أصدر ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، تحذيرًا شديد اللهجة بشأن التدهور الاقتصادي المتزايد في القارة العجوز، واصفًا الوضع بأنه "معاناة بطيئة" ناجمة عن سنوات من الإهمال الاقتصادي والاستثماري.

وجاء هذا التحذير وسط أمثلة ملموسة على التدهور الاقتصادي بالقارة، بما في ذلك حادث انهيار أجزاء من جسر في دريسدن بألمانيا، لم يسفر عن إصابات لكنه يعكس الواقع الذي يواجهه الاقتصاد الأوروبي وفق دراغي، حيث يشير إلى الفشل في الاستثمار بشكل كافٍ في البنية التحتية والصيانة، كما أشار بتقريره المفصل.

أرقام تشير إلى أزمة حقيقية

وأوضح دراغي أن أوروبا ليست في مواجهة أزمة مفاجئة بقدر ما هي في خضم "معاناة بطيئة" بسبب سنوات من الإهمال. ووفقًا للتقرير -الذي يتألف من 400 صفحة- تحتاج أوروبا إلى استثمارات إضافية تصل إلى 800 مليار يورو (حوالي 881 مليار دولار) سنويًا لتعزيز اقتصادها المتدهور.

وأشار إلى أن أوروبا لم تعد قادرة على الاعتماد على العوامل التي ساعدت في تعويض النمو البطيء في الإنتاجية مثل الطلب العالمي القوي، والطاقة الروسية الرخيصة، والاستقرار الجيوسياسي.

وأضاف دراغي أن التحديات الديموغرافية، مثل تقلص عدد السكان في العديد من البلدان الأوروبية، والبطء في التحول إلى الاقتصاد الرقمي، تشكل عقبات كبيرة أمام مستقبل القارة. وقد قال "الأزمة ليست وليدة اليوم، بل نتيجة لإهمال طويل الأمد، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن أوروبا ستواجه معاناة متواصلة".

أوروبا بحاجة إلى استثمارات إضافية تصل إلى 800 مليار يورو سنويًا لتعزيز اقتصادها المتدهور (رويترز) استثمارات بمئات المليارات

ويتضمن تقرير دراغي توصيات طموحة للغاية، مثل إصدار ديون مشتركة عبر أوروبا وإنشاء استثمارات إضافية تصل إلى 800 مليار يورو سنويًا لتعزيز البنية التحتية والاقتصاد الرقمي.

لكن مثل هذه المقترحات تواجه تحديات سياسية كبيرة، حيث يعتبر إصدار ديون مشتركة بين الدول الأعضاء أمرًا مثيرًا للجدل.

ومع ذلك، يؤكد دراغي أن هذه الإجراءات ضرورية لتجنب "المعاناة البطيئة" التي تهدد القارة بأكملها.

مؤشرات وأرقام تؤكد الأزمة

وشهدت أوروبا مؤخرًا سلسلة من الأحداث التي تعزز التحذيرات التي أطلقها دراغي وفق بلومبيرغ. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "فولكس فاجن" عن إنهاء اتفاق أمني وظيفي طويل الأمد وتدرس حاليًا إغلاق بعض مصانعها في ألمانيا لأول مرة منذ تأسيسها عام 1937.

كذلك، أعلنت شركة "رينو" عن خطط لتخفيض الوظائف في فرنسا. وفي مجال التكنولوجيا، اضطرت شركة "ألف ألفا" للتخلي عن المنافسة مع عمالقة التكنولوجيا مثل "أوبن إيه آي" مما يشير إلى التراجع المستمر لأوروبا بسباق الابتكار الرقمي.

وتؤكد هذه الأوضاع المتدهورة -وفق توصيف بلومبيرغ- الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أوروبا. ومع تزايد الأعباء، تواجه القارة تحديات هائلة للحفاظ على تنافسيتها على الساحة العالمية. وقد قال دراغي في تقريره "إذا لم تتمكن أوروبا من توفير الازدهار والعدالة والحرية والسلام لمواطنيها، فإنها ستفقد سبب وجودها".

ردود فعل سياسية.. دعم ومخاوف

تقرير دراغي لم يمر دون ردود فعل، فقد حصل على دعم من بعض القادة الأوروبيين، حيث وصفت كريستين لاغارد (رئيسة البنك المركزي الأوروبي) التقرير بأنه "تشخيص قاسٍ ولكنه عادل".

وزير الاقتصاد الألماني هابيك أقر بأن أوروبا تحتاج "تغيير المسار" لتحقيق التنافسية العالمية (أسوشيتد برس)

وأضافت لاغارد أن "التقرير يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة التحديات الاقتصادية المتزايدة". كما أعرب وزير المالية الفرنسي برونو لو مير عن قلقه بشأن الفجوة المتزايدة في الإنتاجية بين أوروبا والولايات المتحدة، قائلاً "أشارك دراغي قلقه بنسبة 100%".

من جانبه، ورغم رفض ألمانيا فكرة إصدار ديون مشتركة، أقر وزيرها للاقتصاد روبرت هابيك بأن أوروبا تحتاج إلى "تغيير المسار" لتحقيق التنافسية العالمية. وقال "علينا أن نقلب الموازين ونجمع الإرادة والموارد لجعل أوروبا قادرة على المنافسة عالميًا".

سيناريوهات محتملة

ويشير دراغي إلى أنه بدون اتخاذ إجراءات فورية، فإن أوروبا تواجه خطر الدخول في مسار محفوف بالمخاطر. وتشمل السيناريوهات المستقبلية المحتملة انسحاب الحكومات الوطنية من المبادرات الأوروبية المشتركة والعودة إلى التركيز على الحلول المحلية، أو ظهور أزمة جديدة تجبر القارة العجوز على اتخاذ إجراءات جماعية.

ولكنه يأمل أن يتمكن تقريره من توفير دافع جديد لاتخاذ إجراءات جماعية. ويضيف "قيم أوروبا الأساسية هي الازدهار والعدالة والحرية والسلام في بيئة مستدامة. وإذا لم تتمكن أوروبا من تقديم هذه القيم لمواطنيها فإنها ستفقد جوهر وجودها".

ويختتم الرئيس السابق للمركزي الأوروبي تقريره بنداء عاجل للعمل المشترك "إذا لم تتمكن أوروبا من اتخاذ إجراءات حاسمة الآن فإنها ستواجه معاناة طويلة الأمد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات اتخاذ إجراءات أن أوروبا

إقرأ أيضاً:

نفوذ خليجي في القارة السمراء.. كيف أعاق حلفاء السيسي مصالح مصر؟

كشفت مجلة "نيولاينز الأمريكية عن حجم التوغل الإماراتي، والإسرائيلي، والسعودي، في القرن الإفريقي، ودور العواصم الثلاثة في دعم إثيوبيا، وصناعة مناطق نفوذ لها بدول القارة، وتعميق بعض النزاعات، وإطفاء الأخرى، ملمحة إلى تعارض تلك السياسات مع مصالح حليفتهم مصر التي تراجعت أدوارها في القارة.

التقرير الصادر يوم 11 أيلول/ سبتمبر الجاري، وجاء بعنوان: "كيف تمارس دول الخليج نفوذها في إفريقيا"، قال: "قد أدى التوتر المتزايد بين مصر وإثيوبيا إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية؛ حيث وجدت مصر نفسها إلى جانب تركيا وقطر ضد حلفائها السابقين في الإمارات والسعودية، .. "

وأشارت المجلة إلى أن "النفوذ الخليجي المتزايد في القرن الإفريقي أضاف طبقة أخرى من التعقيد إلى الجغرافيا السياسية في المنطقة، فقد حظيت الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال بدعم الإمارات، حليف مصر الوثيق في أماكن أخرى، وتدعم أبوظبي كلا من أرض الصومال وإثيوبيا، .. ".


وألمحت إلى دعم إماراتي كبير لأديس أبابا مؤكدة أن "الإمارات تخطط لبناء خطوط أنابيب نفط بين ميناء عصب الإريتري وأديس أبابا، .. ".

ولفتت إلى أنه "في حين كانت مصر والسودان تتمتعان بالنفوذ في السابق، أصبحت الإمارات الآن صاحبة النفوذ الأكبر، .. ".

وأوضحت المجلة أن "السعودية أيضا تدعم إثيوبيا، سواء في نزاعها مع مصر حول سد النهضة، أو في الاعتراف بجمهورية أرض الصومال".

وقالت إن "الرياض وأديس أبابا اتفقتا على تعزيز العلاقات الثنائية في آذار/ مارس، ووقعتا في حزيران/ يونيو الماضي، اتفاقا لإنشاء مجلس أعمال سعودي إثيوبي مشترك والتعاون في الاستثمارات في إثيوبيا، بمجالات الصناعة والزراعة والطاقة".

وتحدثت المجلة عن دور كيان الاحتلال في إفريقيا بمواجهة مصالح مصر، قائلة: "توفر إسرائيل الأمن والتدريب العسكري وإدارة الموانئ والتكنولوجيا في جميع أنحاء القارة، ومع التحالف المتنامي بينهما بعد تطبيع العلاقات في سنة 2020، من المتوقع أن تشكل الإمارات وإسرائيل شراكة خاصة في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل".


كما لفتت إلى التدخل الإماراتي في السودان بما يخالف توجهات مصر نحو دعم الجيش السوداني والفائدة التي تعود على أبوظبي، مؤكدة أن "قوات الدعم السريع السودانية بقيادة حميدتي كسبت الملايين من خلال السيطرة على مناجم الذهب، وإرسال مرتزقة للقتال لصالح التحالف السعودي الإماراتي في اليمن".

"اختفى بفعل فاعل"
وفي تعليقه، على أسباب إغفال الإمارات والسعودية مصالح حليفتهم وشقيقتهم الكبرى مصر وإعلاء مصلحتيهما في القارة الإفريقية والتحالف مع إثيوبيا ودعمها ماليا وسياسيا واقتصاديا، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، إن "الدور المصري اختفى بفعل فاعل".

المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، أضاف لـ"عربي21": "أعتقد أن شرط دعم الجنرالات للبقاء في السلطة هو التخلي عن ما يسمى بالدور والزعامة المصرية".

"والتخلي حتى عن الدور المصري في فلسطين، والتخلي عن مياه النيل وهذا حدث، وأيضا عدم منازعة إثيوبيا التي تعد مركزا رئيسا في القارة بالنسبة للعلاقات مع السعودية والإمارات".

"المندوب السامي"
زوبع، أشار إلى أن "هناك تعبير خليجي شهير بكلمة (ولدنا) عندما يقول إن فلان هذا ولدنا، كما قال رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، عن المذيع المصري عمرو أديب: (هذا صار ولدنا)، ما يعني أنه تحت سمعنا وبصرنا ورهن إشارتنا".


وأكد أن "هذا أمر في غاية الأهمية"، مبينا أن "الحكم في مصر صار ولدهم"، مضيفا: "ولو رأيت منظر الجنرال (السيسي) وهو يسير مع رئيس الإمارات محمد بن زايد في مدينة العلمين الجديدة نهاية الشهر الماضي، وهو يقدمه خلال دورة للكرة ويقول: (نشكره لأنه سمح لنا من وقته)، يتأكد لنا أن ابن زايد، بالفعل صار المندوب السامي صاحب الرأي والمشورة والقرار".

وفي استكمال رؤيته، يعتقد زوبع، أنه "لدينا عاصمتين يمكن تسميتهم بـ(تل أبيب)، الأولى في فلسطين المحتلة، والثانية في أبوظبي، وكلتاهما متماهيتان ولديهما عداء للإسلام وعداء للعروبة ورغبة شديدة في أن يكونا دولا استعمارية".

ولفت إلى حديث إعلامي لرئيسة "مركز الإمارات للسياسات" ابتسام الكتبي، وهي تقول: "كنا نعتمد على أمريكا في السابق، ولكن الحين لدينا عضلات"، مؤكدا أن "العضلات ليس تفسيرها المال فقط، بل إنها تحدثت عن السلاح والقوة العسكرية وما إلى ذلك".

وألمح أيضا إلى "قولها إن (الكل صار يحج عندنا)"، مبينا أن "هذا يعني أن الإمارات أصبحت قبلة لكل الدول، وكأنها دولة عظمى تنشر ظلها على الدول"، مشيرا إلى "قولها في موضوع السودان: (السودانيين زعلانين من الامارات، وما عندنا مشكلة مع السودان، لأنه لدينا استثمارات ومن حقنا حمايتها)، ما يعني أن استخدام القوة العسكرية ودخول البلاد، لحماية الاستثمارات".


"دعم واضح جلي.. ونهاية مأساوية"
وعن الصدام مع إثيوبيا، وتدخل الإمارات والسعودية، قال السياسي المصري: "في تصوري أن السيسي وقع اتفاقية مبادئ السد الإثيوبي عام 2015، بضغط من الإمارات، وبدأ يعض أصابع الندم الآن، والكل حزين على ضياع مياه النيل، ولأنه ليس لدينا برلمان (حر) فلا أحد يستطيع أن يحاسبه، وحتى عندما أرسل قوات إلى الصومال، هددته إثيوبيا".

وأكد أن "الجميع يرى الدعم الإماراتي لإثيوبيا واضح جلي، وكذلك الدعم السعودي، ومع ذلك أعتقد أنه قد يحدث تصادم بينهما في إفريقيا كما يحدث في أماكن أخرى، ولكنه مستقبلا سيحدث تصادم على النفوذ".

وبين رؤيته بالقول إن "وجهة نظر السعودية أن الإمارات دولة وظيفية يمكن أن تتفكك من خلال الإيعاز لحاكم دبي محمد بن راشد، وهذا وارد، وللسعودية أوراق".

وأضاف: "وفي الإمارات يعتقد محمد بن زايد، أن لديه القدرة على تفتيت السعودية، وأن محمد بن سلمان صنيعته، وأنه ولده الذي لم ينجبه، وبالتالي عليه أن يسمع الكلام ويمضي قدما في تنفيذ الخطة التي وضعها بن زايد".


ومضى يؤكد أن "مصر انتهت في إفريقيا نهاية مأساوية بوصول الانقلاب للسلطة عام 2013، وانتهت أكثر بتوقيع اتفاقية السد الإثيوبي 2015، والتي حاول فيها النظام أن يبين أنه جنتلمان يحافظ على إثيوبيا، وهو يعلم تماما أن هذه هي نهاية مصر".

ويعتقد السياسي المصري، أن "مصر لم يعد لديها طريق غير أنها تتحالف مع تركيا، ولكن أيضا لتركيا مصالح مع الإمارات والسعودية، والإمارات ليست سهلة ولا بسيطة في هذه المسألة، فهي تتحرك وفق قاعدة الشراء، بشراء كل ما يمكن شراؤه في توقيتات مختلفة، وفي أوقات الأزمات، لأنهم تجار أزمات من الطراز الأول مثل لوردات الحروب".

"غريب في بيتي"
وخلص للقول: "وبالتالي السؤال عن دور الإمارات والسعودية المعاكس لمصر في إفريقيا موضوع تم طرحه وقلناه ونقوله منذ 2013 و2014، وأكدنا منذ ذلك الحين أنه مطلوب تقزيم مصر، وتحجيم دورها، وغسل يديها من أفريقيا ومن فلسطين وإبقائها دائما على الحافة، لا تسقط ولا تتقدم".

وتساءل: "ماذا تفعل مصر اليوم إذا قررت الإمارات أن تشتغل على الموانئ في صوماليلاند؟، هل تحارب هناك؟، ولكن حتى هذا محل شك، وسمعنا التصريحات الأخيرة من مقديشيو، بأنه ليس لدينا قوات بالصومال، وأن هذه قوات لتدريب الجيش الصومالي".

وأعرب عن أسفه الشديد من اعتقاده بأن "مصر انتهت، وآسف لقول هذا الكلام، لأن ما يحدث لم يحدث بأي وقت من الأوقات، بل إن مصر كانت هي من تصنع الزعماء الأفارقة، فالقادة وزعماء القبائل كانوا يرسلون أبناءهم للقاهرة لكي يتعلموا".


وختم قائلا: "واليوم قُطعت يد وقدم مصر، وحتى بعض المواقع الاستراتيجية تمت السيطرة عليها، والقمح تزرعه الإمارات في مصر ونستورده منها رغم أنه منزرع بأراضينا، والسكر كذلك، والموانيء أيضا، ويمكن القول إن عنوان المرحلة: (غريب في بيتي)، فما بلك في إفريقيا".

"لهذا يتجاهلون مصالح مصر"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري، سمير عليش، إن "التوافق أو التحالف الإماراتي الإسرائيلي بشكل خاص في إطار ما أطلقوا عليه (الديانة الإبراهيمية) يدفع أبو ظبي لتنفيذ كافة مخططات إسرائيل المتحالفة مع إثيوبيا، لإضعاف مصر عبر التحكم بمياه النيل".

وعن السعودية أضاف عضو مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية المصرية، في حديثه لـ"عربي21" أن "دورها يأتي في إطار مصالحها الخاصة باستزراع الأراضي عبر بعض السعوديين من ذوي الأصول الإثيوبية فضلا عن ارتباطها الوثيق بأمريكا والصهيونية".

وأوضح أنه "بسبب حاجة الرياض الماسة للحماية من الخطر الشيعي الداخلي حيث أن مناطق البترول يقطنها سعوديون يعتنقون المذهب الشيعي، والخطر الخارجي المتمثل في إيران، يجعلان سياستها تتجه للدخول في حلف مع إسرائيل، الداعمة لإثيوبيا، وعدم الاكتراث بإضعاف مصر، بل إن ذلك سيمكنها من تبوأ مكانة مصر".


المتحدث الرسمي السابق باسم "الجبهة الوطنية للتغيير"، ختم بالقول: "ولقد تأخر الإعلان عن هذا التحالف السعودي الإسرائيلي مع (طوفان الأقصى)".

"لا يهمهم غضب مصر"
وفي تقديره، قال الكاتب الصحفي قطب العربي، إن "ما فعلته الإمارات والسعودية في إفريقيا وخاصة إثيوبيا ليس بالضرورة موجه ضد مصر، ولكنه حفاظ على مصالحهم بأديس أبابا، فكما لهم في القاهرة لديهم استثمارات وعلاقات تجارية، ويدركون أن إثيوبيا مفتاح مهم للقارة كونها تحتضن الاتحاد الإفريقي ودولة مؤثرة بالقارة كمصر، التي أصبحت مؤخرا أقل تأثيرا".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يتصور العربي، أنهم "يبحثون عن مصالحهم الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية ولا يهمهم رضا أو غضب مصر، وهذا معيارهم، ولا يهم أن ترضى أو ترفض مصر لأنها لا تملك شيئا، ولو أرادت أن تعترض عليهم فلديهم سلاح الاستثمارات التي يمكنهم سحبها".

وأضاف: لو نتحدث بلغة الرابطة القومية والعربية واتفاقيات الدفاع المشترك، فكل هذه المعاني والمصطلحات والسياسات سقطت من حسابات تلك الدول، ومن حسابات مصر وجميع الدول العربية، والكل يبحث عن مصلحته أينما كانت ولا يهمه غضب الآخرين".

"ضد المصريين"
وعبر صفحته بموقع "إكس"، كتب الباحث في الشؤون العسكرية محمود جمال، إن "منطقة القرن الإفريقي هي منطقة ذو أبعاد استراتيجية للأمن القومي المصري، وتعد دائرة أمن قومي مصري أساسية، وكان ينبغي أن تكون هناك تحركات مصرية جادة في تلك المنطقة منذ سنوات نظرا لتأثير تلك المناطق على الأمن المصري، أهملت مصر تلك المناطق وأصبحت ملعب لأطراف بعضها تكن العدواة لمصر".


وعبر مواقع التواصل الاجتماعي علق بعض النشطاء والمراقبين على تقرير المجلة الأمريكية مؤكدين أن دور الإمارات بخاصة والسعودية في دعم إثيوبيا "إذا كان يتعارض مع مصالح مصر لكن ليس بالضرورة يتعارض مع مصالح من يقود مصر".

وقال آخرون إن "التحالف واضح، بين إسرائيل وحكام الإمارات، والسعودية، ومصر، ضد الشعب المصري، والشعوب المسلمة بصفة عامة"، مشيرين إلى أن "المصريين استندوا منذ العام 2013، على قوى حاقدة على مصر وكارهة لها".

"الإمارات وإثيوبيا.. دعم كبير وخطط واسعة"
تاريخ حديث في العلاقات منذ العام 2004، ثم افتتاح السفارة الإثيوبية في أبوظبي عام 2014، منذ ذلك الحين تطورت العلاقات وعُقدت عشرات الاتفاقيات الاستراتيجية بمجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة، والنقل الجوي والطاقة المتجددة والزراعة والثروة الحيوانية، والعمالة، والتعدين والصناعة، والموانئ والخدمات اللوجستية والبنية التحتية، بحسب رصد وكالة "وام" الإماراتية في آب/ أغسطس 2023.

وصل إجمالي المساعدات الإماراتية إلى إثيوبيا 5.05 مليار دولار، وشكلت المساعدات التنموية منها 89 بالمئة، فيما تعد أبوظبي ثاني أكبر شريك تجاري لأديس أبابا، بحجم تجارة غير نفطية 1.4 مليار دولار عام 2022، وبإجمالي استثمارات 2.9 مليار دولار.

وإلى جانب مشاركة ابن زايد، في صنع عملية السلام الإثيوبية الإريترية عام 2018، فقد زار أديس أبابا في 18 آب/ أغسطس 2023، بعد زيارته لها عام 2019، بصفته وليا للعهد.

في أيلول/ سبتمبر 2023، تحدث تقرير لـ"مركز القرن الإفريقي للأبحاث"، عن دور الإمارات في إثيوبيا، قائلا: "لا يقف الطموح الإماراتي على أعتاب شرق إفريقيا، بل يصل إلى العمق الإفريقي، فمن إثيوبيا يمكن للإمارات الوصول إلى السودان، وجنوب السودان، وتشاد، وأفريقيا الوسطي، والكونغو ... ".


وأضاف: "من وقت مبكر تدير الإمارات مع إثيوبيا، امتلاك زمام ملف مياه النيل، بغية التأثير على القرار المصري في كثير من القضايا، لذا أسهمت الإمارات في تمويل سد النهضة الإثيوبي منذ إنشائه، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة".

وتابع: "وعلى الرغم من مساعي الإمارات المعلنة، نحو التقريب بين إثيوبيا ومصر، عبر الحث على عقد جولات جديدة من المفاوضات، إلا أن مؤشرات قوية تنبئ بأن الإمارات غير راغبة – على الحقيقة – في تلبية مطالب مصر العادلة".

وأشار التقرير إلى أنه "ليس من المتصور منطقيا، أن من كان جزءا من المشكلة، يمكن أن يكون جزءا من الحل، والإمارات أسهمت بجانب كبير في صناعة معضلة سد النهضة"، ملمحا إلى أن الاتفاقيات الأمنية الإماراتية الإثيوبية تهدف لـ"تقديم دعم استخباراتي ولوجستي عسكري، لحماية الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا، وبخاصة الاستثمارات الكبيرة ذات الصلة بسد النهضة".

"السعودية وإثيوبيا وتلاقي الرغبات"
رغم أن التجارة بين السعودية وإثيوبيا أقل بكثير من الإمارات إذ تبلغ نحو 1.3 مليار ريال سعودي (346 مليون دولار أمريكي)، فقط إلا أنها من المقرر أن تتضاعف خاصة مع تأسيس مجلس أعمال جديد في 28 آب/ أغسطس الماضي يركز على الزراعة والتعدين والبتروكيماويات والصناعات الغذائية والسياحة والعقارات والبناء بحسب وكالة (إينا) عربي الإثيوبية.

ووفق تقرير لـ"منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام"، في 13 تموز/ يوليو الماضي، قال إن علاقات السعودية وإثيوبيا "تلتقي برغبة الرياض وأديس أبابا في حلحلة الأوضاع في إقليم البحر الأحمر وحوض النيل لصالح مكانة أكبر لهما سواء على حساب دول كبيرة ومصالحها وأمنها القومي (عبر شغل فراغ تلك الدول الملحوظ) أم على عبر استغلال أزمات سياسية وأمنية متفاقمة في دول أخرى (وتنسيق العمل بينهما في جميع هذه الملفات على نحو بات واضحا للعيان كما في الأزمة السودانية وفي تهديد مصالح مصر في البحر الأحمر ونهر النيل، وتهديد سيادة الصومال على أراضيه)".


وأضاف: يمثل التقارب السعودي- الإثيوبي المتزايد، على حساب مقتضيات ما يعرف بنظام الأمن القومي العربي لاسيما لدولتي مصب نهر النيل السودان ومصر، تجسيدا لتعاظم الفرص والتهديدات المشتركة بين البلدين من عدة نواح".

مقالات مشابهة

  • الإدارية العليا: قِصر اتخاذ إجراءات إزالة البناء المخالف على وظيفة المهندس فقط يزيد انتشارها
  • محكمة الاتحاد الأوروبي تلغي غرامة “المفوضية” البالغة 1.5 مليار يورو ضد غوغل
  • بعد نجاح فيلم ماريو.. لعبة ذي سيمز في طريقها إلى السينما
  • فنلندا تستعد لرئاسة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي
  • غوغل تفوز بدعوى إلغاء غرامة مكافحة الاحتكار بقيمة 1.49 مليار يورو في محكمة الاتحاد الأوروبي
  • تقرير دولي يحذر من ضعف الديمقراطية في أوروبا
  • بمشاركة عربية.. يوفنتوس يبدأ مشواره الأوروبي بفوز على آيندهوفن
  • رئيس وزراء إيطاليا السابق يحذر: "أخشى أن نصبح فقراء وخاضعين للآخرين"
  • الاحتجاجات لن توصل الى نتيجة مصدر اقتصادي يحذر
  • نفوذ خليجي في القارة السمراء.. كيف أعاق حلفاء السيسي مصالح مصر؟