سودانايل:
2025-03-16@15:42:27 GMT
الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (5)
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف (5)
الماركسية والحزب
هناك فرضية لينينية تقول (لا حركة ثورية، دون نظرية ثورية)، والنظرية الثورية ضرورتها تكمن في إنتاج معرفة بالواقع المزمع تغييره. والنظرية الثورية التي قامت عليها الأحزاب الشيوعية هي الماركسية ليس فقط من أجل استقراء الواقع وتحليله، بل من أجل العمل على تغييره.
أعتقد أن الحزب فيما مضى توفق تاريخياً إلى حد بعيد في معالجة النظرية الماركسية لتتناسب مع الشأن والواقع السوداني، أي سودنة الماركسية، انعكس ذلك في إسهامات الشهيد عبد الخالق محجوب المتعددة منها ما قدمه في تقرير (الماركسية وقضايا الثورة السودانية)، ومحمد إبراهيم نقد في (قضايا الديمقراطية في السودان) و(حوار حول النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) و(حوار حول الدولة المدنية). لكن للأسف تلك الجهود لم تستمر طويلاً حيث انقطعت وكأن رحم الحزب أصابه العقم في انتاج المفكرين المجددين، حيث كان من الممكن المضي قدماً في التطوير والبلورة للنظرية الماركسية لمجاراة ومضاهاة الواقع السوداني المتغير والمتقهقر بوتيرة عالية، لكن أصابها الجمود في مقتل بعد الفشل في بلورة المناقشة العامة للنهوض بالحزب والنظرية معاً.
الماركسية في الحزب حقيقة قائمة، ومفاهيمها وأطروحاتها معروفة. لكن الحزب ابتعد عن جوهرها وتمسك بمظهرها. فبدلاً من الانكباب عليها ودراستها لمسايرة مستجدات العصر والأوان، تم إفراغها من محتواها العلمي، وتحولت إلى مجرد كبسولات ثقافية ومجرد شعارات وراية مرفوعة. فلا غرو أن أصابها الجمود، وصار ضررها أكثر من نفعها، وتحولت لعقبة كؤود تحول بين الحزب وطموحه في الانتقال من حزب ثوري صغير الحجم، إلى حزب جماهيري بمئات الآلاف من الأعضاء، وملايين المؤيدين والأصدقاء، تحقيقاً لذلك الشعار الذي رفع في المؤتمر الثالث (اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبري). التمظهر والمباهاة، حزب ماركسي ... حزب لينيني و"البيرق الأحمر" المرفوع، و"سايرين سايرين في طريق لينين"، تلك الحلاقيم والأبواق لن تخدم القضية التي كافح ونافح كل من لينين وماركس من اجل إرساء دعائمها، وهي قضية الاشتراكية والعدالة الاجتماعية. إنني الآن على ثقة، لو أن ماركس بعث من جديد، وأطلع على برامج الحزب الشيوعي السوداني ولائحته الحالية وشاهد وقرأ المشهد السوداني المتخلف، الذي يقوم (من ساسه لرأسه) على الدين والتدين والقبلية والجهوية والطائفية، لما تردد في تكرار مقولته الساخرة "انه إذا كانت هذه هي الماركسية... فمن المؤكد أنني- أنا-لست ماركسيا". كما من المؤكد بأننا لن نكون ماركسيين أكثر من ماركس نفسه.
إن تحول الحزب إلى قوة اجتماعية كبرى هو الضمان الوحيد لإنجاز البرنامج الوطني الديمقراطي. وذلك ما زال ممكناً، حيث نجد قطاع كبير من المثقفين الثوريين، والكادحين المؤمنين بحقهم في الحرية والعدالة والديمقراطية والتقدم والحياة الكريمة في أمن وطمأنينة، يلتفون حول ذلك البرنامج. وهو برنامج تأخر كثيراً، ويعد متواضعاً قياساً على الإمكانات والثروات والموارد الهائلة للسودان. يهدف إلى النهوض بالإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي وتوفير متطلبات الحياة الأساسية من تعليم وصحة وأمن وتنمية وحريات أساسية، وطرق ومواصلات برية وبحرية وجوية ونهرية لربط أجزاء السودان مع بعضه البعض، وربط السودان بالعالم الخارجي. وهو عمل يتطلب تحالف واسع بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته من عمال ومزارعين ورعاة وتجار وصناع ورأسماليين وقوات نظامية ... برنامج يسع كل الشعب ولن يرفضه أي سوداني ذو وجدان سليم. وهو ليس بحاجة إلى كل تلك التقعرات الفلسفية البعيدة عن متناول فهم الإنسان العادي، وخير من جسده وعبر عنه في كلمات بسيطة هو الشاعر محجوب شريف الذي لخصه لنا في بيت شعر واحد (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتى ... وطن شامخ وطن عاتى ... وطن خيّر ديمقراطي).
كان من الممكن لتلك المناقشة العامة والعصف الذهني الذي تخللها، والتي استطالت حوالي 14عاماً أن تنتج لنا حزباً ثورياً سودانياً مسلحا بأفضل ما أنتجه الفكر الإنساني لو تمت معالجة أطروحاته الحيوية بواسطة مؤتمرات وحلقات نقاش ولقاءات ومنابر متعددة داخل الحزب وخارجه. لكن الضيق بالرأي الآخر، وعدم قبول تيارات متنوعة الرؤى ومتعددة الآراء داخل الحزب، عصف بكل تلك الأطروحات الحية والآراء التي حوتها المناقشة العامة... حيث كان بعض أفراد من التيار المتشدد قد هدد بأن تغيير اسم الحزب والتخلي عن الماركسية خط أحمر دونه خرط القتاد. وظل عدد من الشيوعيين الأصوليين يرددون عبارة هي لوحدها كافية لتعصف بأي صراع فكري: (لو تبقى ثلاث فقط من الحزب متمسكين بمبادئ الماركسية اللينينية وباسم الحزب الشيوعي ينصبون خيمتهم ويعلقون عليها راية مكتوب عليها "هنا الحزب الشيوعي السوداني").
كان من المتوقع بعد المناقشة العامة أن يحدث انقسام في الحزب لكن لوجود عقلاء في الحزب في كلا التيارين، بوزن محمد إبراهيم نقد والتجاني الطيب بابكر، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهما، نقد المرن مع التغيير، والتجاني المتشدد مع الثوابت في البرنامج واللائحة، لكن بفضل الروح الرفاقية التي كانت تسود بينهما، تجاوزا ذلك المنعطف في المؤتمر الخامس الذي يمكن تسميته (مؤتمر التسويات)، الذي توصل لصيغة وسطى هدأت الصراع بين التيارين. فكان التخلي في البرامج عن أي ذكر لديكتاتورية البروليتاريا والمجتمع الشيوعي، إسقاط مبدأ المركزية الديمقراطية من الائحة، على أن يظل اسم الحزب كما هو... والماركسية هي الأيديولوجية التي يهتدى بها الحزب في قراءة الواقع وتحليله ومنهجه في مساره النضالي وعمله وسط الجماهير، هكذا كانت أبرز مخرجات تلك التسوية... لكن وكما قال أحد شعراء الجاهلية:
أرى تحت الرماد وميض نار... وأخشى أن يكون لها ضرام.
كان الضرام بسبب غياب المعالجة الصحيحة للصراع الفكري الذي أبرزته المناقشة العامة، بعد التهديد بالانقسام. اتخذ الصراع سمات الصراع الشخصي وكانت نتيجة تلك التسوية الضيزى خروج عدد كبير من التيار الداعي للتغيير عن الحزب على رأسهم الخاتم عدلان الذي أسس حركة حق، وخالد الكد، ود. عبد السلام سيد أحمد، وعبد اللطيف عثمان، الذين ابتعدوا عن الممارسة الحزبية المباشرة. وكان الأخيران، عبد السلام وعبد اللطيف، قد توليا مهام السكرتير العام للجبهة الديمقراطية للطلاب السودانيين أكبر وأهم واجهة للعمل الجماهيري والثوري للحزب الشيوعي. وكان من المتوقع لكليهما، لو ظلا في الحزب، أن يشكلا امتداداً طبيعياً لؤلئك المفكرين الأفذاذ الذين طوروا وأضافوا الكثير للماركسية والاشتراكية العلمية أمثال عبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد. لكن خروجهما عن الحزب لن يقدح في نجاحهما في الحياة أو في العمل العام فالأول أستاذ جامعي عمل كمدير لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في أكبر منظمة لحقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) (Human Rights Watch)، والثاني خبير اقتصادي يشار له بالبنان ويكفي نجاحه في محفظة السلع الاستراتيجية، وتنمية صندوق المعاشات خلال حكومة حمدوك.
وللحديث بقية ...
في اللقاء القادم (6) المركزية الديمقراطية ... أُس العِلَّة
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی المناقشة العامة فی الحزب کان من
إقرأ أيضاً:
بري: لو سألوني لسمعوا الرد المناسب
كتب رضوان عقيل في" النهار": يراقب "حزب الله" بهدوء ما يحصل على الحدود في الجنوب ومدى جدية التدخل الأميركي في الضغط على إسرائيل لانسحابها من النقاط المحتلة، وسط حديث أميركي عن محاولة توجه لبنان إلى تطبيع مع تل أبيب، يصفه بـ"السخافة".إذا كانت إسرائيل جادة في التوصل إلى تسوية النقاط الـ13 والـ5 الأخرى التي احتلتها في الحرب الأخيرة، وقضمت مساحات لا بأس بها على طول البلدات الحدودية، فإن الحزب لا يمانع ولا يعترض إذا تمكنت الدولة والمعنيون من ضمان انسحاب إسرائيل منها، لكن التجارب أثبتت للجميع أن الأخيرة لا تقدم على هذا النوع من الأعمال من دون انتزاع المزيد من التنازلات من الفريق الآخر، ولو وصل إلى حدود طلب التطبيع والسلام مع لبنان.
لا يهلل الحزب لكل المعطيات الأخيرة والحديث عن انفراجات كبيرة على الحدود. أما الإفراج عن خمسة أسرى لبنانيين فتصوره إسرائيل على أنه "هدية" للرئيس جوزف عون لا تستدعي كل هذه "الاحتفالية" في لبنان.
والحال أن الرئيس نبيه بري لا يصدق كل الوعود التي يتلقاها من الأميركيين ما لم تترجم على الأرض، وهذا ما طلبه منهم، لأنه بعد كل الحديث عن الضغط على إسرائيل إثر الاجتماع الأخير للجنة المراقبة في الناقورة، سارعت إلى مواصلة اعتداءاتها.
وبعد الكلام على التوجه إلى إنشاء لجان بين لبنان وإسرائيل تحمل طابعا ديبلوماسيا لإيجاد الحلول لجملة من النقاط الحدودية العالقة بين الطرفين، يرفض الحزب مشاركة أي ديبلوماسي أو مدني في هذه الاتصالات مع إسرائيل. ويقول بري إنه لو سئل عن التطبيع "لسمعوا مني الرد المناسب". ويُفتح ملف التطبيع ربطا بتطورات الجنوب، وثمة من يذهب إلى التأكيد أن لا إذن بالإعمار "قبل حلول هذا السلام".
ويؤكد الحزب هنا الإبقاء على مشاركة ضباط من الجيش لا أكثر، وتثبيت الحدود، وكل هذه الأمور التقنية بالتعاون مع "اليونيفيل" تحتاج إلى عسكريين وتقنيين فقط.
وقد لوحظت الليونة الأميركية الأخيرة حيال تثبيت الحدود في الجنوب، واستخدام عبارة "ترسيم" من باب الرد على أسئلة الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام التي توجه للأميركيين، علما أن سياسة التغاضي عن الاعتداءات الإسرائيلية من الجنوب إلى البقاع تؤدي كلها إلى حشر الموقف الرسمي أمام رؤية "حزب الله" والرد على حججه، فضلا عن تساؤلات الجنوبيين الذين لم يتمكنوا من مزاولة أعمالهم في حقولهم.
ومع تصاعد التدخل الأميركي المباشر في الجنوب وتطبيق القرار 1701، يكثر الحديث عن أن كل ما حصل حتى الآن وما خلفته ارتدادات الحرب الأخيرة على أكثر من مستوى لن يدفع إسرائيل إلى المطالبة بأقل من إرساء سلام مع لبنان، ولو كان باردا، لأنها لن تقبل بحسب رؤيتها بأقل من الوصول إلى هذه الخلاصة.ويرد الحزب على كل ما يتم تداوله في هذا الخصوص بأن اتفاق وقف النار يلزم إسرائيل الانسحاب من المساحة التي احتلتها، ومن بينها النقاط الـ5، ثم التوجه إلى بت النقاط الـ13 المتنازع عليها، مع الخشية أن تقدم إسرائيل خلال هذه المفاوضات على عرقلتها، ولا تنسحب من كل هذه النقاط.
ويعلّق مسؤول في الحزب لـ"النهار" على التوجه نحو التطبيع بأن هذه الدعوة ليست جديدة من طرف واشنطن. ويدعو أيا كان في لبنان، إذا سلّم بهذا الطرح، إلى "الخجل أولا، ولا سيما أن أشلاء الشهداء لا تزال على الأرض وآثار العدوان وعلامات الحرب لن تمحى. ومن المعيب سماع كلام من هذا النوع من لبنانيين".
وردا على سؤال، يقول القيادي في الحزب: "سنبقى على دعوتنا إلى مقاومة الكيان الصهيوني العامل على تقسيم المنطقة إلى دويلات ليبقى هو الأقوى. وما يحصل في سوريا ليس بالأمر البسيط. ومن جهتنا، مع كثيرين في لبنان، سنبقى على عدم اعترافنا بإسرائيل ومقاومتها بكل الأشكال"
مواضيع ذات صلة رئيس الوزراء البريطاني: الآن هو الوقت المناسب لتعزيز الأمن الأوروبي Lebanon 24 رئيس الوزراء البريطاني: الآن هو الوقت المناسب لتعزيز الأمن الأوروبي