السودان؛ الأسئلة المُحرَّمة!
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
هل كان لحرب السودان أن (لا) تقع؟
و قبل الإجابة نؤكد على أن نعم علَّ السؤال أعلاه لا فائدة منه و لا معنى له و قد حدث ما حدث و ما زال يحدث و الأهم منه هو سؤال : أن كيف يمكن لحرب السودان أن تقف؟
*
لكن في أحيان معرفة الأسباب و الظروف تساعد في فهم الحقائق و تصور الإحتمالات و النتائج.
لتبقى الحقيقة أن أقدار الله لا محالة واقعة و علينا الدعاء.
*
عودة إلى السؤال فالجواب : نعم.
إن كان تم لجم طموح قائد الدعم السريع و تنظيم أمر تلك القوات بعد نجاح الثورة مباشرة.
لتأتي مقولة أو الإتهام أن "الكيزان" هم من أشعلوا الحرب في محاولتهم المستمرة المُستميتة للعودة إلى السلطة و هذا احتمال وارد.
لكن إن كان فعلاً هو صحيح فلماذا أشعل الحرب الكيزان بين أتابعهم (العسكر)؟
أليس كان من الأسهل عليهم مع زعم أن قيادة الجيش خاضعة لهم كما أن الدعم السريع هو من صنعيتهم و قائده جندي تابع لهم أن يعلنوا إنقلاب العسكر و على مدنيِّ الوثيقة الإنتقالية و فقط! بلا حرب و لا يحزنون!
إذا فكيف نعلل أن الحرب هي بين الجيش و الدعم السريع؟!
*
نعم هل الدعم هو من "تمرَّد" على صانعيه و شركائه في الجيش؟ و هل لتمرُّده ذاك سبب "وطني" كما يزعم قائده بإنحيازه للمدنيَّة!
فلماذا من الأول شارك قادة الجيش و من خلفهم ممن يعرفهم هو و وقف معهم في الإنقلاب على حكومة الشراكة و حمدوك (الأوَّلى)؟!
هل أنَّبه الضمير و عرف الحق فاستيقظ؟
أم (حرَّشهُ) أحدهم و كبر الأمر في رأسه أو جهة ما وجهته أو أخضعته؟
أو فقط لأنه عرف الضعف في قيادة الجيش و أيقن من قدرته على هزيمتهم و انتزاع السلطة في السودان له وحده و إن سمح للمدنين مشاركته و اقتسامها معه و إن في الشكل؟
*
ثم لماذا خرج قادة الجيش و انتفضوا فجأة من حالة الإنهزام المزمن و الهوان و خضوعهم لقائد الدعم صديقهم؟ و لماذا في هذا التوقيت تحديداً؟!
هل ضاق صدرهم أم استيقظت الكرامة و النخوة و الغيرة على الشعب و الأرض فيهم؟ أم تذكروا قسمهم و أنهم هم الجيش و تلك مجرّد عصابات من قطّاع الطرق كانت تابعة لهم!
بل إن قلنا أنهم كانوا يعلمون نيّة (صبيهم) في انتزاع السلطة له و لمن خلفه منهم فلماذا لم يستعدُّوا العدَّة بإستخباراتهم و أمنهم فينقضوا عليه في هدوء و ترتيب يشهد لهم بالخبرة و الحنكة الأمنيَّة العسكرية؟! لماذا خرجوا علينا بأنهم أخذوا على خوانة و حين غرَّة؟!
أليسوا هم أيضاً من أعلنوا بأن استخباراتهم كانت تراقب استعدادت الدعم السريع و من سنوات؟!
*
السيطرة على قوات الدعم السربع و طموحات قائدها كان واجب من صَنعَهم و أشرف عليهم و منحهم الحصانة و تبَّعهم للجيش. و انتقل أمرها بعد سقوط نظام البشير "سيُّدها" إلى قيادة الجيش و حكومة الثورة و مجلس السيادة و السلطة الإنتقاليّة أو أي تسمية لتلك الشراكة (الفتنة) ما بعد الثورة.
و ما كان ليتم ذاك إلا بتحرك و تصرف قادة الجيش و إن بمعزل عن المدنيين في السلطة حماية للشعب أولاً و أخراً من خطر تلك القوَّات هذا بإعترافات أكثر قيادات الجيش السابقة و الاحقة.
و هذا ما لم يحدث بل أن قادة الجيش ببرهانهم دافعوا عنها و رفعوا من قدر صاحبها و ملكوها مفاتيح البلاد و الحكم و شؤون العباد!
لا أحد منا يعلم حقيقة ما دار في أذهان مدنيي السلطة الإنتقالية في شراكتهم مع العسكر لكن ما نعرفه من تصريحاتهم أنهم حاولوا و أصروا على تقرير مصير تلك القوات و دمجها في الجيش مع غيرها و مثلها من الحركات المسلّحة.
فهل طموح حميدتي و عناده كان السبب الأساس أم هناك من حاول انتهاز هذا الطموح و تطويعه فيه لأغراض أن يُسيطر عن طريقه على السودان إن كان من الأحزاب عندنا أو الأفراد أو دول الجوار أو الأنظمة غيرها!
ما حدث أن الحرب اشتعلت بين الجيش و قواته من الدعم السريع الأمر الذي كتب عنه الكثيرون أنه كان يتوقعه قادة الجيش و حاولوا تحاشيه بمجاملاتهم و تنازلاتهم المستمرة حد تركيع الجيش أمام دقلو!
الخاسر في الحرب كان و مازال هو الشعب المُتضرِّر الأول و الأخير منها و فيها بإستباحته دماً و عرضاً و مالاً و أرضاً.
*
إذا ضعف قيادات الجيش قبل البرهان في مواجهة خطر قواتهم من الدعم السريع و حسمه فوراً عند شعورهم بهم بسبب سيطرة عمر البشير أو غيره عليهم ثم شخص البرهان شريك و زميل إن لم يكن الأستاذ لقائد تلك المليشيات كان أهم الأسباب التي أوصلتنا لهذا المصير.
اما المدنيين من قوى الحرية و التغيير و حمدوك فلا يمكن تحميلهم مسئولية الحرب "المباشرة" و إن كان يحق محاسبتهم على عدم حنكتهم و قدرتهم على السيطرة على عقلية قادة الجيش و الدعم السريع و توجيهها إلى ما يخدم السودان و الشعب و يحفظهم من الشر القابع في نفوس العسكر جميعهم.
نعم كان واجب عليهم أن "يُكافحوا" حتى لا تقع الحرب و هم بشهاداتهم أيضاً كانوا يرون شرارتها و قبل الشعب.
كان عليهم الوقوف بقوة أما العسكر و هم يمثلون الشعب و يبتعدوا عن الاعيب الكيد و الحفر و الوقيعة و الفتنة بين الجانبين. نعم كان عليهم القوة و الحكمة.
*
إذا وقعت الحرب؛
وفهل كان يمكن إيقافها في أيامها الأولى؟
و نكتب نعم؛ إذا كان الجيش جاهز ليحسمها و في وقتها.
لكن الجيش -و ليس القيادة- كان (مُغيَّب).
القيادة التي أشغلت الجيش في تطبيق استراتيجة في الحرب غريبة في وضاعتها! أن تُدافع عن نفسك و من مكانك! داخل قواعدك و حامياتك و سكناتك! و تستمر في الدفاع حتى السقوط أو الانسحاب أو انهزامك!
ثم أضافت لها خطة الاستعداد و اعلان الجاهزية من داخل قيادة كل ولاية ثم و مع اقتراب الهجوم عليها الانسحاب منها و قبل اطلاق أي رصاصة!
للتشغل نفسها و بعدها في كيفية استعادتها و بعد ما تمت الإستباحة!!!
نعم كانت قيادة الجيش تتساهل في أمر واجبها من حماية شعبها قبل نفسها.
*
ثم جاءت تطالب (مليشياتها المتمرِّدة) بالخروج من منازل الناس و الناس تشهد عليها أنها هي من سمحت لهم بالدخول إليها و مكنتها منها و من أهلها!!
ثم ما زلتم -قيادة الجيش- تريدونها حرباً لمئة سنة؟!!
*
و استمرت الحرب حتى يوم الناس هذا؛ فهل في الإمكان إيقافها؟
لنكتشف حقيقة أن دول الجوار و الأقليم و الدوليّة منقسمة فيما بينها في أمره السودان و لا يهمها الحقيقة أن شعبه هو ضحيَّة ترددها و ذاك الإنقسام!
فالإمارات "أبو ظبي" و من خلفها إسرائيل التي يشهد العالم على دعمها المباشر للدعم السريع ضد الجيش بل و يُعتقد أنَّها "المتحكم" الأساسي في قيادتها لم تتوقف و حتى اليوم عن ذاك الدعم رغم علمها بكل شيء بل و "حشرها" أنفها في كل لجان من إقليميّة و دوليّة تتعلق بالسودان و لا نفهم إن كانت لحماية التهمة عن نفسها أم دفاعاً عنها!
ثم شاهدنا موقف "مصر السيسي" الضعيف في شأن السودان رغم الأهميّة الأزلية للسودان بالنسبة لمصر! و رغم أن الحرب قبل اشتعالها تم التعدي على جيش مصر في مروي رغم استضافة جيش السودان بقيادة البرهان لهم لكن مصر لم تتحوَّط و لم في الأمر ذاك تشك! وقتها كان تحرك الدعم السريع معلالاً بمنع تدخل مرتقب للجيش المصري ضدَّ قواته! و سكت الجيش معللاً أن تلك القوات كانت في تدريب مشترك معه؟
مصر أيضاً أهملت وضع غزة و قبلها النيل و السد و بعدها قناة سيناء و البحر الأحمر حتى و فجأة انتفضت متوجهة و في وثبة إلى الصومال في محاولة ما للإنتفاخ أمام طوفان أثيوبيا في علاقتها الأزليّة مع إسرائيل و المُتربصّة و منذ تكوينها بمصر الدولة و الشعب.
*
حتى الحبشة نفسها فنظام "آبى أحمد" يجعل المتابع له في شأن علاقته بالسودان يتعجَّب! فأثيوبيا كانت واقفة مع الثورة السودانيّة و منذ انطلاقتها و دافعت عنها و حتى يوم انتصرت و اختلف المدنيين مع العسكر في شراكتهم جاء أحمد هنا "كفاعل وسيط خير" مُصلحاً الحال حتى توصل الجميع إلى (وثيقتهم الأولى)!
نفس النظام التي مازالت تطاله الإتهامات في شراكة له و إن اقتصاديّة و استثماريّة مع قيادة الدعم السريع! تلك القوات التي اعتزرت قيادتها عن مشاركة الجيش في استعادة أراضيه المغتصبة من أثيوبيا!
ثم يختلف البرهان مع الحبشة ليأتي من جديد أحمد يزوره و في مقره بورتسودان كأول رئيس لدولة يُكرم البرهان بزيارة رسميَّة و بعد الحرب!
*
و هكذا تشابكت مصالح الدول حول السودان ليتضح أن شعب السودان يواجه الحرب لا ناصر له و حافظ إلا الرحمن ربه.
*
إذا فكيف ستقف الحرب و بعد الكلام أعلاه و غيره كله؟
بإنتصار الجيش أو انهزامه أولاً. مما قد يفتح المجال لأسئلة أخرى عن مصير كل من انتمى لتلك القوات أو ساندها و أيدها من الشعب إذا ما انتصر و قد يصل إلى أمر مستقبل السودان نفسه في حالة انهزامه.
أو بإتمام الصلح بين الطرفين مع إشكاليّة ستواجه الأطراف كلها حتى المحكمين بينهما في كيفيّة محاسبة و القصاص و العقوبة من كل من أجرم بينهما و ارتكب كل أنواع الجرائم ضد الشعب. و أولهم القيادات فيهما!
أو بالتدخل الإقليمي أو الدولي في السودان و ما يفتحه من أبواب للمجهول عن مستقبل وحدة السودان!
اللهم فرَّج هم السودان و شعبه و أصلح أمره.
محمد حسن مصطفى
mhmh18@windowslive.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع قادة الجیش قیادة الجیش تلک القوات إن کان
إقرأ أيضاً:
حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
كنت من محبي زيارة متحف السودان القومي..
واكاد اجزم أني احفظ المعروضات في القاعات في الدور الاول والثاني..
واعرف ممر الكباش والضفادع الحجرية علي البحيرة الصناعية والمعابد التي نقلت كما هي ووضعت في ساحة المتحف كمعبد دندرة وحيث اثار العهد الاسلامي في الطابق الثاني كدولة سنار
◾️- الصورة المرفقة صورتها بنفسي بجوالي النوكيا في ابريل 2011 ولازالت احتفظ ببعض الصور من ساحات العرض..
◾️- حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع وتم سرقة مشغولات ذهبية عمرها الاف السنين وبعض الاثار الصغيرة من العاج والحجر والابنوس تعود للعهد المروي ولعهد دولة نبتة
– مع ان السودان اطلق حملة لاستعادة المسروقات بالتعاون مع اليونسكو الا ان الامل ضعيف في العثور عليها لان هناك هواة جمع تحف واثار يشترون مثل هذه المقتنيات ويحتفظون بها في خزائنهم لمدد طويلة ولا يعرضونها ابدا وبذا تقل فرص مطاردتها واسترجاعها..
????- الحل في نظري هو اطلاق حملة قومية للتنقيب عن الاثار مرة اخري.. هناك مواقع اثرية كبيرة ومتعددة متناثرة في السودان..
◾️- مثلا في العام 1998 زرت الولاية الشمالية باللواري في سفرة استغرقت عدة ايام فرايت كثير من الاثار ملقاة علي الطريق قريبا من شواطئ نهر النيل , احجار ضخمة واعمدة معابد لايستطيع اي احد ان يحركها من مكانها وربما هذا سبب حفظها حتي الان.. فلو تم التنقيب حول هذه الاماكن فالبتاكيد سنحصل علي اثار جديدة..
◾️هناك ايضا موقع النقعة والمصورات الاثري الذي يشرف عليه معهد حضارة السودان التابع لجامعة الخرطوكم تحت اشراف البروف جعفر ميرغني – وقد زرته من قبل في العام 2010 – الثلات صور الاخيرة – ففي هذا الموقع تتناثر الاثار علي العديد من التلال والسهول و الموقع ذات نفسه يقع علي نهاية وادي العوتيب وهذا الوادي الان عبارة عن رمال ولكنه حتما في قديم الزمان كان من روافد النيل الموسمية فعلي ضفاف هذا الوادي وحتي موقع النقعة والمصورات هناك احتمال وجود عشرات الاثار التي قد تغير التاريخ ذات نفسه
◾️- ايضا سفح جبل البركل وكثير من المواقع التي يمكن اعادة التنقيب فيها
◾️- في العام 2010 كانت هناك شركة تقوم بحفريات لبناء عمارة في احد الاحياء شرق مطار الخرطوم فعثرت علي ما يشبه المدفن لقرية تعتبر اول اثر علي وجود الانسان في منطقة الخرطوم والمقرن قدرت بالاف السنين..
– وكثير من الاثار هنا وهناك علي ضفاف النيل الذي كان علي الدوام جاذبا للمستعمرات البشرية منذ القدم
????- بهذه الطريقة يمكننا اعادة ملء المتحف القومي مرة اخري والحفاظ علي التاريخ الذي اراد تتار العصر ان يمحوه لهدم رواية الامة السودانية عن عراقتها وحضارتها الممتدة من الاف السنين وحتي الان..
♦️- بهذا يمكننا مرة اخري ان نضع قطع الاحجية جنبا الي جنب ونعيد بناء قصة متماسكة تمتد من الان الي عمق التاريخ ونضع معلما لاطفالنا والاجيال القادمة تحاجج به وتفتخر.
♦️- بعض الدول تحفر في اللاشئ وتعثر علي صخور صماء لايوجد عليها نقش واحد فتضعها في متحف ضخم لتقول للناس ان هذا الحجر استخدمه شخص في هذه البقعة قبل اربعة الف سنة كوسادة او كمسند او مربط لحيوان لتقول للعالم انها دولة ذات تاريخ وذات عراقة..
♦️- نحن كبلد اولي بان تكون لنا قصة لها شواهد وعليها ادلة والاسهل والحل الذي بين ايدينا هو اطلاق حملة جديدة للتنقيب عن الاثار تحت الارض والكشوفات الجديدة هذه توكل كمشاريع لكليات الاثار والدراسات الانسانية كالتاريخ وعلم الاجتماع مع التمويل من الدولة والشركات الوطنية مع مواصلة جهود البحث عن الاثار المفقودة.
النور صباح
إنضم لقناة النيلين على واتساب