لماذا تتمسّك إسرائيل بممر فيلادلفيا؟
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
يبلغ عَرْض ممر فيلادلفيا 100 متر فقط وطوله 14 كيلومتراً، ما يعني أنه مجرد بقعة صغيرة. ومع ذلك، اكتسبَ خلال الأسابيع الأخيرة أبعاداً كبيرة.
قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول)، كانت هذه البقعة الصغيرة الفاصلة بين مصر وغزة قناة رئيسة لتدفق الأسلحة والأموال إلى حماس. أما اليوم، فهي العقبة الأساسية في طريق التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس.وفي هذا الإطار، قال الكاتب الصحفي البريطاني جوزيف جوفي في مقاله بموقع "Unherd": بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المقترح لمدة ستة أسابيع مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، سيتعين على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من الممر. لكنّ ذلك يمثل معضلة. فإذا أخلينا الممر، سيعود الوضع إلى ما كان عليه. وستعيد حماس تشكيل صفوفها وستتسلح مجدداً، مُتحينةً فرصة أفضل لملاحقة اليهود "الشياطين" مرة أخرى. وسترجع إسرائيل إلى نقطة الصفر.
درس للتاريخ
ويقول الكاتب إن ما حصل يعتبر درساً للتاريخ . فبعد كل توغلٍ للجيش الإسرائيلي، كانت حماس تعود مُسلحة بعتادٍ وتدريب أفضل. واستخدمت ”حماس“ منافذ الهواء لبناء أنفاق مُحصَّنة تستوعب الشاحنات المُحمَّلَة بالعتاد.
#IsraelHamasWar | Netanyahu remains adamant on keeping a tight grip on Philadelphi Corridor
Mossad and Shin Bet chief oppose Netanyahu stance: Reports
Oliver Regan brings you this report
Watch more: https://t.co/wojetdIEnk pic.twitter.com/BDPYygB9dT
أيجعل هذا الوضع الحفاظ على الممر أمراً حتمياً؟ يتساءل الكاتب ويقول: "إستراتيجيّاً، نعم. ولكن ليس في دولة مثل إسرائيل، حيث خرجَ مئات الآلاف إلى الشوارع بعد قتل ستة رهائن، بينما لا يزال 101 منهم في غزة. سنبذل كل الغالي والنفيس لأجل إعادتهم إلى الوطن الآن ، طارحين جانباً أي أولويات استراتيجية يضعها نتانياهو".
ومع ذلك، يقول الكاتب، فالغضب المبرر لا يحلُّ المعضلة المروعة التي تواجهها إسرائيل: إما إنقاذ الأرواح أو نزع سلاح حماس، وإما ضمان وقف إطلاق النار أو الحفاظ على الممر. ولا ننسى أنَّ زعيم حماس يحيى السنوار لا يتطلع إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار، ناهيك عن التوصل إلى تسوية مؤقتة. فهدفه هو إعادة حماس إلى السلطة.
اللعبة لن تنتهي
أما على المستوى التكتيكي، يضيف الكاتب، الحقيقة القاسية الغائبة عن أمَّةٍ معذبة واضحة، وهي أن حماس لن تفرج عن جميع الرهائن الـ 101 لسببٍ بسيط، وهو أنَّ قيمة كل إسرائيلي متبقٍ ستزيد. والأرجح أنهم سوف يتخلصون منهم ويحتفظون بالبقية الباقية ورقة مساومة لمواصلة الضغط ومقايضة الأرواح مقابل تنازلات. فهذه اللعبة لن تنتهي.
وتابع الكاتب: رغم معرفة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بذلك، ما يزال ينكر القيمة الاستراتيجية للممر. بصفته لواءً متقاعداً، ينبغي أن يكون يدرك ذلك. وبالمثل، يحتجُّ زعيم المعارضة بيني غانتس بأنَّ الجيش الإسرائيلي يمكنه العودة دائماً، وهذا صحيح. ولكن كم مرة اندفع الجيش الإسرائيلي إلى غزة دون جدوى؟ لطالما ازدادت كتائب القسام قوةً وحصلت على عتاد أكثر تطوراً.
والتاريخ أيضاً لا يؤيد المتفائلين المقتنعين بأن وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً سيفضي إلى الاستقرار. فالهدنة العربية الإسرائيلية التي استمرت عدة سنوات في عام 1949 لم تمنح هذه المنطقة الملعونة سوى استراحة مؤقتة لم تلبث أن تحولت إلى حروب عربية إسرائيلية ثلاث في 1956 و1967 و1973. فالهدنة، في نهاية المطاف، لا تنجح إلا عندما لا يمسي العدو المهزوم قادراً على القتال، كألمانيا عام 1918. والأهم من ذلك أن ”المقاومة الإسلامية“ ليست مهتمة باتفاقٍ دائم، وكذلك إيران التي تستغل حماس وحزب الله والحوثيين طرفاً مساعداً في حربٍ لا تنتهي ضد ”الكيان الصهيوني“.
The Fight for Control Over the Philadelphi Corridor
The increasingly bitter dispute has not just affected cease-fire talks but also destabilized a once-strong security partnership between Egypt and Israel.https://t.co/uLu6niKXhH
ولفت الكاتب النظر إلى أن هناك أيضاً درساً في هذا السياق يمكن أن تتعلمه واشنطن، لأن طموحات إيران تتضاءل أمام غزة أضعافاً مضاعفة. تُلاحق إيران بوكلائها "الشيطان الأصغر" إسرائيل، لكن الهدف الحقيقي هو "الشيطان الأكبر" أمريكا. فإذا ضربت إيران إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة الوحيدة التي يُعوَّل عليها، فستلحق ضرراً بالولايات المتحدة. إنّ غزة ليست مواجهة محلية بين طرفين متكافئين، بل هي ”لعبة كبرى ثانية“، تُذكِّرنا بالمواجهة بين بريطانيا وروسيا في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً لأجل وقف إطلاق النار.
ولا يعني هذا أنَّ جو بايدن أو خلفه سيسهلان اتخاذ قرار. فنتانياهو المتلهف للبقاء في السلطة وخارج قضبان السجن يصرُّ على التشبث بشخصياتٍ مخزية كإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. فالأول يترأس حزب ”القوة اليهودية“ الذي يريد ”تطهير“ الضفة الغربية من العرب؛ أما الثاني فيقود حركة ”الصهيونية الدينية“ ويعتقد أن تجويع مليوني غزاوي ”مُبرَّر وأخلاقي“. لكنّ الطعن في أجندة نتانياهو الداخلية لا يطمس القضايا الإستراتيجية التي تصحُّ فيها وجهة نظره.
لنتخيل مثلاً سيناريو تتخلى فيه إسرائيل عن ممر فيلادلفيا. ستتدفق مليارات الدولارات إلى القطاع لإعادة الإعمار. وبعد إعادة الإعمار، ستُحدِّد حماس الأطراف التي ستُوزَّع عليها هذه المعونات لاستعادة السيطرة والولاء. وفي ظل قُرب إيران، ستعيد ”المقاومة“ بناء الأنفاق، وتعيد التسلُّح وتستعد للضربة التالية.
الردع الموثوق
والآن، لنقارن هذا السيناريو بسيطرة إسرائيل على فيلادلفيا على المدى البعيد، حيث ينفِّذ سلاح البحرية دوريات على الساحل ويحوم سلاح الجو في السماء. وبتأمين جناحه الجنوبي، يستطيع الجيش التركيز على تهديد حزب الله الأقوى بكثيرٍ في الشمال. ومن شأن الردع الموثوق أن يوقظ حسن نصر الله في لبنان وعلي خامنئي في إيران، مما يصب في صالح الولايات المتحدة أيضاً.
ومضى الكاتب يقول: "لا يخفى على أحد أن الشارع العربي يريد تحييد حماس التي تمثل بديلاً لإيران. فمصر لن تمزق معاهدة سلام عمرها 45 عاماً. وحتى الأربعين ألف قتيل من غزة الذين روَّجَت لهم وزارة الصحة التابعة لحماس لم يزعزعوا التحالف الضمني بين إسرائيل وحلفائها العرب. لكن في دولة ديمقراطية مثل إسرائيل، يمكن أن يطغى الإنهاك والقلق والغضب بشأن الرهائن القتلى على مَنْطِق الدولة.
ولا تعاني الأنظمة الاستبدادية مثل حماس وإيران من هذه القيود. فلننظر وحسب إلى لعبتهما القاتلة. أرادت حماس التضحية بجماهيرها لإثارة العالم ضد الدولة اليهودية. ونجح الجزء الأول على أكمل وجه. فإسرائيل معزولة ومُعاقَبَة ومكروهة. والآن نحن في المرحلة الثانية التي تقتل حماس فيها الرهائن لإضعاف معنويات إسرائيل وشل حركتها. وهذه المناورة المميتة تؤتي ثمارها أيضاً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل وقف إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
صحف ومواقع عالمية تركز على السياق الزمني لهجوم إسرائيل على جنين
هيمنت العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، وتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة على تغطيات بعض الصحف والمواقع العالمية.
فقد سلط تقرير في صحيفة "الغارديان" الضوء على السياق الزمني الذي جاءت فيه أحدث عملية عسكرية إسرائيلية في مخيم جنين، ولفت إلى أنها تأتي بعد هجمات عنيفة نظمها مستوطنون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة الغربية، كما تأتي بعيد إعلان الرئيس الأميركي رفع العقوبات التي أقرتها إدارة جو بايدن ضد المستوطنين المتورطين في أعمال عنف.
ورأى تقرير في "وول ستريت جورنال" أن هجمات المستوطنين على ممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية انعكاس مباشر للغضب في أقصى اليمين الإسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مشيرا إلى أن الكثير من المستوطنين داخل الضفة من أنصار مواصلة الحرب وبناء مستوطنات جديدة في غزة وهم من أشد المعارضين لإطلاق سراح الفلسطينيين.
وحسب صحيفة "إسرائيل اليوم"، فإن "إلغاء ترامب العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين فور وصوله إلى البيت الأبيض هو بمنزلة ابتعاد سريع عن سياسات بايدن في هذا الملف"، وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأميركية السابقة سعت خلال أيامها الأخيرة إلى توسيع نطاق العقوبات، لكن مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية أوقفوا المبادرة وحذروا من إلغائها بمجرد تسلم ترامب مقاليد الحكم.
إعلانومن جهة أخرى، وصف مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت" مشهد تسليم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للأسيرات بأنه "تأكيد على حجم الهزيمة السياسية لدولة وحكومة تسببت سياساتها في إدامة حكم حماس".
فقد أثبتت حماس أنها باقية بعد 15 شهرا من الحرب، كما جاء في المقال، الذي أشار أيضا إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تعهدت بالقضاء على وجود حماس لكنها فشلت وأصرت على رفض مناقشة حكم غزة ما بعد الحرب.
وركزت صحيفة "ليبيراسيون" على قول الرئيس الأميركي ترامب إنه غير واثق من صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ووصفت هذا التصريح بالصادم بعد 3 أيام فقط من سريان الهدنة، مبرزة أن "التصريح يجعل مستقبل القطاع ومصير الرهائن أكثر غموضا من أي وقت مضى، رغم الضغوط التي مارسها ترامب نفسه من أجل التوصل إلى اتفاق".
وفي موضوع آخر، نبهت افتتاحية "هآرتس" إلى أن "حكومة نتنياهو تستغل تركيز اهتمام الجمهور والمعارضة على صمود وقف إطلاق النار في غزة وعودة جميع الرهائن وتعمل على المضي قدما في تقويض استقلالية المحكمة الإسرائيلية"، مشيرة إلى مناقشات داخل الكنيست بشأن طريقة تعيين القضاة، و"تحذر من تحول المحاكم إلى هيئات لخدمة المصالح السياسية وترتيب الصفقات المشبوهة".