وليس يخامـرنا شـك في أن ميـدان الإسلاميات في الفكـر العربي شهـد على انـتـعاشـة في الإنـتاجيـة ملحوظـة، منذ سنوات السـتيـنـيـات من القـرن الماضي، وأشبع مساحـة معتـبـرة من الحاجـة لدى المجتمع العربي القارئ رفـعت عنـه عـبء الالتـجاء إلى معارف الآخـر منظـورا إليها بما هي المعارف الحق عـن الإسلام وتاريـخـه وحضارته وتـراثـه. ونحـن، في هذا الذي نقولـه، لا نطعـن على معارف المستشرقيـن ولا نـزري بمكانـة مساهمـاتهـم، كما لا نجحـد فضـل قسـم رفـيـع ونـزيه منها، وإنـما نـنـوه بنجاح ثـقافـة - هي الثـقافة العربيـة اليـوم - في أن تـفرض مكـانا لقراءتـها وفي أن تـزاحـم قـراءة الآخـر ذلك التاريخ فـتـزحزحها، قـليلا، عن مقام الصـدارة الذي ظلـت تـتـربع عليه منـذ شـرعت في تحـويـل حضارتنا وثـقافـتـنا ومجـتمـعاتـنـا الحديثـة إلى موضوع للـتـفكيـر وإنتاج الصـور والأحكام...

يـنتمـي الباحث العـربي التـونسـي د. عبدالمجيـد الشـرفـي إلى كـوكبـة الدارسيـن الكبار لتراث الإسلام: الكـلاسيـكي والمعاصر، منـذ شـرع يـطـرق سـبيـله في البحث في الإسـلاميـات في سبـعـيـنيـات القـرن الماضي. هـو اليـوم مـن أظـهـر رمـوز الجـيل الثـاني من الباحـثيـن العرب في الإسلاميـات، بعد جـيل إحسـان عـبـاس، ومحسـن مهـدي، ومحمـد أركـون، ومحمـد عابـد الجابري، وحسـن حنـفي وآخـريـن، وقـد يكون أكـثـرهـم إنتاجيـة ومثـابـرة على البحـث والتـأليف في أغـراض متـنـوعـة من قـضايـا الفكـر والعمل الإسلاميـة.

وإلى ذلك فـقـد ظل مهـتجـسا، في التـفـكير والكتابة، بأسئـلة الحياة الديـنيـة أو، قـل، الحياة التي تحياهـا الجماعة الإيـمانيـة الإسلاميـة في عصـر جـديـد مزدحـم بالتـحولات الهائلة في الأفكـار والقيـم والمعاييـر وأنماط المعيش الاجتـماعي؛ وهي التـحولات التي مـا ونـت تعـصـف بتوازن تلك الجماعـة لـما ألـقـتـه على وعـيها وسلوكـها من تحـديات تـعـتاص على المواجهة والتـذليـل. ولقـد انـفـرد د. عبد المجيد الشرفي، من دون أكـثـر أتـرابـه، بمجالـدة تلك الأسئلـة بالنـظر والافـتحـاص ملـتمـسا إجـابـات عنها مقـنـعة، صادرا، في ذلك، عـن قاعـدة فكـريـة لم يـحـد عنها؛ هي نبـذ التـمسـك بحـرفـيـة النصوص وأحكامها المتـعلقة بأزمـنـتها التي وردت فيها، والانـتباه - بـدلا من ذلك - إلى روحيـة النصوص والمقـصديـة فيها ثـم تأولـها على هذا المقـتـضى الذي يـعيـد التـوازن المفـقـود، ويعـيـد مصالحة المـؤمن مع زمنـه ومنـطـق زمنـه من غير أن يـفـقـره ذلك من أي مخـزون إيـمانـي أو روحي.

يـقـبـع في خـلـفـيـة هذا المنحى في الدرس والبحـث في أسئـلة الإسلام اليـوم منـزع إلى إعادة فهـم نصوص الديـن في التـاريـخ وإحـسـان النـظـر إلى مـوقـعـيـتها في السـياق الديـنـي العام. لقـد حـذق د. عبدالمجيد الشـرفي حـذقـا ملحـوظا في النـظر إلى نصوص الإسلام بمنـظار تاريـخي يضعها حيث ينـبـغي لها أن تـوضع في مجـرى الشـروط الحافـة. هكذا نجح في تهـوية التـفـكير في نصوص الدين من الاختـناق والهـواء الاجتـراري الفاسـد، وحـرر النـظـر إليها مـن التـحنيط والتـنميط ومن نـزعة التـعالي بها عن الشرط الإنسانـي والتـاريـخي، فكـرس بذلك منحـى في البحـث العلـمي مـداره على النـقـد التاريـخي للموروث الثـقافي الإسلامي محـاذرا، في ذلك، أن تـزل قـدمـه إلى حيث تـطـأ أرض العـدميـة؛ حيث كـل أثـر يصـير، باسـم النـقـد، في خبـر كان ساعيـا - في مقابـل هذا - في إقامة الدليل على مقـدار ما تـوفـره النـظرة التـاريخيـة إلى التـراث مـن إنصـاف لذلك التـراث ومـن إنزاله المنازل التي يستحـق.

ولعمـري إنـه الرجـل بات لدى كـل منـصف عنـوانا للنـزاهة العلميـة في مضـمار البحث في مشـكلات عـادة ما كان الجـدل فيها ينـتهي بأصحابـه إلى مضاربـات إيـديـولوجيـة لا حـدود للغـوها وبؤسـها.

حين كان القسم الأعظـم من الباحثـين في تـراث الإسـلام - مـن مـفكـري الحـداثـة العـرب - منـصرفا إلى دراسة العلوم العـقـليـة والتـصوف والكـلام، ظـل د. عبد المجيد الشـرفي ضمن زمـرة قـليلة من الدارسيـن منـشغـلا بالعـلوم الشـرعيـة: علـوم القـرآن، والتـفسيـر، والحـديث، والفـقـه وأصول الفـقـه؛ وهـذه - من غير جـدال - المياديـن الأشـد صعوبـة في البحـث والمحـاطة بجـدران سميكـة من التـأويلات التـقـليديـة المحافـظة التي تمنـعها من تـدخـل جراحـي علمي.

وإذا كان هذا الاستعصاء سبـبا لأن تكـون تلك العلـوم الديـنيـة مياديـن غيـر مأبـوه بها عنـد بعـض، فهـو علـة اهـتجاس د. عبد المجيد الشرفي بها وحـرصـه على فحـص نـقـدي للكـثـير من مقالاتـها؛ إذ فيهـا - لا في غـيرها - يقـيم ذلك الذي أسماه محمـد أركون بالعقـل الأورثـوذكسي المسؤول عن حالة الانسـداد المعرفي أو الانـغلاق. وليس معنى ذلك أن عمـل عبد المجيد الشـرفي تـكـرس لـدحـض ما تركـه الأقـدمون من أئـمـة المذاهـب وأصحاب المقالات، بل كثيـرا ما أضاء جـوانب من الاجتـهـاد فيها، أو من الفائـدة وتعظيـم المنفعـة منها في زمنها، منـبـها إلى أن مـوطن الإعـضال ليس دائـما في مـواريث القـدماء، التي تـنـتمي إلى تاريخها وتـنـحـكم بأحكـام الأفـق الذهـنـي الذي كان متاحـا لهم، بـل في نزعـة الاتـباع والتـقـليد التي تـمـسك بخـنـاق المعاصـرين، من المحافظيـن فتجعلهم يـمـددون إقامـة أفكـار الأقـدميـن في وعـيـهم وكأنـها حقائـق مطلـقـة!

يطـول الكـلام على عـظـم صنـيع د. عبد المجيد الشـرفي ونـفـيـس ما قـدمـه في مجال الدراسات الإسلاميـة من أعمـال مرجعيـة تنـاولت مـروحـة واسعـة من الموضوعات، تـمتـد من مناظـرة الفـكر الإسلامي للنـصرانيـة إلى إعادة عـرض عـلوم القـرآن والتـفـسير عـرضا منـظومـيـا شامـلا، مـرورا بنـقـد هـادئ للـفكـر الإسلامي الكلاسيـكي والمعاصر، وللاستـشـراق، وللحـركات الإسلاميـة السياسيـة. لكـن واحـدة من أنـفـس نفـائـس مسـاهمـاته هي تلك التي تمـثـلت في تـكريسـه تقالـيد العـمـل الجماعـي في ميدان البحـث العـلمي في الإسلاميـات، والإشـراف على مشاريع بحـوث جماعيـة في مسائـل فـكريـة مختـلفة آخـرها ما قـام بـه مع جمـهـرة من الباحثـيـن على صعيـد الدراسات القـرآنيـة، وصـدر في سـفـر كبـيـر، من خمسـة مجـلـدات، حاملا عـنـوان المصحف وقـراءاتـه.

وعندي أن هذا الصـنيع العلـمي الرفيـع يـفصـح عن وعـي عـميـق لـديـه بمعـنى البحث العلـمي، اليـوم، الذي أضحى يـفـرض الحاجـة إلى جـهـد مـركـب تـتـضافـر كـفاءات عـدة في بـذلـه قصـد اجتـراح نـتائـج وثـمـرات من المعـرفة أجـزل مما يسـع النـفـر الواحـد مـنـا أن يـنـتـهي إليه بإمكاناتـه الفرديـة. ويـكـفـي الرجـل أنـه أنجب مـدرسـة تونسيـة للبحـث في ميـدان الدراسـات الإسلاميـة نشهـد، اليـوم، على طـيـب ثـمـار أقـلامها وعلى ألـمـعيـة الكثـيـر من أسمائـها.

مقالات مشابهة

  • السودان: 24 وفاة و800 إصابة بمرض غامض ينتقل عبر المياه
  • ذكرى يوم التأسيس قصة نجاح مستمرة
  • أستاذ قانون دولي عن مشهد التوابيت: “قذائف نفسية هزت عرش نتنياهو”
  • 24 وفاة و800 إصابة في السودان جراء مرض ينتقل عبر المياه
  • 4 سلوكيات عليك اتباعها عند الشعور بالغضب.. لن تخسر كثيرا
  • سفارة المملكة في تونس تقيم حفل استقبال بمناسبة ذكرى يوم التأسيس
  • احتكار إماراتي يُشعل الغضب في سقطرى: البنزين بـ44 ألفًا والغاز بـ27.5 ألف ريال
  • سقوط غامض في آبار المغرب.. وفاة طفل وإنقاذ شاب بأعجوبة
  • التجديـد في الـدراسات الإسلاميـة
  • منظمة الإغاثة الإسلامية ترمم وتعيد تأهيل مبنى السجل المدني في معرة النعمان بريف إدلب، بإشراف مديرية الشؤون المدنية في المحافظة