السودان بين الحركات المسلحة والتغيير السياسي- نحو اندماج كامل في الحياة المدنية
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
لطالما شكلت الحركات المسلحة في السودان جزءًا من المشهد السياسي والعسكري في البلاد، حيث لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل الأحداث التاريخية والاضطرابات الداخلية التي عانى منها السودان لعقود. في ظل النزاعات المسلحة المستمرة والتوترات العرقية والسياسية، بات من الواضح أن الحلول العسكرية لم تؤدِ إلى تحقيق الاستقرار المنشود، بل زادت من تعقيد الأوضاع وتفتيت الوحدة الوطنية.
مخاوف الحركات المسلحة من انفصال الشمال وتفكك السودان
من أبرز القضايا التي تعقد المشهد السوداني هي مخاوف الحركات المسلحة من تفكك البلاد أو انفصال الشمال. هذه الحركات التي تنشط في مناطق مثل دارفور، النيل الأزرق، وجبال النوبة، تنظر إلى إمكانية انفصال الشمال كقضية تنقاس، إذ أنه ليس حلاً لمشاكل السودان العميقة. تتخوف هذه الحركات من أن الانفصال سيزيد من تهميش الأطراف ويعمق الفقر والصراعات، حيث سيتركها في مواجهة مشكلات اقتصادية وسياسية أكثر تعقيدًا.
في هذا الإطار، تدرك الحركات المسلحة أن التفاوض من أجل حقوقها في الحكم الذاتي أو التمثيل السياسي يجب أن يكون ضمن إطار دولة موحدة. الانفصال لن يحل قضية السودان التاريخية، بل قد يؤدي إلى تفكك أكبر وانهيار الدولة.
مخاوف أهل الشمال والوسط من الحركات المسلحة
في المقابل، يشعر أهل الشمال والوسط بقلق بالغ من تأثير الحركات المسلحة على استقرار البلاد وأمنها. هناك مخاوف من أن هذه الحركات قد تسعى إلى نقل النزاع المسلح إلى مناطق الشمال والوسط، مما قد يؤدي إلى عدم استقرار واسع النطاق. كذلك، هناك قلق من أن الحركات المسلحة قد تطالب بموارد وثروات بشكل غير عادل، مما قد يضر بمصالح الشمال والوسط.
أهل الشمال والوسط يخشون أيضًا من تفكك الهوية الوطنية وتفاقم التوترات العرقية والدينية إذا ما زادت الحركات المسلحة من نفوذها السياسي. هذه المخاوف تعزز الحذر من أن تحقيق مطالب الحركات المسلحة قد يؤدي إلى تقسيم البلاد وتفكك الدولة.
التحول إلى العمل السياسي المدني: ضرورة ملحة
في ظل هذه المخاوف المتبادلة والتحديات التي تواجه السودان، يصبح من الضروري أن تتحول الحركات المسلحة إلى كيانات سياسية مدنية. السودان بحاجة إلى بناء دولة ديمقراطية شاملة، حيث يتمكن الجميع من المشاركة في الشأن العام عبر الوسائل السياسية السلمية وليس عبر العنف أو التهديد بالسلاح.
شروط التحول الكامل إلى العمل المدني
التخلي عن السلاح: يجب أن تتخلى الحركات المسلحة عن استخدام السلاح كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية. العمل المسلح لن يؤدي إلى تحقيق الاستقرار أو العدالة، بل سيزيد من تعقيد الصراع ويعمق الانقسامات.
التحول إلى كيانات سياسية: ينبغي للحركات المسلحة أن تتحول إلى أحزاب سياسية مدنية تشارك في العملية الديمقراطية. هذا يتطلب تغييرًا في الخطاب السياسي، والابتعاد عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
محاسبة مرتكبي الانتهاكات: لضمان تحقيق العدالة والمصالحة، يجب أن تقدم الحركات المسلحة ضمانات بمحاسبة كل من ارتكب جرائم أو انتهاكات ضد المدنيين. لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدون عدالة، ولذلك يجب أن تكون هناك آلية واضحة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
وميثاق يجرم العمل العسكري في الشأن العام: من الضروري صياغة ميثاق وطني يجرم استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية. يجب أن يقر هذا الميثاق من قبل جميع الأطراف ويصبح جزءًا من الدستور الوطني، لضمان أن يكون العمل السياسي محصورًا في الوسائل السلمية فقط.
ميثاق تجريم العمل العسكري في الشأن العام السوداني
يقترح أن يشمل هذا الميثاق البنود التالية -
تجريم حمل السلاح: أي مجموعة تستخدم القوة المسلحة لأغراض سياسية يجب أن تعتبر خارجة عن القانون، وتتعرض للمحاسبة القانونية.
نزع السلاح من الحركات المسلحة: يجب أن تكون هناك عملية شاملة لنزع السلاح من كل الحركات المسلحة في السودان، بإشراف دولي ومحلي، لضمان أن تتحول هذه الحركات إلى كيانات مدنية.
تعزيز التوعية الوطنية: يجب أن تتضافر جهود الدولة والمجتمع المدني لتعزيز مفهوم العمل السياسي المدني، وتعليم الأجيال الجديدة أهمية السلم والعدالة والديمقراطية.
الالتزام بالعملية الديمقراطية: كل الأطراف السياسية، بما فيها الحركات المسلحة السابقة، يجب أن تلتزم بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحل النزاعات وتوزيع السلطة.
ونحو سودان موحد ومستقر , السودان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تجاوز أزماته التاريخية والانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتطور. لن يتحقق هذا الانتقال ما لم تتخلى الحركات المسلحة عن السلاح وتتحول إلى كيانات سياسية مدنية تساهم في بناء الدولة. الوحدة الوطنية لا تتحقق بالقوة، بل عبر المصالحة والعدالة والمشاركة السياسية العادلة. الميثاق الذي يجرم العمل العسكري في الشأن العام هو خطوة أولى نحو بناء دولة سودانية قائمة على القانون والعدالة والديمقراطية، حيث تكون القوة الوحيدة هي قوة الشعب المتمثلة في المؤسسات الدستورية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکات المسلحة فی الشأن العام الشمال والوسط هذه الحرکات إلى کیانات یؤدی إلى یجب أن
إقرأ أيضاً:
مخاوف أمنية وتكلفة باهظة.. أزمات تلاحق عودة سكان شمال إسرائيل
قالت صحيفة "كلكلست" الاقتصادية الإسرائيلية، أن سكان الشمال بدأوا العودة إلى منازلهم، وسط مخاوف من استعادة حزب الله اللبناني قوته، وانزلاق إسرائيل مجدداً إلى الكساد الاقتصادي، موضحة أنهم يستقبلون بقوات معززة من الجيش الإسرائيلي على طول خط التماس، وفصائل من الكتائب المُدربة.
وأضافت "كلكلست" في تقرير بعنوان "إسرائيل تعمل على إعادة سكان الشمال لكنها لا توفر الميزانية اللازمة لإعادة تأهيل قواعد الجيش"، أن سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم من مناطقهم في بداية الحرب قبل نحو عام ونصف العام، والذين يعودون الآن إلى منازلهم، سوف سواجهون واقعاً أمنياً جديداً على الأرض.وأشارت إلى أن هذا الأمر سيتطلب فترة من التكيف وقدراً كبيراً من الشجاعة بعد أن تم إجلاؤهم على عجل خوفاً من هجوم من تنظيم حزب الله أقوى من هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، موضحة أن التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي، والتي نُشرت خلال نهاية الأسبوع، لا تؤدي إلا إلى تكثيف مخاوفهم.وتابعت: "أمام أزمة الثقة العميقة التي يعيشها الجيش، يعرض التحقيقات التي أجراها على نفسه، ويتجنب التوصل إلى استنتاجات شخصية تجاه القادة الذين فشلوا تماما، وينفي رئيس الوزراء ووزراؤه أي مسؤولية عن هذا الإغفال المشين، ويرفضون بشدة التحقيق خلف أبواب لجنة التحقيق الحكومية".رسائل #حزب_الله في جنازة حسن نصراللهhttps://t.co/XLG49w5gdT pic.twitter.com/kbHOTGoHni
— 24.ae (@20fourMedia) February 27, 2025الواقع الأمني الجديد
وتحدث ضابط كبير في القطاع الشمالي، طُلب منه خلال عطلة نهاية الأسبوع وصف الواقع الأمني الجديد الذي سيستقبل العائدين، عن زيادة قدرها 3 أضعاف في القوات العسكرية من بين تلك المنتشرة على طول خط التماس صباح السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 20023، والتي تشمل فرقاً احتياطية كبيرة ومدربة ومجهزة تجهيزاً جيداً في كل المستوطنات، بالإضافة إلى تزويد السكان الذين يخدمون كاحتياطيين في الوحدات الإقليمية بالأسلحة.
وفي حديث مع "كلكليست"، قال الضابط إن الأسوار والعوائق المادية على طول الحدود التي تضررت في الحرب الطويلة تم إصلاحها، وأن الوسائل التكنولوجية يجري تحديثها لتحسين الدفاع عن المستوطنات، وأنه تم الإدراك بأن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل محل العامل البشري.
قلق من تعافي حزب الله
وتقول الصحيفة، إنه على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي، حقق إنجازات هائلة في لبنان، إلا أن سكان البلدات الشمالية يشعرون بالقلق من أن يتعافى حزب الله بسرعة وأن تغرق إسرائيل في مفهوم جديد، وأن يصل إليهم سيناريو غلاف غزة أيضاً.
بطريقة جديدة.. #حزب_الله يحاول تشغيل "ممر تهريب الأسلحة" من #سوريا https://t.co/KIiYFwFDR8
— 24.ae (@20fourMedia) February 27, 2025تكلفة باهظة
وقالت الصحيفة الإسرائيلية، إن الحفاظ على إيقاع عسكري مرتفع في الشمال لفترة له تكلفة مالية، كما أن توافر مثل هذه الأموال لفترة من الزمن ليس أمراً واضحاً، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل بالفعل على إعادة تأهيل مواقعه في الشمال بعد إهمالها لسنوات طويلة بهدف تعزيز القوات الكبيرة العاملة في المنطقة.
وتقدر تكلفة ترميم وتجديد البؤر الاستيطانية بمئات الملايين من الشواقل، وتشمل تحسين مكونات الأمن والدفاع وتكييفها مع التهديدات الأخيرة، وإضافة أنواع مختلفة من الوسائل والتقنيات التي من المفترض أن تزيد من قدرات الدفاع والهجوم، ورغم الحاجة الملحة إلى المضي قدماً في هذه الأعمال، فإن ضغط تدفق الميزانيات اللازمة منخفض للغاية، ويضطر الجيش الإسرائيلي حالياً إلى القيام بثلث العمل فقط، ويركز على الأكثر إلحاحاً، وعندما تتدفق الميزانيات المتبقية، سيتم اتخاذ إجراءات أساسية إضافية.
وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك شكوك كبرى بشأن مدى توفر الخدمات العامة الأساسية للسكان العائدين، ولا تزال الالتماسات التي قدمتها بلدية كريات شمونة والمجلس المحلي في المطلة إلى محكمة العدل العليا في الأسابيع الأخيرة على جدول الأعمال.